خبر الشرخ قد اصبح هنا..معاريف

الساعة 08:59 ص|08 مايو 2009

بقلم: رون ميبرك

نتنياهو يرغب في ان يكون رئيس وزراء اسرائيل الذي يزور واشنطن اكثر من كونه رئيسا للحكومة الاسرائيلية. رافقته قبل عشر سنوات في زيارته الاولى كرئيس للحكومة في العاصمة الامريكية ولا اذكر رجلا شعر بالاستمتاع الكبير الى هذا الحد خارج السرير. بيل كلينتون كما نذكر كان رئيسا يحب ملامسة البضاعة. ساد بينه وبين نتنياهو نوع من النفور وعدم الانسجام كما ظهر من خلال لغة جسد كلينتون. الرئيس الامريكي فضل ابقاء يديه الطويلتين المعبرتين جدا ملتصقتين بجسمه خلال لقائه مع نتنياهو. كانت هناك لمسات قليلة ولم يتعانقا تقريبا. الحد الاقصى الذي نجح هذان القائدان غير المنسجمان في ابرازه للملأ كان مصافحة يد قوية بينما كان نتنياهو يهز يد كلينتون بشدة غير متناسبة. ربما قام كلينتون بوضع يده على مرفق نتنياهو مرة واحدة. هذا كان في تلك الفترة علامة لود شديد.

السؤال الاكبر كان لماذا اصر الزوجان نتنياهو على جر الاطفال الصغار معهما في تلك الزيارة هذا القرار الغريب لم يكن فقط مزعجا لوحدة حراسة الشخصيات الهامة في الشباك وانما كان غريبا من حيث المنطق. وكأن رئيس دولة اسرائيل المنتخب يخشى من ابقاء اطفاله في البيت تحت الحراسة الشديدة عندما يسافر في مهمة حكومة لواشنطن. هذه لم تكن زيارة ناجحة سياسية وشخصية. وكلينتون سرعان ما نسي نتنياهو من اللحظة التي ابتلعته فيها الطائرة مغادرة. الاطفال شاهدوا "ملك الاسود" في مركز كينيدي والسيدة نتنياهو زارت روضات الاطفال، وذروة الزيارة كانت خطاب نتنياهو الذي اوصله للنشوة امام مجلسي النواب والشيوخ. نحن الذين كنا جالسين في موقع الصحافة هناك تثاءبنا من الملل.

عشر سنوات مرت منذ ذلك الحين. من الصعب ان نتخيل دولة متنورة لم تصحو ولم تنهض وتبدل قيادتها بصورة ايجابية. اسرائيل وحدها تفتقد للقيادة الشابة الدينامكية القادرة على الاقدام على خطوة دراماتيكية وما زالت تواصل اللعب في الكراسي الموسيقية. نتنياهو كعادته يسارع لواشنطن. لست رئيس وزراء اسرائيل حقا الى ان تجلس وحدك مع الرئيس الامريكي في الغرفة البيضاوية ورجليك فوق بعضهما البعض. ليس نتنياهو وحده الذي يجلب معه اقتراحات مغطاة بالصدأ ويطرح كومة من الشروط المتشددة. لن يحدث اي شيء الى ان يعترف الفلسطينيون بحق اسرائيل في الوجود وحينئذ فقط ربما سيكون مستعدا للتفكير بحل الدولتين للشعبين – هو ايضا سمح للرئيس شمعون بيرس باجراء زيارة مشابهة قبله بعشرة ايام. الرئيس براك اوباما ونائبه جو بايدن وهيلاري كلينتون وكثيرون اخرون سمعوا من بيرس امورا واعدة وتتناقض كليا مع مواقف نتنياهو المعلنة. ان اردتم ان تشاهدوا الصورة الجوية بكامل حماقتها: بيرس في واشنطن يطلق عبارات المصالحة ويتحدث عن الدولتين والتعايش والى ما ذلك وفي نفس الوقت يتجول وزير الخارجية افيغدور ليبرمان في اوروبا ويعطي احمدي نجاد مهلة ثلاثة اشهر لايقاف اجهزة الطرد المركزية النووية والا فان اسرائيل ستضطر للهجوم. ويقول ذلك في السياق لسلفيو برلسكوني الايطالي في الايام التي تطالبه فيها زوجته بالطلاق. خمنوا أين كان الرأس الايطالي في تلك الفترة. عموما هذه ليست دولة هذه سفاري.

في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية الحالة المزاجية في واشنطن متردية جدا هذا المجال الوحيد الذي لم ينجح اوباما فيه بالبرهنة عن لمساته السحرية. الطالبان يشكلون خطرا حقيقيا على السلاح النووي الباكستاني. العراقيون ليسوا سعداء من موعد الانسحاب المزمع للجيش الامريكي والوضع في افغانستان يتدهور بسرعة ومقابلات هذا الاسبوع مع الرئيس الباكستاني لم تهدىء من هذه المجريات. القراصنة الصوماليون يتحولون الى ازعاج حقيقي يستوجب تدخل الرئيس شخصيا. الملك عبدالله يستغل حديثه المتزن للاصرار على المواقف العربية القديمة وخالد مشعل في خطوة المعية يعلن عن ايقاف اطلاق النار من غزة الى ما بعد زيارة نتنياهو ولكن من دون ان تكون لديه سيطرة على الارض. وفي داخل هذه السلطة يهبط رئيس وزراء اسرائيل الذي يصل لعقد اخوة الرجال مع اوباما والبرهنة بان الاصرار الحازم على المبادىء يوصلهم للهدف.

تحت صورته اللطيفة وحديثه المتزن والمقنع يمكن القول ان اوباما هو رئيس حازم عازم صلب قوي الشكيمة ولا يستطيع ان يسمح لنفسه بمواصلة جر الصراع الاسرائيلي – العربي لولايتين اخريين قادمتين. هذا ليس خيارا بالنسبة له رغم انه ليس الرئيس الاول الذي يشعر بذلك. ليس هناك اي سبب في العالم لان يبدأ هذان الشخصان المختلفان كليا واللذان يمثلان مواقف قطبية لبلورة شيئا ايجابيا بينهما. لو كنت اوباما لمنحت نتنياهو الاحترام اللائق وحولت المحادثات الجوهرية للنائب بايدن وللسيدة كلينتون. بايدن غاضب من نتنياهو كما قال في هذا الاسبوع لمؤتمر ايباك. بايدن اوضح بصورة لا يرقى اليها الشك بان على اسرائيل ان تتوقف عن لعبة الضم الزاحف الاستيطاني في المناطق ووافق على ان على الفلسطينيين ان يتوقفوا عن العنف ضد اسرائيل واكد بان قوات السلطة هي قوة شرطية قوية وحازمة وملتزمة وفعالة. الادارة تطلب تمويلا من الكونغرس لتعزيز الفلسطينيين اما اسرائيل فعليها ان تتحرك فورا من اجل اقامة دولتين سياديتين. بايدن طالب بتفكيك المستوطنات والانسحاب منها ونهجما للمبادرات الاقتصادية. هذه الصفقة التي يتوجب على نتنياهو ان يعرضها علينا. كان هذا ما اقتبس عن بايدن.

ادارة اوباما تغص باشخاص بما فيهم يهودا من اولئك الذين تتمتع اسرائيل بأن تسميهم اسرائيليين، ولكن كل هؤلاء لا يمتلكون ذرة من الصبر في مواجهة اللاعيب المعروفة. ولا يطيقون وضعا يفرض فيه على الامريكيين ان يخصصوا وقتا كبيرا مما يوجد لديهم استعداد لبذله للشرق الاوسط. كلينتون متصلبة وحازمة اكثر من زوجها السابق. رام عمانويل رغم اسمه واصله يطالب هو ايضا بالدولتين والان. جيمس جونز مستشار اوباما للامن القومي قال في هذا الاسبوع انه خلافا لادارة بوش ينوي اوباما ان يكون صعبا ومتشددا مع اسرائيل. هذا يوجب نتنياهو بتخزين حبوب الدواء المضادة للحموضة.

ولكن الحكاية هي ان اوباما نفسه وقدرته على ان يكون "فظا" وقدرته القليلة الموجودة لديه في هذه الايام الصعبة في كل الجبهات على ملاطفة ذات رئيس وزراء اسرائيل. من كل المواجهات المحتملة التي تمثل امامه يعتبر الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني الاكثر قدما واكثر انسدادا. المشكلة هوجمت من كل الزوايا . مع كل القادة. قد لا تكون الاكثر اشتعالا ولكن احدا بما فيهم احمدي نجاد لن يهدأ حتى تحل. اوباما يدرك ان اسرائيل لا تتساهل بقضية مهاجمة ايران. اوباما يعرف ايضا ان قصف المفاعل الايراني هو مهمة انتحارية لجزء غير بسيط من طياري الهجوم. سيكون لديهم ما يكفي من الوقود للوصول ولكن ليس للعودة.

الوضع كله قد يوفر وبالكاد الذريعة الوحيدة للضعف الاخلاقي والعملي الذي اصيب به اليسار الاسرائيلي في الانتخابات الاخيرة. ان ادرك اليسار ان نتنياهو وحده القادر على قيادة الوضع نحو الجدار المحصن والتحطمي فوقه والاستسلام لاملاءات اوباما فهذا قد يوضح تفكيرا ربع ذكي. ان كان اوباما هو الرئيس الامريكي الاول القادر على مهاجمة اسرائيل وفق مناورة "نلسون المزدوج" ودفعها مقيدة نحو طاولة المفاوضات فان اليسار يكون قد لعبها بنجاح في هذه المرة. ولكن من الناحية الاخرى لا يصدق احد ذلك او يؤمن به.