خبر السفير القلق ..هآرتس

الساعة 11:19 ص|12 مايو 2009

بقلم: عكيفا الدار

لنفترض ان زوجان يهوديان يفكران بالهجرة لاسرائيل ويطلبان من مبعوث الوكالة اليهودية المصاب بالضجر معلومات حول الوضع في اسرائيل. "بالصدفة استلمت اليوم شيئا ما يمكن ان يثير اهتمامكما" سيقول الشاب لهما ويعرض عليهما بدعة الدكتور مايكل اورن الحديثة سفير اسرائيل التالي في واشنطن. تحت عنوان "سبعة تهديدات وجودية" كتب اورن في مجلة "كومانتري" اليهودية المحافظة، انه في العصر الحديث ليست هناك دولة يمكنها ان تنافس اسرائيل في التهديدات الوجودية المتنوعة التي تهددها.

المؤرخ من معهد "شاليم" الذي اختاره بنيامين نتنياهو لان يكون في الموقع الدبلوماسي الاكثر بروزا في الخارج، يصف دولة فاسدة من الاساس حتى الرأس – من المتاجرة بالمخدرات حتى المتاجرة ببني البشر، من تبييض الاموال حتى النشر غير القانوني للسلاح. اورن يقول بان وباء الفساد قد تفشى في صفوف الجيش ايضا وانه يتسبب بتراجع استعدادية الاسرائيليين للكفاح دفاعا عن ارضهم بل والعيش فيها. ناهيك عن ان خيرة ابناء اسرائيل كما يتذمر الكاتب، يتعرضون للملاحقة في العالم بصدد ما يعتبر في نظر كارهيي اسرائيل "جرائم حرب".

بعد ان يقرأ ذلك اليهودي الامريكي المقالة سيعرف ان الشعب اليهودي يوشك على فقدان عاصمته الابدية التي تخضع هي الاخرى لتهديديات وجودية: اغلبية سكان القدس ( 772 الف عربي و 200 الف اصولي من 800 الف من مجموع سكان المدينة) ليسوا صهاينة. العلمانيون يفرون من المدينة ونصف الشباب الاسرائيليين لم يزورها البتة. "ان تواصل هذا الاتجاه" يحذر الكاتب (المقالة كتبت من قبل ان يعين سفيرا)، فقد يتجسد كابوس بن غوريون بتحول اسرائيل الى دولة لا يكون اليهود مستعدون للعيش فيها والتضحية بحياتهم من اجلها.

بعد ذلك يأتي دور التهديد الديموغرافي الوجودي، والتهديد الارهابي الوجودي والتهديد النووي الايراني الوجودي. هنا وهناك وزعت في هذه المقالة عدة اخطاء تاريخية شبه وجودية، مثل الادعاء بان اي قائد عربي لم يعترف باسرائيل كدولة يهودية (اعلان الاستقلال في عام 1988 اعترف بالبيان بالدولة اليهودية) او انه بين 57 و 67 قد قتل مئات اليهود في العمليات الارهابية (اقل من دزينتين).

الامر الملفت للنظر بصورة خاصة ذلك الحل الذي يقترحه السفير الموعود للمشكلة الديموغرافية الوجودية: انسحاب احادي الجانب من الضفة الغربية الى الحدود التي ستتحدد وفقا للقاعدة الاتية: الحد الاقصى من السكان اليهود، والثروات الاستراتيجية والاماكن المقدسة وكذلك – الكنوز الطبيعية. اي ان السفير المؤرخ يعتقد ان من الممكن بل ومن المناسب ( مواصلة) نهب مقدرات الفلسطينيين وعدم الاكتفاء بالارض بل المياه والكسارات ايضا.

هذه المقالة الهذيانية يجب ان لا تفاجأ قراء صحيفة "هارتس" الذين منحهم الله بذاكرة مديدة. في كانون الاول 1993 بعد اسابيع قليلة من التوقيع على اتفاق اوسلو نشرت الصحيفة بان اورن قد كتب وثيقة اوصى فيها باقامة "كتلة وسط سياسي برئاسة رئيس هيئة الاركان في ذلك الحين ايهود باراك وعضو الكنيست بني بيغن كوزن معادل لاسحاق رابين الذي ينجر وراء اليسار ويوسي بيلين وبنيامين نتنياهو المجر وراء اليمين المتطرف". في ذلك الحين عينت اللجنة اليهودية الامريكية تلك المنظمة اليهودية غير الكبيرة اورن ممثلا لها في اسرائيل. واليوم جاء نتنياهو ذاك الذي انجر وراء اليمين المتطرف (وربما لم يعد الامر كذلك) ليعينه في الموقع الدبلوماسي الابرز في اسرائيل في الدولة الاعظم الاهم في العالم.