خبر مدير التحليل بالأمن الداخلي لـ« فلسطين اليوم »: العملاء يتناقصون ونستخدم وسائل تقنية في عملنا الاستخباري ضمن القانون

الساعة 06:51 ص|05 مايو 2009

فلسطين اليوم-خاص

ليس سهلا أن تتحدث مع مصدر مسئول في جهاز الأمن الداخلي في غزة، لكن بعد عدة محاولات، تمكنا من لقاء "أبو عبد الله" مدير دائرة التحليل في هذا الجهاز، وقد طرحنا عليه الكثير مما يثار حول عمل هذا الجهاز، خصوصا تعامله مع الملفات الساخنة كقضية العملاء والوضع الأمني الداخلي في غزة، وقد كان لـ"فلسطين اليوم" معه هذا الحوار:

 

*تحدثتم عن نجاحات أمنية تمثلت باكتشاف شبكات تجسس لإسرائيل، ما هي معايير النجاح لديكم؟

-إنجازاتنا هي ضمن الواقع الصعب الذي نعيشه، من ناحية الإمكانيات وكم العداء من قبل الاحتلال، وتوصلنا لهذه الشبكات ضمن هذا الواقع يعتبر إنجازا، لكن هل نستطيع أن نصنف ذلك كنسبة مئوية للنجاح، هذا طبعا لا يمكن، لأنه لا يمكن تحديد كم العملاء وإلا لتم ضبطهم جميعا، لكن نقول وبكل ثقة أن عدد العملاء في تناقص،  لعدة أسباب من ضمنها التضييق عليهم وكذلك نشاط الأمن الداخلي وتوجه المقاومة كفلسفة، مع العلم أن بعض الشبكات تم تحديثها من قبل مخابرات الاحتلال، وقد فهمنا هذه الرسائل جيدا، ويمكنني القول أننا استطعنا "تضليل مخابرات الاحتلال بشكل مدروس".

 

*برأيك، هل تقليص مساحات الاحتكاك مع الاحتلال قلل من إمكانية تجنيد عملاء جدد؟

-طبعا، ولكن سبق قلة الاحتكاك الثقافة التي أوجدتها الحالة الجديدة في قطاع غزة، بعد شهر يونيو/حزيران 2007 ومن ضمن ذلك قطع التنسيق الأمني مع الاحتلال بشكل كامل، وفقط منذ أسبوع تواصل معنا أحد عناصر أمن السلطة "السابقين"، وكان قد ذهب للعلاج برام الله، وقد عرضت عليه المخابرات الإسرائيلية "التخابر"، وعندما قابلناه، أعرب عن ارتياحه الشديد، وأخبرناه بأننا سعداء لسماع هذا الكلام الطيب، وقلنا له: تستطيع أن تذهب كيفما تشاء، وإن عرضوا عليك، فخذ قرارك كما تريد، لأننا متأكدون أن هناك الآن "ثقافة ممانعة" و"ضابط داخلي" في هذا الأمر.

 

*ولكن من المعروف أن الثقة "مفقودة" بين المواطن و الأمن، وأيضا كيف يمكن أن تكون هناك "ثقافة عامة"، وما هي عناوينكم للإخبار عن ذلك؟

-نستطيع أن نزعم أن حالتنا استثنائية، والمواطن عندما يرى أن وزير الداخلية "سعيد صيام" قد استشهد وكذلك القيادات وأن هناك حالة من الشفافية، يجد المواطن ارتياحا اتجاه هذه الأجهزة وقياداتها. أما بالنسبة لعناويننا، فحن نتمنى أن ندخل للمجتمع بشكل مباشر، ولكننا لا نريد أن نكرر ما كان في الأجهزة السابقة بغزة، عندما كنت تجد أن الحالة الأمنية متواجدة بكثافة في المجتمع، فنحن نريد أن يعمل المجتمع المدني بارتياح وأن نكون بعيدين عن الإعلام وبالاحتكاك المباشر بالناس، ومع ذلك أقول أنه وضمن هذه الحالة الاستثنائية هناك عناوين لنا، وأقول لأي مواطن، عندما تذهب لأي فصيل مقاوم بملف أمني، تأكد أنه سيصل إلى الأمن الداخلي، وكذلك أي قيادات وطنية مجتمعية أو بالتشريعي،  وهناك العديد من الحالات التي تواصلت معنا.

 

*ولكن الشارع "يرتعب" عندما تذكر كلمة "الأمن الداخلي"؟

-أنا أؤكد أن هذه الصورة موجودة للأسف، لكن أنا أحمل مسئولية هذه الصورة "للإعلام الفتحاوي"، الذي يحاول أن يظهر نفسه بأنه يتعرض لكثير من الظلم، وأن الكادر الفتحاوي يصبح بطلا عندما يخرج من عند الأمن الداخلي، فأراد أن يعطي لنفسه البطولة، وأن الأمن الداخلي هو الذي ظلم هذا البطل. هذه الحالة هي التي سببت هذه الصورة "غير الطبيعية" في أذهان المواطنين، لكن الحقيقية لدى مراكز حقوق الإنسان والتشريعي وبعض الوجهاء الذين زاروا المعتقل، هؤلاء أكثر مصداقية في إيصال الصورة.

*هل تريد أن تقول أن الصورة "وردية"؟

-لا، ليس كذلك، أنا أقول أن الصورة طبيعية ومن ضمن صورة الأجهزة الأمنية الطبيعية قد تكون هناك بعض الأخطاء.

 

*لكن قبل أيام قليلة، أصدرت مؤسسة الضمير بيانا قالت فيه أن العديد من كوادر فتح، تعرضوا للضرب والإهانة اللفظية، على خلفية الاعتداء على الشيخ "البيتاوي"؟

-نحن نحترم المؤسسات الحقوقية، لأننا ننظر إلى عملهم كمساعد لنا بشكل إيجابي، لكن الثقافة الموجودة لدى أبناء فتح وحماس في الضفة وغزة تتأثر بمدى التقارب والتباعد في الحوار،  وعندما تحدث بعض الحالات سواء ردة فعل هنا أو هناك، يجب أن نضعها في سياقها الطبيعي، ولكن عندما يعتدى على نائب وشيخ جليل، يجب أن لا نضعها بشكل موازي لما يمكن أن يقوم به مواطن هنا، كردة فعل لعمل هناك أو كانتقام، وإن كنا ننكر أساسا ردة الفعل، ولكن علينا أن نتابع ونحاكم من قام بالفعل أولا، حتى لا ندخل في الفعل وردة الفعل. ولكن إذا كنا نتحدث عما يحدث في غزة، ونحن مسئولون عن ذلك، نقول أن كل ما يتعلق بالاعتداء خارج عملية الاعتقال مرفوض بالمطلق، ونحن لا نتحمل مسئولية ذلك، حيث يمكن أن يتعلق ذلك بالشرطة، ومن يتم الاعتداء عليه، يمكن أن يتوجه للنيابة أو الشرطة، وأنا أؤكد أن لا يوجد أي اعتداء على أي مواطن منذ لحظة اعتقاله، ونحن نستقبل أي شكوى في هذا الإطار.

 

*مؤسسات حقوقية اتهمت أيضا الأمن الداخلي بقسوة أساليب التعذيب لديه، وأنها وثقت حالات وفاة نتيجة هذا التعذيب؟

 -يجب أن نفرق بين أمرين، بين ما يتعلق بدعاوي تعذيب صعبة أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ونحن شكلنا لجان تحقيق وخرجت بتوصيات وأؤكد أن هناك أخطاء وقعت من قبل الأمن الداخلي، خلال الحرب، لكن هذه الأخطاء تم الانتهاء منها بانتهاء الحرب تماما، وأؤكد أنه منذ منتصف شهر فبراير لم تسجل علينا أي حالة ولو بسيطة.

 

-لكن قتل أكثر من 30 شخصا أثناء الحرب، قيل أنهم عملاء، لماذا لم يقول القضاء كلمته؟

-نحن نحترم القضاء، ولكن ما حصل أن مكان توقيف العملاء تعرفه إسرائيل والصليب الأحمر، ورغم أنهم يعرفون أن الأمن الداخلي غير عسكري، ومع ذلك ضربت السرايا والمشتل، فتم الإفراج عن المعتقلين، لأننا لا نستطيع تحمل مسئولية قتلهم من قبل طيران الاحتلال، حتى أن ضباطنا اصيبوا في حين لم يصب أي معتقل، وقد كان حفاظنا على أرواحهم أكثر من أنفسنا، وأصبحت هناك حالة فوضي أيام الحرب الأولى، وكانت مهمتنا الحفاظ على الجبهة الداخلية، ولكن هناك للأسف اجتهاد من بعض رجال المقاومة في ملاحقة بعض العملاء المحكومين بالإعدام، ونحن لا نؤيد إعدامهم خارج نطاق القانون، ثم هناك بعض العملاء للأسف ذهب إلى الأماكن الساخنة واستمر في التخابر، والتفكير في الهرب، وبالتالي كانت هناك حالة ضبابية، وأنا أؤكد أننا لا نتحمل أي مسئولية عما حدث لكن نحمل الاحتلال بشكل مباشر، لأنه قصف المقرات ولأنه حاول التواصل مرة أخرى مع العملاء، وفي حالات الطوارئ، قد يكون للمقاومة بعض القوانين.

 

*لوحظت محاولات تجنيد عملاء جدد مؤخرا؟

-هذه حالة اعتيادية يقوم بها الاحتلال كرد فعل لقلة احتكاكه بالمواطنين، وقد تكون حالة الصيادين قد أخذت زخما أكثر بسبب الإشاعات الإسرائيلية بأنها ضبطت أسلحة مهربة معهم كتبرير للاعتداء على الصيادين، ويتم ابتزاز الصيادين بأساليب متعددة، ولكن نحن نقول بكل صراحة أننا فهمنا الرسالة جيدا ولدينا فهم كامل عمن هو العميل حتى لو تم تركه لفترة لمتابعته، حتى يتم ضبط الدائرة كلها، ولكن ما يسعدنا وجود الثقافة الوطنية لدى الصيادين، فهم يتواصلون معنا مباشرة، ونحن نقول للصيادين بأنكم على ثغر من ثغور الوطن، ولدينا الثقة الكاملة بأنكم تحملون رسالة للمخابرات الإسرائيلية برسالة وطنية واضحة، بأننا لسنا نحن الذين نبيع الوطن بفتات من العيش مع تأكيدنا على أن المسلك المشبوة يعلن عن نفسه.

 

* هل رصدتم حالات تجنيد في الخارج أيضا؟

-نعم، وهناك حالات تم ارتباطها وهي تخضع للمتابعة.

 

*هناك فهم بأنكم تستخدمون التكنولوجيا الحديثة في المتابعة الأمنية، هل تؤكدون ذلك وهل من ضمنها أجهزة تنصت؟

-نحن نجتهد في الحصول على بعض الوسائل التقنية التي تساعدنا في عملنا الأمني والمتابعة الاستخبارية المعلوماتية، ولكن هذه الوسائل نستخدمها في أضيق نطاق وضمن هامش مسموح لنا به من الجهات العليا وضمن القانون، ولكن أقول وبشكل مسئول نحن ليس لدينا تنصت على المواطنين وليس لدينا ترصد للمواطنين، ولكن نحن لدينا بعض الإمكانيات البسيطة التي فيما لو حصلت بعض التجاوزات غير القانونية تمكننا من المتابعة فقط.

 

*هل كانت لدى أجهزة السلطة السابقة بغزة إمكانيات فنية متقدمة؟

-نعم، كانت لديهم إمكانيات ومن ضمنها التنصت، وهذه الحالة كانت تعطي عدم اطمئنان من قبل المواطنين في التواصل فيما بينهم من الخوف بأن تكون أجهزتهم مراقبة، لكن نحن نقول للمواطن، تعامل في الأمور العادية بإرتياح، لكن في الأمور التي لها علاقة بالمقاومة، يجب عليك الحذر لأن الاتصالات مراقبة من الاحتلال.

 

*التصدي للعملاء يتطلب جهد مجتمعي وإعادة تأهيل لهم، أليس كذلك؟

-نحن نمتلك جزء من عملية إعادة التأهيل من خلال قطع السبل على الإسقاط وتقليل حالات التجنيد وهذا نجحنا به ومن ثم كشف أساليب الإسقاط، ونحن نتعاون بشكل جدي مع التوجية السياسي و عقدنا عدة ورش عمل ولدينا دراسات تعبوية وتثقيفية، خصوصا لفصائل المقاومة وكذلك موقع "المجد الأمني"، الذي يتواصل معنا، وهذه أوجدت حالة خانقة على العملاء، لكن نحن ندعم أي حالة علاجية بعد الإسقاط، فمخابرات الاحتلال تعتبر أنها نجحت حتى لو تم كشف العميل، لأنها بذلك تثير حالة من العداء والبلبلة داخل أسرة العميل،  ولذلك نتواصل مع الشئون الاجتماعية حتى ترعى بيت العميل خلال اعتقاله.

 

 

*هل فكرتم بدعوة العملاء إلى تسليم أنفسهم؟

 هذا هاجس موجود لدى كل مواطن شريف بأن تنتهي حالة العمالة، وقد كان هناك بالفعل توجها لمثل هذه المبادرة، ووضعنا خطة متكاملة، نتمنى أن تخرج إلى النور قريبا، فنحن نريد أن نضيق الخناق على عمل العملاء بطريقة تحفظ كرامة المواطن.

*إلى أين وصلت التحقيقات بشأن استشهاد الوزير سعيد صيام؟

- هذا الملف لا زال مفتوحا، وهناك متابعة، وإذا جد جديد، سيكون لدينا الجرأة الكافية للإعلان عن ذلك.

 

*كيف تتعاملون مع عناصر الأجهزة الأمنية السابقة في ظل ما يثار من تضييق عليهم؟

-كل من يعمل في الأجهزة الأمنية السابقة ومستنكف عن العمل ويأخذ راتبه، وأراد أن يعمل عملا وطنيا ضمن المقاومة وحتى لو مع حركة فتح، وهناك الآن وحدات مقاومة من فتح، وهناك تنسيق معها لما يخص عملنا كأجهزة أمنية، فليعمل، ولكن أي جهة تريد أن تعيد الفوضى والفلتان، فهذا غير مسموح، أما بالنسبة لتواصل هذه العناصر مع رام الله من أجل شئون إدارية، فليس لدينا مشكلة، ولكن الإشكالية تكمن في إيصال معلومات عن مقاومين وقيادات وهذه الرسائل تصل إلى المخابرات الإسرائيلية وقد تم توظيفها في الحرب، وهؤلاء سيتم ملاحقتهم بشكل واضح.

 

*يؤخذ عليكم أنكم لا تميزون بين كل العاملين في الأمن الوقائي، ردك؟

-هناك بعض ضباط الوقائي لديهم من الوطنية الكثير، وهناك من تم الاتصال به ورفض التواصل المهني معهم، لكن فلسفة الأمن الوقائي، كانت موجودة لملاحقة المقاومين وتعذيبهم وضرب الوحدة الوطنية، والتواصل المباشر مع الجانب الإسرائيلي، هذا هو المرفوض لدينا، ولذلك لا يمكن عودة جهاز إلى غزة بهذا الاسم بالمطلق، وما كان يرتكب في غزة، يمارسه الوقائي حاليا في الضفة على أسوأ، ولذلك عليهم أن يراجعوا حساباتهم وأن يضعوا المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.   .

 

*هل تتقبلون أن تعملوا مستقبلا مع الأجهزة السابقة، كفريق عمل واحد؟

-نحن في وضع إستثنائي حاليا، ونحن نفهم ذلك، ونتمنى أن يأتي اليوم الذي لا تحمل فيه الأجهزة الأمنية عنوانا حزبيا واحدا، وسأكون سعيد جدا وبجانبي إبن فتح وابن الشعبية والجهاد، ويكون فهمنا حفظ الوطن والمواطن من أي ضرر.

 

*هل كسر الحاجز النفسي سيكون سهلا؟

-نحن نحمل ثقافة وطنية وهي أثبتت مصداقيتها في توحيد شعبنا، وفي المعتقلات والزنازين عشنا كثيرا مع جميع التنظيمات، وكانت لدينا المتعة والسعادة ونحن ندير خلافتنا بأجندة وطنية.