خبر في غزة « المكتئبة ».. أقراص لمواجهة الحياة!

الساعة 06:29 ص|09 مايو 2009

في غزة "المكتئبة".. أقراص لمواجهة الحياة!

الفلسطينيون يلجأون إلي المسكنات لمواجهة آثار الحرب والحصار

فلسطين اليوم – رويترز

يلجأ الفلسطينيون الذين يكافحون من أجل مواجهة الحصار الإسرائيلي لغزة والصدمة التي خلفتها الحرب إلى المسكنات والمهدئات بمعدل قد يسبب الإدمان، وهناك أيضا ما يدل على تزايد استخدام الأدوية الخاصة بتحسين الحالة المزاجية، حيث تعيش غزة بلا مستقبل سياسي واضح.

ففي دراسة مسحية نشرتها قوة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين في 21 أبريل الماضي تحدث سكان في غزة عن مشاكل صحية بعد الهجوم الإسرائيلي الذي استمر 22 يوما في يناير الماضي، وأشار معظمهم إلى مشاكل نفسية وأخرى تتصل بالتوتر والضغوط.

 

وجاء في ملخص تم عرضه في القدس: "مع تزايد الإصابة بالصدمات والضغوط والإمكانية المحدودة للحصول على خدمات نفسية مهنية هناك مشكلة متزايدة بين سكان غزة تتمثل في العلاج الذاتي بأدوية دون إشراف طبي".

 

وقالت مدرسة للصف الثامن -طلبت عدم نشر اسمها- إنها اكتشفت مؤخرا استخدام أطفال في الثالثة عشرة من العمر هيدروكلوريد الترامادول، وهو مسكن قوي يباع تحت الاسم التجاري ترامال، وهو الآن العقار المفضل في قطاع غزة.

 

وسرق صبي الدواء من غرفة والديه وأعطاه أصدقائه دون أن يدري مدى فعاليته أو المجازفة بإدمانه.

 

شبيه بالأفيون

 

ويقول إسلام شهوان، المتحدث باسم قوة الشرطة التابعة لحركة حماس، إن ترامال، وهو مركب من أشباه الأفيون طورته شركة جروينينتال الألمانية عام 1977 لعلاج الآلام المتوسطة والحادة، يلقى رواجا بين طلبة المدارس الثانوية في غزة من الذكور والإناث.

 

ومن الممكن جني أرباح كبيرة من العقاقير التي يقول صيادلة وتجار إن بالإمكان تهريبها عبر الأنفاق من مصر وبيعها بأضعاف السعر الذي تم شراؤها به.

 

ويقول سالم، وهو طبيب وصاحب صيدلية: "أي نوع وأي شيء يأتي عبر الأنفاق التي ما زالت تعمل".

 

ويقول فلسطينيون إن نحو 1400 شخص بينهم 926 مدنيا قتلوا في الحرب التي شنتها إسرائيل من 27 ديسمبر 2008 إلى 18 يناير 2009 ضد المسلحين الذين تقودهم حركة حماس في قطاع غزة.

 

أما إسرائيل فتقول إن معظم القتلى وفقا لإحصائها البالغ 1166 قتيلا فلسطينيا كانوا من المسلحين.

 

وإلى جانب الدمار الهائل زاد القصف من مشكلات الفقر والبطالة والتكدس التي تعانيها غزة.

 

وقال تيسير دياب، الطبيب النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية، إن الكثيرين يتعاطون هذه العقاقير للتعامل مع الاكتئاب، خاصة الشبان الذين فقدوا وظائفهم وليس لهم دخل.

 

وتباع أقراص ترامال 100 ملليجرام مقابل 25 شيكلا (ستة دولارات) لعبوة من عشرة أقراص، وإلى جانب ترامال ذكر صيادلة أن إيلاترول ومضادات الاكتئاب الأقدم مثل الفاليوم والأنافرانيل شائعة الاستخدام.

 

وهناك حبة غامضة مطبوع عليها علامة "الدولار"، وهي أغلى بكثير، وتلقى رواجا أيضا، ويقول خبراء بمجال الصحة العقلية إن الإدمان منتشر.

 

واللجوء للمهدئات والأدوية الأخرى التي يجري تعاطيها دون وصفة طبية ليس غريبا في مواجهة فوضى الحرب، فقد حدث على سبيل المثال في سراييفو عندما كانت محاصرة ومدن أخرى في صراعات البلقان في التسعينيات حين انهارت القوانين.

 

ويقول إياد السراج، رئيس برنامج غزة للصحة النفسية، إن غزة تفتقر إلى الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين المدربين، وكثيرا ما يصف أطباء محدودو المعرفة عقاقير لأعراض جسدية تظهر بسبب مشاكل نفسية.

 

السيطرة صعبة

 

لكن السيطرة على العقاقير تبدو صعبة أيضا، حيث يوضح السراج أن "القانون أوضح أنه يجب عدم منح العقاقير من هذا النوع للناس دون وصفة طبية، لكن ليست هناك سيطرة على هذا، وبالتالي يستطيع الناس الذهاب وشراء أي دواء يريدونه دون وصفة طبية".

 

وقال سالم إن نسبة استهلاك سكان غزة لمضادات القلق والاكتئاب ارتفعت ارتفاعا شديدا.

 

وأضاف: "خلال الحرب كان الناس متوترين وخائفين ويعانون من عدم القدرة على التركيز.. هذه الحالة استمرت بعد الحرب بسبب وضع الانقسام الداخلي واحتمالية تجدد الحرب".

 

وفرضت إسرائيل حصارا خانقا على غزة منذ سيطرة حماس عليها عام 2007، مما أدى إلى انهيار القطاع الصحي وتدمير الاقتصاد في وقت لاتزال فيه معابر غزة مغلقة رغم المناشدات الدولية لفك الحصار عن القطاع.

 

وتتوقف احتمالات رفع الحصار الإسرائيلي على رأب الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، لكن حتى الآن لم تحرز المحادثات التي تهدف إلى تحقيق هذا تقدما كبيرا.

 

وفور بسط سيطرتها على القطاع منعت حماس بيع أشباه الأفيونات الطبيعية، لكنها لم تستطع تنظيم بيع المركبات مثل ترامال الذي بدأت قوة الشرطة التابعة لها مكافحة تداوله خلال غارات على تجار المخدرات.

 

وقال شهوان، المتحدث باسم قوة شرطة حماس، إن الشرطة وجدت من خلال تحقيقات واستجوابات أن بعض المدمنين يتعاطون ترامال بجرعات كبيرة وكميات كبيرة حين لا يعثرون على المخدرات.

 

ويقول نبيل أبو دلال، وهو صيدلي ببرنامج غزة للصحة النفسية: "أعرف حالة حيث عانى شخص من غيبوبة بعد تعاطيه ألف ميلليجرام من الترامادول في جرعة واحدة".

 

وجددت وزارة الصحة التي تديرها حماس مؤخرا التعليمات بعدم بيع أدوية دون وصفات طبية، وقال شهوان إن رجال شرطة متنكرين اختبروا صيدليات المدينة.

 

وأضاف: "أوقفنا عددا من أصحاب الصيدليات لقيامهم ببيع الترامال بطريقة غير مشروعة، وقمنا بإطلاق سراحهم بعد أخذ تعهد منهم بألا يبيعوها، ولكن للأسف ما زال البعض يبيع الترامال بشكل سري".

 

وقال دياب (الطبيب النفسي) إن تحسن الأداء الجنسي وهو من الآثار الجانبية لاستخدام ترامال والعقاقير المماثلة يزيد من شعبيتها بين الشبان المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما.

 

وقال شهوان: "قامت الشرطة بتحذير التجار والعاملين بالأنفاق بعدم تهريب الترامال وعقاقير أخرى، ولقد قمنا بمصادرة الآلاف من أشرطة حبوب الترامال".

 

حبة السعادة!

 

الحبة المطبوع عليها علامة الدولار تسمى سعادة، ويجري تهريبها عبر الأنفاق وبيعها في السوق السوداء في غزة، لكن أبو دلال يقول إن تركيبتها ومصنعها غير معلومين.

 

وأضاف أنه على الرغم من أنها ليست واسعة الانتشار مثل ترامال فمن الممكن أن تتكلف الجرعة الواحدة من سعادة ما بين 50 و100 شيكل إسرائيلي.

 

ويقول الشاب سامح إنه ينفق 500 شيكل (120 دولارا) في الشهر على ترامال وعقاقير مماثلة، وتابع: "إنها تحسن شعوري.. تجعلني أنسى مشاكلي لبعض الوقت".

 

وبدوره، قال السراج، رئيس برنامج غزة للصحة النفسية: "آمل أن يكون لهذا نهاية، لكنني أشك في هذا.. أعتقد أن علينا أن نعد أنفسنا لمشاكل أكثر خطورة".