خبر ما لكم كيف تحكمون ؟ ..د. م. يوسف محمود المنسي

الساعة 06:35 ص|14 مايو 2009

  وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

قطاع غزة شريحة صغيرة من الأرض يسكنها مليون ونصف مليون نسمة غالبيتهم ممن هُجِّروا قسراً من مدن وقرى فلسطين، ويُوصف سكان القطاع بأنهم مجتمعٌ فتيّ، وأن معدل النمو السكاني من أعلى المعدلات في العالم، كما أن قطاع غزة تحاصره دولة الاحتلال من شرقه وشماله، وتسيطر على البحر من غربه، وتجاوره من الجنوب مصر الشقيقة وهي بوابته على العالم، ومع رفض الاحتلال الإفراج عن أكثر من أحد عشر ألف معتقل فلسطيني يرزحون في غياهب سجونه، تحركت المقاومة الفلسطينية لتخطف أحد جنود الاحتلال أثناء تأديته للخدمة العسكرية، في عملية فدائية عالية الجرأة والتعقيد، قُتِلَ وأصيب خلالها عدد من جنود الاحتلال واستُشهِد أحد المقاومين، وعاد الباقون ومعهم الجندي الأسير، وطالبوا بصفقة تبادل لتحرير مئات الأسرى الفلسطينيين من أصحاب المحكوميات العالية من سجون الاحتلال مقابل الإفراج عن الجندي الأسير، ولكن صلف الاحتلال وغطرسته دفعته لمزيدٍ من التشديد في الحصار، ولحملات اغتيالات لكوادر المقاومة، ولاجتياحات عسكرية متكررة لمناطق واسعة من القطاع دُمِّرت خلالها المنازل وشرد السكان، ودُمِّرت البُنَى التحتية والمرافق العامة، وحُرِم آلاف العمال من العمل، وتواطأت كثير من دول العالم "الظالم" مع العدوان وشاركت في الحصار غير المسبوق، وتعالت أصوات النِفَاق مطالبة بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير، متجاهلة أكثر من أحد عشر ألف أسير فلسطيني يرزحون في الأسر منذ سنين.

 

وهكذا يستمر المشهد، مليون ونصف مليون من أبناء فلسطين يقيمون في القطاع تحت حصار مشدد في سجنٍ كبير، وبوابتنا على العالم "مصر" الدولة التي كانت تدير قطاع غزة قبل احتلاله منها عام 1967م، هذه الشقيقة الكبرى بإمكانياتها والعظيمة بشعبها، نجدها عاجزة عن رفع الحصار عن القطاع، تكبلها اتفاقيات السلام مع المحتل، ولكن شعبنا الذي قهر جبروت الاحتلال لا يمكنه أن ينتظر موته بالتدريج، وتحت ضرورة البحث عن وسائل الحياة اضطر الشعب المُحَاصر لشق الأنفاق على حدوده مع مصر ليتزود برمق الحياة، رغم ما في ذلك من تجاوزات ومخاطر، ولكن حينما يغمض أهل القانون والنظام أعينهم عن جرائم الاحتلال في حق مليون ونصف مليون من البشر، حينها لا سبيل إلا للبحث عن البدائل الممكنة للحفاظ على الحياة ولو بحدها الأدنى.

 

فقامت الدنيا ولم تقعد لمحاربة "أنفاق غزة" وشُنَّت عليها الغارات الحربية بتوافق دولي، وكأن هذه الأنفاق في نظرهم تشكل خطراً على المنظومة الدولية والإقليمية، أكبر بكثير من الخطر الذي يشكله المفاعل النووي الإسرائيلي القريب من الحدود المصرية، بل أكثر خطورة على السلم العالمي من القنابل والرؤوس النووية الإسرائيلية الموجهة صوب عواصم دول الجوار، وبُذِلَت الجهود الدولية لمكافحة الأنفاق التي تمثل شريان الحياة لأبناء القطاع المحاصر.

 

وفي مشهدٍ مقابل وبعد احتلال الصهاينة للمسجد الأقصى عام 1967م، بدأت حفريات اليهود تنبش حول وتحت المسجد الأقصى متذرعين بأوهام يعلمون قبل غيرهم أنها كاذبة، وتتوالى المحاولات لتدمير المسجد الأقصى في خطوات واضحة لإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه، وتعرض المسجد الأقصى للحريق على يد الصهاينة، وأتى الحريق على منبر صلاح الدين وعلى جزء كبير من المسجد، في تحدٍ سافر لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم، في الوقت الذي لا نرى ولا نسمع من الأنظمة العربية إلا كلمات الشجب والإدانة، وتستمر حفريات الأنفاق لتقويض أساسات المسجد الأقصى مهددة بانهياره، بينما الصمت العربي والإسلامي والدولي يرسم مشهداً حزيناً للعجز أمام غطرسة المحتل، ومشهداً أسود يتمثل في التواطؤ الدولي مع المحتل.

 

وتزداد الهجمة على المقدسيين فتُهدَم بيوتهم تحت حججٍ واهية ويُشرّد أهلها وتنتزع ملكيات الأراضي لصالح الاستيطان اليهودي في القدس لتتغير معالم المنطقة بأسرها، وتتبدل الخارطة الديموغرافية للقدس ليصبح أهلها الأصليون أقلية، ويصبح "اليهود المستوطنون" أغلبية، ويستمر المخطط الشيطاني في تهويد الأرض، وطرد الفلسطينيين منها، في الوقت الذي تستمر فيه حفريات الأنفاق  تحت المسجد الأقصى ويزداد الخطر على هذا المكان المقدس.

 

ورغم ضعف العرب ووهن الأنظمة الحاكمة، إلا أن الكثير يرون أن تعرض المسجد الأقصى للتدمير "والذي ربما أصبح وشيكاً" إنما يشكل الشرارة الأخطر التي ستفجِّر ثورات شعوب المنطقة ولن تجد الأنظمة حينها إلا مسايرة شعوبها، فتشتعل نيران الحرب الشاملة، مما يعني أن "أنفاق الموت" تحت المسجد الأقصى إنما هي مكمن الخطر على السلم العالمي.

 

وإذا ما قارنا بين خطورة "أنفاق الحياة" على حدود غزة والتي ما نشأت إلا بسبب الحصار وبين "أنفاق الموت" تحت المسجد الأقصى، والتي تمثِّل فتيل الحرب في المنطقة وربما في العالم كله، فإنه يحق لنا أن نتساءل أيُّ الأنفاق يجب محاربتها والوقوف صفاً واحداً لوقفها حفاظاً على السلم العالمي؟ فأنفاق غزة لا تحتاج لكثير عناء في إنهائها فالطريق لذلك واضحة وضوح الشمس إنها رفع الحصار وفتح المعابر، أما أنفاق الموت تحت المسجد الأقصى فهل لغير المقاومة سبيل لوقفها ؟.