خبر ليبرمان و« سيناريو قبرص » ..كتب : عريب الرنتاوي

الساعة 05:55 ص|15 مايو 2009

توسع وزير الخارجية الإسرائيلية  في شرح ما أسماه "سيناريو قبرص" لمضيفيه الأوروبيين في أول جولة له عليهم بصفته الجديدة كرئيس للدبلوماسية الإسرائيلية، وأحسب أن إمارات الدهشة لا بد ارتسمت على وجوه نظرائه ومحدثيه الأوروبيين.

أفيغدور ليبرمان، ينطلق في رسم تفاصيل هذا "السيناريو العنصري المشؤوم"، من "هاجس الديموغرافيا الفلسطينية" الذي يقض مضاجعه ومضاجع من هم على شاكلته، والأرجح أنه اجتهد في ترجمة شعار حكومته "نقاء الدولة العبرية ويهوديتها"..وهما - الهاجس والشعار - اللذان ينضحان عنصرية، ولو أنهما صدرا عن مسؤول غير إسرائيلي، لتحركت مجالس حقوق الإنسان وهيئات القضاء الدولي الإنساني والأمم المتحدة لسوق أصحابهما إلى المحاكم، لكنها إسرائيل: "أزعر الحي" المدلل والمحمي من السادة الكبار ؟!.

يفترض "سيناريو قبرص" لمؤلفه أفيغدور ليبرمان نقل أعداد كبيرة من "عرب – 48"، يفضل جميعهم بالطبع، من المناطق التي يسكنون بها الآن، وهي بالمناسبة أراضي آبائهم وأجدادهم، إلى الضفة الغربية، على أن تقوم إسرائيل في المقابل، بنقل سكان "البؤر الاستيطانية" و"المستوطنات العشوائية" إلى الكتل الاستيطانية الكبرى، الرجل لا يتحدث عن تفكيك الاستيطان أو وقفه وتجميده، بل عن تجميعه، فتكون المعادلة / المقايضة: (عرب – 48)  مقابل سكان البؤر والمستوطنات العشوائية.

ليبرمان يستند إلى "الترانسفير الجماعي" الذي رافق الحرب الأهلية القبرصة في أواسط سبعينيات القرن الفائت، حيث سكن القبارصة اليونانيين، جميعهم تقريبا، في الشطر الجنوبي من الجزيرة، ليترك الشطر الشمالي منها للقبارصة الأتراك، فكان أن ظلت مدن وقرى "قبرصية يونانية" في شمال الجزيرة خالية على عروشها، وكذا الحال بالنسبة لقرى "القبارصة الأتراك" في الشطر الجنوبي من الجزيرة المقسمة.

لن يمانع ليبرمان في سياق حل نهائي شامل، أن يتخلى عن بعض قرى المثلث والجليل لضمها بسكانها إلى الضفة الغربية، مقابل الإفلات بأكثر من نصف مليون مستوطن، سكنوا الضفة الغربية والقدس منذ احتلالهما في العام 1967، شريطة أن يحصل في المقابل، على مساحات من أراضي القدس والضفة، خالية من سكانها بالطبع.

بعض الإسرائيليين من تلامذة مدرسة شمعون بيريز في الكذب والمناورة وتبديل المواقف، يقولون أن هذه أفكار مجنونة تصدر عن رجل مأفون، لا يفكر بها الليكود ولا يتبناها رئيسه بينيامين نتنياهو، والواقع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فنتنياهو شخصيا هو أول من حرّك هذه الأفكار عندما كان رئيسا للوزراء في المنقلب الثاني من التسعينييات، أقله من باب إطلاق "بالونات اختبار"، وقد قوبلت أفكاره في حينه بالرفض من قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورفضها "عرب – 48" كذلك بشدة.

ننتهي وفقا لمعادلة ليبرمان/نتنياهو، إلى "دولة إسرائيل اليهودية الخالصة" مقابل "دولة خالصة للفلسطينين"، أما المعادلة المقررة لـ"جغرافيا الدولتين" وتقرير مساحتها، فتنهض أولا وأخيرا على "هاجس الديموغرافيا الفلسطينية"، وفي ظني أن نتنياهو عندما يشترط قبول الفلسطينين بـ"يهودية الدولة العبرية" مقابل قبوله بحل "دولتين لشعبين"، فإنه يقصد بالضبط ما ذهب إليه ليبرمان، وليس مستبعدا أبدا، أن تكون خطوة نتنياهو أو شرطه المسبق التالي في حال قبل الفلسطينييون شرطه المسبق الأول، هو "تبادل السكان" كذلك، ولم لا وهو صاحب حقوق الملكية الفكرية لهذه الفكرة العنصرية، وليس وزير خارجيته "حارس الملهى الليلي السابق".

هذه هي نوعية الشخصيات التي يتشكل منها "مطبخ صنع القرار في إسرائيل"، والتي لا يبدو أن عنصريتها المفرطة وتشددها البالغ حد التزمت، يشكلان سببا كافيا لعدم استقبالهما في عواصم العالم الحر أو حتى في العواصم العربية، والمفارقة المضحكة حقا، أن هناك من يضع إسرائيل في خانة "محور الاعتدال" و"العالم الحر"، ويبقي حماس وحزب الله وسوريا وإيران في خانة "محور التطرف" مع أن أي من هذه الأطراف الأربعة لم يبلغ ما بلغته حكومة نتنياهو – ليبرمان – باراك – يشاي من غلو وعدوانية وتطرف وتهديد، حتى وهو في ذروة تطرفه، وعذرا سلفا للمقارنة.