خبر « بيت ثول » المقدسية... قرية هجرها الخوف

الساعة 11:36 ص|13 مايو 2009

فلسطين اليوم: القدس المحتلة: خاص

كان عمره لا يتجاوز ال13 عاما عندما خرج و عائلته من قريته " بيت ثول" القريبة من القدس، إلا انه يذكر تفاصيل خوف جماعي أصاب قريته بالكامل، مما ورد إليها من أخبار عن قتل و نسف للبيوت و اغتصاب للنساء في قريتي أبو غوش و دير ياسين القريبتان، فهرب مسرعا مع كل من فيها إلى المجهول.

و بعد 61 عاما يقف الحاج أبو حسين "جميل حسين علقم" على مشارف مخيم شعفاط، المكان الذي آل إليه مصيره بعد سنوات من التهجير من مكان إلى آخر، يستذكر تلك الساعات التي قرر خلالها كبير البلد مصيرهم باتجاه "المزبلة الكبيرة التي يعيش فيها" في المخيم.كما يقول.

و قرية بيت ثول، والذي لم يعرف أبو حسين سبب تسميتها بذلك " كبرنا و هي اسمها هيك"، يرجع اسمها إلى تحريف كلمة (تولا) الآرامية بمعني الظل، و  تقع إلى الشمال الغربي من مدينة القدس، و قد بلغت مساحة أراضيها4629دونما، و تحيط بها أراضي قرى نطاف، قطنة، أبو غوش، ساريس، و يالو، و قد قدر عدد سكانها عام 1922 حوالي (133) نسمة، و في عام 1945 حوالي (260) نسمة.

هربا من الموت إلى الموت...

و بحسب أبو حسين فأن شيئا لم يحدث في داخل القرية، ولكن الخوف أرعبهم وجعلهم يرحلون، و ذلك في الأول من نيسان من عام 1948:" كانت الإخبار ترد إلينا عن المجزرة في دير ياسين و عن القتل في ابو غوش، كل يوم كان هناك خبر، والجميع كان يخشى على نفسه و أطفاله من نفس المصير، وفي يوم الخروج اجتمع أهالي القرية مع المختار وقرروا أن نخرج إلى مكان آمن حتى تنتهي هذه الأحداث، وبالفعل خرجنا من القرية بلا شئ و توجهنا إلى قرية بيت سيرا في رام  الله حيث بتنا هناك".

يتذكر أبو حسين الخروج جيدا حيث كان مع والده ووالدته وزوجه والده الثانية وجدته و أبناء عمومته و أشقائه الخمسة عشر:" خرجنا من القرية بعد صلاه المغرب مشينا مسافات طويلة وكنت صغير ولا أقوى على المشي، و لكن أبي كان يردد "اسرعوا قبل ما يطخونا"، كنت احمل إخوتي الصغار حين يبكون خوفا من الظلمة والتعب ولكننا لم نتوقف أبدا حتى وصلنا إلى بيت سيرا غربي رام الله، وتحت الشجر جلسنا لنستريح، و قال أبي حينها لجدتي هنا مكان أمن بعيدا عن البلد والقصف".

توقع والد جميل أبو حسين لم يكن في محله، فبعد ساعات من وصولهم إلى بيت سيرا بدأت العصابات الصهيونية بقصف المكان:" كانت القذائف تتساقط علينا من بين الشجر" قال، مما اضطر والده على استجار سيارة كبيرة لحملهم من جديد إلى مكان آمن.وكانت بلدة سلواد القريبة من رام الله أيضا هي الملجأ.

بقيت العائلة في سلواد تسعة أشهر، انتقلت بعدها إلى قرية عمواس والتي لم تهجر عام 1948 و بقيت فيها حتى عام 1954 و خلال هذه السنوات عاشت العائلة مع مجموعة كبيرة من عائلات البلد، إلى حين قررت الانضمام لما تبقى من هذه العائلات في حارة الشرفا في البلدة القديمة من مدينة القدس.

إلى المخيم...

و في عام 1966 قامت وكالة الغوث بالاتفاق مع الحكومة الأردنية في حينها بنقل اللاجئين إلى ارض مخيم شعفاط، بحجة أن المنطقة لا غير صالحة صحيا على اللاجئين، و بالفعل انتقلت عائلة أبو حسين، والتي لم تعد كما كانت بعد 20 عاما تقريبا، إلى مخيم شعفاط.

يقول:" انتقلت مع زوجتي و أبنائي إلى المخيم كان عدد سكان المخيم محدود وكل منا يعرف الأخر، والاهم من ذلك أن الخدمات التي كانت تقدم لنا في حارة الشرفا أحسن بكثير من الخدمات التي قدمت لنا حينها هنا في المخيم".

والحياة في القرية كما يذكرها أبو حسين عالم يختلف عن المخيم و عن حارة الشرفا في القدس "حياة خير و عز" و الأهم من ذلك أنهم أصحاب المكان و ليسوا غرباء كما يقول:" لو الإنسان يعيش تحت شجرة أحسن من حياة الغربة التي نعيشها منذ 61 عاما".

يزرعون السمسم...

ويستذكر أبو حسين قريته التي كانت تشتهر بالزراعة فعائلته كانت تملك العشرات من الدونمات التي كانت عائلته تزرعها بالقمح والشعير والسمسم، بالإضافة إلى الخضروات الصيفية:" لدينا في القرية اكثر من عشرة دونمات كنا نزرعها بالحبوب و الخضروات و نعتاش منها، و خاصة السمسم الذي كنا نزرعه بكثرة في القرية، وكانت الأراضي حول البيت، الذي كان من طابقين و عليه ديوان كبير يجتمع فيه أهالي البلد في المناسبات".

و يتابع:" في القرية كما كل القرى الفلسطينية الحياة اتسمت بالبساطة، في الموت كل القرية تعطل عن العمل احتراما لأهل الميت حتى لو كان عمره يوم واحد، و في الفرح يصطف كل أهالي القرية لتهنئة و المشاركة في الفرح".

و عن التعليم في القرية يقول أبو حسين، أن التعليم اقتصر على المساجد حيث كان شيوخ من قرى و مدن محيطة يعلمون الأطفال في المسجد اللغة العربية و القرآن والسنة و الرياضيات"

القرية اليوم...

 

أبو حسين لاجئ محظوظ كما يقول، فهو يحمل الهوية المقدسية والتي تسمح له بالتنقل في فلسطين المحتلة عام 1948 و العودة إلى بلدته كلما مالت نفس لهواء نظيف، على حد وصفه.

يقول:" كانت صدمتي في أول مرة زرت القرية بعد الخروج برفقة والدي كنت حينها شابا في 18 من العمر، حاولنا ان نجد شيئا مما كان لنا في القرية حتى أن معظم حجارة البيوت التي نسفت سرقت من المكان و دفنت في مكان بعيد، لم يبق إلا نبع الماء و أشجار.التين والصبر و الأرض".