خبر لنضربهم من خلال نفطهم..يديعوت

الساعة 09:14 ص|15 مايو 2009

بقلم: رونين بيرغمان

  البشارة الطيبة هي ان لاسرائيل والولايات المتحدة في السنوات السبع الاخيرة معلومات استخبارية فائقة حول ما يحدث في عدة مناطق مثيرة للاشكال في الشرق الاوسط. البشارة الاقل جودة هي ان قليلا جدا قد تغير رغم المعلومات التي تم الحصول عليها. رغم التغلغل العميق الذي تمكن منه الغرب في اهداف مثل سوريا وايران ولبنان وحزب الله وحماس، الا ان الصورة ما زالت سوداء.

 

      في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الايراني، خلاصة القول تقول ان مساعي الغرب التي تبذل للتصدي للمشروع النووي الايراني قد فشلت، وان الايرانيين يندفعون مهرولين في طريقهم نحو القنبلة النووية. محاولات اسرائيل لتحذير في اوروبا من انها ستهاجم ايران من اجل دفع دول القارة للتحرك لم تنجح. اسرائيل تعرف ايضا انه لا توجد احتمالية للحصول على ضوء اخضر من الولايات المتحدة لشن العملية. مسؤولون بارزون هنا يعتقدون ان من الواجب رغم ذلك القيام بالتحضيرات للهجوم ولكن في الغرب يجربون شيئا اخر: التسبب باصابة بليغة للانتاج البترولي الايراني الامر الذي يقود الى ابطاء هام وملموس للاقتصاد الايراني الذي يعاني اصلا من ازمة عميقة اثر انخفاض اسعار البنزين. الامل هو ان توجيه ضربات كهذه سيقود طهران الى الاستنتاج بان مشروعها النووي يكلفها ثمنا باهظا جدا.

 

      من المتوقع ان تطرح هذه المسألة في لقاء رئيس الولايات المتحدة براك اوباما ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاسبوع القادم في واشنطن. في هذه القضية اسرائيل تلائم خطها مع دول اوروبية مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا (ديوان المستشار الالماني وليست وزارة الخارجية التي تميل لنهج تسووي)، التي تتبع نهجا متطرفا، ومصر طبعا. خلال المباحثات التي جرت في الاسبوع الماضي في واشنطن وخلال المعلومات التي حصل عليها وزير الدفاع روبرت غيتس من مسؤولين مصريين، حذرت الولايات المتحدة من الشروع في مفاوضات مع ايران ومع سوريا. "هاتان الدولتان لم تتغيرا ولم تتبعا اية خطوة يجدر ان ترد عليها امريكا بلفتة منها" قال المسؤولون. في الشهر القادم سيصل اوباما الى القاهرة وهناك سيسمع امورا مشابهة. من يسمع اعوان عمر سليمان رئيس الاستخبارات المصري وهم يتحدثون اليوم عن ايران قد يشعر بالبلبلة ويعتقد انه يصغي لليبرمان.

 

      البروفيسور المشتت

 

      في الاستخبارات الاسرائيلية ان العام القادم سيكون حاسما بالنسبة لمصير الذرة الايرانية. الايرانيون اداروا مشروعا نوويا واحدا حتى ما قبل ست سنوات تحت مظلة الوكالة الايرانية للطاقة النووية حيث كانت اجزاء كبيرة منه قد اخفيت عن اعين المفتشين الدوليين. في عام 2003 كشف النقاب عن المنشأة المركزية في نتاناز  الامر الذي اربكهم كثيرا واوشك على فرض عقوبات عليهم من قبل الامم المتحدة. منذ تلك اللحظة قاموا بتغيير كبير جوهره يقوم على الفصل بين الجزء المكشوف من المشروع الذي يدعون من خلاله ان كل ما يريدونه هو انتاج الطاقة والذي يعمل تحت اشراف وكالة الطاقة النووية وبين الجزء السري الذي يطورون من خلاله رؤوسا حربية وتكنولوجيا تمكنهم من تخصيب اليورانيوم.

 

      الامر الصحيح في هذه اللحظة هو ان ايران نجحت في حل اغلبية مشاكل تخصيب اليورانيوم التي واجهتها في السنوات الاخيرة. اجهزة الطرد المركزية تعمل وتخصب اليورانيوم بدرجة منخفضة والتي ان لم تكف لانتاج القنبلة النووية بعد الا انها مرحلة متقدمة. ايران تعتبر من الان "دولة الانقضاض النووي"، دولة تستطيع خلال فترة قصيرة نسبيا تغذية اليورانيوم المخصب بدرجة منخفضة (4 في المائة) في اجهزة الطرد المركزية وتخصيبه بدرجة اعلى عسكريا (93 في المائة).

 

      التقديرات الحديثة تشير الى ان ايران ستمتلك في صيف 2009 كميات يورانيوم كافية للقنبلة نووية واحدة او اثنتين. في هذه النقطة الزمنية يبدو انها تحتاج لعام اخر حتى تمتلك القنبلة الاولى. وفقا للمعلومات المستحدثة ايران تقوم بالبحث الموازي في العناصر المختلفة للقنبلة بما يتجاوز انتاج اللباب. في هذا السياق تتحدث الجهات الاستخبارية في الغرب عن "البروفيسور المشتت" : البروفيسور محسن فخري زادا عالم الذرة الايراني المطلوب في هذه الايام للقاء مساءلة مع مفتشي الامم المتحدة. هؤلاء يشتبهون في انه مرتبط بنشاطات "مجموعة السلاح" المسؤولة عن تطوير اجهزة الانفجار النووي.

 

      البروفيسور فخري زادا قضى اغلبية عمله الاكاديمي في جامعة الامام حسين التي خرج منها كثيرون اخرون انخرطوا في المشاريع العلمية العسكرية الايرانية وفي حرس الثورة. احدهم فاريدون عباسي داباني موجود في قائمة الاشخاص المحكوم عليهم وفقا لقرار مجلس الامن 1747 الصادرة في 2007 بمقاطعة الاسرة الدولية، والتي يحذر الاتصال بها باي شكل من الاشكال. المسؤول المباشر عن فخري زادا هو مدير القسم 105 في وزارة الدفاع الايراني الدكتور مجيد عبسفور، رجل الارتباط الايراني مع ناحوم منبر: وفقا لقرار الحكم الصادر ضد منبر، هو الذي استلم منه المواد والمعلومات لانتاج السلاح الكيماوي.

 

      خريج زادة يعمل في السياق في موقع التجارب في برتشين المجاور لطهران. في هذا الموقع "مشروع السلاح" حيث يطور الايرانيون "العدسة المتفجرة" – هذا الجهاز الذي سيحول لباب القنبلة  الى كتلة حاسمة ويبدأ ردود الفعل التسلسلة التي تقود الى الانفجار النووي.

 

      وفقا للمعلومات الاستخبارية الاتية من الغرب، في برتشين تجري تجارب لتشغيل متزامن للمواد الناسفة العادية شديدة القوة. من اجل الشروع بالرد الفعل التسلسلي يتوجب تفجير سلسلة عبوات حول لب القنبلة.

 

      الانفجار يجب ان يكون بالضبط في نفس جزيء الثانية من اجل "دفع" كتلة اللب نحو الداخل وهذه ليست بعملية بسيطة. مفتشو وكالة الطاقة النووية حاولوا عدة مرات الدخول للموقع وفي كل مرة تم صدهم من قبل الاستخبارات الايرانية وتقييد تحركاتهم.

 

      بوليصة خطيرة

 

      اعلان اوباما عن الشروع بالحوار مع ايران ضبط اسرائيل في وضعية غير جاهزة. الامر الصحيح الان ان اسرائيل لا تمتلك استراتيجية في ظل التغير في السياسة الخارجية الامريكية. ولكن في الوقت الذي ما زالت فيه البلاد تجري نقاشات حول دعم الحوار وعدم دعمه، الامريكيون قد شرعوا فيه من الان. اسرائيل علمت من مصادر مختلفة بان الحوار بين الجانبين قد بدأ في مسارات سرية: امريكيون وايرانيون التقوا في زيورخ وباريس من اجل اعداد الارض للبدء في المحادثات الرسمية.

 

      مشكلة اسرائيل ليس ما يحدث ان فشل الحوار الامريكي الايراني، وانما ما الذي سيحدث ان نجح. في اسرائيل يخشون من اوباما سيوافق على تسوية يمكن لايران من خلالها ان تواصل تخصيب اليورانيوم بدرجة منخفضة، ولكنها توافق على ترتيبات امنية مشددة مثل وضع عدسة كاميرا تابعة للامم المتحدة وزيارات كثيرة من قبل المفتشين. هذه تعتبر كارثة بالنسبة لاسرائيل: اسرائيل واثقة من ان ايران ستعرف كيف تتبع لنفسها مسارا عسكريا سريا تواصل من خلاله طريقها نحو القنبلة. في الدولة السابعة عشرة من حيث الحجم في العالم يمكن اخفاء الكثير من الامور.

 

      في الاسابيع الاخيرة ولدت مبادرة من اطراف امريكية من بينها اعضاء كونغرس لضرب الايرانيين من خلال جيوبهم وعلى وجه الدقة من خلال اجهزة الاستخراج.

 

      في الماضي حاولت اسرائيل التأثير على السلوك الاقتصادي الامريكي مع ايران وكان لنتنياهو نجاح كبير في السنوات الخمسة الاخيرة: نتنياهو اقنع صناديق التقاعد العمالية بمقاطعة الشركات ذات الصلة مع ايران. هذه الشركات الضخمة صرحت بانها لن تستثمر اموالها في مؤسسات مالية ذات صلة باي شكل مع ايران وردا على ذلك اصيبت شركات وبنوك كثيرة بالفزع وقطعت صلتها مع الجمهورية الاسلامية فورا.

 

      في محادثة معي في اواخر 2007 قال نتنياهو: "بان من الواجب الاستعداد لامكانية فشلنا ونجاح ايران بالتزود في القنبلة. في مواجهة المجانين يتوجب اتباع نهج ردعي مطلق بما في ذلك القدرة على الرد من خلال الهجوم. يجب ان يفهم المجانين انهم ان رفعوا يدهم في وجهنا فسنضربهم بصورة تفقدهم كل رغبة بالتحرك ضدنا"

 

      منذ عام 1996 صرحت الولايات المتحدة بان كل شركة تستثمر اكثر من 20 مليون في مساعدة الانتاج النفطي الايراني من خلال التكنولوجيا او المنشآت قد تدخل في قائمة الشركات التي تحظر الادارة الامريكية اية صلة معها. شركات كبيرة مثل بي. في. واكسن فهمت الرمز وفرت من ايران. بسبب العقوبات الامريكية وفرار الشركات فشلت ايران في اصلاح جزء من منشآت التكرير فيها وبناء مصاف جديدة. وهكذا يحدث انه رغم ان ايران كاحدى اكبر مصدري النفط في العالم الا انها لا تصدر لترا واحدا من النفط المكرر وانما تصدر النفط الخام فقط الامر الذي يرفع التكلفة ويخفض المداخيل. كما انها لا تنجح في امتداد نفسها بالوقود حيث تستورد 40 في المائة من وقودها من الخارج. يخرج منها النفط الخام ويعود اليها وقودا مقطرا بوساطة 6 شركات اوروبية وواحدة هندية تحصل على ارباح هائلة. الفكرة الاساسية في الخطوة الجديدة هي التأكد من ان كل شركة تصدر النفط المكرر لايران تعرف ان عليها ان تختار اما اقتصاد النفط الامريكي او الانتاج الايراني. اما هذا او ذاك.

 

      احدى المسائل الوحيدة التي اخرجت الايرانيين في مظاهرات خلال السنوات الخمس الاخيرة كانت ارتفاع اسعار الوقود اثر تقليص الدعم الحكومة بسبب النقص في المصافي العاملة. في شهر شباط الماضي خرجت الجماهير للشوارع في المدن الرئيسية في مظاهرات عنيفة بعد ان اعلن نجاد عن رفع الاسعار. الشرطة سيطرت على المتظاهرين بصعوبة. هدف الخطوة الجديدة هو اذا التسبب بالهرج والهيجان الاجتماعي.

 

      اسرائيل تدين بالامتنان عن تحريك المشروع لجمعية حماية الديمقراطيات وهو مركز ابحاث غير حزبي في واشنطن اقامته جين كريباترك سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة سابقا. المعهد برئاسة مارك دوفوفيتش قام في العامين الاخيرين بابحاث شاملة حول انتاج النفط الايراني اتضح منه مستوى الضرر الذي يمكن ان يلحق بايران من خلال هذه المسألة. تحركات دوفوفيتش وطاقمه ادت في الاسابيع الاخيرة الى ثلاثة نتائج هامة. اولها يرتبط بقرار ادارة الولايات المتحدة بوضع ضمانات لاستثمار شركة امريكية بترميم المصفاة الاكبر في العالم في الهند. من دون هذه الضمانات البالغة 900 مليون دولار لم يكن بامكان الشركة ان تحصل على القرض لانجاح مشروعها. الا ان جمعية حماية الديمقراطيات كشفت ان ارساليات هائلة تخرج من هذه المصفاة لايران والولايات المتحدة تشترط اليوم اعطاء الضمانات لايقاف هذه الارساليات.

 

      كما ان المعهد كشف ان احدى الشركات الاوروبية التي تمد ايران بالبنزين ترتبط بعقود ضخمة مع الولايات المتحدة بصدد تعبئة احتياطها من الوقود في ساعات الطوارىء. هذه العقود هامة جدا للشركة. تلك الشركة ادينت في الماضي في محكمة امريكية باعطاء رشوة لمسؤولين عراقيين كجزء من فضيحة "الوقود مقابل الغذاء". دوفوفيتش يقول عن ذلك: "انا لا افهم لماذا يتوجب علينا ان نوقع العقود مع شركة تساعد ايران وادينت ايضا في المحكمة".

 

      انجاز اخر وهام جدا هو اقتراحا قانون قدم مؤخرا للكونغرس على يدي ديمقراطيين كبار. وفقا لهذين الاقتراحان كل شركة تمد ايران بالنفط المكرر تتعرض للعقوبات الامريكية الفورية ولا يعود بامكانها ان تبيع منتوجاتها فيها. لقسم كبير من هذه الشركات ثروات بعشرات المليارات من الدولارات في ارجاء الولايات المتحدة (محطات وقود ومصافي ومخازن ضخمة). منعها من الوصول الى انتاج الطاقة الامريكي قد يقود الى افلاسها. ان تمت المصادقة على هذين الاقتراحين وهناك من يعتقد ان على اسرائيل ان تدفع بالمصادقة عليها من خلال ممارسة نفوذها باكلمه في الكونغرس حتى تبدأ ايران بالشعور بصورة اكثر ملموسية بان هناك ثمنا لتمسكها بسلاح يوم الحساب.