خبر ما قيل يكفي! ..رشاد أبو شاور

الساعة 09:27 ص|06 مايو 2009

ـ القدس العربي 6/5/2009

ما الذي كان السيّد خالد مشعل سيضيفه لو أنّ الفيديو كونفرنس الذي تحدّث عبره إلى مجلس العموم البريطاني لم ينقطع عن البث لعطل فنّي؟!

الرسالة السياسيّة قيلت، وهو بها أراد أن يستميل أعضاء مجلس العموم البريطاني، وأن يمكنهم من الخروج للقول بأن خطاب 'حماس' معتدل، وأنه بعيد عن التطرّف، وان سوء الفهم يجب أن ينتهي، وأن الحوار المباشر مع حماس بات ضروريّا.

قال السيّد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: نحن مع دولة فلسطينيّة في حدود الرابع من حزيران (يونيو)!

ياسر عرفات، وقيادة فتح التي كانت قيادة للشعب الفلسطيني، والمهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينيّة، حين وقعت على اتفاقات أوسلو، كانت مع دولة فلسطينيّة في حدود الرابع من حزيران. إذا هذا الخطاب الحمساوي قديم- جديد، وهو مُرسل في مغلّف مكتوب عليه: خال من الإرهاب، و..ننتظر الرّد!

لكن صاحب هذا الخطاب (ما غيره)، والمبشّر بسلام الشجعان مات مسموما، والحركة التي كان يقودها خسرت الرهان، وتبخرت أحلامها ووعودها، فضلاً عن انها ضاعت و..ضيّعت.

رفع لواء القبول بدولة فلسطينيّة في الضفّة والقطاع، مع شروط مثل: مستقّلة، قابلة للحياة، سيّدة على حدودها.. وهذه أيضا قديمة، وباتت مثيرة للسخرية، لأن ما يجري على الأرض يُسخفها، ويدلل على سذاجة من يطرحونها!

خلف هذا الخطاب الموجه لمجلس العموم، وأوروبا بعامة، وإدارة أوباما الديمقراطيّة، خطاب مضمر يقول: نحن الطرف الأقوى حاليّا، ومن وقعتم معهم في أوسلو لم يعودوا فاعلين، ولا قادرين، ولأننا الأقوياء: هلموا ومدّوا أيديكم لنا، فنحن لسنا متطرفين بدليل أننا نقبل بدولة في الضفّة والقطاع!

جاء هذا الخطاب الحمساوي بعد زيارات، ولقاءات، مع وفود أوروبيّة، خرجت راضية، ومستبشرة، بل ودعا بعض أعضاء تلك الوفود لمحاورة حماس، وسماع صوتها، وهو صوت السيّد مشعل الذي قدّم خطابا معتدلاً، ولم يطلب المستحيل..(كان عرفات يردد هذا التعبير، ومعه : أنا مش طالب القمر!)

هذا الخطاب لم يكن للاستهلاك، ولا هو مناورة، فهو استبدال لاستراتيجيّة التحرير، بالقبول بالحل الراهن، المؤقت، بدولتين، وليس بفلسطين (الإسلاميّة) من نهرها لبحرها، وهو ينسجم مع انتقال حماس، وتحولها، إلى مرحلة الصراع على السلطة، وانتزاع التمثيل من فتح المأزومة، الممزقة، المشتتة!

كان خطاب جماعة السلام الفلسطينيين يُبرّر بفكرة أساسيّة، وهي: إنقاذ الأرض في الضفّة والقطاع قبل أن يلتهمها غول الاستيطان الزاحف!

بعد أوسلو، وفي ظل مسيرة السلام ضاعت الأرض، وتمزّق الشعب، وتهالكت فتح، ولم يبق منها سوى الإسم، وأشخاص يدعون تمثيلها، والنطق باسمها، والانتفاع من حالة الترهل، وغياب المحاسبة، والرقابة.

هل يا ترى إذا ما استجيب لخطاب حماس، وخاضت من جديد عملية التفاوض تحت سقف (دولة في حدود الرابع من حزيران)، ستحقق حق العودة، وتنقذ القدس من المخططات الكاسحة التي نخرت أرضها، ولا سيّما تحت الأقصى، وقبة الصخرة؟ وهل ستفكك قيادة الكيان الصهيوني معاليه أدوميم التي تزحف إلى شاطئ البحر الميّت، وأخواتها التي بعضها مدن راسيات، وقلاع يصعب اقتلاعها إلا بزلزال عات يهدمها ويجعل أسفلها عاليها؟ لماذا، ومن، سيضطر الكيان الصهيوني بقياداته، وتجمعه الأكثر تطرفا من قيادته، للتخلّي عن مستوطناته، ومستوطنيه، في الضفة، والتراجع إلى ما قبل 5 حزيران؟!

أم يا ترى ستسلم حكومة نتنياهو ـ ليبرمان، تلك المستوطنات مفروشة لقيادة حماس التي جنحت للسلم؟!

بعد خطاب السيّد مشعل عبر الفيديو، صرّح السيد أحمدي نجاد بأنه مع حل الدولتين، يعني مع دولة فلسطينيّة و..دولة ( إسرائيليّة)، وهو بهذا لم يناقض حماس، ولكنه سار على خطاها، وبقصد تخفيف الهجمة عليه وعلى إيران، بهذه التصريحات المعتدلة التي تراجع فيها عن تهديد الكيان الصهيوني بالمحو عن الخارطة!

نحن لا نلوم السيّد أحمدي نجاد، فما فعلته الأنظمة العربيّة بالقضية الفلسطينيّة، وبالشعب الفلسطيني، ولا سيّما فضيحة حصارها لغزّة، والتفرّج على إعادة احتلال الضفّة، والمذابح المتكررة، وآخرها محرقة غزّة، يحملها هي مسؤولية استهتار العدو، وانحياز أمريكا، وأوروبا التي غادر ممثلوها في (ديربان )2 القاعة عندما اعتلى نجاد المنصّة، وتحدث عن عنصرية الكيان الصهيوني!

الخلل فلسطيني وعربي، ونجاد لن يكون عربيّا وفلسطينيّا أكثر منّا!

السلطة أفلست، ووضعت قضيتنا في مأزق، وهي سبب التوسّع الاستيطاني، وبقاء الأسرى في السجون، واستشراء الفساد، وعدم إنجاز الوحدة الوطنيّة، وخراب فتح، ولكن حماس لم تقدّم البديل، بل إنها تعيد طرح الخطاب الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه، وهي محشورة في غزّة، فلا هي مقاومة تخرجنا من المأزق، وها هي ذي تكرر السير على الطريق الذي سلكته قيادة فتح ومن لفّ لفّها من الأتباع، ولم يثمر سوى هذا الخراب!

لمّا دخلت حماس في انتخابات التشريعي، وضعت نفسها تحت سقف أوسلو، وزاحمت على موقع الشريك في السلطة، ثمّ محاولة الهيمنة على السلطة، وهنا غيّبت نهج المقاومة، بإدارتها الظهر للشعب الذي انتخبها وراهن عليها كي تستأنف المقاومة، وتنهي حقبة الفساد!

قد يقال: ولكنها قاتلت في غزّة؟

أذكّر بأن الذي تحمّل هول الحرب ببسالة عزّ نظيرها هو الشعب الفلسطيني، ولم يكن هذا جديدا عليه، فهو قاتل في بيروت، والضفّة، وفجّر انتفاضتين موءودتين، وخاض معارك كثيرة دفع فيها ألوف الشهداء، رغم مساومة وتنازلات قيادته، وإن كنّا لا نُغمط دور 'حماس'، و..'الجهاد'، والفصائل جميعها في القطاع بما فيها كتائب الأقصى الفتحاويّة!

وبالمناسبة: المقاومة ليست الدفاع عن النفس في القطاع، أو إطلاق الصواريخ فقط، ولكنها عمل قتالي شعبي مستمر في الضفّة والقطاع، وحيث يتواجد الفلسطينيون، وبكل الوسائل والسبل، وهذا ما يتّم تعطيله بالملاحقة والمطاردة في الضفّة بأيدي جماعة (دايتون)، وفي القطاع بفعل أجهزة حماس، لأن حماس لا تسمح بأن يشاركها أي طرف في القرار!

هل نساوي بين الطرفين؟ لا، ولكننا نطرح أسئلة، وأولها: إذا كانت السلطة قد استنفذت تماما، ولا خيار لها سوى التفاوض، فما هو المشروع (المقاوم) الذي تطرحه حماس؟

دولة في الضفّة والقطاع؟

هذه لن تتحقق بدون مفاوضات، وفي المفاوضات هناك حقائق على الأرض، أولاها المستوطنات التي لن تُزال، وثانيتهما استحالة تحقيق حق العودة بالمفاوضات، والذي لا بدّ من تأجيل البحث فيه حتى لا تفشل المفاوضات! و..ماذا عن القدس التي رسمت حدودها، وشكلها؟!

هذه الأسئلة تقود إلى أحد طريقين: التفاوض، وإعادة إنتاج مسيرة الخراب، وبدون أمل، عكس الآمال الموهومة في مسيرة السلطة الأوسلويّة، أو الخيار الذي لا خيار له لشعب، وأمة، ليس أمامها سوى اقتلاع الاحتلال من كل فلسطين، وإنهاء حالة الانكسار، والتردد، والسير وراء الأوهام.. وبالمقاومة.

ترى ما الفرق بين السلطة وحماس؟ السلطة لن تقاوم، وهي ضد المقاومة، وحماس تقف في منتصف الطريق، عينها على السلطة والتفاوض على دولة، و..كلامها يوحي بأنها يمكن أن تعود إلى خيار المقاومة..متى؟ بعد ضياع القدس تماما، وهيمنة الاستيطان على الضفّة و..خنق شعبنا في القطاع، والاستفراد بالمقاومة هناك؟!

تُرى: هل طرحت حماس في مؤتمرها، قبل أربعة أيّام، هذه الأسئلة على نفسها؟ وهل درست مسيرتها منذ شاركت في انتخابات التشريعي، حتى الهيمنة على القطاع، و.. ومسؤوليتها الوطنيّة في إخراج القضيّة الفلسطينيّة من المأزق الراهن؟!