خبر بيوت الطين بين الحقيقة والوهم في عيون المدمرة منازلهم بغزة

الساعة 05:26 ص|10 مايو 2009


فلسطين اليوم-غزة

تشعر الفتاة سهام سويلم بالغرابة إزاء الحديث الجاد حول بناء بيوت من الطين الأحمر لأصحاب البيوت التي دمرها الاحتلال خلال الحرب على غزة، مشيرة إلى أن الفكرة لم تقنع بعد الأسر المشتتة.

وتساءلت: هل يمكن العيش في هذا النمط من البيوت أم أن الأمر فقط مجرد فكرة لإنقاذ الأسر المدمرة منازلها من التشتت ولم شملها؟

سويلم (23 عاما) التي فقدت أسرتها بيتا أقرب إلى "الفيلا" في بيت حانون بعدما دمره الاحتلال وجعله أثرا بعد عين، تعيش مع أسرتها في بيت متواضع استأجره والدها في منطقة "أبو اسكندر" بغزة، وسط ظروف لا يتوفر فيها الحد الأدنى للمعيشة، وتنتظر مع أسرتها حلولا عملية لإعادة لم شمل الأسرة التي لا يكفي البيت المستأجر لأفرادها الثمانية.

وتدرك سويلم حجم الإعاقات التي تواجه تطبيق مشروع الإعمار، إلا أنها لا تتخيل فكرة بناء البيوت الطينية ومدى صلاحيتها للحياة وسط الظروف الحالية، مؤكدة أن "الفكرة لا تزال أشبه بخيال، لا يمكن الإيمان به قبل المشاهدة العينية والاقتناع الحقيقي بها كبديل مناسب للحياة".

وتنوي الحكومة بغزة إقامة منازل ومنشآت من الطين في محاولة للتغلب على الحصار الإسرائيلي.

ويعيش المواطن جهاد الشاعر وأسرته في منطقة "مصبح" شرق محافظة رفح في بيت من الطين وسط ظروف معيشية جيدة.

يشير الشاعر إلى أنه شرع بتنفيذ الفكرة بعد أن فقد الأمل في إعادة فتح المعابر ودخول مواد البناء، مؤكدا أن الحياة في البيوت الطينية ممكنة وليست مستحيلة.

وقال المهندس زياد الظاظا نائب رئيس الوزراء، ووزير الاقتصاد الوطني في الحكومة المقالة، إن اشتداد الحصار ومنع دخول المواد الأولية الخام لصناعة البناء والتشييد من أهم الدوافع التي دفعت الحكومة المقالة للتفكير بشكل جدي بإعادة صياغة منظومة إعادة الإعمار في القطاع.

وأشار إلى أن المواد المستخدمة في البناء هي الطين والمواد الداخلة معه كقوة تماسك وإعطاء مزيد من التحمل و"الكركار" والرمل، إضافة إلى الاستفادة من أنقاض المنازل المدمرة.

وأكد الظاظا في تصريح لعدد من الإعلاميين، أن الحكومة المقالة عملت التصميم والتحليل الإنشائي لهذه المنشآت وكيفية تنفيذها على الأرض وإمكانية التوسع بها من مبانٍ سكنية إلى بناء المؤسسات والمدارس والعيادات والمباني السياحية، مشددا على أهمية الاستفادة من هذا الإبداع الإنساني مع توظيف المعاصرة والتكنولوجيا الحديثة في إعادة صياغة هذه المنظومة.

ولا تزال نحو خمسة آلاف أسرة بقطاع غزة متشتتة بعد أن فقدت مساكنها عقب الحرب التي شنها الاحتلال على غزة أواخر العام الماضي، ويحتاج قطاع غزة إلى نحو 20 ألف وحدة سكنية لإيواء مشردي الحرب، إضافة إلى المباني والمؤسسات الحكومية والأهلية التي دمرت.

ولم يمانع المواطن أبو خليل خضر بناء بيوت تضم أسرته، وتنقذه من خطر التشتت والحرمان، لكنه تساءل حول فكرة البيوت الطينية ومدى ملاءمتها للحياة العملية، مشيراً إلى أن أسرته كبيرة وممتدة، وهل بإمكان البيوت الطينية أن تستوعبها وتوفر لها الحياة الكريمة من ماء وكهرباء، ومطبخ وحمام وغير ذلك، أم أن الأمر يقف عند حد الإيواء فقط؟!

وأشار خضر إلى أن البيوت الطينية في مفهوم الجميع تعني العودة إلى العصور الوسطى والبناء الأفقي لا العمودي، ما يعني مساحات واسعة من الأراضي، الأمر الذي يختلف مع طبيعة سكان غزة كون الأسر من الأسر الممتدة.

وتساءل: هل بإمكان هذه البيوت أن تحتمل الظروف الجوية والبيئية وحالة الحرب اليومية التي تعيشها غزة من تحليق للطيران الإسرائيلي وتفجير للبيوت أم أنها ستتهاوى هي الأخرى عند أقل تفجير؟!

وحول عدد المنشآت المنوي بناؤها، أوضح الظاظا أن الحكومة المقالة "ستبدأ بالنموذج الأول، وهو عبارة عن مبنى من ثلاثة طوابق، كل طابق حوالي 250 مترا مربعا، لتكون نموذجا لجميع المواطنين، وأي مواطن لديه بيت دمره الاحتلال ويريد أن يعيد بناؤه بهذه الطريقة يمكن أن تقوم أية مؤسسة دولية أو محلية أو حكومية بإعادة إعماره وفق النموذج".

وأشار إلى أن "أي مواطن يريد أن يشيد له بيتا يستطيع أن يقوم بهذا العمل مباشرة، وسيكون الأمر مفتوحا لجميع المكاتب الهندسية والاستشارية والمقاولين والعمال وجميع المؤسسات الأهلية والدولية والمحلية، لأن الحكومة تريد أن تضع للناس نموذجا فقط".

وبين أن جميع المكونات متوفرة للهيكل الإنشائي وللعمليات المهمة في التشطيب. وأكد أنها ستكون في وضع أفضل بكثير من أعمال الخرسانة العادية والمسلحة لمواجهة تغيرات المناخ.

وشدد الظاظا على "ضرورة أخذ الكثير من الأمور بالحسبان، منها البدء بصناعة الحجر مع مراعاة المعاصرة والأمور الفنية الهندسية"، لافتا إلى أنه تم أخذ عينات من سبع مناطق في قطاع غزة وعرضها على مختبرات الجامعة الإسلامية ليتم فحصها، وسيتم عرض النتائج الموثقة في غضون يومين أو أقل.

وأوضح أن هناك أكثر من نوع من الطين، مشيرا إلى أنهم سيستخدمونها جميعها.

وعرف الإنسان مادة الطين واستخدمها منذ القدم، وأضحت اليوم من أهم مواد البناء الأساسية وصلب الصناعات الحديثة.

وحول أبرز ما يميز البيوت الطينية عن غيرها من البيوت الاسمنتية، يقول عماد الخالدي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة عمارة التراث بغزة، وأحد مؤيدي الفكرة والقائمين على الإعداد لها، "إن البناء الطيني أقل عرضه للهدم، خاصة في حالات الزلازل والعوامل الطبيعية، فضلا عن أنه يقاوم الرصاص"، مشيرا إلى أن هذا البناء "يمثل عنصر نجاة لسكانه بنسبة 70% من حالات الهدم والتعرض للكوارث الطبيعية، إضافة إلى أن العناصر الطبيعية الموجودة بالطين لا تفقد خصائصها مع مرور الزمن بعكس البيوت المصنوعة من الاسمنت، الذي يبدأ بفقد تماسكه بعد 50 عاما من إنشائه كما أوضحت بعض الدراسات".

وحول خطوات تنفيذ المشروع، قال الخالدي للعديد من وسائل الإعلام، إن فريقه بدأ بإعداد اختبارات خاصة بالتربة الصالحة للمشروع وقام بفحص التربة الطينية في قطاع غزة من نحو 20 منطقة من القطاع تحوي التربة الطينية لتحديد منطقة تواجد التربة الملائمة والمؤهلة للاستخدام في البناء، مشيرا إلى أنها متوفرة بكميات جيدة تساعد على تلبية حاجة المشاريع المختلفة دون التأثير السلبي على القشرة الأرضية الزراعية.

وأوضح أن فريق العمل قام بتصنيع الآلات الخاصة لصنع الطوب في إطار قياس خاص لاستخراج "بلوك" طوب طيني منتظم وبمواصفات ضغط وخصائص مطلوبة لعمارة هندسية مؤهلة للاستخدام والعيش اللائق، وذلك بعد إجراء كافة الدراسات الهندسية الخاصة بصناعة الآلة، مشيراً إلى أن فريقه "انتهى من تصنيع أول ماكينة لضرب الطين تعمل بالضغط اليدوي، ويسير الآن في إطار خطوات الانتهاء من تصنيع الماكينة الميكانيكية لضرب الطين المضغوط بتقنية الضغط الهيدروليكي".

وعن أهمية المشروع لسكان غزة، أكد الخالدي أن المشروع سيفتح المجال لنحو 3000 من الأيدي العاملة للعمل في المشروع، خاصة من العمال المتضررين.

ولفت إلى أن تكلفة البناء الطيني ستكون تقريبا أقل بنسبة 45% في إطار التشطيب من البناء الإسمنتي، و60% في إطار البناء الهيكلي.

وبين الخالدي أن مؤسسته تشرع حاليا في بناء نموذج من المشروع بتقنية الطين المضغوط على مساحة دونم كوحدة سكنية واحدة لتحقيق وتطبيق اختبار تقنية الطين المضغوط على أرض الواقع، ثم الانتقال بعد ذلك لتنفيذ المشروع في إطار تأمين وحدات سكنية لائقة لمتضرري الحرب والمرافق العامة المختلفة الأخرى، إذ سيكون النموذج مكتملاً في غضون شهر واحد.

وأوضح أن الفكرة بحد ذاتها تحد كبير لظروف غزة المعقدة، متوقعا ألا يعرقل أي طرف فلسطيني الجهود المبذولة بهذا الاتجاه.

ودعا الخالدي الأطراف الفلسطينية إلى تسهيل الإجراءات للإسراع في تنفيذ المشروع ودعم كل المحاولات والمبادرات التي يتم تقديمها كبدائل لكسر جذوة الحصار والخروج من الأزمة الإسكانية التي يعاني منها القطاع.