خبر برحيل « عقيلان ».. أمية جحا زوجة الشهيدين

الساعة 10:36 ص|06 مايو 2009

فلسطين اليوم – إسلام أون لاين

"أغمض عينيه.. ولكن ليس لينام هذه المرة.. بل كان يجاهد, ليمنع الدموع أن تسيل كنت أرى عراك جفنيه وارتعاشة أهدابه.. بينما لم يقو جفناي أن يصدا سيل الدموع الجارف.. كنت أبكي بصمت وأنتحب بلا صوت".

"كان متعبا جدا.. وكنت حريصة على أن يحظى بقسط من النوم والراحة.. وكنت أوقن أن قبلتي التي طبعتها على جبينه عندما هممت بالخروج من المشفى لن توقظه، آثرت أن أمشي.. كانت خطواتي سريعة بسرعة دقات قلبي الموجوع لحال زوجي.. كنت أبكي بحرقة وكادت الدموع تخفي عني معالم الطريق، كل ما كان يهمني ولا يزال أني زوجة لا تريد أن تفقد زوجها بسبب الحصار".

لـم تسعف الريشـة صـاحبتها هذه المـرة فوقفت عاجـزة عن رسـم ألوان الحـزن وخطـوط الألم، ولـم تتمكـن رسـامة الكاريكاتير المعـروفة الفنـانة الفلسطينية "أميـة جُحـا" مـن التقاط ريشـتها لتُخبـرها بمكنون ما يعتـريها من ألـم فامتشقت القـلم وعلى ورقـة ٍبيضاء خطت دمـعها السـاخن، وحـوارها الأخيـر مع زوجـها المهندس "وائل عقيـلان" الذي توفي مسـاء الأحد 3-5-2009 بعد منعه من السفر لتلقي العلاج في الخارج.

الموت على المعبر

سـاعات قليـلة كانت تفصـل بيـن دمـعتين انهمـرتا عـلى خـد "أميـة"، الأولـى انسكبت وهي تجلس إلى جوار سرير زوجها في المشـفى، دمـعة عنـونتها بمقـالٍ حمل اسم "حين يبكي الرجال"، ونشـرتها عبر الصحف والمواقع الإلكترونية لعلّ حـروفها تصـل إلى أصحـاب القرار فيفتحون معبرا تموت على أرصفـته كل يـوم مئات الأحـلام، أما الدمـعة الثانيـة التي أربكتـها وصدمت ريشـتها وقلـمها فكان عنوانها: "لقـد.. مات وائل".

ومـا أن أعلنت مصادر طبية فلسطينية خبر وفاة عقيلان بعد منعه من السفر عبر معبر رفح لتلقي العلاج في الخارج، بعد إصابته قبل شهر من الآن بانفجار في المعدة حتـى استحضـر الفلسطينيون مأساة هذه الفنانة التي فقدت زوجها الأول المهندس "رامي سعـد"، والذي ارتقى شهيدا أثناء تصديه لاجتياح إسرائيلي باغت حي الشجاعية شرق غـزة بتاريخ 1-5- 2003.

وشيّعت الفنانة زوجهـا آنذاك بـلوحة حزينـة سكن فيـها رامي بحدقة عينيـها الباكيـة دما جاء على هيئـة دمعة تنسكب من الجفـن فترسم قلبا، وبنبرات التحدي قالت الفنانة الفلسطينية يـومها إن إسرائيل لن تفـلح في إسكات ريشتها، وإنها ستـواصل مسيـرتها بالرغـم من جـراحها، والآن وبـعد أعوامٍ قليـلة استيقظت أمية على فاجعـة جديدة تسبب فيـها الحصار الإسرائيلي الخانق والمفروض على القطاع منذ أكثر من عاميـن.

وكـأنما ترثيه؟

أمام صـدمتين باغتتا حيـاة الرسـامة في ذات الشهـر (مايو)، وبفارق يومين فقـط على ذكرى حزنها الأول، كان صعبا أن تخرج حروفها مُرتبـة وهادئـة، فبصوتٍ بدا كعصفور مقصوص الجناحيـن قالت لـ"إسلام أون لاين.نت": "لا يُمكنني الحديث.. أنا حزينـة للغايـة.. ولا أكـاد أتخيل أنني فقـدت زوجي وائل بعد أن حرمني الاحتلال من زوجي الأول رامي.. إسرائيل تحترف اغتيال كل مساحات الفرح في حياتنا".

غصـة تتبـعها دمعات كبيـرة تمنعها من الكـلام.. وبعـد صمتٍ حزين تتساءل أمية: "أليس من حقنا أن نعيش كباقي البشـر؟ لماذا تبقى معابرنا مغلـقة وموصدة الأبواب؟".

وانهالت عشـرات المقالات تبرق بالتعازي الحارة للفنانة الفلسطينية، وتستنكر حصـارا خانقا يقتل فـرحة غـزة ويغتال أمنيات سـكانها.

"مصطفى الصواف" رئيس تحرير صحيفة فلسطين اليومية كتب مقالا حمل عنوان: "قاتل الله من قاتلكم يا شهداء الحصار"، استنكر فيه سياسية إغلاق المعابـر وتساءل: "لا أدري هل موته نتيجة منعه يلقى بالا لدى من ماتت ضمائرهم، وربطوا أمنهم القومي في خدمة السياسة الأمريكية وحماية أمن إسرائيل؟".

أما "حافظ البرغوثي" رئيس تحرير صحيفة الحياة اليوميـة فكتب يقول: "كتبت أمية قبل أيام عن زوجها المريض كأنما ترثيه، قدرها أن ترسم الهم الفلسطيني، وأن تقترن بمن هو في عين الإعصار، وتحمل أعباء المرحلة المريضة، وهكذا يتحول موت الفلسطيني إلى رقم مجرد جامد بفعل الحصار وعبثية الانقسام".

زوجة الشهيدين

وفي مقالةٍ له حملت عنوان: "أمية جحا.. زوجة الشهيدين"، قال الكاتب والصحفي حبيب أبو محفوظ: "حين قرأت مقالها "عندما يبكي الرجال" عرفت يقينا أن الفنانة الفلسطينية ستصبح عما قريب صاحبة لقب جديد وهو "زوجة الشهيدين"!.

وتُعَد الفنانة الفلسطينية أول رسامة كاريكاتير في فلسطين والعالم العربي، وقد نالت العديد من الجوائز، كان من أهمها جائزة الصحافة العربية لعام 2001 في الإمارات العربية المتحدة، كذلك حازت على جائزة الإبداع النسوي التي أقامتها وزارة الثقافة الفلسطينية في مارس 1999؛ حيث حصلت على المرتبة الأولى على محافظات الوطن برسوم الكاريكاتير.

 

وتتمتع رسامة الكاريكاتير أمية بعضوية جمعية ناجي العلي للفنون التشكيلية في فلسطين، وكذلك جمعية الفنانين التشكيليين، إلى جانب عضويتها في جمعية "Illustrator Agency " في بريطانيا.

ودشنت أمية موقعا خاصّا لرسوماتها على الإنترنت؛ فحازت على لقب "صاحبة أول موقع كاريكاتير لرسامة عربية"، كما حاز موقعها على المرتبة الأولى في مسابقة لاختيار أفضل موقع كاريكاتير عربي.

حماس تنعي رجلها

ومن جـانبها نعت كتائب القسـام الجناح العسكري لحركة "حماس" الشهيد عقيلان، وقالت في بيانٍ لها وصل "إسلام أون لاين.نت" نسخة منـه إن "وائل" من الأفذاذ الذين طوروا الأسـلحة لمواجهـة الاحتلال وأذاقوه الويلات وأضافت: "كم تمنى أن يلحق بركب الشهداء في قلب المعركة وخلال المواجهـة مع العدو.. ولكن حسبنا أنه شهيد الحصار".

وقال المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم: "من غير المعقول أن يموت أهلنا في غزة موتا بطيئا بالحصار وتحت الدمار، والزعماء العرب يغضّون الطرف عن كل ما يرتكب من جرائم".

وبوفاة عقيلان جراء منعه من السفر يرتفع عدد ضحايا الحصار منذ أكثر من عامين إلى 330 شهيدا، بينما يخشى المئات أن يتحولوا إلى رقم جـديد في قائمة الموت.