خبر خطة سلام أوباما دفعته للقاهرة ..خليل العناني

الساعة 07:18 ص|14 مايو 2009

خطة سلام أوباما دفعته للقاهرة ..

خليل العناني

  إبان حملته الانتخابية أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما نيته إلقاء خطاب في إحدى عواصم العالم الإسلامي، وذلك لإنهاء القطيعة "الحضارية" التي رسختها سياسات المحافظين الجدد طيلة فترتي الرئيس السابق جورج دبليو بوش. ومنذ ذلك الوقت راجت تكهنات كثيرة حول أي البلدان قد يختار أوباما لإلقاء خطابه التاريخي. وقد انحصرت بورصة التوقعات حول أنقرة (تركيا) وجاكرتا (إندونيسيا) والقاهرة (مصر)، إلى أن حسمها البيت الأبيض قبل أيام باختيار الأخيرة كي تكون العاصمة التي سيلقي أوباما منه خطابه للعالم الإسلامي وذلك في الرابع من يونيو المقبل.

ذكاء سياسي وإستراتيجي

 

شكّل اختيار القاهرة مفاجأة للكثيرين، بما فيهم الطرف الرسمي، ليس فقط بسبب التوتر الذي شاب العلاقات المصرية – الأمريكية خلال حكم الرئيس بوش، والذي أحدث قطيعة في علاقات البلدين التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، وإنما أيضا بسبب ما قد يعتبره البعض سجلاً ضعيفاً للديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر.

 

بيد أن اختيار أوباما يعكس ذكاء سياسياً وإستراتيجياً يتناغم مع شخصيته التي تقوم على فكرة "الصدمات الكهربائية" للحلفاء والخصوم في آن واحد. وبعيداً عن الأبعاد الرمزية والحضارية لاختيار القاهرة، إلا أن الاختيار ذاته يحقق مكاسب سياسية وإستراتيجية كثيرة لإدارة أوباما:

 

أولها: أنه سيلقي خطابه من إحدى الدول المحورية في تنفيذ السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، والتي تقوم على تبريد الملفات الملتهبة في المنطقة مثل ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي، والملف الإيراني والملف السوري، فضلاً عن معالجة تداعيات الملف السوداني.

 

ثانيها: أن الزيارة تمثل دعماً معنوياً قوياً لإحدى الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يصب مباشرة في تقوية ما بات يعرف بـ "محور الاعتدال" في مواجهة محور الممانعة الذي تمثله إيران وسوريا وحزب الله وحماس.

 

ثالثها: أن مصر، وبرغم تراجع نفوذها الإقليمي، إلا أنها تظل تمثل إحدى القوى الرئيسية في المنطقة الممتدة من الخليج شرقاً وحتى موريتانيا غرباً، أو كما وصفها روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض بـ "أنها تقع في قلب العالم العربي".

 

رابعها: أن اختيار القاهرة يمثل تنفيذاً حرفياً لإستراتيجية أوباما القائمة على "إعادة تأهيل الحلفاء" من أجل توظيفهم في مهام جديدة على غرار الحال مع تركيا وباكستان. ولا يُستبعد مطلقاً أن تلعب القاهرة دوراً محورياً في الترويج لأية خطة سلام مع الإسرائيليين قد تقترحها إدارة أوباما كما يجرى التلميح بذلك حالياً، مستفيداً في ذلك من الحضور المصرى القوي في ملف الصراع العربي – الإسرائيلي، وعلى صعيد الملف الفلسطيني ذاته، ومعوّلاً على الإرث التفاوضي لمصر كأول بلد عقد معاهدة سلام مع إسرائيل.

 

وأخيراً: فإن اختيار أوباما للقاهرة سوف يعطي رسالته لإصلاح العلاقات مع العالم الإسلامي قوة رمزية كبيرة كونها ستنطلق من قلب العالم العربي الذي أُضير كثيراً من أحداث سبتمبر 2001 والسياسات الخاطئة للمحافظين الجدد في المنطقة.

 

كذلك يتجسد الحسّ الإستراتيجي لأوباما في قدرته على مقارنة حجم ووزن القاهرة بنظيرتيها المتنافستَين معها (أنقرة وجاكرتا). بالنسبة للأولى فقد أخذت نصيبها من وهج أوباما الذي قام بزيارتها أوائل الشهر الماضي، وألقى خطاباً تاريخياً أمام برلمانها أعلن فيه صراحة رغبته في إنهاء القطيعة مع العالم الإسلامي، وهو بذلك قد ألقى بنحو50 بالمائة من رسالته التي يروم توجيهها للعالم الإسلامي، والتي سيكمل نصفها الآخر في القاهرة. كما أن أنقرة، وبرغم حضورها الرمزي والجغرافي كجسر حضاري بين الشرق والغرب، إلا أنها تظل بعيدة عن بؤرة الصراعات الملتهبة في الشرق الأوسط، على الأقل مقارنة بالقاهرة. فتركيا، وتلك إحدى مزاياها، تظل دولة "طرَفية" فيما يخص خريطة الصراعات بالمنطقة، ولا تمتلك حضوراً طاغياً في تفاعلاتها، إذا ما قورنت بمصر.

 

أما فيما يخص جاكرتا، فإذا كانت إندونيسيا تحظى بأكبر عدد من المسلمين (حوالي 230 مليون نسمة)، إلا أنها أيضا تظل دولة "طرَفية" حيث تقع في أقصى الطرف الشرقي من العالم الإسلامي، ولا تحظى بتأثير رمزي أو سياسي كبير في تفاعلاته. كما أنها لم تضار كثيراً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فضلاً عن حساسيتها بالنسبة لأوباما الذي ترعرع بها إبان طفولته، والذي قد يبدو اختياره لها كما لو كان حنيناً لجذوره المسلمة، وهو ما قد يستخدمه خصومه للتشكيك في ولاءه الديني والقومي لأمريكا.

 

ثمان سنوات عجاف

 

وبرغم أن الملمح الأساسي في زيارة أوباما هو التصالح مع العالم الإسلامي، إلا أنها أيضا زيارة تصالحية مع القاهرة ومحاولة لإنهاء ثماني سنوات عجاف من العلاقات المتوترة مع واشنطن. وهي تأتي ضمن خيط رفيع من الخطوات والإشارات الرمزية التي أطلقها أوباما منذ توليه السلطة من أجل تحسين العلاقات بين القاهرة وواشنطن.

 

وعلى سبيل المثال كان الرئيس مبارك من القلائل الذين اتصل بهم أوباما عشية توليه السلطة، وذلك من أجل التأكيد على محورية الدور المصرى في حلّ النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وقبل أيام قليلة وجه أوباما دعوة للرئيس مبارك لزيارة واشنطن بعد خمس سنوات من انقطاعه عنها. في حين تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي ساهمت في تخفيف الاحتقان في علاقة البلدين. فمن جهة تم مؤخراً إعادة النظر في مسألة اقتطاع ما يقرب من 200 مليون دولار من المعونة الاقتصادية لمصر، والتي تبلغ 450 مليون دولار سنوياً. ومن المتوقع أن يتم الإبقاء عليها ضمن برنامج المساعدات الخارجية لمصر التي يقرها الكونجرس الأمريكي سنوياً. كما تم تخفيض نسبة المبلغ الخاص بدعم برامج الديمقراطية والمجتمع المدني من 50 إلى 20 مليون دولار.

 

ومن جهة ثانية تجنبت واشنطن الخوض في قضايا قد تثير حساسية القاهرة خاصة فيما يتعلق بملف الديمقراطية والإصلاح السياسي. ومن جهة ثالثة ابتعدت إدارة أوباما عن استخدام اللغة الجافة التي اتبعتها إدارة بوش تجاه القاهرة في عدد من القضايا الداخلية والخارجية. ومن جهة أخيرة حرص أوباما على تهدئة المخاوف المصرية من مغبة الحوار مع إيران، وهو قد بعث بوزير دفاع روبرت جيتس ودينس روس مسئول ملف إيران في الخارجية الأمريكية من أجل التأكيد على ذلك.

 

وببراجماتيته المعهودة، فقد تلقف أوباما رغبة القاهرة في ترميم العلاقات مع بلاده، وذلك من خلال الزيارات المتعددة التي قامت بها وفود مصرية رسمية وغير رسمية، ودفعت بضرورة إعادة العلاقات إلى سابق عهدها. لذا يبدو اختيار أوباما للقاهرة كما لو كان بمثابة "هدية" لإصلاح العلاقات معها.

 

خطة سلام أوباما

 

وبالنظر لما وراء الزيارة، فإن أوباما يبدو حريصاً على استعادة الدور المحورى لمصر فيما يخص إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو ما يتناغم مع ما يتردد حالياً حول امتلاك الرئيس أوباما لرؤية متكاملة للنزاع سوف يطرحها ضمن خطة سلام شاملة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ولا يُستبعد مطلقاً أن يعرض أوباما خطته، أو على الأقل التلميح بها، خلال الخطاب الذي سيلقيه في القاهرة أوائل يونيو المقبل.

 

وتشي الإشارات التي أطلقها أوباما منذ توليه السلطة وذلك فيما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي، إلى أن ثمة إصراراً لديه على إنهاء الصراع وربما إنجاز مصالحة تاريخية ليس فقط بين إسرائيل والعرب، وإنما بينها وبين العالم الإسلامي. ولا تبدو تصريحات الملك الأردني عبد الله الثاني التي أدلى بها مؤخراً لصحيفة "التايمز" البريطانية بعيدة عن ذلك. فقد أشار الملك عبد الله إلى أن الرئيس أوباما قد يعرض على إسرائيل سلاماً شاملاً مع نحو 57 دولة مسلمة من أجل تطبيع العلاقات معها مقابل عودة الحقوق العربية وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وثمة أحاديث متواترة عن احتمالات قيام الرئيس أوباما بعرض هذه الخطة تفصيلاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي من المتوقع أن يقوم بزيارة واشنطن قبل نهاية الشهر الجاري.

 

وتبدو "خطة سلام أوباما" محاولة استباقية من واشنطن لوقف ثوران اليمين الإسرائيلي ومواجهة أفكاره الغريبة حول التعاطي مع الفلسطينيين. ذلك أن ثمة منحى يميني لتصفية القضية الفلسطينية تجسده تصريحات مسئولي حكومة نتنياهو، فتارة يتحدثون عن "السلام الاقتصادي"، وتارة أخرى عن "الخيار القبرصي"، أي إقامة مجرد "كيان" ذاتي للفلسطينيين وليس دولة مستقلة كاملة السيادة، وتارة ثالثة يتحدثون عن "الخيار العراقي" أي إقامة دولة فلسطينية ولكن تحت إشراف أمريكي مباشر، وذلك على غرار ما طرح مؤخراً "إيلي شاي" وزير الداخلية وزعيم حزب "شاس" المتطرف.

 

وقد يلجأ أوباما لدبلوماسية المقايضات من أجل ترويج خطته للسلام، وذلك من خلال إقناع إسرائيل بقبولها مقابل تقليل مخاوفها بشأن حواره مع إيران. وهي مقايضة قد تبدو ناجعة إذا ما نجح أوباما في "تقليم أظافر" طهران وإنهاء طموحها النووي، أو على الأقل تحويله سلمياً.

 

هل تستفيد القاهرة من الزيارة؟

 

بقدر مفاجأة اختيار أوباما لمصر، فإن ثمة مسئولية كبيرة ملقاة على عاتق المصريين من أجل الاستفادة من زيارة أوباما وتوظيفها في استعادة مكانة بلادهم الطبيعية على خارطة الشرق الأوسط. وأسوأ ما في الأمر أن يتم النظر للزيارة باعتبارها انتصاراً معنوياً على المنافسين والخصوم في المنطقة، أو أن يتم التعاطي معها بطريقة إعلامية فجّة على غرار ما جرت العادة في مناسبات مماثلة.

 

ويصبح من الذكاء أن يتم توظيف هذه الزيارة في ترميم العلاقات المصرية – العربية، والمصرية – الإقليمية، سيما وأن مغزى الزيارة يصب مباشرة في تحسين رصيد مصر من القوة الناعمة في محطيها الجغرافي. ويجب أن يستفيد المصريون من "التجربة التركية" في التعاطى مع الطموح الجارف للرئيس أوباما وتوظيفه لخدمة مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة.

 

 

------------------------

 

نائب مدير تحرير مجلة السياسة الدولية – الأهرام