خبر لنهيل التراب على جثماني الحوار والمصالحة الفلسطينيتين../ راسم عبيدات*

الساعة 12:08 م|05 مايو 2009

لنهيل التراب على جثماني الحوار والمصالحة الفلسطينيتين..

 راسم عبيدات*

 

* كاتب مقدسي 

05/05/2009  14:02 

... الأنباء الواردة من رام الله وغزة لا تبشر بخير، وهي تشير إلى استعدادات يجريها كلا الطرفين، من أجل تشكيل حكومتين موسعتين في رام الله وغزة مع الحديث عن فشل الحوار.

 

وهذه الاستعدادات تعني بالملموس نهاية الحوار والمصالحة وفشلهما، ولا يحتاج أي عاقل للوصول إلى هذه النتيجة، فالجولات المتوالية والتأجيلات المستمرة للحوار، كفيلة بالقول لمن يعرف أبجديات السياسية بأن إكرام الميت دفنه وقراءة الفاتحة على روحه وإهالة التراب على جثمانه.

 

والمسألة هنا ليست إرادية أو رغبوية أو إسقاطا للذات أو نظرة سوداوية وتشاؤمية، بل تستند إلى قراءة التطورات الإقليمية والدولية. وأيضا المسألة ليست لها علاقة بالتكتيك وتشكيل عوامل ضغط من قبل حكومة رام الله والقاهرة على حماس للاستجابة إلى ما يعرض عليها في الحوار، فملفات الحوار الأساسية لم يحدث فيها أية اختراقات جدية، لا منظمة التحرير ولا الأجهزة الأمنية ولا المصالحة ولا الحكومة، رغم كل ما كان يشاع عن حدوث تقدم أو تطور ايجابي في هذا الملف أو ذاك.

 

والعامل الحاسم هنا ليس الطرف الفلسطيني، بل حجم التدخلات والإملاءات والاشتراطات الخارجية في الشأن الفلسطيني، هي من يقرر نتيجة الحوار ووجهته، والفشل كان واضحا منذ أن طار وزير المخابرات المصري عمر سليمان إلى واشنطن وبلجيكا للحصول على موافقة أمريكية- أوروبية على حكومة وحدة وطنية فلسطينية، دون التزام بشروط الرباعية والاتفاقيات السابقة، ولكن سليمان عاد دون الحصول على هذه الموافقة، وبما يعني أن هذا الحوار بدأ يترنح، والترنح هنا له علاقة بأن دول النظام الرسمي العربي، وبالذات المعتدلة منها، ليست جاهزة أو في نيتها وقدرتها الخروج عن طوع الإدارة الأمريكية، أي دعم حكومة وحدة وطنية فلسطينية بدون موافقة أمريكية- أوروبية ورفع للحصار عن الشعب الفلسطيني.

 

وربما كانت قراءتنا للخارطة الحزبية الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية المشكلة من قوى وأحزاب يمينية، وما صدر من ردود فلسطينية وعربية عليها، جعلنا نقول بأنه من الممكن أن تقلع سفينة الحوار والوحدة الوطنية، فحكومة رام الله أعلنت أنها لن تعود للمفاوضات إلا بوقف الاستيطان، وأبو الغيط قال إن الحكومة المصرية لن تتعامل مع وزير خارجية إسرائيل المتطرف ليبرمان، ولكن يبدو أن هذه القراءة خاطئة، حيث أن حبر وصدى هذه التصريحات والكلمات لم يجف ولم يزل حتى أكدت الحكومة المصرية أنها تتعامل مع حكومات وليس أفراد، وليقوم وزير خارجيتها أثناء زيارته إلى إسرائيل بلقاء ليبرمان ومن بعده، وفي ذكرى يوم نكبة الشعب الفلسطيني، يتصل رئيسه مبارك برئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية نتنياهو مهنئاً بالاستقلال أي نكبة الشعب الفلسطيني، أما رئيس السلطة الفلسطينية وطاقم حكومته فقد أجروا اتصالات معايدة مع حكومة نتنياهو.

 

وفي المقابل وجدنا أن النظام المصري والسلطة الفلسطينية صعّدوا الموقف تجاه إيران وحلفائها، حيث أن النظام المصري شن حملة شرسة على المقاومة اللبنانية واعتقل مجموعة للحزب تقدم دعماً لوجستياً لحماس في سيناء، وقال إن ذلك تهديد للأمن القومي المصري، ووصف حماس بأنها التوأم والشريك لحزب الله. وكذلك شن النظام المصري حملة على إيران بحجة أنها تهدد الأمن القومي المصري وتصادر دور مصر الإقليمي، وهذا كله ترافق مع تهديدات إسرائيلية بشن عدوان على إيران لمنعها من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وكذلك تهديدات بشن حرب أخرى على حزب الله ولبنان وقطاع غزة.

 

ونحن هنا نشهد حالة من الاصطفاف شبيهة بحالة الاصطفاف التي كانت قائمة قبيل الحرب العدوانية الأمريكية- الأطلسية على العراق ومن ثم احتلاله، حيث تجندت أغلب دول النظام الرسمي مع أمريكا في عدوانها على العراق، ومن ثم تبخرت الوعود الأمريكية لهذه الدول بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بمجرد أن انتهت الحرب باحتلال العراق وتدميره عسكرياً ونهبه اقتصادياً وإفنائه بشرياً.

 

واليوم تتصاعد حدة ووتيرة التحريض العربي الرسمي وبالذات المعتدل منه ضد إيران وحلفائها من قوى المقاومة وبالذات حزب الله وحماس وغيرها، حول إيران "الفارسية والمجوسية والشيعية والتكفيرية" وأطماعها في الوطن العربي، وتهديدها لأمنه القومي، ونشهد حالة من الغزل والتقارب ما بين هذه الأنظمة وإسرائيل وبشكل غير مسبوق، حيث أن حكومة التطرف واليمين في إسرائيل والتي كانت تخشى من عزلة ومقاطعة عربية ودولية لها، وجدت أن الدول العربية وبالذات معسكر الاعتدال منها تفتح لها عواصمها وتتلهف على عقد اللقاءات معها.

 

ومن هنا فليس لنا سوى القول بأن نهيل التراب على جثماني الحوار والمصالحة، فعدا عن أن حالة واسعة من عدم الثقة بين حماس وفتح، فمنظمة التحرير ليست مطلوبة لا عربياً ودولياً، وحتى البعض فلسطينياً لا يرى في المنظمة سوى جسم للاستخدام من أجل استصدار قرار أو مرسوم أو المصادقة على قرار، وهناك من لا يعترف بشرعيتها بالمطلق، ناهيك عن أن الكثير من المتباكين عليها، هم من أوائل من يساهمون في نحرها وذبحها، أما مسألة الأجهزة الأمنية وإعادة بنائها على أسس مهنية وغير حزبية، فهذا الملف فيه الكثير من التعقيد، فهناك من يطرح إعادة الهيكلة والبناء فقط في القطاع واستثناء الضفة من ذلك، وهناك من يرى أن الهيكلة والبناء يجب أن تستند إلى حجوم ونسب ومحاصصة وغيرها.

 

والملف الذي كان متوقع أن يشهد تقدماً وتبنى عليه انفراجات في الملفات الأخرى هو ملف الحكومة، ولكن حتى هذا الملف كان حوله خلاف شديد حكومة ببرنامج أو بدون برنامج وحكومة تعترف أو تلتزم بالاتفاقيات السابقة وشروط الرباعية ومن هو رئيسها....الخ.

 

باختصار المرحلة القادمة ستشهد حالة من تكريس وتعميق الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي، ومزبداً من الضعف والتآكل في الجسم الفلسطيني، وحالة من الضياع والتوهان والمزايدة، وسيترافق ذلك مع استمرار وتعميق لحالة الحصار وخلاف حول الأعمار من يتولاه ويشرف عليه. وإسرائيل ستقوم بتنفيذ خططها وبرامجها بأريحية ودون أية ضغوطات، وسنشهد استكمالاً لحالة الأسرلة والتهويد لمدينة القدس، وتكثيف وتزايد في وتائر ومعدلات الاستيطان في الضفة الغربية، وسلطتين تحت الاحتلال وسقف شروطه في رام الله وغزة، أقرب إلى الشأن البلدي منها إلى الحكومات، وبدون أية صلاحيات أو سيطرة فعلية على الأرض.