مساحيق .. بلا  تحرير فلسطين بداية صعود الأمة ونهضتها

الساعة 06:48 م|04 أكتوبر 2022

فلسطين اليوم | أسعد جودة

بادئ ذي بدء تعريف ماهي فلسطين مكانتها الدينية وموقعها الجغرافي هو المدخل الحقيقي لفهم كنه الصراع وأبعاده الإستراتيجية ومألآته وضرورته ليس فقط أن يدرس بل أن يهضم ويتم تشربه وإمتصاصه من أبناء فلسطين وأبناء أمتهم على إمتداد خارطة هذا الكون.

حدود فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، هي البحر الأبيض المتوسط غربا، خط رفح العقبة الذي يفصلها عن سيناء من الجنوب الغربي، رأس خليج العقبة جنوبًا، وادي عربه، البحر الميت ونهر الأردن شرقًا، ومنحدر هضبة الجولان قرب شواطئ بحيرة طبريا الشرقية ومسار نهر الأردن الشمالي في الشمال الشرقي وجزء أسأسى من بلاد الشام حاضرة من حواضر ومركز الخلافة الأموية وفيها المسجد الأقص احد المساجد الثلاث التى تشد الرحال اليها وقبلة المسلمين الأولى وكانت محطة إرتباط الأرض بالسماء في رحلة الإسراء والمعراج للنبي المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وأرض المحشر والمنشر.

الواقع يؤكد هذه الحقيقة لأن الأحداث برهنت أن هذا التعريف حينما اختل وتاه ضاعت معه ليس فلسطين بل الأمة جمعاء.

أصحاب ايدولوجية الواقعية السياسية يبدو هذا الكلام لهم  خيال وقد يصفوا من 
يتبنى هذا الطرح بالتطرف والراديكالية ليس فقط من أصحاب وحماة المشروع الغربي الإستعماري الحديث الذين استنبتوا ورعوا تلك الغدة السرطانية الإحلالية الإسيتطانية الإستئصالية التلمودية الشيطانية   الملعونة المسماة اسرائيل في قلب جسد الأمة بل للأسف من أبناء جلدتنا ممن امنوا بنهج التفريط والإنسحاق والتسليم  امام أسيادهم الكبار بعدما تم   ترويضهم وتهجينهم.

إن التحالف الغربي الشيطاني الإمبريالي مع زعماء الحركة الصهيونية الذي وجد كل فيه ضالته، الغرب لتفكيك الأمة وتمزيقها وتعطيل نهضتها  ودورها وإمتصاص خيراتها وإستباحتها ، لاحظ مخطط كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا في اجتماعه مع سبع زعماء دول غربية عام ١٩٠٧م "يقول نعم بيننا تناقض وتناحر ولكن نحن في سقوط وليس في صعود وقام بتوزيع خريطة الوطن العربي عليهم واستطرد في حديثه هذه المنطقة الممتدة من المحيط للخليج صحيح ضعيفة متقاتلة متشرذمة لكنها تملك كل مقومات النهضة دين واحد لغة واحدة معظم مواد الخام لديهم تستطيع خنق العالم عندهم مضيق هرمز باب المندب جبل طارق قناة السويس فقط يحتاجون قيادة صالحة .. 
ما العمل ؟! زرع جسم غريب يفصل المشرق العربي عن المغرب الغربي ويكون ولائه للغرب ومهمته أن يجعل المنطقة في حاله اللاتوازن ويعطل مشروع النهضة"

في ذات السياق والتوقيت كان زعيم الصهيونية ثيدور هرتزل ورفاقه يبحثون عن حل لرفع الاضطهاد عن اليهود في اوروبا فاستقروا على فلسطين كما يدعون الأرض التاريخية لذا إجتهد على لقاء السلطان العثماني عبد الحميد وعرض عليه فكرة تسديد كل ديون الدولة مقابل السماح بوطن قومي لليهود في فلسطين وقوبل بالرفض.

هذا التحالف الغربي الصهيوني نتج عنه الوعد المشوؤم الذي منحته حكومة بريطانيا العظمى عبر وزير خارجبتها آرثر بلفور ١٩١٧م بمنح البارون الصهيوني البريطاني المصرفي روتشليد الوعد باقامة وطن قومي
 لليهود في فلسطين.

لذلك المخطط انطلق ولذا خطط لحربين عالميتين الاولى والثانية ...وما بينهما كان مشروع زرع الكيان الغريب الذي يحمل كل فساد وجماع الكون يطبخ على نار هادئة بدء بإعلان بلفور ١٩١٧م بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين مروا بقرار عصبة الأمم المتحدة ١٩٢٣م بإنتداب بريطانيا لتأسيس الدولة، كان الحوض العربي الإسلامي يعيش حالة من التأزم والشرذمة بعدما أسقطت الخلافة العثمانية  ونطامها السياسي وعادت خارطة سايكس بيكو والفسيفساء القطرية والحدود المصطنعة  والتجزئة هي عنوان المرحلة ، فولد الكيان الصهيوني وحوله طوق من دول عربية مهادنة وضعيفة بعد مسرحيات جيش الإنقاذ العربي التي تقوده قيادة بريطانيا الذي للأسف سهل مهمة الرحيل والطرد مع استثناءات فردية.

مع شبه التخلي الرسمي عن فلسطين سوى الشعارات الوطنية البراقة الحماسية كانت الحالة الفلسطينية شبه مسيطر عليها وتحت كل من الادارة الأردنية للضفة والمصرية لغزة ومن هاجر لسورية ولبنان والاردن عاش في مخيمات واشرفت حكومات تلك الدول ومساعدات اعاشية من وكالة الغوث الاونروا.

الوطنية الفلسطينية ضاقت ضرعا وبدأت تسعى لبدائل وحراكات فكان النظام العربي الرسمي وسادته مستشعرين هذا  فكان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٦٤م بعد عشرين عام على النكبة ؟!، 
عملية امتصاصية لضبط الايقاع والتحكم فيها ، حتى هذه المنظمة التي ولدت يتمية منعت من العمل لا من الضفة ولا من غزة.

ما سيرد في المقال ليس الهدف منه النقد والجريح بل التوقف والتأمل لأخذ العبر والدوس و توصيف للواقع لنتعرف على مكامن الخلل.

التحالف الغربي الصهيوني والوريث امريكا استطاع تكييف الواقع لخدمة وإطالة عمر مشروعه.
سيناريو حرب الساعات الستة عام ١٩٦٧م، واحتلال 
ما تبقى من فلسطين التاريخية الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء المصرية ، وصدور قرارين عن مجلس الأمن ٣٣٨ بوقف إطلاق النار والثاني ٢٤٢ إنسحاب اسرائيل من أراض او الأراضي العربية وليس الفلسطينية ؟! الى حدود ما قبل السادس من حزيران لعام ١٩٦٧م شريطة سلام دائم وكامل بين تلك الاطراف ودولة اسرائيل دون التدخل في الشأن الفلسطيني بإعتباره موضوع لاجئين .؟! 

بعد هزيمة حزيران عام ١٩٦٧م وإنكسار المشروع القومي العربي ، مرحلة المقاومة في الأردن والصراع الدامي وبعده مرحلة لبنان والصراع والحرب الأهلية بالخروج من لبنان عام ١٩٨٢م لعواصم الشتات. والتغيرات الجوهرية العام  ١٩٧٤م نعيش آثاره وتداعياته حصلت ثلاث محطات. 
المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد بالقاهرةحزيران للعام ١٩٧٤م يصادق على البرنامج المرحلي العشر نقاط الذي يمثل انقلاب على الميثاق القومي والوطني.

والثاني ٢٩ نوفمبر ١٩٧٤م خطاب أبو عمار في الجمعية العامة وقبلولها ببعثة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.  والوحيد.

المحطة الثالثة من نفس العام قرار القمة العربية المنعقد في الرباط ١٣ نوفمبر ١٩٧٤م بإعتبار المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

أثناء هذه الرحلة الطويلة الداخل الفلسطيني في حالة انعدام للوزن وعلاقته بالمقاومة بالخارج علاقة تنظيمية عنقودية وكان العمل داخل فلسطين المحتلة هو للأسف خافت وومضات إبان تواجد المنظمة في الأردن نهاية الستينيات ومطلع الثمانينات عمليات بسيطة ولكنها كانت تنم عن الروح الوطنية العالية والإستعداد للتضحية واوجعت العدو وقضت مضاجعه ولكنها لم تجد الدعم الكافي من الخارج وغالبيتهم اما استشهدوا او اعتقلوا وجرت عليهم احكام طويلة ، وجاءت صفقة احمد جبريل ١٩٨٥م لتحرر مايزيد عن الف اسير من سجون الإحتلال.

بعد الخروج من لبنان شعر الداخل بالحسرة والضياع وبدأت الحورات والنقاشات وخصوصا مع بدايات الصحوة الإسلامية ٱنذاك كان التصور والملخص للحورات أن التيار الإسلامي المجاهد بات معتقد أن نقل الصراع من الخارج للداخل واحتكاك مباشر مع العدو هو المقدمة لإستنزافه في معركة طويل.

كان الشهيد د.فتحي الشقاقي ورفافه يبشرون بهذه الرؤية وعملوا على تجسيدها واقعا عبر طرح شعار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية والمقاومة المسلحة والثقافية والفكرية هي التي ستعيد لهذه القضية ألقها والصدام المباشر هو القدر المحتوم ليعرف العدو انه في المكان الخطأ ويبقى الصراع مشتعلا والإشتباك مستمر ، وعملت حركة الجهاد على تجسيد هذة الثوابت كواقع على الأرض  شهدت عمليات طعن وأخرى عسكرية وعلى الجانب الأخر نشطت جماعة الإخوان والمجمع الإسلامي وبدأت تؤطر وتستقطب وحاضرة في المشهد السياسي والتنافس.

الى ان جاءت عملية الهروب الكبير من سجن غزة المركزي لنشطاء وحفظة قرآن من أبناء حركة الجهاد الاسلامي وتوجت بمعركة الشجاعية السادس من تشرين اكتوبر لتدشن مرحلة جديدة وإضافة نوعية وانحياز للاسلام وفلسطين والجهاد واستشهاد ثلاثة من المجاهدين سامي الشيخ خليل ، محمد الجمل، وزهدي قريقع،  وسبقهم بأيام مصباح الصوري.
وصولا لحادثة المقطورة ودهس العمال داخل الأرض المحتلة فاندلعت شرارة الإنتفاضة الثورة .٨-١٢-٨٧.

على وقع هذا الحدث الضخم والإستثنائي وتمدد الانتفاضة وإنتشارها كالهشيم لتعم كل أرجاء فلسطين وتضع العدو في مأزق.
للأسف أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر الوطني الفلسطيني لعام ١٩٨٨م في الجزائر عن قيام دولة فلسطين استنادا لقرار ٢٤٢ وبهذا تم استثمار الإنتفاضة الثورة بثمن بخس وفيما بعد مفاوضات سرية أثمرت توقيع اتفاق أوسلو الكارثي العام ١٩٩٣م الذي بموجبة حصل الكيان على اعتراف بدولته على ٧٨% من أرض فلسطين التاريخية و٢٢%للتفاوض.

العدو تنكر لكل الوعود وداس على الإتفاق بجنازير الدبابات وحاصر الرئيس عرفات وقتله واندلعت انتفاضة الأقصى العام ٢٠٠٠م المباركة وتم الإلتفاف عليها وفي تلك الفترة ازدادت ضربات المقاومين في غزة مما اضطر العدو للهروب من غزة ولأول مرة تحرر أرض ٢٠٠٥م لتصبح قاعدة انطلاق وحصن منيع.

بعد نتائج الإنتخابات التشريعية وفوز حماس تنكر العالم وتطور الأمر لصدام مسلح وعادت غزة حكومة تديرها حماس وقلعة مقاومة والضفة الغربية تديرها السلطة فتح وعباس وشن العدو أربعة عدوانات متكررة على غزة لتصفية المقاومة وشل قدراتها ولكن هذا عزز الدور وعادت ملهمة وتجسدت في المعركتين الآخيرتين "سيف القدس " "وتوحيد الساحات " الأولى وحدت الجغرافيا والثانية هذا العام وحدت ساحات الفعل المقاوم.

ومن البشريات اليوم الضفة الغربية مشتعلة والمقاومة حاضرة ومشاغلة وجنين اليوم عادت تمثل اسطورة المقاومة وتعيد مجد العام ٢٠٠٢م ومنها وفيها تلتهب الضفة وتتمدد وتكبر وايقونة للمقاومة وملاذ لكل من يؤمن بالتنصل من العمل الامني وابورعد خازم النموذج المشرق الذي سيكون له في قلوب ابناء الاجهزة المسار والرؤية وهذا سبب زلزال للكيان ومشروع التسوية البائس واليوم عاد دوره فقط تنسيق أمني.

والنتيجة ثلاثة عقود من التيه السياسي، الكيان إلتهم الضفة وأوشك على تهويد القدس ويعمل بلا كلل او ملل لإبراز  الهيكل وهدم الأقصى ، وعاد يبني علاقات طبيعية مع الأنظمة العربية والإسلامية وتجاوز ذلك إلى أحلاف عسكرية وأمنية.

كل ما سبق يؤكد أن الصراع في فلسطين وحول فلسطين هو صراع على الدين والعقيدة والتاريخ والحاضر والمستقبل وأن القتال في فلسطين واستمراره بدون توقف وعلى كل المستويات ، لذا الوحدة الوطنية الفلسطينية لم تعد ترفا ولا خيار من الخيارات بل فريضة شرعية وضرورة وطنية مهما بلغت درجة الخصومة لأن الكل أدرك أن الإتفاقات المذلة أضرت ومزقت النسيج الوطني وتجسيد الوحدة الفلسطينية مقدمة لوحدة عربية واسلامية في ظل تحولات كبرى في الإقليم والعالم وصراع محموم بين روسيا وأوكرانيا  وقد تدخل الصين وأمريكيا والكوريتين قد لا ينتهى إلا ببروز تحالفات وأقطاب وسقوط ما يسمى آحادية القطب وهذا سيفرض على المنطقة شبكة تحالفات جديدة لعلها تساهم في إسترداد الدور والمكانة للأمة التي تلاشت على ما سيزيد عن قرن. 

ومقدمة لإعادة الإعتبار لمركزية فلسطين كقضية مركزية تنهي وتسقط نمط التجزئه وتهزم اسرائيل ويعاد إستئناف دورة نهوض وحضارة وهذا ما عطلة المشروع الغربي بتحالفه الشيطاني مع الحركة الصهيونية.

هذا هو الطريق والمدخل الإستراتيجي لتصويب مسار الأمة والبعد عن مسلسل التيه والسراب.

كلمات دلالية