خبر أمواج بحر غزة لتوليد الكهرباء .. مشروع مبتكر لأكاديميين فلسطينيين

الساعة 11:13 ص|12 مايو 2009

فلسطين اليوم : غزة

إنّ كانت "الحاجة أم الاختراع"، و"الأزمات تخلق الإبداعات"؛ فإنّ تجارب الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر بشكل خانق، تبرهن على صوابية هذه المقولات.

فقد أنجز طلاب فلسطينيون في غزة، ابتكاراً جديداً بأدوات بسيطة، وإمكانات مادية متواضعة، استطاعوا بالكاد الحصول عليها بفعل الحصار، حيث ابتكروا فكرة توليد الكهرباء بواسطة أمواج البحر.

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وطوال الفترة الماضية، تمنع دخول الوقود الصناعي الذي يشغل محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، بل وقامت منتصف سنة 2006 بالإغارة على المحطة ذاتها، ودمّرت بعض الأجهزة الهامّة فيها، الأمر الذي جعل القطاع يعيش تحت ستار من الظلام، تعطلت على إثره غالبية مناحي الحياة، وعانى أبناء الشعب الفلسطيني الأمرين خلال تلك الفترة.

وتمكّن الطلاب الفلسطينيون الخمسة، الذين يدرسون في قسم الهندسة المدنية في الجامعة الإسلامية بغزة، من خلال هذا المشروع الإبداعي، من توليد طاقة كهربائية بالاستفادة من أمواج البحر كطاقة متجددة.

وتمخضت الفكرة، وفقاً لما يروي لـ"فلسطين اليوم" أحد المهندسين الطلاب الذين قاموا على إعداد المشروع، من "الظروف الصعبة التي يمرّ بها شعب فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، وما نعايشه من مرارة الاحتلال وظلم الحصار".

وأوضح الطالب المهندس أنّ التجربة جاءت "حرصاً منّا على خدمة شعبنا والتخفيف عنه، كلّ ذلك دفعنا للخروج بهذه الفكرة من عمق المحنة، علنا نستطيع كفريق هندسي أن نحل جزءاً من الأزمة".

وشرح هذا الطالب، أنّ الفكرة الإبداعية تقوم على إعداد نموذج تجريبي يقوم بتوليد طاقة كهربائية بالاستفادة من أمواج البحر كطاقة متجددة، لتخزين طاقة الأمواج الميكانيكية ومن ثم تحويلها إلى طاقة كهربائية عند الحاجة، وذلك من خلال بناء نموذج خاص.

وقال الأكاديمي الفلسطيني "فعلاً أثبت النموذج كفاءته، ويجري الآن العمل على تطوير المشروع واستنساخ عدة نماذج تساهم في توليد طاقة كهربائية تسدّ حاجة 10-15 في المائة من الطاقة المطلوبة لقطاع غزة عموماً، خاصة في ظل التعنت الإسرائيلي المتواصل في إمدادنا بالوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة".

ولفت طالب الهندسة الانتباه إلى أنّ أي دولة في العالم لا تستطيع الاستغناء عن الوقود لتوليد الكهرباء، "ففي هذه الأيام أكثر من 80 في المائة من طاقة العالم الكهربائية تعتمد على الوقود الطبيعي مثل الفحم والبترول والغاز"، إلاّ أنه استدرك قائلاً "لكن وبينما يزداد الطلب على طاقة الكهرباء، لا سيما في غزة، فهناك حاجة ماسة لإيجاد طرق أخرى لاشتقاق طاقة متجددة"، وفق تأكيده.

وذكر الطالب أنّ "الطاقة المتجددة تقف على سلّم أولويات دول كثيرة، وتعتبر الطاقة الناتجة من أمواج البحار والمحيطات مصدراً من المصادر الحديثة لإنتاج الطاقة الكهربائية، والتي ما زالت موضوع الكثير من الأبحاث، للوصول إلى نماذج فعّالة لإنتاج مثل هذه الطاقة، ونحن انطلقنا بهذه الفكرة في غزة، لأنه حسب معلوماتنا فإنه لا توجد أعمال سابقة في هذا المجال على مستوى قطاع غزة بشكل عام".

وذكر المهندس أهدافاً أخرى وضعها الباحثون نصب أعينهم أثناء تنفيذ الفكرة، في مقدمتها توفير مصدر متجدد للطاقة الكهربائية في قطاع غزة، وتقليل الاعتماد على المصادر المسببة للتلوث البيئي، إضافة إلى "إيجاد مصدر وطني للطاقة يقلل من التبعية لدول الجوار، وتوفير كبير في تكلفة الطاقة، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها أبناء شعبنا"، كما قال.

وتابع الأكاديمي "كان بإمكاننا أن نبحث عن فكرة عادية، نجتاز بموجبها المادة (الجامعية المقررة) ونحصل على الدرجة العلمية المطلوبة، إلا أننا وجدنا أنه من المهم أن ننفذ مشروعاً يكون بمثابة تحدٍّ يُحسب لكلية الهندسة وللشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، نقدِّم من خلاله شيئاً مميّزاً، ونخرج من النطاق التقليدي نحو الابتكار الذي يفيد البلد".

ومع ذلك فإنّ الصعوبات كانت غير متوقعة. فقد تعرّض الجهاز الذي استخدمه الطلاب لتنفيذ فكرة المشروع، للقصف من قبل طائرات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على غزة، حيث كان موجوداً لدى إحدى ورش الحدادة في مدينة غزة لإجراء بعض التعديلات عليه، وقد استهدفت تلك الورشة بالقصف خلال الحرب.

وتحدث مهندس آخر من القائمين على فكرة المشروع لـ"قدس برس"، فقال إنّ الجهاز، أو النموذج الخاص، الذي استخدم لهذا الغرض، والذي يتكوّن من عوّام وذراع ومكبس هيدروليكي وقاعدة، كان وليد عدة أفكار، وهو مطوّر بشكل أفضل من عدة أجهزة تُستخدم في أماكن أخرى.

ولفت المهندس الأنظار إلى أنّ الجهاز يعمل على مرحلتين، الأولى تتمثل برفع الماء إلى ارتفاع معيّن يقارب خمسة عشر متراً، وتخزين هذا الماء في خزانات على هذا الارتفاع، والمرحلة الثانية هي إسقاط هذا الماء على "توربينات" تقوم بتوليد الكهرباء، بما يشبه الشلال.

 

وأشار المهندس إلى أنّ النتائج الأولية التي خلصوا إليها تشير إلى نجاح فكرة العمل وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع، بل وإعطاء نتائج فوق المتوقع، منوهاً إلى أنّ العمل جارٍ لدراسة "التوربينات" مع السعي لإسقاط الماء عليها.

وأضاف المهندس أنهم وجدوا صعوبة في الحصول على المعدات الخاصة بإعداد الجهاز بسبب الإغلاق والحصار ومنع دخول كافة المواد اللازمة إلى غزة، غير أنهم تغلّبوا عليها بمعدات بديلة "تفي بالغرض"، مشيراً إلى أنّ تكلفة جهاز مثالي قابل لتنفيذ الفكرة قد يفوق سعره سبعة عشر ألف دولار.

وأكد الأكاديمي أنّ هناك أكثر من موقع في قطاع غزة يناسب تنفيذ هذا المشروع، منها منطقة ميناء غزة، وكذلك قرب محطة الكهرباء في طريق النصيرات، جنوبي قطاع غزة.

أما عن العقبات التي واجهت الطلاب خلال إعداد المشروع، فقد أشار المهندس إلى أنّ أهمها تمثل في عدم توفر المواد المطلوبة، إذ استُخدمت مواد بديلة عن المطلوب، إضافة إلى المشكلات المادية وصعوبة الحصول على تمويل يكفي لسد حاجات مثل هذا المشروع، لكنه أضاف "نحن فخورون بإنجازنا بالرغم من قلة الإمكانيات، واستطعنا الاستفادة من العلم النظري وتطبيقه عملياً".

وأعرب المهندس عن أمله في أن تهتم الجهات المسؤولة سواء في قطاع غزة أو خارجه بالمشروع، وأن تدعم الفكرة وتتبناها "لأنها فكرة تستحق الاهتمام"، وفق تأكيده.

وفي إطار هذا المشروع الذي يعد "مشروع تخرج استكمالي لنيل درجة البكالوريوس في تخصص الهندسة المدنية"، حصل الطلاب الخمسة على الدرجة العلمية المذكورة، بعد مناقشة المشروع أمام لجنة علمية تشكلت من ثلاثة من أساتذة الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية، ولاقت فكرة المشروع قبولاً وإعجاباً كبيرين من قبل اللجنة التي أكدت أنه "مشروع إبداعي يستحق الاهتمام والتطوير، ويستحق الطلاب الخمسة بموجبه درجة الامتياز في مادة المشروع".

وأوصت لجنة المناقشة بإكمال العمل في فكرة المشروع، مؤكدة أنه لا بد من توفر الشجاعة والجرأة من قبل القائمين على المشروع من أجل تطبيق هذه الفكرة التي وصفوها بالرائدة.

أما الطلاب الذين حضروا المناقشة، فأكدوا أنهم اقتنعوا تماماً بفكرة المشروع، وباتوا يؤمنون بأهمية مثل هذه المشاريع التطويرية المبتكرة، وقدّموا وصايا ومقترحات للطلاب القائمين على المشروع لتطوير فكرة العمل.

وكان مشروع مشابه، قد نفذته خمس طالبات من الجامعة الإسلامية بغزة العام الماضي، يقضي بتوليد الطاقة الكهربائية بواسطة الرياح، والتي تعد بسرعتها المعروفة، غير كافية لتوليد طاقة كهربائية، ويعد ذلك المشروع، الأول من نوعه في قطاع غزة.