خبر أنيس صايغ: لنعترف أننا بين خيارين .. المقاومة أو الاستسلام

الساعة 06:46 ص|13 مايو 2009

فلسطين اليوم : بيروت

كأبٍ للمثقفين في لبنان، يستقبل البحّاثة الدكتور أنيس صايغ، الجميع في مكتبه، ويتواصل مع الجميع، لا يخفي آراءه الجذرية، ولكنها لا تفسد للودّ قضية، كونه يظهّرها بهدوء بتهذيبه الذي عُرف به.

 

هو محور إجماع المستقلين الفلسطينيين في لبنان، بل ومرشدٌ لبعض الفصائل. منفتح على الجميع. من مسؤولي الفصائل حتى الشخصيات الثقافية والفكرية والسياسية وطلاب الدراسات العليا في الجامعات، الذين لا ينقطعون عن مكتبه.

 

لكنّ حضوره يتجاوز الساحتين اللبنانية والفلسطينية، إذ يُنظر إليه باعتباره من رواد البحث في العالم العربي، ومن رجال الفكر والرأي في المنطقة. ولذا فلم يكن من فراغ أن حاولت المخابرات الإسرائيلية اغتياله بواسطة مفخخة أرسلت إلى مكتبه في التاسع عشر من تموز (يوليو) 1972، ما تسبّب له بإعاقة بصرية. لكنّ جهوده البحثية تزايدت بعد محاولة الاغتيال ولم تتراجع.

 

أما الحديث إليه فلا بد أن يكون في العمق. هو في الواقع يتحدث كأنه يكتب، ويكتب كأنه يتحدث، وهذا هو السهل الممتنع. في بعض محطّات الحوار يقول السائل لنفسه، هذه الفكرة وصلت فلا داعٍ لتفاصيلها، وتلك يمكن اختصارها التزاماً بالمساحة، ولكن عند تفريغ المقابلة والبدء في تحريرها، تبرز الصعوبة في الاختصار أو الحذف، فكلامه سهل في وضوحه، ممتنع عن اختصاره.

 

توجّه مراسلنا لإجراء حوار موسع مع الدكتور أنيس صايغ، الباحث الفلسطيني البارز، الذي رأس في ما سبق «مركز الأبحاث» التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، فشهد المركز في حينه عهده الذهبي كأحد أبرز مراكز البحث العربية، إن لم يكن في ريادتها.

 

ويأتي الحوار موزّعاً على ثلاثية، تتناول حلقتها الأولى هذه مذكرات صايغ الموسومة بـ«أنيس صايغ عن أنيس صايغ»، والتي قوبلت باهتمام كبير في الأوساط الثقافية والإعلامية والسياسية، كما تتطرّق إلى أوضاع القضية الفلسطينية بين مساري التسوية والمقاومة. وتركز الحلقة على تجربة النكبة الفلسطينية وآفاق حق العودة وقضايا الصراع مع الاحتلال.

 

وفي ما يلي نص الحلقة الأولى، من ثلاثية حوار ، مع الباحث الدكتور أنيس صايغ، الرئيس الأسبق لـ«مركز الأبحاث الفلسطيني».

عن النكبة وتوقعاتها المسبقة

 

س: عائلة صايغ، نموذج للردّ على «شبهات» المتربّصين بالقضية الفلسطينية، ومن هذه الشبهات أنّ «المعارضين للتسوية في المنطقة أحد ثلاثة: إسلاميون متعصبون، جاهلون غُرّر بهم، فقراء محتاجون لا يجدون مَن يساعدهم»! هذا أول ما خطر ببالي وأنا اقرأ مذكراتكم (أنيس صايغ عن أنيس صايغ)؟

 

أنيس صايغ: أولاً اسمح لي أن أردّ على الشبهات. أعداء الأمة العربية والشعب الفلسطيني يفتشون عن أية حجة لاستخدامها ضد المدافعين عن قضيتنا، فقبل أن تتجه القضية إلى الإيمان الديني والإسلامي، وعندما كانت علمانية إلى حدّ ما، كان الغرب أيضاً يجد أنها تهدد مصلحته، وبالتالي تجب محاربتها، فليس السبب إذن أن غالبية المناضلين الفلسطينيين الآن إسلاميون، فحتى لو كانوا ملحدين فإنّ الغرب سيقف ضدهم. لكنّ كونهم اليوم إسلاميين، تمسك الغرب –وخاصة في عهد بوش- بهذه الحجة. في المقابل، لو كنا ملحدين أو علمانيين، سيجد الغرب أية ذريعة ليحول دون تحقيق أهدافنا.

 

 

 

«س »: أنتم كعائلة، كان أفرادها مطّلعين على مجريات الأحداث وقارئين للواقع ومستمعين للمناقشات في النوادي والصالونات السياسية.. هل كنتم تتوقعون النكبة؟ وهل كان يمكن تجنّب حدوثها أم لا؟

 

أنيس صايغ: في ما يخصّ توقّع حدوث النكبة سنة 1948، أعتقد أنّ معظم المثقفين الفلسطينيين آنذاك، ممن نسميهم النخبة الثقافية، كانوا متوجِّسين من أن لا تقوى الحركة العربية الفلسطينية على مجابهة العدو الصهيوني عندما تحين المعركة، فهم كانوا داخل هذه الحركة ويستطيعون أن يروا مَواطن الضعف والقوة ومدى الجهوزية والاستعداد والعجز والتقصير، قبل 15 أيار (مايو) 1948. لكني لا أعتقد أنهم كانوا يتصوّرون أنّ الهزيمة ستكون بهذه الفداحة. يعني توقعوا التوازن في الانتصارات والهزائم، لكنهم لم يتوقعوا قطّ أنّ الخسارة ستكون كارثية وبهذا الشكل الذي أدّى إلى أن يصبح ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني لاجئين.

 

لا أتحدث هنا عن آراء أبناء بيت الصايغ، بل هذه كانت رؤية عامة بين المثقفين، ورغم أنني كنت صغيراً، لكني كنت أجلس مع إخواني في المقاهي السياسية في حيفا والقدس (لم يكن في طبريا مقاهٍ سياسية) أو بيروت لاحقاً، وكنت أسمع الأكبر مني يتحدثون، من مختلف الاتجاهات، أنّ «الهيئة العربية العليا» ليست صالحة لهذه المواجهة، وأنّ الأنظمة العربية متأثرة بالبريطانيين وتخضع لهم، ولن تحارب كما يريد الشعب الفلسطيني أن تحارب. ولكنهم توقعوا أن تحصل حرب ننتصر بجزء منها ويُفرَض علينا الانتصار السياسي والإعلامي للصهاينة، والمداولات السياسية في الأمم المتحدة يمكن أن تُقرّ مشروع التقسيم. كان هناك إلى حد ما تصوّرٌ أننا كان يمكن أن ننتصر في الحرب.

 

 

 

« س »: .. يعني تعتقد أنه كان يمكن تجنّب النكبة لو كانت الإدارة صالحة في ذلك الوقت؟

 

أنيس صايغ: أكيد، أكيد.. لكن لا يمكن أن نحمّل الإدارة الفلسطينية للحرب كامل المسؤولية.

 

 

 

« س »: قصدتُ صلاحية الإدارة من حيث الكفاءة والقدرة على مستوى المؤامرة، لا من حيث الإخلاص والصلاحية؟

 

أنيس صايغ: آه؛ المؤامرة كانت ضخمة جداً، ينفّذها اثنان: غرب استعماري متمرّس، لديه تجارب مئات السنين في إخضاع الشعوب. وصهيونيون محليّون في فلسطين مدعومون من صهاينة العالم، أقوياء علمياً وشهادات من مختلف الجنسيات، جاؤوا من دول متقدمة مائة سنة علينا نحن العرب.

 

كان الشعب الفلسطيني ضعيفاً حضارياً ومدعوماً من دول عربية بعضُها خاضع للاستعمار، بينما كان يقود الحركة الصهيونية حملة شهادات عُليا، خبراء في كل العلوم، ومدعومون سياسياً من الغرب، وخصوصاً من أمريكا وبريطانيا آنذاك والاتحاد السوفياتي إلى حد ما.

 

المعركة لم تكن متكافئة، لكن في الوقت نفسه، لم تكن القيادة العربية في فلسطين بالمستوى المطلوب، وكانت متخلفة إلى حد ما، مثل القيادات العربية في ذلك الوقت، فهي لم تكن أقلّ مستوى من القيادات في الدول العربية الأخرى.

 

كان عند القيادة الفلسطينية حماسة كبيرة، لكن مستواها الفكري والاستعداد والتحضير كان ضعيفاً، كان هناك جهل عام يدعو إلى الاعتقاد أنها قضية أيام وسننتصر، نحن خسرنا لأننا لم نتصوّر غير الانتصار. اعتقدنا أنه لا بدّ من الانتصار، فاتكلنا على ذلك، ولم نستعدّ بما فيه الكفاية، وكانت النتيجة أننا خسرنا. وأخشى اليوم أن يكون عند بعض قطاعات شعبنا هذا الاعتقاد: «نحن أصحاب حق، لذلك سننتصر». فهذا ليس كافياً للنصر، فحتى تنتصر يجب أن تستعد للمعركة. هذه هي المعادلة:

 

« س »: واضح في مذكراتكم التعلّق ببلدكم طبريا، وما تمثله بالنسبة إليك الآن. ولكن، ماذا يمثل لك الآن حلم العودة، وأنت في هذه السنّ، وفي هذا الواقع العربي، كيف تنظر إلى حلم العودة، وإلى أمل العودة؟

 

أنيس صايغ: ربما ما يتصارعني الآن، هو نفسه الذي يتعرض له الكثيرون، بين الأمل والواقع الذي يشعر في أنّ العودة ليست قريبة.

 

أنا أؤمن بالعودة، لكني أعرف وأعترف، ليست عودتي أنا، وأخشى أن أقول ليست عودة جيل أبنائي. كنت بالماضي أؤمن بعودة جيلي أنا، لكني الآن أصبحت أقول، بالنسبة لي في سن الثامنة والسبعين، عودة الاحفاد.

 

لا بدّ من العودة؛ ليس من باب التعبير الرومانسي العاطفي مثل «الحق يعلو ولا يُعلَى عليه»، لكن لأنّ مجرى التاريخ يقول: «إنّ الشعوب تنهزم ثم تقوى، تخسر معركة وتكسب أخرى، فإذا أتيحت لها القيادة الكفؤة والاستعداد الكافي، وهذا ممكن، يصبح النصر هو المآل الطبيعي للصراع»، لذلك أؤمن بالعودة.

 

لكني بالمدى الذي أنا أراه الآن في هذا الانحدار، لا أرى العودة وشيكة، فحين رأيت ما جرى في العراق والصومال، وما يُحضّر للسودان اليوم شعرت أنّ المتآمرين على هذه البلدان سيفعلون ما بوسعهم لمنع أي استعداد فلسطيني كافٍ لمواجهة العدو. يعني لا يجابهونك في آخر الطريق، بل في أول الطريق، فيمنعوك، بحرب استباقية، من التسلح، ويسعوا إلى إعداد جيل جديد تتركز همومه بعيداً عن طريق العودة إلى الوطن. لكن أي أمة لديها جيل جديد متحمس لقضيته، حتى لو تسمّر أمام التلفاز أربع ساعات يومياً، فإنني أعوِّل على هذا الإيمان ليرجع الجيل ويقف على قدميه، ويستعد للمعركة والسير على طريق العودة.

 

شخصياً، لن أستطيع العودة، لكنني أعوِّد نفسي على التعويض (عن إمكانية تحقق ذلك)، لذلك أحلم بطبريا، والحلم فيه عودة، وأحب أن أقول: الحلم الدائم بطبريا يجعلني نظرياً في طبريا، والتفكير بالشيء والإصرار عليه والطموح في الوصول إليه، ورفض فقدان الأمل، يجعلني نظرياً فيه رغم الاحتلال.

 

في الصراع مع الاحتلال

 

« س »: هذا يقودنا إلى سؤال، ربما أجبتَ على جزء منه، وهو: بعد مرور ستين عاماً على النكبة، هل فشلنا في التحرّر والتحرير؟ أم أننا تأخرنا فقط؟ ولماذا؟

 

أنيس صايغ: لم نكن في مستوى المعركة، فالمعركة ليست عسكرية فقط، وليست سياسية فقط، وليست إعلامية فقط، وليست مالية فقط. هي تجمّع كل هذه الأمور. ونحن كنّا دون المستوى عسكرياً وسياسياً ومالياً وإعلامياً.

 

نفسياً، كان عندنا إيمان كاف بعدالة قضيتنا، الإيمان بفلسطين موجود وكبير، والإيمان العربي بفلسطين، إلى حدّ ما، كان موجوداً، لكننا لا نتفوّق إلاّ بالإيمان ربما. أما مالياً، ونحن من أغنى شعوب الأرض، فلا نستخدمه في سبيل تحرير فلسطين. فأين هو هذا المال؟ وأين الرأس الذي يدير هذا المال؟ هذا غير موجود. إعلامياً، ما زلنا ندور في حلقة، نعتقد أننا يمكن أن نتعاطى مع العالم بعقليتنا وليس بعلمنا لنوصل حقيقة القضية، نعتب على العالم لأنه لا يقف معنا، ولا نبذل جهداً لتحريكه وتفهيمه حقيقة ما يجري، ثم نسأل السؤال الذي يزعجني جداً: أين العالم؟!.

 

علينا أن نعمل هنا بدون الاعتماد على العالم، لنفترض عدم وجوده، ولا نهتم بدعمه واحتجاجه على مجازر العدو، ولنعمل كأنه غير موجود، وهذا ما حصل في غزة، فشعبها وقف على قدميه وصمد، وعندما شاهد العالم ذلك، خرج إلى الشوارع تضامناً. أنا هنا لا أتحدّث عن العالم العربي والإسلامي، بل عن أوروبا. في جامعات بريطانيا، وأنا أعرف هذه الجامعات جيداً لكوني تعلّمت وعلّمت فيها، لأول مرة منذ عشرات السنين، وربما في التاريخ، يحتل التلاميذ الجامعة ليرفعوا العلم الفلسطيني عليها أثناء معركة غزة. وهذا جديد، لأننا فرضنا على العالم أن يرى الحقيقة. ولكن هذا يحتاج إلى الجهد والإمكانيات، فنحن ضعفاء عسكرياً وسياسياً وإعلامياً ومالياً.

 

مسألة أخرى، هي أنّ الهوّة بين الشعوب والحكّام ما زالت كبيرة، فمن سوء حظ الدول العربية أنّ معظم حكّامها، ولا أحب التعميم، لا يزال ارتباطهم بالغرب أقوى من أن يروا الحقيقة، ويتذكّروا انتماءهم العربي، وخوفهم من الغرب، وأنّ صوت العلاقة مع الغرب أعلى من صراخ شعوبها.

 

« س »: برأيك، ما هو الحل القريب مع الجانب الإسرائيلي أو الكيان الصهيوني بصيغة أخرى؟ وما هو الحل النهائي معه؟

 

أنيس صايغ: أخشى أن أعود إلى الأحلام في الإجابة على هذا السؤال، لذلك أقول: أنا أؤمن بأنّ الإبقاء على الأهداف العليا والثابتة؛ الثوابت المكرّسة من نحو مائة سنة، حتى في أزمان الانهزام والضعف والمدّ الصهيوني في العالم، هو الضمانة للقضية. وهنا، أميِّز بين موقفين، فأنْ تتمسك بالثوابت مع إدراكك في الوقت نفسه أنك تحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل شيء، وأنْ تتنازل عنها بسرعة بحجة أننا غير قادرين على الوقوف أمام الهجمة الصهيونية الاستعمارية شيءٌ آخر. أنا أدعو إلى التمسك بالثوابت ولو طال الزمن للوصول إلى مبادئنا وما نسعى إليه. يعني أنا أفضِّل أن أبقى بعيداً عن فلسطين والتحرير ثلاثين سنة إضافية في المستقبل، على أن أقبل ببعض المكاسب التي أعرف جيداً أنها ستمنع حصولي على الأهداف التي رسمتها. أنا ضد النسب المئوية من الأرض، ضد 10 في المائة أو 20 في المائة أو حتى 90 في المائة من المكاسب، لأني أعلم أن الـ90 في المائة لن تؤدي إلى الـ100 في المائة، بل ستؤدي إلى هبوط نحو الـ80 في المائة ثم الـ70 في المائة، ثم أجد نفسي في الوضع الذي أنا عليه الآن؛ أي صفر في المائة، وعلى العموم لم يعرض أحد علينا 90 في المائة، فلماذا لا أحافظ على هذا الصفر وأستعدّ لمعركة الـ100 في المائة؟!

 

وهنا صراع طويل بين التمسّك بالمبادئ والواقعية والمرحلية؛ أي اقبلْ نصف المساحة ثم تحصل عليها كلها، فنحن أمام عدوّ إذا أعطانا 5 في المائة، سيفكّر كيف يسحبها منّا أو يختصرها إلى 4 في المائة. وهنا أستعير مقولة لأخي المناضل أبي ماهر اليماني «نحن لسنا أمام نصف دجاجة لأننا غير قادرين على الحصول على الدجاجة كاملة. بل نحن أمام نصف دجاجة فاسدة، إذا أكلناها سنموت».

 

الحروب والمقاومة

 

« س »: الحروب التي وقعت في لبنان خلال تموز (يوليو) 2006، وفي غزة سنة 2009، هناك من يعتبرهما هزيمة بلغة الأرقام والحسابات، وهناك بالمقابل من يعتبرهما نصراً، وطرف ثالث يرى أنه لا منتصر في هذه الحرب؟ كيف تقيّم هاتين الحربين؟

 

أنيس صايغ: إذا كنا مؤمنين أنّ حربَيْ تموز 2006 وغزة هي مقاومةُ عدوٍّ شرس صمدنا أمامه وبقينا واقفين على أقدامنا، بدون تردد أقول إنّ النتيجة كانت انتصاراً. أما إذا اعتبرناها معركة بين جيشين وأحصينا الخسائر بالأرقام، فهي ليست انتصاراً. أنا شخصياً أؤمن أنها مقاومة عدوّ، والذي يُقدِم على المقاومة يجب أن يتوقع قبل المعركة النتائج السيئة، وأن يتحمّلها بعد المعركة. وهي في الحالتين معركةٌ فُرضت علينا، مَن يقاوم عليه أن يكون مستعداً للتضحية.

 

« س »: بِغض النظر عن أي أبعاد أيديولوجية، عندما سُئلت في 2006، قلت إنك مع «حزب الله» في هذه المقاومة. وفي عام 2009 قلت إنك مع «حماس» في هذه الحرب، فما هو معيارك في هذا التأييد؟

 

أنيس صايغ: أنا أمام أحد طريقيْن، إما أن أقف وأقاوم وأتحمّل النتائج، أو أرفع يديّ مستسلماً. ومن يُعيب على المقاومة، في أي معركة، أنها خسرت، عليه أن يقول لنا بصراحة إنه يريد منّا أن نستسلم، يعني أن نعترف أننا بين خيارين: المقاومة أو الاستسلام. دُعاة الاستسلام لا يعترفون بذلك، هم يقولون «لا نريد أن نقاوم اليوم: فلنقبلْ بالحلول السياسية بالتنازل والتنازل والتنازل، ثم لاحقاً نقاوم»، هذه هي حجتهم، وهذا كذب؛ فقد جرّبناهم في اتفاق أوسلو وتطبيقاته، فأين هم اليوم؟! حالهم أسوأ من سنة 1993 (سنة توقيع الاتفاق). إذاً المعركة ليست بين نهجيْ المقاومة والتفاوض، بل بين نهجَي المقاومة والاستسلام. فليعترفوا أنهم يريدون الاستسلام وعندها، إذا نجحوا، يمكنهم أن يسجِّلوا على المقاومة أنها فرّطت بحياة أبناء شعبها.

 

ولكن لا أحد منهم يعترف بذلك، ولا حتى الدول العربية التي تساعد العدو وتقفل المعابر.