خبر نتانياهو في واشنطن... مهمة عسيرة ..باتريك سيل

الساعة 12:19 م|12 مايو 2009

ـ الاتحاد 12/5/2009

ربما يكون لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي المرتقب مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض يوم 18مايو الجاري، اللقاء الأكثر أهمية في حياة نتانياهو السياسية كلها. وسوف يحظى باهتمام واسع على نطاق العالم بأسره. فالمعروف أن آراء نتانياهو المتعلقة بسلام الشرق الأوسط وإيران، تتعارض تعارضاً قطبياً مع رؤية الرئيس أوباما للقضايا نفسها. وهذا ما يضاعف من حدة المعضلة التي يواجهها نتانياهو في لقائه المرتقب في واشنطن. فليس بوسعه الخوض في محاججات علنية مع أوباما، طالما بقي الدعم المالي العسكري السياسي الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل على قدر كبير من الأهمية للدولة اليهودية. ولكنه لا يستطيع في الوقت نفسه إحناء رأسه لأوباما والخضوع لما يراه. فالويل والثبور له إنْ فعل. إذ سرعان ما سينبذه شركاؤه المتطرفون "اليمينيون" في تحالفه السياسي الحاكم، الذين لن يتوانوا في التعجيل بالإطاحة به من رئاسة الوزراء.

فلا بد من أن تكون هذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة، التي يزور فيها رئيس وزراء إسرائيلي واشنطن، وهو محمل بكل هذه البلبلة والشك من أمره، وانعدام الثقة في الطريقة التي سوف يستقبله بها مسؤولو واشنطن: هل يكون ترحيبهم به دافئاً أم فاتراً بارداً هذه المرة يا ترى؟ فخلافاً لما كان عليه حال المسؤولين الإسرائيليين مع الرئيس الأميركي السابق -من دفء الترحيب والاستجابة المطلقة لكافة طلبات إسرائيل- لا تبدو أولوية أوباما أن يقول للمسؤول الإسرائيلي: "سمعاً وطاعةً" لكل ما تريد. ويمثل هذا التغيير في سلوك واشنطن تجاه إسرائيل بحد ذاته قطيعة بائنة مع ماضي هذه العلاقة، التي كثيراً ما كانت تترجم فيها طلبات إسرائيل إلى "أوامر" في واشنطن. ولعل أبرز ما في هذا التحول، توجه أولويات أوباما هذه المرة، إلى مد جسور للصداقة بين واشنطن والعالمين العربي والإسلامي. فمن قناعة أوباما أن أمن بلاده القومي بات يستدعي بشدة بناء الجسور هذه.

وبالقدر التدريجي البطيء الذي تبلورت به سياسات إدارة أوباما الخارجية حتى هذه اللحظة، يبدو أنه بات أشد قناعة بأن السبيل الأمثل لعزل تنظيم "القاعدة" وغيره من شبكات التطرف والعنف المرتبطة به، هو إقناع الغالبية الساحقة من المسلمين بأن أميركا ليست عدوة لهم، بما في هذه الأغلبيات من شعوب مسلمة في كل من إيران وأفغانستان وباكستان، فضلا عن الشعوب العربية.

أوباما سيبذل قصارى جهده في تفادي الخوض في خلاف علني مكشوف مع ضيفه نتانياهو. فهو من الحصافة بحيث لن يتهور في تبديد رأسمال سياسي ثمين في مشاجرة مع إسرائيل.

ومن المتوقع أن يوجه أوباما خطاباً رئيسياً من القاهرة إلى الأمتين العربية والإسلامية في الرابع من يونيو المقبل. وسوف يوظف أوباما كل ما أوتي من بلاغة وقدرة خطابية، ليؤكد مجدداً للأمتين أن أميركا ليست في حرب مع الإسلام. ولهذه القناعة مكانة خاصة عزيزة عنده، سبق له أن عبّر عنها أثناء زيارته لتركيا في شهر أبريل الماضي. بيد أن أوباما يدرك جيداً -قبل غيره- أن كلماته هذه سوف تكون جوفاء، فارغة من المعنى والمضمون، ما لم يسخّر عضلات بلاده كلها في خدمة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ويبدو أن من قناعة أوباما الشخصية أنه لا سبيل لاسترداد هيبة أميركا ونفوذها السياسي الأخلاقي المتآكلين على نطاق العالم بأسره، إلا بالتوصل إلى تسوية سلمية مستدامة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وعليه فليس من عجب أن تسعى منظمة "إيباك" -وهي منظمة الضغط اليهودية الأقوى الموالية لإسرائيل في واشنطن- لمقاومة ما تصفه بـ"خطر أوباما". وعلى رغم عجز المنظمة المذكورة عن الجهر علناً بهذا "الخطر"، أو حتى عزمها على مقاومته، فإن صقور إسرائيل وأصدقاءها الأميركيين لا يستطيعون إخفاء قلقهم. بل إن منهم من يصف أوباما سراً بكونه "عدواً لإسرائيل".

يذكر أن القادة الإسرائيليين السابقين كثيراً ما تحدثوا عن سعيهم وراء إبرام صفقة سلام مع العرب والفلسطينيين، في حين لم يكفوا على صعيد الفعل عن خلقهم المستمر لما يسمونه بـ"الحقائق على الأرض"، وهي "الحقائق" التي تجعل من إبرام السلام أمراً مستحيلا، طالما ظلت تعتمد دائماً على الاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين، والتوسع في بناء المستوطنات الإسرائيلية.

ولعل السمة الرئيسية التي اتسم بها نتانياهو في معسكر "اليمين" الإسرائيلي المتطرف، هي صراحته ورفضه القاطع والواضح لصيغة "الأرض مقابل السلام"، إلى جانب رفضه لفكرة عودة إسرائيل إلى حدود عام 1967. وفي السياق نفسه يعارض نتانياهو خطة السلام العربية لعام 2002، إضافة إلى نفيه المستمر لوجود أي "مشكلة" ناشئة عن نشاط التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية. بل إنه في مقدمة الحاثين على الاستمرار في هذا التوسع. ومن بين ما يحرص عليه نتانياهو، سحق حركة "حماس" في قطاع غزة، حتى وإن تطلّب ذلك تجويع كل سكان القطاع البالغ تعدادهم 1.5 مليون نسمة!

فوق ذلك كله وقبله، يعدُّ نتانياهو من أقوى المعارضين لفكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة من أساسها. وبما أنه ليس في وسعه أن يعبر صراحةً عن هذا الموقف عند لقائه بأوباما، فإنه سوف "يتحجج" بدلا منه بالقول مثلا: الوقت ليس ملائماً لاتخاذ خطوة كبيرة كهذه، لا بد من تعزيز المؤسسات الفلسطينية أولا، كما لا بد من إنعاش الاقتصاد الفلسطيني قبل الإعلان عن الدولة الفلسطينية، وقبل "الإعلان" لا بد من إنشاء وتدريب قوات الأمن الفلسطينية الصديقة القادرة على حماية إسرائيل ضد النشاط الإرهابي الذي يستهدفها. ثم تنتهي هذه الحجج إلى القول بأنه ليس من حاجة للإسراع في إعلان الدولة الفلسطينية، خاصةً وأن هذه الخطوة ربما تحتاج لسنوات طويلة....!

أما الوجه الآخر من استراتيجية نتانياهو المتوقعة عند لقائه بأوباما، فله صلة بتأكيده على أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس هو لب الأزمة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، إنما تتمثل هذه الأزمة في صعود إيران بصفتها قوة نووية. وفي الواقع فقد كانت هذه الفكرة، المادة الدعائية الرئيسية للمؤتمر السنوي لمنظمة "إيباك"، الذي عقد في واشنطن خلال شهر مايو الجاري، مع العلم أن عدد المؤتمرين تجاوز الـ6 آلاف، بمن فيهم ما يزيد على نصف أعضاء الكونجرس الأميركي. وأثناء مخاطبته للمؤتمر، لم يتردد الرئيس الإسرائيلي من مقارنة إيران بألمانيا النازية.

بيد أن أوباما سوف يبذل قصارى جهده في تفادي الخوض في خلاف علني مكشوف مع ضيفه نتانياهو. فهو من الحصافة بحيث لن يتهور في تبديد رأسمال سياسي ثمين في مشاجرة مع إسرائيل، أو في ترهيبها وأصدقائها معاً. على نقيض ذلك سوف يسعى أوباما لإقناع إسرائيل وأصدقاءها بأن في مقدور الدبلوماسية تبديد كل المهددات المحتملة التي تمثلها إيران، وأنه يجب النظر إلى الدولة الفلسطينية المستقلة -التي تعيش في سلام جنباً إلى جنب إسرائيل- على أنها خير ضمانة لأمن إسرائيل على المدى البعيد، بدلا من النظر إليها كما لو كانت نصلا مغروساً في خاصرة الدولة اليهودية.

ومن المرتقب أن يكون الحوار الأميركي-الإسرائيلي مادة مثيرة لاهتمام العالم بأسره، في الشهور القليلة المقبلة. وهذا هو الوقت المناسب الذي ينبغي فيه للعرب أن يُسمِعوا رأيهم للآخرين في كل من واشنطن وتل أبيب. فقد حان وقت تحقيق السلام والعدل للفلسطينيين. وفي إهدار هذه الفرصة الثمينة التي يعرضها أوباما لتحقيق آمال العدل والسلام، لعنة على المنطقة ونذير لها بالمزيد من الحروب والدمار. وفيما لو حلت هذه اللعنة، فلا منجاة للعرب ولا للإسرائيليين من شرِّها المشتعل المستطير.