خبر عرائس ينتظرن الفرحة على حدود غزة!!!

الساعة 06:21 ص|13 مايو 2009

فلسطين اليوم : غزة

ها هي الأحلام تتبدد وتصبح أثراً، بعدما بدت ملامح ليلة العمر تتشكل، أضحى فستان الزفاف الأبيض بطرحته الطويلة مطلباً مستحيلاً، وباتت "ليلة الحنة" بين الأهل والأحباب صعبة التحقق في ظروف لفتها القسوة من كل جانب، فكل المراسيم أجلت إلى بعد حين، ورُحِلت تلك الأفكار الجميلة إلى وقت تكون فيه الأحلام أسهل من هذا الوقت الذي واجه أهالي قطاع غزة اعنف هجمة، واجهوها من عقود وضرب عليهم حصارا بسلك شائك وحدود ومعبر واحد على العالم اسمه معبر رفح أغلق منذ نحو عامين أمام حركة المسافرين في الاتجاهين.

 

"عرائس" غزة ينتظرن أمام بوابات هذا المعبر منذ فترة ليست بالقليلة، يأملن في يوم تفتح فيه ويسمح لهن بالمغادرة للالتحاق بعرسانهن بعد أن حجبتهم الحدود وغيبتهم المعابر، وتأجلت على اثر ذلك مراسم الفرح التي كانوا يخططون لها طوال الوقت.

 

أوقات بطيئة وأمل بعيد

حضر أحمد من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ولد ونشأ.. شده الحنين إلى وطنه فلسطين ليعود إليها بعد غربة قصريه طالت بطول سنوات عمره اليافع، حاول أن يترجم هذا الشوق بعروس يخطبها من بلده، ويربط بها مصيره لبقية العمر، علها تذكره بأيام سمع فيها من والده عن غزة التي عاش فيها سنوات مع أمه الراحلة بين معاناة وأمل، بين حاجة ورضا إلى أن وصلا إلى الإمارات بعيداً، كانت أمنية أحمد أن يجد عروساً تكون له سترا وغطاءً، وعوناً له في الغربة... أماً وزوجة ورفيقة...

 

تقدم لخطبة سوزان التي تعيش مع أهلها في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة وهي ابنة الصديق القديم لوالده، تمت الموافقة وما كانت فترة الخطبة التي عاشوها إلا بضعه أيام قليلة، يعود بعدها أحمد إلى مكان إقامته في دولة الإمارات ليجهز كل ما اتفق عليه مع عروسه من بيت وأحلام نسجوها سويا هناك، يعد الأيام التي تمر لتنضم إليه عروسة ويبدآن سوياً رحلة الحياة.

 

الانتظار طال والأيام باتت تمر بطيئة مملة في ظل انقطاع الأمل يوما بعد آخر، تبعد المسافات والحواجز بينهما، وأحلامهما الوردية تغير لونها وأصبحت دربا من دروب الخيال. تقول سوزان؛ وهي المقيمة تقريبا على بوابة معبر رفح ومظاهر التعب والإرهاق بادية على وجهها: هذه هي المرة الخامسة التي أحاول فيها السفر إلى الإمارات سواء من خلال معبر ايرز الذي يتطلب تصريحا إسرائيلياً، أو من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر، لكن الفشل كان حليفي في كل مرة.. مرة بسبب عدم وصول تأشيرة الدخول التي أرسلها لي زوجي من الإمارات والتي جددها لي أكثر من أربع مرات، ومرة بسبب عدم وجود تنسيق يسمح لي بدخول الأراضي المصرية، وأخرى بسبب عدم تعامل الجانب المصري مع أصحاب التأشيرات التي تمنح على ورقة خارجية وليست على جواز السفر مثل التأشيرة إلى دولة الإمارات، ومرة بسبب تكدس الناس الراغبين بالسفر.. وهكذا حتى بدأ اليأس يتملكني...

 

وأضافت سوزان، التي تحمل هم آلاف الناس الذين احتجزوا مثلها ولم يتمكنوا من الولوج إلى القطاع أو الخروج منه إلى أماكن استقرارهم سواء للعمل أو التعليم: منذ أن خطبت لأحمد قبل أكثر من عام ونصف العام، وبعد موافقة أهلي اتفقت معه على كل تفاصيل الزواج وكيف سأقيم ليلة الحنة هنا في غزة ومن ثم أسافر إلى الإمارات وهناك نقيم ليلة الزفاف في احتفال ابلغني عن تفاصيله وقام بشراء بدلة العرس لي، وكل شيء ينتظر وصولي، ونحن ما زلنا ننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، هذه الفترة الطويلة زرعت لدى كل منا الإحباط الذي بدأ يتسلل إلى أنفسنا بسبب ضعف الأمل في السفر في ظل هذه الظروف القائمة في قطاع غزة بفعل الحصار وإغلاق المعابر.

 

أحمد لا يمتلك جواز سفر فلسطيني، تقول سوزان: وأضافت: بالتالي هو ممنوع من القدوم إلى هنا، فقد دخل إلى القطاع خلال فترة هدم الجدار الحدودي في كانون ثاني/يناير العام الماضي بشكل غير رسمي كالآلاف من أمثاله وغيرهم ممن يتوقون للحرية، وهو الآن ينتظرني على الجانب الآخر من المعبر منذ أكثر من شهر تاركا عمله وأهله مع بداية حوار الفصائل المنعقد في القاهرة وأمله في أن يحقق ذلك انفراجة تؤدي إلى فتح المعبر للجميع، عله يستطيع مرافقتي إلى مكان إقامته في الإمارات ولكن من دون جدوى...

 

حجز تأجل عشر مرات

تلقت سحر اتصالا مهماً من خطيبها في وقت متقدم من ساعات الليل، يبلغها أن معبر رفح سيفتتح في اليوم التالي، بعد شهور من الانتظار للم الشمل بين العروسين.. ها هو علي يهلل على الطرف الآخر من الخط، داعيا خطيبته إلى الإسراع بالتوجه إلى المعبر فجراً كي تحجز لها دورا في ذلك الطابور الممتد من الناس الراغبين بالسفر واجتياز الحدود.

 

سحر التي تحدثت وهي تتوسط حقائب سفرها على بوابة المعبر، تقول: خطبت لعلي قبل تسعة أشهر بعد أن تمكن من إيجاد فرصة عمل في الخارج، سافر على إثرها بعد معاناة طويلة متأملا مني اللحاق به هناك، ومنذ ذلك الحين وأنا انتظر السفر، وهو أيضا لا يستطيع العودة إلى هنا لأنه لو عاد فسيفقد عمله وربما لن يستطيع السفر مرة أخرى، تعطلت دراستي بعد أن أوقفتها على أمل إكمالها بعد زواجي، وبيتي الصغير الذي أعده زوجي بعناية هو أيضا ينتظرني.

 

وحول طريقة تواصلها مع خطيبها، تقول سحر: لقد كان "للشات" على الانترنت المساحة الكبرى في التواصل بيني وبين خطيبي طوال الفترة الماضية، بالإضافة إلى بعض الاتصالات التي تجري بيننا بين الحين والآخر والتي كان منها الاتصال الذي لم أنساه عندما حدثني ليلا طالبا مني سرعة التوجه إلى معبر رفح لتوارد أخبار حول نية الجانب المصري افتتاحه أمام حركة المسافرين لعدة أيام.. لقد كان صوته يشع فرحا وسرورا لقرب اللقاء، وبالفعل توجهت إلى هناك إلا إنني لم أتمكن من العبور، وعندها هاتفته وجاءني صوته المخنوق من الطرف الآخر وهو ما جعلني ابكي بحرقة من قلبي الذي ما عاد يتحمل صبرا طويلا على هذا الانتظار.

 

وتتابع سحر حديثها: أعيش اليوم على تلك الذكريات الجميلة التي عشتها مع خطيبي خلال الأيام القليلة التي جمعتنا سويا قبل أن يفرقنا الحصار، انظر إلى تلك الحقائب التي تذكرني في كل مرة أنني ما زلت بعيدة عن بيت حلمت فيه ورسمت تفاصيل غرفه في مخيلتي.. أفيق من نومي على هذا الأمل وذلك التفاؤل الذي لم ينقطع من بالي لأني لا املك غيره ومرة جديدة سأتصل بعلي لتجديد حجز الطائرة الذي تغير عشر مرات قبل ذلك.

 

أفكار جنونية للخروج

"أحلام" لا تعرف أهو اسمها أم هي بقية الأمنيات التي تفضل أن تبقي عليها، تريد أن تحتفظ بها كي تستطيع العيش في ظروف اعتادتها طوال حياتها.. هذه المرة تحاصر فرحة عمرها وتسرق منها البسمة في وقت هي في أمس الحاجة إليها، أحلام التي ترفض أن تستسلم لواقع الحياة المريرة التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين بفعل إطباقه الحصار على تفاصيل حياتهم الدقيقة حتى أسعد اللحظات يبددها بحصاره وإغلاقه.

 

أحلام التي توجهت مع أسرتها إلى مدينة العريش المصرية أثناء اقتحام الجدار الحدودي، كان في مخيلتها أسرة وأبناء عمومه حرمت منهم طوال تلك السنوات، ولم يكن يدور في بالها انه في ذلك البيت الصغير على أطراف مدينة العريش يسكن من سترتبط باسمه إلى أن يشاء الله، في ذلك المكان كان سمير ابن عمها الذي أعجب بها وتعلق قلبها الندي به، كان صريحا مباشراً، قال لها: "أنا أريد خطبتك يا بنت عمي.. فهل توافقين؟؟ " وهنا احمرت الوجنتان إيذانا بموافقة خجولة.

 

وتكمل أحلام قصتها، قائلة: تم إعطاء والدي توكيل على أساس عقد القران إليه ساعة وصولنا إلى غزة، عدنا سريعاً إلى غزة لتتم المعاملات بسرعة ومن ثم أعود إلى العريش في غضون ثلاثة أيام، وفي اليوم التالي اصطحبني أبي مع أعمامي إلى المحكمة وعُقد قراني حسب التوكيل، وسارعت لتجهيز نفسي، وما أن مرت ثلاثة أيام حتى كنت قد أكملت جميع ما احتاجه لأذهب إلي عريسي في اليوم التالي، ولكن للأسف فرحتي لم تكتمل فقد شرعت القوات المصرية بإغلاق الحدود مباشرة ودون سابق إنذار ولم تتمكن اغلب العائلات التي اجتازت الحدود في الاتجاهين من العودة بسبب هذا الإجراء المفاجئ، وبقيت على أمل السفر متوجهة هذه المرة بطريقة رسمية إلى العريش حيث يقيم سمير وعائلته.

 

وتضيف أحلام: لا أُخفي عليكم أنني جربت أكثر من مرة بأن أخاطر في الانتقال إلى الجهة الأخرى من الحدود عبر أنفاق التهريب المنتشرة أسفل الحدود، ولكن في آخر لحظة يمنعني سمير في كل مرة لخوفه الشديد علي بسبب ارتفاع عدد الضحايا الذين يسقطون بحالات اختناق أو انهيار الأنفاق، وبقيت انتظر شهراً بعد آخر حتى بدأت افقد الأمل. وتشير: مرات عديدة تلك التي جهزت نفسي فيها للسفر وودعت أهلي وتوجهت إلى معبر رفح وهناك أعود أدراجي من جديد بحجة انه لا يوجد لي تنسيق لدخول الأراضي المصرية رغم إبرازي لعقد الزواج من ابن عمي المقيم منذ ولادته في مصر، ويأتيني الرد الرسمي بأنه لا يمكنني العبور إلا في حال افتتاح المعبر بشكل كامل حتى أتمكن من الحصول على تأشيرة دخول للأراضي المصرية وبعدها تبدأ معاملات استخراج إقامة لي هناك، وتفطر قلبي ألماً حتى سالت دموعي ولكنها لم تحرك لأي من المسئولين هناك رمشاً، وعدت كما ذهبت، لتبقى هذه الحدود تمنعنا من الفرح ويبقى الانتظار حائلا بيننا وبن السعادة.

 

حصار غزة طرد الفرحة في أبسط صورها، بأن يجلس العروس والعــريس في "كوشة" تجمعهما وسط فرحة الأهل والأقارب، وصوت الزغاريد حبس في الأعماق منتظرا ذلك اليوم الذي قد يجمع الله فيه بين العروسين في غزة التي تفصلها عن بقية العالم حدود موصدة منذ فترة طويلة وكل أمل الناس هناك تقلص إلى أمل في اللقاء فمتى يأتي؟؟.