خبر بعد مرور خمسة أعوام..مجاهدو سرايا القدس يروون خفايا عملية تفجير ناقلة الجند التي أدت لمقتل 6 جنود‏

الساعة 10:54 ص|11 مايو 2009

فلسطين اليوم-غزة

بالرغم من مرور خمسة أعوام علي ملحمة حي الزيتون البطولية، إلا أن خفايا ما دار خلال تلك الملحمة لا زال حاضراً في نفوس المجاهدين ممن خاضوا المعارك بأزقة وشوارع ذاك الحي.

 

فحي الزيتون الذي يقع إلي الجنوب من مدينة غزة، لا زالت شوارعه وأزقته تشهد علي همجية العدوان الصهيوني الذي وقع فجر الحادي عشر من مايو 2004م، والذي استشهد خلاله ما لا يقل عن 16 فلسطينياً من المقاومين والمدنيين آنذاك.

عمليـة الاقتحـام

"أبو محمد" أحد قادة الكتيبة الشرقية بسرايا القدس في حي الزيتون، وأحد الذين شاركوا في صد الاجتياح الصهيوني، تحدث لنا عن بداية عملية الاقتحام؛ فقال "مع بدء منتصف ليلة الثلاثاء 11-5، وبينما كان المرابطين يهموا بالخروج لمناطق الرباط المعتادة علي حدود الحي وصلتنا إشارة بحركة للآليات العسكرية من محوري مغتصبة نتساريم وموقع ملكة العسكري شرقي الحي، وأن عدد الآليات كبير وقد تجمعت جميعها علي محور ما يعرف بمفرق الشهداء "نتساريم".

وتابع "ثم بدأ جميع المقاتلين من كافة الفصائل بالخروج والتمركز في محاور متفرقة، وبدأت تدور اشتباكات وإطلاق نار اتجاه الآليات، وأثناء التقدم باتجاه عمق الحي أعطب المقاومون آلية من خلال إطلاق قذيفة مضادة للدروع باتجاهها، فأطلق الطيران الحربي نيران أسلحته الرشاشة بشكل كثيف علي المنطقة التي تم إطلاق القذيفة منها مما أدي لإصابة أحد المقاتلين الذين نفذوا المهمة، ثم تقدمت الآليات بشكل سريع جداً حتى وصلت منتصف الحي لمنطقة ما يعرف باسم عمارة دولة علي طريق صلاح الدين بتغطية نارية من الطيران الحربي".

وواصل "وتمركزت الآليات في المنطقة الأخيرة، وبدأت تطلق النيران بشكل كثيف جداً اتجاه المنازل والطرق، وانتشر المقاومين بين أزقة الحي الجانبية للمكان الذي تتمركز فيه الآليات علي الطريق العام للحي".

اشتباكـات ضاريـة وعمليـات مباغتـة

ولم تنتهي القصة هنا، فكانت تلك هي البداية للمعارك الضارية بعد أن وصلت الآليات الصهيوني ما أطلقت عليه المقاومة آنذاك "مربع الجحيم" بالحي.

 

يقول "أبو محمد"؛ "بعد وصول الآليات لمنتصف الحي بدأ المقاتلين بمباغتتها واستنزاف الجنود الصهاينة من خلال عمليات القنص التي كانت تطال الجنود الذين يظهرون من الآليات والقناصة الذين اعتلوا منازل لعائلات ( شملخ وشعفوط وعاشور ) وسط إطلاق قذائف مضادة للدروع بمختلف أنواعها، وكانت تدور من آن لآخر اشتباكات مباشرة مع الجنود الذين كانوا يحاولون الخروج من ناقلات الجند للمنازل القريبة علي جوانب الشارع العام، إلا أن رصاصات المقاتلين كانت تطالهم بغزارة وتحقق إصابات مباشرة بهم".

وتابع "نحن في سرايا القدس قمنا بتقسيم أنفسنا لمجموعات منها تباغت الجنود وتستهدف الآليات بالقذائف المختلفة وأخرى تكون مهمتها زرع عبوات ناسفة في الطريق العام إلي المنطقة الأمامية من الاجتياح تخوفاً من التوغل إلي الأمام، وكانت عمليات المباغتة والاستهداف للآليات وإطلاق النار اتجاهها واتجاه الجنود لمحاولة الخروج من الناقلات باتجاه منازل المواطنين بهدف الغطاء علي تحرك المقاتلين لزرع العبوات وهو ما تم فعلاً وكان ذلك مع صيحات الآذان الأول لصلاة الفجر".

تفجيــر ناقلـة الجنـد ومقتـل ستـة جنـود

وواصل القيادي "أبو محمد"؛ "ومع صيحات الآذان لفجر الثلاثاء 11-5، تمكن المجاهد "فوزي المدهون" من التسلل من الجانب الشرقي للشارع العام من إحدى الأزقة الصغيرة واختبأ بداخل منزل مهجور، ثم تسلل بشكل سريع إلي جانب عدد من الإخوة المقاتلين إلي مدخل شارع مسجد الرحمن، وتمكن من زرع عبوة ناسفة تزن 50كغم، ثم غادروا إلي مكان الكمين في المنزل المهجور".

وأضاف "بعد أن تمكن مقاتلينا من نصب عدة عبوات ناسفة انسحب المجاهدين الذين كانوا يباغتون الجنود والآليات إلي المناطق الخلفية، وبدأ بعض مقاتلينا من إطلاق النار من الجهة الأمامية لجوانب الشارع العام، فكانت الآليات ترد بإطلاق النار وبعد وقت تقدمت الآليات رويداً – رويداً  لمنطقة ما يعرف بمطعم شعفوط، حيث تمركزت إحدى ناقلات الجند في تمام الساعة 6.35 صباحاً فوق العبوة الناسفة التي زرعها مجاهدي سرايا القدس أمام بيت يعود لآل حجي، وقام المجاهد فوزي المدهون الذي كان بداخل البيت المهجور من تفجير العبوة بالناقلة، والتي تبعه عدة إنفجارات أخرى تبين فيما بعد أنها ناتجة عن انفجار المواد التي كانت بحوزة الجنود داخل الناقلة، مما أدي لتطاير أجزاء الناقلة وأشلاء الجنود الذين كانوا بداخلها لمئات الأمتار وقد تمكن مقاتلينا من اغتنام رأس أحد الجنود الصهاينة الذين تطايرت أشلائهم بالمكان".

 

 

واستمر "وحين أتم مجاهدنا "فوزي المدهون" التفجير انسحب مع كثافة القصف العنيف الهمجي الذي طال المكان بعد التفجير، وتراجع المقاتلين وبدأت العملية العسكرية في الحي تأخذ منحىً آخر، وبدأ الطيران الحربي يخوض الحرب بدلاً من أن تخوضه الآليات العسكرية التي بقيت متمركزة بمنطقة مطعم شعفوط، دون أن يخرج الجنود من الآليات أو يقوموا بأي مهام، وفي المقابل بدأ المقاومين بتنفيذ مزيد من عمليات إطلاق القذائف المضادة للدروع واستنزاف الآليات والجنود، وسط إطلاق من الآليات التي لم تتمكن من التحرك من مكانها إلا بعد أن وصلت تعزيزات عسكرية للمنطقة منحتها حرية التحرك وفتحت للجنود الطريق أمامها للتحرك بسهولة".

محـاولات للوصـول لرأس الجنـدي الصهيونــي

وختم "واستمرت الأمور علي ذات المنوال، حيث كانت هناك مطالب صهيونية لتسليم رأس الجندي الصهيوني المختطف لدي مقاتلي سرايا القدس، وكانت هناك وساطات عربية من أجل تسليمه، مقابل الانسحاب من الحي، ورفضت آنذاك قيادة سرايا القدس تلك المطالب، مما استدعى قوات الاحتلال لتعزيز قواتها، حيث استولت قوات الاحتلال على ثلاثة منازل واعتلى الجنود أسطحها وحولوها إلى ثكنات عسكرية لقنص المقاومين، فيما واصلت المقاومة تصديها بالعبوات الناسفة وقذائفها، وطوق الجنود منازل عدد من المقاومين ونسفوا أبواب مداخل عدة مبان أقاموا فيها نقاط مراقبة على الأسطح، كما قامت وحدات من المستعربين بتمثيل دور المقاومة الفلسطينية والتسلل في سيارات مدنية فلسطينية بحثاً عن رأس الجندي المختطف، وازدادت المعركة البطولية شراسة، وبدأ جنود الاحتلال بتدمير عدداً من المحال التجارية والممتلكات في شارع صلاح الدين، وسط الحي وتجريف عشرات الدونمات من الأراضي الزراعية المزروعة بالأشجار المثمرة في الحي كان أكبرها مساحة بيارة العشي ، وأطقت الدبابات قذائفها باتجاه سيارات الإسعاف والطواقم الطبية، مما أدى إلى ارتفاع عدد الشهداء، بين صفوف المواطنين الفلسطينيين العزل".

تخبط صهيونــي ووساطــات لتسليـم رأس الجنـدي

ومع توالي الأحداث الميدانية، شهدت الساحة السياسية في الدولة العبرية وبشكل متسارع العديد من الاجتماعات والاتصالات الداخلية، وذلك بعد إن تحولت نزهة اجتياح حي الزيتون إلى كارثة أذهلت الجميع، ولتصبح القضية الأولى والأخيرة أشلاء اللحم ورأس المختطف لدي سرايا القدس، التي حولت المعركة الميدانية إلى حالة "هستيريا" لدي جنود الاحتلال الذين استخدموا كافة وسائل الانتقام من المقاومة والمواطنين وبدأت الدبابات والطائرات الصهيونية بقصف منازل وتجمعات المواطنين بشكل عشوائي.

وفي ظل الفشل الصهيوني من الوصول لأشلاء الجنود، طلبت الحكومة الصهيونية بقيادة الجنرال النازي "ارئيل شارون " من الصليب الأحمر الدولي التدخل لدى الفلسطينيين لإعادة أشلاء جثث الجنود الصهاينة فوراً، ألا أن تلك المحاولات مع قيادة حركة الجهاد الإسلامي باءت بالفشل للتوصل إلى حل يتم مقابله تسليم الأشلاء.

ومع عدم تجاوب قيادة حركة الجهاد الإسلامي بدأت الاتهامات الصهيونية داخل أروقة القيادة الصهيونية تتوالي، وبدأت التوعد بشن حرب كبيرة تزداد، حيث اتهمت في ذاك الوقت الخارجية الصهيونية الفلسطينيين بـ"التنكيل" بالجثث ونعتتهم بالبرابرة، فيما وصفهم وزير الخارجية سيلفان شالوم، بالحيوانات!، وقال شالوم خلال محادثة هاتفية مع نظيره الأمريكي، كولين باول، إن "إسرائيل ستفعل كل ما يتطلبه الأمر من أجل إعادة الجثث"، ناعتا الفلسطينيين بالحيوانات، ومتوعدا "بالعمل ضدهم بكل وسيلة".

فيما دعت أوساط في اليمين الصهيوني إلى توسيع دائرة الحملات العسكرية ضد الفلسطينيين، فيما اعتبرت أوساط اليسار أن الجنود ضحوا بحياتهم سدى، ودعا عضو الكنيست أرييه إلداد إلى إعلان حرب شاملة على الفلسطينيين، وقال: "يتعين على رئيس الحكومة أن يصدر تعليماته للجيش بإعلان حرب شاملة على السلطة الفلسطينية وبقية التنظيمات الإرهابية، والتكفير بذلك عن خطة الانفصال التي طرحها".

فيما قال عضو الكنيست الصهيوني في حينه، شاؤول يهلوم (المفدال)، بكلمات "هستيرية" إن "ما قام به الفلسطينيون بعد قتل الجنود الإسرائيليين إنما يثبت مدى وضاعتهم وحقارتهم". وأضاف يهلوم أن "أية خطة انفصال لن تردعهم عن العمل ضدنا،علينا الاستمرار في السيطرة على قطاع غزة" على حد تعبيره.

وفي المقابل، قال عضو الكنيست، يوسي سريد تعقيبًا على الموضوع: "إننا نتساءل اليوم ما هو سبب سقوط جنودنا، لقد ضحوا بحياتهم عبثا، من الواضح للجميع أن ما يجب فعله هو الخروج من هناك"، فيما دعت عضوه الكنيست، يولي تمير شارون إلى الاستقالة من منصبه في أعقاب مقتل الجنود في غزة. وقالت تمير :"شارون غير قادر على سحب الجيش الصهيوني من غزة ومستمر في التخلي عن الجنود الصهاينة، يتعين عليه في ضوء ذلك تقديم استقالته".

ومع توالي هذه التصريحات، أجرت الحكومة الصهيونية السابقة برئاسة "ارئيل شارون" اتصالاً مع القيادة المصرية للتدخل لإعادة أشلاء الجنود من الفلسطينيين، ووصل وفد أمني رسمي خلال ساعات قليلة جداً إلى غزة، وعقد اجتماعاً مع قيادة حركة الجهاد الإسلامي وتم التوصل لاتفاق على أن يسلم رأس الصهيوني المختطف مقابل الانسحاب من حي الزيتون وعدم العودة إليه، وهذا ما تم الموافقة عليه من قبل الصهاينة.

تحطيــم آمــال المحتليـن بتفجيـر ناقلـة جنـد أخـرى برفـح

وبعد أن تمت الموافقة على هذه الاتفاقية كانت سرايا القدس تحطم آمال المحتلين في غزة، وتوقع مزيد من القتلى الصهاينة، فكان مجاهدوها يطلقون قذيفة أر بي جي على دبابة صهيونية قرب بوابة صلاح الدين جنوب مدينة رفح، ولتوقع ستة قتلي صهاينة آخرين من الوحدة الهندسية، وليكن بذلك 12 قتيلاً صهيونياً في أقل من أربعة وعشرين ساعة على يد مجاهدي سرايا القدس.

حكومــة الاحتـلال تدفـع 100 مليـون دولار لتطويـر مدرعاتهـا

بعد أن تمكن مجاهدو سرايا القدس من تفجير الدبابتين في حي الزيتون ورفح ومقتل اثني عشر جنديا صهيونيا ذكرت مصادر أمنية في وزارة الحرب الصهيونية أن الوزارة تعمل في هذه الآونة على محاولة التوصل لاتفاق مع هيئة الصناعات العسكرية الصهيونية لإمكانية على تطوير أداء وعمل المدرعات في المرحلة القادمة. وقالت المصادر -وفق ما أكد موقع جيش الاحتلال الصهيوني- أن الأمر ينطوي على كيفية حماية تلك المدرعات من صواريخ 'آر بي جي' المحمولة كتفًا التي تمكن أبطال سرايا القدس من إطلاق قذيفة على إحدى الدبابات مما أدى من تدميرها جنوب رفح.

تجدر الإشارة إلى أن سرايا القدس زفت المجاهد "فوزي المدهون" الذي تمكن من تفجير الناقلة بعد أن تمكن جندي صهيوني من قنصه مما أدي لاستشهاده علي الفور"، كما زفت في عام 2007 الشهيد المجاهد "محمود الراعي" الذي نفذ عملية تفجير الناقلة برفح أيضاً.

ناقلة الجند «إم ـ 113 كاسمان» التي دمرتها سرايا القدس في حي الزيتون

ـ هي نسخة محسنة من ناقلة الجند الأميركية «أم ـ 113». ويطلق "الإسرائيليون" عليها اسم «ام ـ 113 كاسمان»

ـ بدأ تصنيعها عام 1960 وأدخلتها الولايات المتحدة الخدمة لأول مرة في الحرب الفيتنامية في الستينات. واعتبرت في حينها ثورة في ناقلات الجند.

ـ تزن 12 طنا وتتسع لـ 11 شخصا إضافة إلى السائق في ظروف قتالية.

ـ مصنعة من مادة الألمنيوم سمك 2.5 سنتميتر ـ ليست مصنعة لتتحمل عبوات ناسفة كبيرة كالتي فجرت بالناقلة الصهيونية في غزة، بل لتحمل الرصاص الخفيف والمتوسط.

ـ في السنوات الأخيرة، اضفى الجيش الصهيوني عليها عددا من التعديلات من بينها إضافة برج تنصب عليه الرشاشات.