خبر دراسة: الفلسطينيات يتحدين الواقع بالتكنولوجيا

الساعة 04:41 م|08 مايو 2009

فلسطين اليوم : نابلس

في ظل الثورة الرقمية التي نعيشها أصبح من غير الواقعي عدم الاستفادة مما توفره تكنولوجيا الاتصال من ميزات وخصائص، سواء على الصعيد الشخصي أو المؤسسي، وهذه الاستفادة يجب أن تكون نتيجة لقناعة بأهمية ودور هذه التكنولوجيا، دون أن يكون ذلك محل تمييز وفقا للنوع الاجتماعي.

 

هذا ما أوصت به دراسة ميدانية شملت 20 مؤسسة نسوية فلسطينية في محافظة نابلس كبرى محافظات الضفة الغربية، والتي كان من أبرز نتائجها أهمية إدراك المرأة الفلسطينية لأهمية استخدام تكنولوجيا الاتصال في العمل المؤسسي، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على استخدام المؤسسات النسوية الفلسطينية لهذه التكنولوجيا كما ونوعا.

 

الدراسة، التي جاءت تحت عنوان :"استخدام المؤسسات النسوية الفلسطينية تكنولوجيا الاتصال" للباحث سليمان بشارات، حازت على المركز الثاني في مسابقة الباحثين الشباب التي نظمها مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق بالتعاون مع منظمة اليونسكو على مستوى الضفة وقطاع غزة للعام الحالي 2009.

 

منطلقات وأهداف

 

انطلق الباحث في دراسته من عدة أهداف تمثل أبرزها في التعرف على مدى اهتمام المؤسسات النسوية الفلسطينية بتكنولوجيا الاتصال وإدراكهم لأهميتها، إلى جانب التعرف على أشكال استخدام هذه المؤسسات للتكنولوجيا وقدرتها على تحديد الإستراتيجيات التي يجب تبنيها للتغلب على العوائق التي قد تقف أمام مشاركة المرأة الفلسطينية في مجتمع المعلومات.

 

وجاءت الدراسة في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وتكونت هيئة التحكيم التي أشرفت على الأبحاث المقدمة للمسابقة من شخصيات أكاديمية وخبراء في النوع الاجتماعي "الجندر".

 

وبينت هيئة التحكيم في قرارها أن الدراسة تناولت قضية جديدة ومهمة واتبعت خطوات البحث العلمي بطريقة مقبولة، وحاولت الدراسة تقديم مساهمة نوعية جديدة حول استعمالات المرأة ومؤسساتها لتكنولوجيا الاتصال، وهو ما يشكل مساهمة جيدة وجديدة في هذا المجال الذي تفتقر إليه المكتبة العلمية الفلسطينية.

 

وينطلق الباحث في إشكالية الدراسة من فرضية أنه في ظل عصر المعلومات وانتشار المعرفة الرقمية من المهم استخدام المؤسسات النسوية –كونها إحدى ركائز البناء المجتمعي- هذا التطور، أو توفيره بقدر طاقاتها المادية إلى العاملات فيها، لكنه من خلال الواقع يتبين أن هذا الاستخدام يتفاوت في طبيعته وأشكاله والمعيقات التي قد تقف أمامه سواء نتيجة الثقافة المجتمعية السائدة أو الواقع المالي المتوفر لهذه المؤسسات، أو حتى نتيجة الخصوصية للمجتمع الفلسطيني نتيجة الاحتلال الإسرائيلي وسعيه المستمر إلى هدم النظام المؤسسي الفلسطيني.

 

ولتحقق الهدف من الدراسة فقد وضع الباحثين تساؤلين رئيسيين؛ الأول: ما هي وسائل تكنولوجيا الاتصال المستخدمة في المؤسسات النسوية الفلسطينية، وفيم تستخدم؟ والثاني: ما هي المعيقات التي تحد من استخدام تكنولوجيا الاتصال في المؤسسات النسوية؟

 

البداية الفعلية

 

الفصل الثاني من الدراسة يتناول البدايات الفعلية للمؤسسات النسوية الفلسطينية، وطبيعة التطور المرحلي في نشأتها، إلى جانب الدور المجتمعي الذي تقوم به.

 

ويلاحظ من خلال القراءة للأدبيات العلمية والتاريخية حول نشوء المؤسسات والجمعيات النسوية أن الدور المنوط بها جاء لتلبية حاجة المجتمع ولخدمة القضية، خصوصا النساء اللاتي كن يطمحن في أن يكون لهن دور فعال في المجتمع عن طريق تقديم الخدمات للفئات المهمشة كالأيتام والأطفال، ومساندة المناضلين بالاستمرار في المقاومة ولخدمة القضية الوطنية، وكانت هذه البدايات بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في 1948.

 

فيما شهدت الفترة الممتدة ما بين (1976 – 1987) ازدياد في أعداد الجمعيات والمؤسسات النسوية، وتضاعفت الجهود الإنسانية والخيرية التي تقدمها من أجل استيعاب المهام الجديدة والطارئة التي حلت بالواقع الفلسطيني.

 

وخلال سنوات الانتفاضة الأولى ما بين (1987- 1994) تعرضت المؤسسات النسوية إلى ضغوط كبيرة من قبل الاحتلال وتمت مراقبة عمل هذه المؤسسات والتدخل في برامجها وشئونها الداخلية، بل وصل الأمر إلى إغلاق العديد من المؤسسات بحجة القيام بأعمال سياسية مخالفة للقوانين والأنظمة.

 

بعد حصول الفلسطينيين على حكم ذاتي وإدارة السلطة الفلسطينية للعديد من محافظات الضفة وقطاع غزة في العام 1994، شكل ذلك منعطفا مهما في عمل المؤسسات النسوية؛ فإلى جانب ترسيخ دورها وضرورة استمرار عملها عملت المؤسسات النسوية في هذه الفترة على تعزيز دورها في الانتقال من الإغاثة إلى التنمية المستدامة، والعمل على تنفيذ برامجها ونشاطاتها بما ينسجم ويتفق مع الاحتياجات والأولويات التنموية الفلسطينية.

 

وما ميز المؤسسات النسوية الفلسطينية عن غيره من مؤسسات المجتمع المدني أنها طورت برامجها المتعلقة بالمرأة والطفل، وشملت برامجها القرى والمخيمات والمناطق النائية بالإضافة إلى المدن.

 

ومع بداية العام 2000 بدأت الجمعيات النسوية الفلسطينية تعيش مراحل أكثر إدراكا ووعيا للواقع المجتمعي الذي تعمل فيه، وهو ساهم في تنفيذ برامجها بطريقة أكثر وعيا وأكثر تخصصا وتنظيما، فبرزت المؤسسات الحقوقية والقانونية، إضافة إلى توسع اهتمام المؤسسات الأخرى لتشمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.

 

قناعة وإدراك

 

الفصل الثالث من الدراسة جاء ليعرض ويناقش أهم النتائج التي خلص إليها الباحث في دراسته المسحية التي شملت مؤسسات مقرها في المدينة بنسبة 60% والقرى 30% ومخيمات اللاجئين 10%.

 

وأظهرت الدراسة أن هناك إدراكا واضحا من قبل المؤسسات النسوية الفلسطينية لأهمية تكنولوجيا الاتصال، وهو ما انعكس على نسبة استخدامها في هذه المؤسسات، إذ أظهرت الدراسة أن ما نسبته 100% من المؤسسات النسوية محل الدراسة تتفق على أن استخدام وسائل وأدوات تكنولوجيا الاتصال يحسن من إنتاج المؤسسة، ويزيد من أداء طاقم العمل، ويساهم بتطوير طاقم العمل، ويمنح المؤسسة تميزا أكثر، ويساعد المؤسسة بالحصول على معلومات كافية عن طبيعة عملها، ويوجد قنوات اتصال وتواصل ما بين المؤسسة وجمهورها المستفيد، ويمكن المؤسسة من التواصل والتشبيك مع باقي المؤسسات المحلية والدولية.

 

وفي هذا الإطار فقد أظهرت الدراسة أن جميع مفردات العينة محل الدراسة تمتلك أجهزة كمبيوتر يتم استخدامها في مجالات العمل من قبل العاملات فيها، وهو ما يعطي ملامح لقدرتها على استغلال التطور التكنولوجي والوصول إلى العديد من الأدوات ووسائل الاتصال التكنولوجية مستقبلا.

 

وحول امتلاك هذه المؤسسات لأجهزة التلفاز واللاقط الفضائي "الستالايت" كإحدى وسائل تكنولوجيا الاتصال، أظهرت النتائج أن 85% من هذه المؤسسات تمتلك جهاز التلفاز المتصل باللاقط الفضائي.

 

واعتبر الباحث هذه النتيجة تعطي مؤشرا إلى إدراك هذه المؤسسة لأهمية هذا الجهاز، كما أنه يعطي مؤشرا على اهتمام المؤسسات بفتح الأفق أمام العاملين فيها للاطلاع على ما يجري في العالم سواء من أحداث يومية أو ما يخص جوانب عملهم في الوقت الذي كثر فيه ظهور الإعلام المتخصص بالمرأة.

 

الإنترنت..

 

وتظهر نتائج الدراسة أن المؤسسات النسوية الفلسطينية حاولت تجاوز الكثير من المعيقات التي تقف في سبيل تنفيذ مشاريعها من خلال شبكة الإنترنت، حيث أظهرت الدراسة أن 85% من المؤسسات المشتركة بالدراسة تشترك بنظام الإنترنت فائق السرعة ADSL.

 

وتساعد هذه التقنية الحديثة، التي بدء العمل فيها بفلسطين مع بداية عام 2005، على تصفح الإنترنت بسرعة وبسهولة، وهو ما يوفر على المتصفح الوقت والجهد، ويفسح له المجال أيضا إلى الاستفادة من العديد من الأدوات والوسائل التي توفرها الإنترنت كالاتصال الهاتفي عبر الإنترنت أو التواصل الصوتي أو استخدام كاميرا الويب، وما إلى ذلك من ميزات كبيرة.

 

كما أظهرت النتائج أن 40% من المؤسسات النسوية محل الدراسة تمتلك موقعا خاصا بها على الإنترنت، وأن ما نسبته 25% من هذه المؤسسات تقوم بإنشاء موقع لها، فيما بلغت نسبة المؤسسات التي تفكر في امتلاك موقع مستقبلا 35%.

 

ويشكل الموقع الإلكتروني الخاص بالمؤسسة الواجهة الرئيسية، والنافذة التعريفية التي من خلالها يمكن للجمهور المحلي والعالمي التعرف على هذه المؤسسة وعلى الخدمات والأنشطة التي تقدمها. كما أن امتلاك موقع إلكتروني يساعد المؤسسة على الاتصال والتواصل مع العديد من الجهات المانحة التي قد تكون داعما رئيسيا لكثير من المشاريع، إلى جانب التواصل مع شرائح المجتمع.

 

إن امتلاك المؤسسات النسوية لمواقع إلكترونية من شأنه أن يمنح المرأة نافذة أساسية للتعبير عن رأيها، وإبداء مشاركتها في الحياة اليومية بمختلف أشكالها السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن شأنه أن ينمي المرأة من خلال البرامج التثقيفية التي يمكن عرضها عبر هذه الصفحات.

 

تتحدى الاحتلال

 

ولم يتوقف استخدام التكنولوجيا من قبل المؤسسات النسوية الفلسطينية في المجالات التقليدية فحسب، فقد أظهرت الدراسة أن ميل هذه المؤسسات تجاه استخدام تكنولوجيا الاتصال بات يزداد لمواجهة المعيقات التي يفرضها الاحتلال على حرية الاتصال فيما بين المدن والمحافظات الفلسطينية.

 

وأظهرت الدراسة أن 85% من المؤسسات النسوية ترى الحصار الإسرائيلي دفع بالكثير منها إلى زيادة الاعتماد على تكنولوجيا الاتصال.

 

وأوصت الدراسة في خاتمتها إلى ضرورة الاهتمام بتطوير مفهوم النوع الاجتماعي وفقا لثورة الاتصال والمعلومات، ورسم علاقة جديدة بين هذا المفهوم ومؤسسات المجتمع المدني، بحيث لا تكون مجرد زيادة استخدام النساء لتلك التكنولوجيا بالأرقام، بل يجب أن يخرج ذلك إلى الواقع من خلال إستراتيجيات عملية تتبناها هذه المؤسسات في برامجها المستقبلية.