خبر إيران، إسرائيل واوباما- هآرتس

الساعة 08:46 ص|11 مايو 2009

بقلم: أمير اورن

(المضمون: استعداد اوباما للحوار مع ايران يفزع حكام مصر، السعودية، الاردن ودول عربية اخرى. مقابل منع النووي الايراني وانتزاع تنازلات من نتنياهو يمكن للرئيس ان يطالبهم بتأهيل اللاجئين خارج اسرائيل - المصدر).

في يوم من منتصف الاسبوع زار روبرت غيتس مصر في طريقه الى السعودية. وسعى وزير الدفاع الامريكي الى تهدئة روع الرئيس المصري حسني مبارك، عبدالله ملك الاردن وعبدالله ملك السعودية القلقين من صفقة تآمرية بين واشنطن وطهران. وفي ذات اليوم انطلق الى دمشق مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط جيفري بلتمان، بعد ساعات قليلة من انتهاء زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى العاصمة السورية. وفي قطر انتهت مناورة القيادات السنوية "ايجل ريزولف"، بمشاركة امريكية وعربية وفي سيناريو يرمي الى اعداد دول الخليج للدفاع عن نفسها في وجه الصواريخ واسلحة الدمار من جارة معينة. في ذات اليوم حل ضيفا الرئيس شمعون بيرس على الرئيس الامريكي براك اوباما، الذي املى نائبه جو بايدن في مؤتمر ايباك نظاما للتراجع التدريجي للمستوطنات الاسرائيلية في المناطق. جملة معقدة، تماما مثل الوضع في المنطقة.

لحل لغز المناورة الامريكية المعقدة حيال اسرائيل، ايران والدول العربية، يجدر العودة الى 31 كانون الاول 1990. الرئيس جورج بوش الاب جلس في حينه في منتجع كامب ديفيد وأملى رسالة على آلة الكتابة، احيانا مع اخطاء كتابية او اخطاء معرفية، رسالة لخمسة ابنائه وعلى رأسهم بكره جورج. بوش اعتذر عن مزاجه في احداث عيد الميلاد وعزاه لعذابات تردداته قبل اسبوعين من موعد بداية الحرب ضد صدام حسين. فقد اراد لاربعة ابنائه وابنته ان يفهموا قلبه حين يضع على كفة الميزان الحياة التي سيقضى عليها في الحرب مقابل تلك الحياة التي ستنجو.

"كم من حياة الناس ستنجو، لو أن نزعة المصالحة اخلت مكانها الى قوة مسبقة اكثر، وفي الثلاثينيات او تماما في بداية الاربعينيات؟ كم من اليهود كانوا سيعفون من غرف الغاز، وكم من الوطنيين البولنديين كانوا سيكونون احياء اليوم؟" كتب بوش ووقع، "ابوكم". الرسالة التي طبعها بوش تعرض بافتخار في مكتبته الرئاسية.

بعد نحو شهر، في 12 حزيران، سيحتفل بوش بيوم ميلاده الـ 85. في ذات اليوم ستنتخب ايران رئيسا جديدا، او تجدد العقد مع احمدي نجاد. كارثة يهود اوروبا، التي ذكرت في الرسالة العائلية لبوش، تعود في تصريحات بيرس، بنيامين نتنياهو مسؤولين اسرائيليين كبار ولكن هذه المرة الرد الامريكي ملتبس. رئيس الاركان في البنتاغون، الادميرال مايكل ملن، وزع رسالة ليوم الكارثة ولكن لم يتطرق فيها لاسرائيل بل لذكرى الذين قضوا نحبهم والدرس المناسب الذي يجب تعلمه من الناجين من الكارثة.

وقال ملن قبل نحو شهر لصحيفة "وول ستريت جورنال" التي تتخذ الخط الاكثر كفاحية ضد ايران ان اسرائيل "لن تحتمل" ايران نووية، تكون مثابة خطرا وجوديا، "حياة او موت"؛ وان بوسعها أن تلحق ضررا كبيرا لمنشآت ايران النووية. هذا تقدير وليس تحية. الخط الرسمي لاوباما، والذي كان المعبران الاكثر فظاظة عنه حتى الان بايدن وغيتس، يسعى الى منع اسرائيل عن العمل. ولكن هذا الخط عالق في تضارب داخلي، يورطه مع دول عربية.

المماثلة بين الحرب العالمية الثانية وحرب الخليج الاولى في رسالة بوش الاب كانت غريبة جدا، ولكن اوباما يرى في حرب 1991 مثالا يحتذى لسياسة ربطة خطوات دبلوماسية وعسكرية معا. وبعد عقدين من الزمن فان ايران اوباما هي عراق بوش الاب. من ناحية وجهة النظر الاستراتيجية، اوباما هو الابن الحقيقي لبوش الاب. اما بوش الابن فهو بشكل عام ابن رونالد ريغن. هكذا كان في سنوات الست في الابيض الابيض، الى ان عين غيتس وزيرا للدفاع.

غيتس كان نائب مستشار الامن القومي لدى بوش الاب في الحرب ضد العراق. رئيس الـ سي.اي.ايه بعد ذلك والناطق الرسمي بلسان سياسته. في مقابلة طويلة في البث التلفزيوني "فرونت لاين" برر غيتس الانطلاق الى حرب 1991 بحجة تضع في ضوء غريب تخوفه الراهن من احباط التحول النووي الايراني بهجوم عسكري. لولا حرب 1991، قال غيتس، اعتقد أن العراق كان سيكون له اليوم سلاح نووي، بل واكثر من سلاح نووي واحد".

حماسة مقلقة

الجهود المتداخلة من ادارة بوش الاب لاعداد الحرب تركزت في تنظيم جبهة سياسية مشتركة، مع السوفييت والعرب وبكبح جماح الهجوم الاسرائيلي على العراق. المنظومة العسكرية العربية ضمت السعوديين، المصريين بل والسوريين ايضا. والثمن السياسي الذي دفعه بوش كان انعقاد مؤتمر مدريد لاستئناف مسيرة "الارض مقابل السلام"، بمشاركة فلسطينية. وكانت اسرائيل طولبت بالتجلد وبعدم العمل ضد صواريخ اسكاد. ذكرى الاستعدادات والترددات في تلك الفترة راسخة جيدا في عقول من كان في حينه نائب رئيس الاركان ايهود بارك، نائب الوزير بنيامين نتنياهو، الوزير دان مريدور، رئيس دائرة العمليات في هيئة الاركان مئير دغان وقائد لواء المظليين موشيه يعلون.

وحسب اخر التقديرات والاكثر تأكيدا في القدس وفي واشنطن فان الوضع خطير وان لم يكن مفزعا: تبقى تقريبا 12 الى 21 شهرا الى ان تنتج ايران ما يكفي من المادة المشعة لانتاج سلاح نووي اول. وعندها سيكون بوسعهم ان يقرروا اذا كانوا سينتجون ومتى وكم: "بسرعة وبقدر قليل" – النووي الان ام "ينتظرون ويتكاثرون" – يراكمون مادة مشعة كي ينتجوا قنابل اخرى.

المعادلة هي ذات المعادلة: الصلة بين اقتلاع الخطر المحدق باسرائيل من جانب قوة عظمى اسلامية مسلحة بسلاح الدمار، وبين التقدم السياسي لحل النزاع مع العرب. وبدلا من العراق، ينبغي ادخال ايران الى المعادلة. غير ان سياسة مد اليد لاوباما، بتشجيع من غيتس، هددت بان تنجح اكثر مما ينبغي. فالحماسة الامريكية في بث استعداد للحوار مع ايران ومعارضة حملة من الجيش الاسرائيلي ضد النووي الايراني لم تقنع فقط بجديتها الانظمة العربية المعتدلة – بل بدأت تقلقها.

ايران لم تهدد بابادة اي دولة عربية. اخر من يفترض ان تخشى مثل هذا التهديد هي السعودية – فايران لن تتجرأ على تعريض مقدسات الاسلام للخطر. ومع ذلك، فان السعوديين سيرون في سلاح نووي ايراني، حتى وان كان مخزنا ومعطلا، تهديدا لا يطاق يستدعيهم الى شراء مثل هذا السلاح من الباكستان (التي جاء غيتس لتشجيع علاقات السعودية بها، لغرض استقرار افغانستان). للسعوديين يوجد المال لذلك؛ للمصريين لا يوجد وكذا لا يوجد للسوريين، الذين يحاول بالتمان وغيرهم في الادارة اقناعهم بالابتعاد عن ايران والاقتراب من دول الخليج.

التخوف الامريكي من انهيار النظام في الباكستان وسيطرة المتزمتين المسلمين من مدرسة طالبان على النووي هناك، ليس بديلا عن التصدي للنووي الايراني بل مقدمة له. الانتخابات في الشهر القادم يمكنها ان تنتج بديلين سيئين. الاول – رئاسة متصلبة على الصيغة الحالية، بسيطرة آية الله علي خامنئي، تواصل الخط النووي. الثاني – اعتدال تدريجي، انطلاقا من الرغبة للمصالحة مع اوباما ولكن بشكل يخلق توترات داخلية في النظام ويؤدي الى سيطرة حراس الثورة على النووي. غيتس يعرف بان هذا يمكن ان يحصل مثلما كان تقريبا عندما حاول رجال الجيش، نشطاء الحزب ووكلاء الـ كي جي بي تنفيذ انقلاب ضد ميخائيل غورباتشوف عشية الانهيار السوفياتي النهائي. في حينه انقذهم بوريس يلتسين، من سيكون يلتسين ايران.

بنية الردع المتبادل الامريكية – السوفيتية غير قابلة للتطبيق في الحالة الايرانية وذلك ايضا لان وسائل القتال النووية من شانها ان تتسرب الى منظمات الارهاب التي ستعمل ضد اسرائيل، مصر او السعودية على امل ان تشوش البصمات الايرانية. المبادرون الى العمليات النووية في مدينة شرق اوسطية قد يقدروا بان حتى قتل الالاف وعشرات الالاف لن يؤدي الى هجوم على ايران في ظل غياب ادلة قاطعة على تورطها.

لو اعلنت اسرائيل انه في ختام فحص معمق للوضع توصلت الى الاستنتاج بان الشيطان النووي الايراني لا يبدو هكذا، لكان القلق العربي يصبح فزعا. الانطباع الناشىء عن تصريحات بايدن وغيتس ضد هجوم اسرائيلي في ايران يحدث منذ الان نتيجة مشابهة. فيتو امريكي على عملية اسرائيلية معناها ان بين الدول العربية والنووي الايراني سيفصل فقط التعهد التقليدي لواشنطن بالدفاع عن المنطقة غير انها تعتبر كهزيلة وتفقد مصداقيتها في عهد اوباما – غيتس.

لا خوف

هذا السقوط جاء غيتس الى مصر والسعودية هذا الاسبوع كي يمنعه، بعد ايام قليلة من زيارة الادميرال ملن. الوضع الحقيقي معاكس للصورة الشعبية: في الدول العربية لا يوجد خوف من عملية عسكرية ضد النووي الايراني بل تأمل لذلك، اذا ما – كما هو متوقع – فشلت القنوات الاخرى. خطوة القوة ضد ايران مرغوبة من العرب، باستثناء حماس، حزب الله، الاخوان المسلمين والمنظمات المتأمرة على الانظمة في السعودية، في الاردن وفي دول الخليج. ولاخراجها الى حيز التنفيذ، مطلوب جسر الفجوات التي منعت حتى الان سلاما اسرائيليا – عربيا. هذا الجسر حيوي للعرب بقدر لا يقل عنه للاسرائيليين. النووي الايراني هو الرافعة لتحقيقه.

من تصريحات نتنياهو بعد محادثاته مع المبعوث جورج ميتشل – وربما ايضا مما قاله بيرس في البيت الابيض – يمكن لاوباما ان يفهم بان الشرط الوحيد الذي سيصر عليه رئيس الوزراء هو حل مشكلة اللاجئين خارج اسرائيل. هذا هو معنى المطالبة باعتراف فلسطيني بـ "دولة يهودية". حسب النقطة التي اختار ابرازها وتلك التي اختار طمسها، على الحدود وعلى القدس سيساوم نتنياهو في النهاية. الموافقة على دولة فلسطينية، تلك التي رفض اعطاءها لتسيبي لفني كي يقيم معها حكومة مشتركة سيمنحها بهذه الصيغة او تلك لاوباما.

المسافة بين هذا المسار وبين المبادرة العربية لن تكون طويلة، اذا ما ازيح عنها مطلب اعادة اللاجئين ابنائهم، احفادهم وابناء احفادهم. وحسب الروائح الصادرة عن مطبخ البيت الابيض، فان هذه هي الطبخة الاكبر التي يعدها اوباما، غيتس وزملائهم. اذا ما نجحوا، سيطيب الامر للجميع (باستثناء الايرانيين) واذا اخطأوا في العناصر، في مدى الحرارة او في مدة الطبخ، فان الفرن سيتفجر.