خبر عودة إلى السوق الفارسية .. يديعوت

الساعة 11:17 ص|12 مايو 2009

بقلم: أفيعاد كلاينبرغ

كالمعتاد في مطارحنا، البحث في شؤون ميزانية الدفاع يدور بشكل غير عقلاني. الارقام التي تلقى في الهواء منزوعة عن كل صلة. وزارة الدفاع تطلق الى الهواء مبالغ خيالية مطلوبة لحرب يوم الحساب، مبالغ بدونها سينهار أمن اسرائيل. والمالية؟ في يوم ما تطالب بتقليص واسع وفي غداته تكون مستعدة للتنازل عن نصف(!) التقليص. لجنة برودت أسمت هذه الطقوس "سوقا فارسية".

ما تبقى من تقرير برودت في تصريحات ممثلي جهاز الامن هو التوصية بزيادة ميزانية الوزارة (والتي صدرت، كما هو مهم ذكره، في ظروف الازدهار الاقتصادي والفائض في الميزانية). والتوصية بتحديد ميزانية الدفاع في اطار خطة متعددة السنين (واضعو التقرير انفسهم يحذرون من أنه في اثناء الازمة من شأنها ان تمس بشدة بالوزارات التي لم تتقرر ميزانياتها).

وأنا اوصي كل من يهمه الامر الا يكتفي بالتلخيص العسكري وان يقرأ التقرير ذاته. حيث تبرز منه صورة بشعة للطريقة التي دارت وتدار فيها ميزانية الدفاع في اسرائيل.

التقرير يشير الى ميلين خطيرين. الاول، ميل وزارة الدفاع لان ترى في نفسها كمن تقيم جهازا منفصلا ليس حقا جزءا من العموم الاسرائيلي. الاحتياجات الامنية لا تعتبر جزءا من منظومة مركبة من الاحتياجات والامكانيات، لكل ربح فيها خسارة ايضا، وقوة الدولة فيها لا تتقرر فقط بقدرتها على تفعيل منظومات السلاح بل وايضا في حصانتها الاجتماعية والثقافية.

الاحتياجات الامنية والخيارات العسكرية التي يحددها الجيش الاسرائيلي بالشكل الاضيق، في ظل التجاهل غير مرة سواء لقيمتها الاجتماعية ام ثمنها السياسي، تعتبر مطلقة. كل تشكيك فيها هو تعبير عن مشكلة في الحس الوطني. رئيس الاركان، غابي اشكنازي، يمكنه بالتالي ان يهدد اعضاء المجلس الوزاري بانه اذا لم يقر العلاوة التي يطالب بها، فسيرفع المسؤولية عن أمن اسرائيل. فهم عصبة من الاقزام خفيفي الرأي فيما هو الراشد المسؤول.

تعبير عن انغلاق الحس هذا يوجد في طلب الوزارة فور ختام حرب لبنان الثانية بعلاوة ميزانية 30 مليار (!) شيكل. فقط منظومة ليس لها أي مصلحة في الثمن الذي ستجبيه علاوة مضخمة من الباقين يمكنها ان تطرح مثل هذا الطلب.

المشكلة الثانية، والتي هي بقدر معين نتيجة للاولى، هي الغياب شبه المطلق للشفافية في عملية تحديد الميزانية العسكرية. ظاهرا يدور الحديث عن أسرار لا ينبغي الكشف عنها ولكن الامور اكثر تعقيدا. جهاز الامن هو جبار اقتصادي، يستغل مكانته لمنع الرقابة عليه – في أمور التواضع جدير بها ولكن ايضا في امور التواضع ليس مناسبا لها.

مثال واحد على ذلك هو قرار جهاز الامن استخدام ما يسميه تقرير برودت بـ "لغة خاصة به". لغة تحدد اطار الميزانية بحيث أن العناصر ذات الاهمية، والتي هي ليست عسكرية صرفة، تنزع منها. وتشير اللجنة الى فارق 17 مليار شيكل بين اطار الميزانية حسب اللغة العسكرية وبين ما اقر في قانون الميزانية.

وتشير اللجنة الى معطيات اخرى مثيرة للاهتمام: بين 1999 و 2004 كانت ميزانية الدفاع كبيرة في كل سنة من السنين بمبلغ يتراوح بين 4 و 5 مليار شيكل من الميزانية الاصلية. كيف حصل هذا؟ هاكم اقتباس من التقرير: "مبالغ كبيرة من ميزانية الدفاع تتحدد بقرارات من رئيس الوزراء وباجمالات مالية تفصيلية بين وزارتي المالية والدفاع، تتقرر بعد أن يكون قانون الميزانية قد أقر. هذه المبالغ لا تطرح دوما الى علم الحكومة والكنيست عند اقرار الميزانية بل واحيانا تخلق وضعا تقرر فيه الحكومة التقليص لسنة معينة، وبالتوازي تضمن وتعطى علاوات للميزانية في ذات السنة".

وزارة الدفاع ليست العدو. يجلسون فيها اناس نحن مدينون لهم بحياتنا. ولكن العدو لا يوجد فقط خلف الحدود. العدو هو القوة بلا رقابة، العدو هو تجاهل احتياجات العموم باسم سياسة تغطية القفى التي اصبحت ايديولوجيا.

دولة اسرائيل تقف امام تحديات جديدة وهذا يحتاج الى جدية وتضحيات من الجميع. بمن فيهم وزارة الدفاع.