خبر تقرير جديد: تناقضات وثغرات في سلوك الاتحاد الأوروبي إزاء الحرب على غزة

الساعة 06:51 ص|15 مايو 2009

تباينات بين مواقف الدول الأوروبية وتناقضات بين الأقوال والأفعال

الاتحاد الأوروبي كرّر خلال الحرب سياسات تشتمل على معضلات قديمة

تقرير جديد: تناقضات وثغرات في سلوك الاتحاد الأوروبي إزاء الحرب على غزة

فلسطين اليوم- وكالات

حدّد تقرير جديد معضلات وتناقضات وثغرات في سلوك الاتحاد الأوروبي ومواقفه إزاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، محذراً من أنّ استجابته جاءت بمثابة تكرار لسياسات تقوم على معضلات قديمة، وأنها جسّدت التباينات بين دول الاتحاد، علاوة على ما انطوت عليه من التناقض بين الأقوال والأفعال.

 

وقد صدر التقرير عن الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، التي تضمّ في عضويتها مؤسسات حقوقية أوروبية ومتوسطية. وقد قامت الشبكة بفحص سياسات الاتحاد الأوروبي نحو الحرب التي دامت ثلاثة وعشرين يوماً، وحللتها، وخرجت بتقريرها الذي يقع في اثنتين وتسعين صفحة، ويضمّ توصيات محددة للجانب الرسمي الأوروبي، والذي حصلت "قدس برس" على نسخة منه.

 

تكرار لسياسات تقوم على معضلات قديمة

 

ويُقدم التقرير تحليلاًً لسياسات الاتحاد الأوروبيّ نحو الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، والطريقة التي انتهجها الاتحاد في نشره لهذه السياسات قبل الحرب على غزة وبعدها. ويُظهر التحليل أنّ رد الفعل الجماعي من قبل الاتحاد الأوروبي تميّز بأنه وإلى حدّ كبير "يعكس تكرارًا للسياسات نفسها التي تتخلّلها مُعضلات قديمة تنبع من الحرص على الإجماع العامّ بين الدول الأعضاء".

 

فعلى على صعيد الدبلوماسية، ظل الاتحاد الأوروبي عديم التأثير إلى حدّ كبير، حيث دعا الاتحاد إلى وقف فوريّ ودائم لإطلاق النار، ومع ذلك فقد فشل في تحقيق هذا الهدف من خلال رفضه ممارسة الضغط على الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى عدم خوضه أية اتصالات، وبالتالي عدم قدرته على ممارسة أي تأثير على حركة "حماس".

 

كما أدان الاتحاد الأوروبي "الهجمات على المدنيين، ومنشآت الأمم المتحدة والمنشآت والطواقم والمركبات الطبية"، ومع ذلك فقد امتنع عن الدعوة إلى تحقيق دولي مستقل بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

 

وقد دعا الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى فتح المعابر الحدودية لقطاع غزة، وإلى وقف تهريب الأسلحة، غير أنه شارك في مفاوضات محدودة، اقتصرت على طبيعة وحجم المعونات الإنسانية التي سيُسمَح لها بالدخول إلى غزة.

 

أما على صعيد المعونات التي قدمها الاتحاد الأوروبي للجانب الفلسطيني، فقد اقترح الاتحاد الأوروبي تقديم معونات إنسانية بدفعات كبيرة، ولكن من دون مطالبة الجانب الإسرائيلي بأيّ تعويض عن الدمار الذي لحق بالمنشآت التي موّلها الاتحاد الأوروبي وتلك التي لا تزال قيد الإنشاء، أو بالتحقيق في الظروف التي جرى تدميرها فيها، وذلك على الرغم من استمرار عجزه عن تأمين وصول المساعدات بصورة فعّالة إلى غزة، وبصرف النظر عن مدى نجاح واستمرارية أثر سياسة الاتحاد المتعلقة بالمساعدات للجانب الفلسطيني.

 

كما أكد الاتحاد الأوروبي وجود نوايا سياسية في متابعة ورفع مستوى علاقاته الثنائية مع الجانب الإسرائيلي، وذلك على الرغم من انتهاكات قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة وبعدها، ودون التوصّل إلى حلّ قانونيّ للانتهاكات الراهنة للاتفاقيات الموقعة بين الاتّحاد الأوروبي وإسرائيل على مستوى التطبيق.

 

التصرّف الأوروبي منذ الانتخابات الفلسطينية

 

ويلفت التقرير الانتباه أنّه قبل الحرب على غزة، وتحديداً منذ العام 2006 عندما فازت حركة "حماس" في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، تصرّف الاتحاد الأوروبي ضمن سياق دولي أوسع يسمح للصراع بأن يزداد تفاقماً.

 

وبشكل أكثر تحديداً، فإنّ سياسة مقاطعة "حماس" وعزل غزة، وفي الوقت نفسه تمويل الضفة الغربية التي يسيطر عليها الجناح الآخر من السلطة الفلسطينية، والدعم غير المشروط للجانب الإسرائيلي، "لم تشكّل السبيل الصحيح باتجاه ضمان احترام القانون الدولي الإنساني أو حلّ الدولتين، وإنما، بالأحرى، قللت من احتمال تحقيق هذين الهدفين المعلَنين من قبل الاتحاد الأوروبي بشأن التوصل إلى شرق أوسط ينعم بالسلام. ويعتبر العدوان العسكري على غزة  شهادة مأساويّة على هذه الحقيقة"، حسب استنتاجات التقرير.

 

اتساع درجة التباين بين الدول الأوروبية

 

ويلاحظ واضعو التقرير أنّ درجة التباين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتسع كثيراً إلى درجة تظهر نشوء ثلاث نقاط التباسٍ راهنة داخل الاتحاد.

 

وتتعلّق النقطة الأولى بالسبب الفعلي للصراع، حيث ألقت بعض الدول الأعضاء المسؤولية على حركة "حماس" بلغة لا لبس فيها، في حين نأت بعض الدول الأعضاء الأخرى بنفسها عن هذا الرأي.

 

أمّا النقطة الثانية فتتعلق بجهود الاتحاد الأوروبي في مراقبة الحدود. ففي حين أنّ مبادرات الاتحاد الأوروبي، في أغلب الأحيان، يأتي ذكرها في إطار الحاجة إلى ضمان المرور الحر وتطبيق اتفاقية الحركة والمرور، يتم في حالات أخرى تأكيد منع تهريب الأسلحة، الأمر الذي قد يستلزم إغلاقاً أكثر لحدود قطاع غزة، خصوصاً إذا تم اتخاذ خطوات لكشف وتدمير الأنفاق قبل ضمان حرية المرور.

 

أمّا نقطة الالتباس الثالثة الأخيرة، حسب التقرير، فتتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وخصوصاً ما إذا كانت المصالحة الفلسطينية تُعتبر أمراً مفضّلاً بشكل حقيقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، أو ما إذا كان الاتحاد الأوروبي يسعي إلى إعادة سيطرة السّلطة الفلسطينيّة على غزة، خاصة وأنّ الاتحاد غير قادر على القيام بمراقبة الحدود، أو إعادة الإعمار أو تنفيذ سياسته المتعلقة بالمساعدات في ظلّ الظروف الراهنة.

 

التناقض الأوروبي بين الأقوال والأفعال

 

ولدى تقييم استجابة الاتحاد الأوروبي نحو ما يصفها التقرير بالحملة العسكرية الإسرائيلية الشرسة على غزّة، "يُصعَق المراقب من الفجوة المتنامية التي تفصل بين الأهداف السياسية للاتّحاد الأوروبي والتزاماته القانونية من جهة، وغياب الإجراءات الفعلية التي من شأنها ضمان تحقيق مثل هذه الأهداف واحترام هذه الالتزامات"، كما يأتي فيه.

 

وتبعاً لتحليل استجابة الاتحاد الأوروبي، يحاجج التقرير بأنّ أحد الأسباب الجوهرية لهذا "التناقض بين الأقوال والأفعال" يكمن في سعي الاتحاد الأوروبي "الفعّال" لتحقيق "حلّ الدولتين"، وذلك بالتوازي مع "رضوخه" المتزايد أمام خروقات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وكما أكد أحد المسؤولين في الاتحاد، فإنّ "الاتحاد الأوروبيّ ودوله الأعضاء قد أعماهم السعي لتحقيق هدفهم الرئيس والمتمثل في تحقيق الدولة الفلسطينيّة، لدرجة جعلتهم يتجاهلون العمل على تحسين احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني"، كما ينقل عنه التقرير.

 

توصيات للمستوى الرسمي الأوروبي

 

ويخلص التقرير إلى تقديم عدد من التوصيات، وذلك لضمان أن تكون سياسة الاتحاد الأوروبي "أكثر ثباتاً، واتساقاً، وموثوقية، وفعّالية نحو الصراع، والتي تهدف إلى تحقيق الرؤية السياسيّة للاتحاد الأوروبي وفي نفس الوقت تضمن التقيّد بالتزاماته القانونيّة"، حسب تعبيره، وذلك مع بذل جهود أوروبية أكبر للمزاوجة بين توجّه عام أكثر اتساقاً يقوم على أساس مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

 

ويوصي التقرير بأنه "ينبغي على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء تشجيع ودعم التحقيقات الجنائية الدولية والمحلية المستقلة بشأن الادعاءات بارتكاب انتهاكات أثناء الصراع من قبل جميع الأطراف"، وأنه "يتوجب على الاتحاد الأوروبي اعتماد توجّه طويل الأمد فيما يتعلّق بمعوناته المقدّمة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع حرصه على احترام مبادئ الحيادية، وعدم التحيز، والاستقلالية في تقديم المساعدات الإنسانية".

 

ويرى واضعو التقرير أنه "يجب على الاتحاد الأوروبي صياغة استراتيجية متبصرة وقابلة للتطبيق، للتعامل مع حكومة فلسطينيّة قد تُمثّل خطوة أولى نحو تحقيق مصالحة فلسطينية واحترام لحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية".

 

ومن جانب آخر يرى التقرير أنّ على الاتحاد الأوروبي "إعادة تقييم نشاطاته المتعلقة بمراقبة الحدود من خلال ضمان أن تبدأ جهود الدول الأعضاء في منع تهريب السلاح بعد فتح كل المعابر إلى غزة بطريقة منتظمة، إمّا من خلال الحصول على ضمانات مُلزمة من إسرائيل بأنها لن تعيق دخول مراقبين من الاتحاد الأوروبي إلى رفح، وإمّا من خلال تمركز مراقبي بعثة مراقبة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي في مصر بدلاً من إسرائيل، ومن خلال تأكيد أنّ معبر رفح ليس إلاّ نقطة عبور واحدة، وأنّ إسرائيل ستسمح بالدخول و الخروج الكامل من وإلى القطاع عن طريق المعابر الحدودية"، كما يأتي فيه.

 

وتنتهي توصيات التقرير إلى أنّ على الاتحاد الأوروبي "أن يقوم، وبشكل جديّ، بإعادة تقييم علاقاته الثنائيّة مع إسرائيل. فقد آن الأوان للاتحاد الأوروبي ليتوقف عن تطبيق توجّهه الأعمى نحو الممارسات الإسرائيلية، وتقديم منطق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بصفتها حجر الزاوية لتوجهه "السياسي" نحو الصراع"، حسب ما جاء فيه.