الذكرى العشرون لـ"زقاق الموت".. كبرى عمليات المقاومة في الضفة

الساعة 07:53 ص|15 نوفمبر 2022

فلسطين اليوم

الموتُ يأتي بغتةً في الزُقاقِ، والوقتُ سيفٌ يُدقُ على الأعناقِ، لا وقت للموت، إن حان القصاص بالدم والرصاص. الجنود ينظرون، صرعى يتساقطون، كورق في يوم عاصفٍ صنعته الخليل بثلاثة أقمار أضاءت ليلنا الطويل.

الشهداء: ولاء سرور، ذياب المحتسب، أكرم الهنيني، أعادوا للوطن ترابه، وللمجد أصحابه، وللقدس محرابه، ولشهر الانتصارات سيرته الأولى. ثلاثة تخرجوا من الخيار الأمل، لم يذهبوا إلى الكليات الحربية، لكنهم باتوا مدرسة في فن القتال.

إنه ثأر إياد، ثأرٌ يليق بالرجال، إنه زمن الوعد والعهد المستعال، رأس لوائنا برأس لوائهم، وليس كل الرؤوس سواء. الأمين الفقيد، يعلن العيد، والعقل المدبر يحصي عدد القتلى، إنه الاشتباك الأكبر في أرض الجنوب، التي أصبحت علماً على كل جنوب.

سيرة الأيدي الضاربة:

الاستشهادي المهندس: أكرم عبد المحسن الهنيني

كان ميلاده الجميل في مدينة الخليل في 23 سبتمبر/ أيلول 1982م، لعائلة مجاهدة، وترتيبه الخامس وسط إخوته وأخواته الستة. ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة البوليتكنك عقب تفوقه في الثانوية العامة.

عُرف عنه الاطلاع وسعة الثقافة وقراءة الكتب، ذلك المستوى الذي أهله للانضمام إلى الإطار الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في أنشطتها، ثم انضم لسرايا القدس الجناح العسكري مجاهداً واستشهادياً فذاً.

الاستشهادي المهندس: ولاء هاشم سرور

كان مجيئه البهي في 6 فبراير/ شباط 1983م، في منطقة عين سارة بمحافظة الخليل، لعائلة صابرة كان ترتيبه الثالث وسط إخوانه الثمانية. ثم التحق بكلية الهندسة في جامعة البوليتكنك بعد تفوقه في الثانوية العامة.

ظهر فارسنا منذ طفولته مميزاً ومؤدباً، وأصبح من الملتزمين في المسجد والمداومة على قراءة القراَن والاستماع إلى المحاضرات الدعوية، ما أهله لاختيار حركة الجهاد الإسلامي مجاهداً في صفوفها ومؤمناً بطريقها الأصوب.

الاستشهادي المجاهد: ذياب محمد المحتسب

كان حضوره المبارك قرب الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بتاريخ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1980م، لعائلة كريمة مكونة من أربعة أبناء.

تميّز بأنه مؤمن قوي، ذو بنية رياضية، فقد تدرب على رفع الأثقال ولعبة الكاراتيه، كما كان قناصاً بارعاً، الأمر الذي أهلَّه للانضمام إلى حركة الجهاد الإسلامي والانتماء لفكرها الجهادي، والمشاركة في واجب الدفاع عن شعبنا.

مع اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة برز نشاط فارسنا في صفوف سرايا القدس، حيث تعرض لمحنة الاعتقال السياسي في سجون الأمن الوقائي في الخليل وأمضى ما يقارب شهرين برفقة عدد من المعتقلين السياسيين.

تفاصيل المعجزة:

عند الساعة السادسة والنصف مساءً، انتشر المجاهدون الثلاثة في منطقة العملية وأصبح جميعهم مشرفين تماماً على الزقاق الذي يمر فيه المستوطنون على بعد ثلاثمائة متر من بوابة مستوطنة كريات أربع.

قام أحد المجاهدين بنصب كمين في نقطة تطل على موقع عسكري صهيوني يقوم على الجهة الأخرى من الطريق، واتخذ المجاهدان الآخران موقعيهما على بعد عشرين متراً بموازاته، ولكن في منطقة أعلى وعلى بيت يبتعد قليلاً عن الطريق ويشرف عليه.

استمر الاشتباك حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، واستشهد المجاهدون الثلاثة، حينها أدرك العدو أن ثلاثة مجاهدين فقط قاتلوا قواته الكبيرة والمعززة بمختلف الأسلحة على الأرض والجو، الأمر الذي ألحق بجيش الاحتلال هزيمة كبيرة في عقر الاستيطان وأعمق مناطقه الأمنية.

لقد هدف المجاهدون إلى استدراج قوات الجيش من المعسكر القريب في الطريق المؤدية من الخليل إلى مستوطنة (كريات أربع)، حيث اختار المجاهدون البدء أولاً بإطلاق النار على مسيرة اعتيادية استفزازية لمجموعة من المستوطنين، لتنطلق قوات الإسناد من معسكر الجيش للمنطقة المستهدفة، ومباغتتها قبل أن تكون متأهبة، والهجوم عليها من اللحظات الأولى لوصولها.

وعند وصول التعزيزات، سرعان ما تمددت الاشتباكات نحو قوات الإسناد، واستهدفها المجاهدون بالقنابل اليدوية وأسلحتهم الرشاشة من مسافة صفر، مُوقِعِين بهم في كمين محكم.

وأكدت الناطقة باسم جيش العدو عقب العملية أن الهجوم لم يكن يستهدف المصلين العائدين من الحرم الإبراهيمي أساساً، وإنّما العسكريين المرافقين لهم.

وأفادت أن خمسة مما يسمى "حرس الحدود" وأربعة جنود هم من بين القتلى ومن بينهم قائد الجيش في منطقة الخليل العقيد "درور فاينبرغ" (38 عاماً) وهو الضابط الأعلى رتبة الذي يقتل خلال انتفاضة الأقصى.

إعلان وانتصار:

أعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مسؤوليتها الكاملة عن تلك العملية منذ اللحظات الأولى وقبل انتهاء المعركة على لسان أمينها العام الراحل الدكتور رمضان شلح عبر قناة الجزيرة الفضائية، معلناً أن أبناء السرايا الأبطال مستمرين في خوض الاشتباك مع قوات الاحتلال.

كما أكد الدكتور الراحل رمضان شلح في حديث عبر الهاتف مع محطة المنار الفضائية في حينه، قائلاً: "الرسالة واضحة والعملية تستهدف الجيش والمستوطنين بالتحديد وهي تقول أنه طالما هناك احتلال واستيطان وعدوان متواصل على الشعب الفلسطيني فالمقاومة مستمرة بكل الوسائل والأشكال وفي كل مكان وهذه المقاومة مشروعة ولا يستطيع أحد في العالم أن يناقش مشروعيتها".

وأضاف الدكتور الراحل "لقد أثبتت حركة الجهاد الاسلامي ومجاهدوها الابطال قدرة المقاومة على تطوير نفسها وعلى مفاجأة العدو في المكان والزمان والأسلوب، وأن العدو عندما يغتال قائداً أو كادراً هنا أو هناك فهو لا يستطيع أن ينهي مشروع المقاومة لأنه مشروع شعب بأكمله ومشروع أمة بأكملها".

كلمات دلالية