خبر هل أميركا مستعدة لقيادة العالم؟ .. تأليف: روبن نيبلت

الساعة 09:41 ص|04 مايو 2009

هل أميركا مستعدة لقيادة العالم؟ ..

إعادة النظر في دور وسط عالم متغير

 

تأليف: روبن نيبلت ـ قراءة: منير البغدادي ـ مركز الجزيرة للدراسات 3/5/2009

حظي باراك أوباما باهتمام عالمي غير مسبوق، حتى ظهر ما عرف بالأوبامية، ولا شك أن جزءاً كبيرا من هذه الظاهرة قد ساهمت الإدارة السابقة للرئيس جورج بوش، في صنعها.

وانصب اهتمام العالم مع إقبال الإدارة الأميركية الجديدة في قراءة التغييرات الجذرية التي يمكن أن تحدث بين الرئيس المغادر وخليفته، واستطلاع الآمال الكبيرة التي يعلقها العالم على الدور الذي يمكن أن تلعبه واشنطن على الساحة الدولية خلال السنوات الأربع إلى الثماني القادمة.

ولأهمية الموضوع قدم مركز الجزيرة للدراسات قراءة في تقرير أعده معهد تشتمهاوس تطرق فيه للدور الأميركي العالمي مستقبلا، والسياسة الخارجية التي ستتبعها إدارة أوباما.

قراءة في التقرير

يؤكد التقرير على الرغبة الأميركية للاستمرار في قيادة العالم أو العودة إلى ذلك إذا صحت الشكوك حول صحة استمرارها راهنا في أداء هذا الدور، وليس أدل على ذلك من الاستعانة بكلمة استهل بها الرئيس أوباما فترته الرئاسية، حيث قال في خطابه الافتتاحي "نحن مستعدون لأن نقود مرة أخرى".

وهذا بمثابة تعبير صريح عن رغبته في تجديد زعامة أميركا للعالم باعتبار أنها لا تقود فقط من أجل نفسها ولكن "من أجل الصالح العام" لباقي البشرية، كما قال.

ويبدو أن هذا هو المنحى الجديد الذي قرر أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون السير فيه في سبيل استرجاع وضع أميركا كقائدة للعالم، إذ سيرسي الإستراتيجية الأميركية على أسس تلحظ تعزيز التحالفات القائمة الآن، وإنشاء شراكات جديدة، ومحاولة التحاور مع الخصوم متى أمكن ذلك، والتطرق للتحديات التي تهم المجتمع الدولي مثل قضية تغير المناخ ومنع انتشار الأسلحة النووية، بالإضافة إلى التعجيل بحل الأزمات المستعصية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، دون إغفال أهمية خلق ترابط متين بين المبادئ والقيم العليا للشعب الأميركي وجعلها تنعكس على سياسات البلاد الخارجية.

ويؤكد التقرير أن الهيمنة الأميركية الاقتصادية والعسكرية لن تكفي لتحقيق تلك الريادة، حتى وإن كان دورها فاعلاً وقوياً في قضايا شائكة مثل الصراع العربي الإسرائيلي.

أما في ظروف أخرى، فإن إدارة أوباما ستجد نفسها مضطرة إلى تقاسم الزعامة مع الآخرين، وأحياناً أن تتأقلم مع دور التابع، كما سيتوجب عليها أن تشارك في مؤسسات ومعاهدات أنشأتها دول أخرى غيرها.

عوائق أمام قيادة أميركا للعالم

ويعدد التقرير العقبات والعوائق التي ستعترض محاولات الإدارة الجديدة لإعادة وضع أميركا في منصبها الريادي العالمي كما كانت عليه في ذروة الحرب الباردة والمرحلة التي أعقبتها، وهي:

أميركا المشكلة وليست الحل

بدأ العديد من دول العالم يرى في الولايات المتحدة مصدراً للمشاكل التي يتخبط فيها العالم عوض أن تكون طرفاً في حلها، فأميركا:

بيئياً: تبقى في نظر العديد من المنظمات الدولية أكثر بلدان العالم إضراراً بالبيئة، وهو ما وعد أوباما بإيجاد حل سريع وعملي له فوراً خلال فترته الرئاسية.

اقتصاديا: تكفلت الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها العالم بتقليص مصداقية الولايات المتحدة كقائد لدول العالم للخروج من هذه الأزمة. وحتى الدول الأوروبية ترى في نزعة أميركا لتشجيع سوق منفتحة أكثر من اللازم مصدراً لعدم الاستقرار يجب تفاديه مستقبلاً.

دبلوماسيا وعسكريا: فقد أصبحت الولايات المتحدة عنواناً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. فإضافة إلى الاستياء العربي من موقف الإدارات الأميركية المتعاقبة المساند لإسرائيل، جاء الدمار والخراب مع غزو أميركا للعراق ليشكك أكثر في مدى أهليتها العسكرية والسياسية للعب دور القائد في العالم.

كما يرى البعض أن تدخل الولايات المتحدة المباشر في العراق قد زاد من حدة "التوجه الأصولي في المجتمعات الإسلامية" وحتى في البلدان الأوروبية حيث توجد تجمعات مهمة للجاليات المسلمة.

الهوة بين الطموح والمصالح

أما التحدي الثاني الذي يواجه إدارة أوباما (حسب التقرير) فهو كيفية رأب الصدع الذي أحدثته السياسة الخارجية لإدارة بوش خلال الثماني سنوات الأخيرة، وتحديداً بين القيم والمبادئ التي تنادي الولايات المتحدة بنشرها في العالم، وبين الواقع المفزع الذي أحدثته سياسة الأمر الواقع، وجبروت القوي على الضعيف الذي أملته المصالح الداخلية للبلاد.

وازداد الإحساس بهذه الفجوة العميقة بين المبدأين في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، حيث لجأت إدارة بوش إلى تجميد مشاريع نشر الديمقراطية وانغمست في حربها ضد الإرهاب.

وفي النهاية، غلبت مصلحة أميركا في الحفاظ على روابط متينة "مع أنظمة غير ديمقراطية مثل مصر والمملكة العربية السعودية" لأنها تلعب دوراً محورياً في التصدي "للتطرف الديني" وتجاهلت ضغوطها السابقة للانفتاح الديمقراطي.

وبدلاً من ذلك، عمدت هذه الدول بدعم من الولايات المتحدة إلى الدفع "بالقادة السياسيين الليبراليين (وأحياناً العلمانيين) إلى الواجهة" وبقي دور المعارضة "الديمقراطية" للأحزاب والحركات "الدينية والأصولية" مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية، وحزب العدالة والتنمية في المغرب.

أما في دول آسيا الوسطى، فقد بدأت العلاقات الإيجابية بين تلك الدول وأميركا -التي تميزت بها بداية هذا العقد- تذوي أمام تخلي قادة تلك البلدان عن المسار الديمقراطي الذي رأوا فيه تهديداً لأنظمتهم ومصدراً لانعدام الاستقرار في دولهم.

ويبدو أن كل بلدان آسيا الوسطى الخمس قد تعلمت فن تغيير الولاء والانتماء، جاعلة كلاًّ من أميركا وروسيا والصين في الواجهة تتناطح فيما بينها لتمتص منها أكبر قدر ممكن من المكاسب.

ظهور نشطاء إقليميين

مع تكشف حدود قوة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية خلال السنوات الثماني التي مضت، استطاعت دول أخرى ومؤسسات غير حكومية أن تتعرف على قدراتها الحقيقية، وبدأ "عصيانها" يزداد ضد قوة أميركا وريادتها للعالم، واتخذ في ذلك شكلين:

1- منافسة القوى الصاعدة

بدأت القوى الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين والهند، تبدي امتعاضها من هيمنة أميركا الإقليمية والعالمية، وبدأت توسع نطاقها الدبلوماسي والعسكري في محيطها الجغرافي بالإضافة إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى.

2- الاتجاه نحو القيادة الإقليمية

ساد انطباع لدى الجميع بأن تدهور وضع أميركا على الصعيد العالمي يجب أن يقابله تكتل لباقي الدول للعب أدوار طلائعية على الصعيد العالمي أو الإقليمي.

ويمكن تلخيص هذه التكتلات وتوجهاتها فيما يلي:

ـ خلق الاتحاد الأوروبي تكتلات إقليمية مثل "الشراكة الشرقية" والاتحاد المتوسطي، والتي من شأنها تأسيس إطار عمل لإدماج دول أوروبا الشرقية وشمال أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي.

ـ وفي آسيا، تصاعد نفوذ الصين في دول المنطقة، خصوصاً مع نزعة هذه الدول إلى تطوير هوية آسيوية شمولية تميزها عن باقي العالم.

ـ وحتى في دول الشرق الأوسط بدأ الشعور يزداد بضرورة الاعتماد على النفس في مواجهة التحديات التي تعترض هذه البلدان، وعلى رأسها "الهيمنة" الإيرانية على المنطقة وتنامي قوة "الجماعات المتطرفة" وانتشار العداء الشعبي لأميركا وإسرائيل الذي يمكن لخصوم أميركا التقليديين: إيران وسوريا على الخصوص، والمنظمات الثائرة مثل القاعدة وحماس وحزب الله، أن يستغلوه في زعزعة أنظمتها.

هذا التخوف (في نظر التقرير) دفع بالجامعة العربية إلى التعجيل بإيجاد حلول واتفاقيات بين الفصائل الفلسطينية وبين القوى المتنافسة داخل لبنان، بل وحتى بين إسرائيل وحماس وسوريا. وعلى الصعيد الاقتصادي، لجأت دول الخليج الغنية إلى الاستثمار في مشاريع تنموية كبرى في البنية التحتية لبلدان شمال أفريقيا.

ـ وفي أميركا اللاتينية، بدأت دول المنطقة تتكتل في منظمات وتحالفات اقتصادية وعسكرية. كما لم تعد هذه الدول مرتبطة بأميركا اقتصادياً، حيث وسعت نطاقها لتشمل آفاقاً جديدة خصوصاً مع الصين.

ـ وحتى في أفريقيا، بدأت أميركا تفقد نفوذها لصالح الصين والهند بعد أن فقدت بلدان القارة الأمل والثقة في الاعتماد على الولايات المتحدة للارتقاء بها نحو اقتصاد مستديم ومزدهر.

الصحوة السياسية العالمية

لاحظ التقرير أن طفرة الاتصالات والتقنيات الحديثة المسخرة في خدمة الإعلام، والتي كانت الولايات المتحدة في الأصل هي المحرك الرئيسي لانتشارها في العالم منذ الثمانينيات، قد ساهمت في تعزيز الوعي المعرفي لدى سكان العالم بما يدور حولهم، وأحياناً أخرى في تشجيع المعاداة لسياسات أميركا الخارجية.

ففي الشرق الأوسط مثلاً، رافق حضور أميركا العسكري في المنطقة تغطية إعلامية مكثفة، سواء من خلال البث التلفزيوني الحي لما يجري على الساحة أو من خلال منتديات الحوار والنقاش على الإنترنت، وصار هامش حرية الحكومات في عقد صفقات سرية مع أميركا من وراء شعوبها ضيقاً جداً.

نفس الشيء بالنسبة للصين، حيث الارتفاع المضطرد لمستخدمي الإنترنت، والذي عِوض أن يساهم في تقويض دعائم النظام الشيوعي الحاكم كما كان الغرب يتمنى، زاد من شعور الناس بانتمائهم القومي للصين، وبالتالي وضع أميركا مرة ثانية في خانة المعادي لمصالح الشعب.

غير أن التقرير يشير إلى أن هذا الانفتاح الإعلامي لن يساهم بالضرورة في خلق أجواء ديمقراطية، فنجد مثلاً أن "حكومات الشرق الأوسط غير الديمقراطية" قد سخرت هذا الانفتاح لخدمة مصالحها، حيث اتخذت من التدخل الأميركي في العراق والصدام القوي مع تنظيم القاعدة ذريعة لزرع فكرة مفادها: أن محاولة إطاحتها من السلطة، قد ينجم عنها مصير مشابه لما تعانيه العراق وأفغانستان اليوم من عدم استقرار وفتنة.

فراغ ديمقراطي؟

جاءت إدارة أوباما في فترة صارت معظم حكومات العالم تشكك في نجاعة نهج سياسة نشر الديمقراطية في العالم.

فبالنسبة للعديد من تلك الحكومات، أصبح نموذج تحقيق الازدهار الاقتصادي قبل الشروع في الانتقال الديمقراطي أكثر جاذبية وقابلية للتنفيذ، خصوصاً بعد نجاح النموذج الصيني والطفرة الاقتصادية التي عرفتها البلاد مؤخراً.

ويبقى السؤال الذي يطرحه التقرير هو ما الذي ستختاره إدارة أوباما كسياسة في هذا الإطار: مواصلة تشجيع الانتقال الديمقراطي في دول العالم، أم التخلي عن الفكرة؟

فربما يكون الاحتفاظ بدعم دول ديمقراطية حليفة مثل أوروبا أو اليابان أو إسرائيل أمراً جيداً ومطلوباً، ولكن الحث على أجواء ديمقراطية أكثر في مناطق مثل الشرق الأوسط قد يتسبب في نتائج عكسية لا يمكن التكهن بها قد تضر بمصالح أميركا الإقليمية والعالمية.

وعليه، يرى التقرير أنه ربما يكون من المفيد بالنسبة لإدارة أوباما التركيز على الأهداف قصيرة المدى والتحالف مع "الحكومات غير الديمقراطية" على حساب شعارات حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، بغية الوصول إلى الهدف طويل المدى المتمثل في عالم تسوده الديمقراطية.

لقد صارت هناك حاجة أكيدة (في نظر التقرير) إلى إعادة النظر في قيادة أميركا، فمن الواضح أن على الولايات المتحدة أن تتخلص من الصورة السلبية التي لصقت بها كمصدر لمشاكل العالم ودولة بمعايير مزدوجة، تنادي بقيم ومبادئ رفيعة ثم تتورط في أفعال معاكسة تماماً.

كما سيكون عليها أن تتأقلم مع القوى العظمى الصاعدة الجديدة، بالإضافة إلى احتواء السخط المتزايد لدى شعوب العالم على سياساتها الخارجية، في نفس الوقت الذي تَقلص فيه هامش الحركة لدى حكومات الدول غير الديمقراطية الموالية لها.

قدرة القوة الأميركية على الصمود

بحسب التقرير، فسوف يكون أول عائق في وجه إدارة أوباما لاسترجاع ريادة أميركا العالمية هو الصعود المتنامي لطموحات دول أخرى بدأت تتحسس قوتها، إما في شكل كيانات مستقلة أو تكتلات إقليمية متحدة.

الصين تتراجع:

فهناك الصين وهي الأقرب إلى أميركا من حيث القوة والنفوذ، وذلك انطلاقاً من عدد السكان وحجم اليد العاملة والناتج المحلي الإجمالي وخصوصاً قدرتها على الاندماج في الاقتصاد العالمي. غير أن ما يهم الصين الآن ليس محاولة انتزاع الريادة العالمية من أميركا بقدر ما تهتم بتطوير اقتصادها أكثر، بحيث يصل إلى مرحلة الاستدامة ويقلص من اعتمادها على استيراد السلع ومصادر الطاقة.

روسيا مشلولة:

أما روسيا فهي البلد الأكثر تجرؤاً على تحدي أميركا علناً، وهي تجمع بين عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي وقدرتها النووية الهائلة وموقعها البارز كأحد أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، ولكن عيوبها تفوق مزاياها.

فاقتصادها يعتمد بشدة على عائدات صادرات الطاقة، وتعوزه المرونة الكافية للازدهار وجلب الاستثمارات الأجنبية وتنويع الصادرات، بالإضافة إلى الحاجة الماسة إلى تحديث بنيته التحتية.

كما تشير التوقعات إلى أن عدد سكان روسيا سيتقلص من 140 مليوناً سنة 2010 إلى 120 مليوناً سنة 2035. ومن الناحية الإستراتيجية، فإن روسيا تفتقد الحلفاء الأقوياء عكس أميركا.

الاتحاد الأوروبي في المهد:

في حين يُعتبر الاتحاد الأوروبي هو القادر فعلا على تحدي زعامة أميركا العالمية، فمجموع الناتج المحلي الإجمالي لدوله يفوق الآن نظيره لدى الولايات المتحدة، كما أن سكانه يفوقون سكان هذه الأخيرة بحوالي 200 مليون فرد، كما أن تنوع اقتصادات دول الاتحاد وقوتها يجعل منها لاعباً بارزاً في السوق العالمية خصوصاً مع عملتها القوية والمستقرة (اليورو).

ولكن يبدو أن دول الاتحاد ما تزال منقسمة على نفسها فيما يخص الاضطلاع بدور القائد العالمي، وتوسيع نفوذها عالمياً.

الجار الضعيف خير من القوي:

كل هذه الأطراف الثلاثة، أو أي من القوى الصاعدة الأخرى مثل الهند واليابان وإيران، ربما تكون قادرة على تحدي أميركا نوعاً ما، خصوصاً حين لعب دور رئيسي في محيطها الجغرافي، ولكنها مع ذلك تبقى غير قادرة على تجاوز هيمنة أميركا العالمية، ولا يمكن أن تجاريها في طموحاتها للزعامة، سواء كانت عالمية أو إقليمية.

ويرى التقرير أن العائق الرئيس أمام تلك القوى الصاعدة، باستثناء الوضع الخاص للاتحاد الأوروبي، يكمن في أن طموحاتها يمكن أن تفجر ردات فعل عكسية ضدها، خصوصاً من الدول المجاورة لها، والتي ستجد بالتأكيد في تلك التطلعات خطراً مباشراً يتهدد كياناتها ومصالحها.

وبالتالي يكون الخيار الأول الذي لا يوجد أفضل منه بالنسبة لهذه الدول الضعيفة، هو الدخول في تحالفات أو علاقات تعاون وطيدة مع أميركا لنيل حمايتها.

وهذا الحرص على عدم خسارة دعم الولايات المتحدة يتجلى حتى لدى الاتحاد الأوروبي الذي، وإن كان يسعى إلى تقليص اعتماده على زعامة الولايات المتحدة للعالم، يحرص على الحفاظ على المنافع الأمنية التي يجنيها من حلف الناتو والدعم المادي والعسكري الكبير الذي تخصصه الولايات المتحدة له.

وكذلك الحال بالنسبة لدول الشرق الأوسط التي يؤكد التقرير أن لا مناص لها من الحفاظ على علاقاتها المتميزة مع أميركا، بالرغم من معارضة الشعوب القوية لها، لضمان قدرتها على التصدي للتهديدات الإستراتيجية المحتملة لكل من إيران و "الجماعات الإسلامية المتطرفة".

فمن الواضح أن كل حلفاء أميركا ربما يتمنون أن تكون هذه الأخيرة أكثر تعقلاً في تصرفاتها على الساحة الدولية، ولكنهم كلهم لا يرغبون في أن يروها ضعيفة.

أميركا تبقى الأقوى رغم الأزمات

فقد استهلت إدارة أوباما فترة ولايتها بأزمة مالية خانقة عصفت باقتصاد الولايات المتحدة. وكانت البوادر واضحة للعيان: بنية تحتية متقادمة (بما في ذلك أنظمة النقل وبنيات إنتاج الطاقة وتوزيعها) عجز تجاري متواصل، تكاليف عالية لخدمات الرعاية الصحية، صندوق الضمان الاجتماعي يتجه نحو عجز وشيك مع بلوغ جيل الطفرة الديمغرافية سن التقاعد، واستهلاك متصاعد في الطاقة يجب تغطيته بالاستيراد. كل تلك العوائق ستكون تحديات أعلن أوباما رغبته في التعجيل بمعالجتها.

ومع ذلك تبقى أميركا أقوى دولة في العالم رغم أزمتها الاقتصادية الراهنة، وتبقى على مستوى من القوة لا يجاريها فيها أحد، فلديها من الموارد البشرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية ما يمنحها القدرة على الدفاع عن مصالحها على الصعيد العالمي، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

ـ قُدّر الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سنة 2008 بحوالي 14.5 تريليون دولار، بينما وصل في الصين إلى 7.8 تريليونات وفي الاتحاد الأوروبي 15 تريليونا. ورغم أنه من المتوقع أن يتقلص هذا الإجمالي خلال سنة 2010، إلا أن تداعياته ستمس الآخرين أيضاً، وبالتالي سيبقى التوازن الاقتصادي الحالي قائماً.

ـ تبقى الولايات المتحدة غنية بالمصادر الطبيعية، حيث تنتج عُشُر إنتاج العالم من النفط الخام (وإن كان يكفي لسد أقل من نصف الطلب الداخلي) وتتوفر على أكبر احتياطي في العالم من الفحم الحجري، وهي أيضاً من أكبر منتجي الأغذية ومصدري المنتجات الزراعية في العالم.

ـ حتى مع الأزمة الاقتصادية الحالية، تبقى الشركات الأميركية متعددة الجنسيات ومؤسساتها المالية من أهم المستثمرين الأجانب في العديد من دول العالم، ويمكن لعلاقاتها التجارية الخارجية أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على اقتصادات الدول الأخرى.

ـ قوة أميركا الاقتصادية تؤثر على العلاقات السياسية الدولية أيضاً، فهي تمتلك القوة للضغط على سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، كما أنها تساهم بأكبر حصة في ميزانية الأمم المتحدة.

ـ الميزانية العسكرية الأميركية تقدر بحوالي 515 مليار دولار خلال السنة المالية 2009، يمكن أن تُضاف إليها ما بين 70 و100 مليار أخرى عند الضرورة لتغطية العمليات في أفغانستان والعراق. هذه الميزانية تعادل اليوم ما يخصصه باقي العالم أجمع لنفقاته العسكرية.

ـ القوة العسكرية الأميركية تتعدى الموارد المالية المخصصة لها. فهناك نظام متطور ومعقد يجمع أسلحة الجو والبحر والأرض في شبكة منظمة واحدة مجهزة بأحدث الأنظمة وأكثرها تعقيداً لضمان المرونة اللازمة للتدخل والحركة أينما وكلما دعت الضرورة ذلك.

ـ يدعم القوة العسكرية جهاز دبلوماسي وأجهزة استخبارات حصلت على موارد مالية أكبر منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، سخرتها في توسيع عملياتها وتطوير بنياتها.

وأزمتها الاقتصادية هي أزمة للعالم أيضاً، حيث جاءت الأزمة الاقتصادية الحالية لتؤكد أن اقتصادات دول العالم، سواء منها المتقدمة أو الناشئة، تعتمد كلية على بقاء الاقتصاد الأميركي بصحة جيدة.

ويبقى الجميع حالياً بانتظار القرارات التي ستتخذها الإدارة الأميركية لتحفيز اقتصادها وإعادة هيكلته باتجاه نمو مستديم.

وهناك مزايا ثلاث ستسمح بإعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي:

1ـ النموذج الاقتصادي المنفتح الذي سمح باستقطاب أعداد كبيرة من المهاجرين من ذوي المهارات والطموح من كل أنحاء العالم بفضل البيئة الاقتصادية المتطورة التي ساعدتهم على الاندماج والإنتاج.

2ـ النظام التعليمي الذي يعتبر من بين الأفضل في العالم، والذي يبقى الوجهة المفضلة للعديد من المهاجرين بفضل العدد الكبير للمؤسسات التعليمية ذات السمعة العالمية.

3ـ الولايات المتحدة تبقى أكبر مركز للإبداع التقني في العالم، حيث كانت منبع معظم الابتكارات التقنية التي عرفها العالم خلال القرن العشرين. وهي الآن تسعى إلى أن تصبح رائدة في مجال الطاقة النظيفة والتقنيات المتجددة.

كما يمتاز قطاعها الخاص ومجتمعها المدني بدينامية عالية، إذ من المعروف أن القطاعات غير الحكومية تؤدي دوراً فاعلاً في إحداث التغيير على الصعيد العالمي، ويقدّر مجموع ما منحته المؤسسات الخيرية الأميركية الخاصة للعالم سنة 2006 بحوالي 35 مليار دولار مقابل 23.5 مليارا مساعدات قدمتها الحكومة الأميركية في نفس السنة.

وكذلك الحال بالنسبة للشركات الأميركية العملاقة التي ساهمت بشكل كبير في نقل النموذج الاقتصادي الأميركي إلى الخارج، بما في ذلك التقنيات الحديثة والتنافسية ومعايير الجودة وحتى تطوير مهارات اليد العاملة.

ويرى التقرير أنه من الضروري الحفاظ على قوة أميركا، حيث يوجد هناك إجماع داخلي لدى العامة والساسة في الداخل على أهمية الحفاظ على مستويات عالية من الإنفاق العسكري، حتى مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.

وتحظى المؤسسة العسكرية الأميركية باحترام الجميع في البلاد، في حين تصل الميزانية المخصصة للدفاع ما بين 4 و4.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد ورثت إدارة أوباما الآن جهازاً عسكرياً متمرساً من خلال حروب العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى أنظمة تكنولوجية حربية وبرامج دفاع تم اختبارها جيداً على أرض المعركة.

وهناك حذر أميركي من التورط في الخارج، إذ يسود اعتقاد داخل الولايات المتحدة بأن اعتمادها على الغير يحد من حركتها وقد يضر بمصالحها، واعتبرت إدارة بوش الابن في موقف صريح المؤسسات الدولية عائقاً أمام مصالح البلاد ومصالح العالم.

ولكن لا يمنع هذا أن هناك أسباباً أخرى تفسر هذا الموقف منها:

ـ انعدام الثقة داخل الولايات المتحدة ساسة وشعباً، في أهمية القانون الدولي.

ـ قوة النظام القضائي في الولايات المتحدة تمنع الحكومة من التورط في أية معاهدات أو اتفاقيات دولية قد تؤدي إلى إشكالية قانونية مع دستور البلاد.

ـ طبيعة المجتمع الأميركي ستضع الحكومة في مأزق كبير مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يمكن أن تنجم عنها عواقب قضائية، إذ سيلجأ المتضررون خصوصاً منهم جماعات الضغط الاقتصادية، إلى رفع دعاوى قضائية للحصول على تعويضات هائلة.

ولكن من جهة أخرى فإن هذه الحالة قد تتغير، لأن إدارة أوباما جاءت في فترة تقلص فيها نفوذ أميركا داخل الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى تنامي الوعي الداخلي بالمشاكل المطروحة على الصعيد العالمي، خصوصاً مشكلة تغير المناخ التي عرفت تحركات واسعة داخل المجتمع المدني من أجل الضغط على الحكومة الفيدرالية والكونغرس لاتخاذ موقف إيجابي تجاه هذه المشكلة، كما ساهمت الأزمة الاقتصادية العالمية في إبراز الاعتماد الأميركي على باقي دول العالم، حيث أن الصين صارت اليوم أكبر مالكي سندات الخزينة الأميركية (حوالي 580 مليار دولار في المجموع) كما أنها تمتلك أكبر مخزون عالمي من الدولار الأميركي خارج الولايات المتحدة، بحيث تشكل هذه العملة 70% من قيمة احتياطي العملات الصعبة لديها والمقدر بحوالي 2 تريليون دولار.

وربما تبقى أميركا استثناء في قوتها، ولكنها تبقى أيضاً عادية في اعتمادها على غيرها.

فرغم الضغوط الخارجية التي تحول دون حفاظها على ريادتها للعالم، هناك أيضاً عدد من نقاط القوة التي ستمنعها من السقوط، فهي تمتلك قدرة على خلق تحالفات وعلاقات ثنائية وطيدة مع دول جوار منافسيها المباشرين، وطبيعة اقتصادها المنفتح ومؤسساتها غير الحكومية المؤثرة على الصعيد العالمي سوف تساهم بالتأكيد في إعادة إنعاش اقتصادها وإخراجه من انتكاسته الحالية.

وهو ما يؤكد أن أميركا قد تكون استثنائية في قوتها الاقتصادية والسياسية، ولكنها تبقى عادية مثل غيرها في اعتمادها على باقي دول العالم.

مبادئ استخدام القوة الأميركية في المستقبل

وليحث التقرير الولايات المتحدة على التعاون مع الدول الأخرى، يشير إلى مضمون تقرير آخر صدر عن مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي يقول: إن العالم قد دخل في فترة تتميز بتعددية الأقطاب واعتماد الدول على بعضها البعض، وأنه من المرجح أن تنبذ فيها الدول مبدأ زعامة الدولة الواحدة.

ومن هذا المنطلق يقترح تقرير تشتمهاوس أنه سيكون من صالح الولايات المتحدة أن تغلب دوراً بناءً من هذا المنطلق، وهو ما يوجب على إدارة أوباما أن تجد له حلاً خلال العقد القادم.

وهذا ما دفع بكاتب التقرير إلى تقديم ستة مبادئ إرشادية تغطي النقاط المهمة التي يتوجب على الولايات المتحدة اتباعها:

1- التحدث بصراحة

استهل الرئيس أوباما فترة رئاسته بخطاب وعد فيه بإعادة الدفء إلى علاقات بلاده بحلفائها، ومحاولة الدخول في مفاوضات مع خصومها.

وأصبحت آمال الجميع معلقة الآن على إدارة أوباما لخلق تغيير جديد وإيجابي في العالم وإيجاد حلول مناسبة لمشاكل العالم، وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي والحد من تغير المناخ.

وكلها تبقى قضايا شائكة وتحتاج إلى كثير من الجهد والوقت لمعالجتها، بينما تبقى أهم أولويات أوباما حالياً هي خدمة مصالح بلاده وحماية مواطنيه، وليس إرضاء حلفاء أميركا وريادة جهود التعاون الدولي فقط من أجل الريادة.

كما يتوقع التقرير أن يحتم الظرف الراهن مثلاً على إدارة أوباما توطيد علاقاتها أكثر مع الدول غير الديمقراطية في القوقاز وآسيا الوسطى لضمان تنوع مصادر الطاقة، وفتح طرق آمنة لتعزيز وجودها بأفغانستان، كما ستحتاج إلى تعاون الصين وروسيا معها في إيجاد حل دبلوماسي لقضية إيران النووية.

كل هذه الخطوات يجب أن تتبعها خطوات جادة مماثلة للعمل على تغيير سمعة أميركا السيئة لدى شعوب العالم، وإقناعها بأنها ستتخلى عن سياسة النفاق والمعايير المزدوجة التي كانت تبررها حقبة الحرب الباردة والفترة التي تبعتها مباشرة.

2- التأقلم مع العوائق الجديدة لعلاقات أميركا الثنائية

تبقى زعامة أميركا أساسية في الكثير من القضايا الدولية العالقة، وعلى رأسها توصل العرب والإسرائيليين إلى سلام دائم وحل لدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، والوصول إلى حل مقبول لبرنامج إيران النووي، وربما أيضاً برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية.

وسيكون على أميركا أن تخلق توازناً بين مساعداتها الاقتصادية وتشجيع الإصلاح السياسي في الدول النامية، ففي القارة الأفريقية مثلاً، سوف يكون من التهور دعم أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية بينما تواصل الصين دعم الحكومات من خلال الاستثمار في اقتصادات بلدانها.

وتستطيع الإدارة الأميركية أن تتجاوز هذه المشكلة من خلال تحفيز بلدان بعينها على السير قدما نحو التغيير الإيجابي، وهذا يعني التركيز على المساعدات الإنسانية وبناء القدرات المحلية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأميركية في الخارج وفتح الأسواق الداخلية.

3- فهم أفضل للخصوم ودعم أكبر للحلفاء

يرى التقرير أنه ربما يكون من الأنجع بالنسبة لأميركا محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء معارضة بعض الدول لسياساتها. وهذا  ما تعتزم إدارة أوباما على ما يبدو القيام به بعد أن أعلن الرئيس نيته الدخول في حوار مع خصوم أميركا.

كما سيكون عليها أيضاً أن تدعم حلفاءها أكثر. فعليها مثلاً أن تعزز علاقاتها الأمنية مع دول الخليج وباقي الدول العربية بتوازٍ مع سياستها الرامية إلى إعاقة برنامج إيران النووي، كما سيكون عليها تقوية قدرات أوكرانيا وجورجيا العسكرية ومؤسساتها السياسية إلى جانب إحياء آمالهما في الانضمام إلى حلف الناتو.

ويجب عليها أيضا إعادة تقوية العلاقات مع تركيا بعد أن تضررت كثيراً في عهد إدارة بوش، ومساعدتها على أن تصبح عصباً إستراتيجياً للاستقرار الأمني بالمنطقة.

نفس النهج على أميركا أن تسلكه في علاقاتها بأميركا اللاتينية، كأن تدعم مثلاً طموح البرازيل لعضوية دائمة في مجلس الأمن، وهو ما سيساعدها كثيراً على الحد من نزعة العداء تجاه أميركا والتي تروج لها فنزويلا.

هذا بالإضافة إلى المنافع التي يمكن أن تقدمها البرازيل في مجال مكافحة تغير المناخ، وذلك باستيراد المزيد من الإيثانول منها أو دعمها في المحافظة على الغابات في منطقة الأمازون.

وعلى صعيد القارة الآسيوية، يمكن لإدارة أوباما أن تسعى إلى تقوية علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة من خلال لعب دور الشريك وليس القائد في المؤسسات المحلية.

4- التركيز على برامج التغيير السياسي عوض القادة والأحزاب

يكمن أحد أهم نقاط التحول في تغيير أولويات القيادة الأميركية للعالم (حسب التقرير) في ضرورة التركيز على خلق مؤسسات سياسية وقانونية تدعم النهج الإصلاحي في الدول المعنية بسياسات أميركا الخارجية، عوض التركيز على تشجيع أحزاب أو أشخاص سياسيين بعينهم.

ويبدو التعارض واضحاً في برامج الدعم التي تقوم بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تقدم بعض المؤسسات الأميركية التدريب والدعم لبعض الأحزاب السياسية لتحقيق التغيير المنشود مقابل إقصاء جماعات أو أشخاص معينين ترى أميركا أنهم "راديكاليون أكثر من اللازم" في حين تتجاهل مؤسسات أميركية أخرى أعمال التلاعب في العمليات الانتخابية وتوجيه المؤسسات السياسية من قبل الحكومات.

وهناك أيضاً مشكلة اعتماد كبار مسؤولي البيت الأبيض على العلاقات الشخصية في صياغة سياسات البلاد الخارجية، والتي تعتمد في كثير من الأحيان على الآراء الشخصية للمنفيين وجماعات المعارضة المتمركزة في أميركا.

ويبدو أن اهتمام الرئيس أوباما بتعزيز دور وزارة الخارجية، وهو موقف أيده وزير الدفاع روبرت غيتس، يصب في تغيير هذه السياسات خصوصاً مع تعيينه هيلاري كلينتون لتكون على رأس هذه الوزارة، بالإضافة إلى تعيين موفد خاص إلى الشرق الأوسط وممثل خاص لأفغانستان وباكستان.

ويشير التقرير إلى أنه من الضروري ألا يكون هؤلاء المبعوثون الخاصون مصدر تعزيز لسياسات أميركا الخاطئة على حساب الدولة المعنية، بل أن يساهموا في خلق فريق من الخبراء قادر على التنسيق بين أنشطة كافة وزارات الإدارة الأميركية ووكالاتها.

كما سيكون من اللازم زيادة ميزانية وزارة الخارجية من أجل إنجاح هذا التوجه، ومن أجل قطع الطريق أمام البيت الأبيض ووزارة الدفاع لفرض هيمنتهما مرة ثانية على السياسات الخارجية للبلاد.

5- تعزيز التعاون متعدد الأطراف

ومع تقلص نفوذ الولايات المتحدة داخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، بدأ بعض الساسة الأميركيين يفكرون جدياً في إمكانية خلق كيان سياسي دولي جديد تجتمع فيه كل الدول التي تتقاسم نفس الأهداف مع أميركا.

هذا لا يمنع أن حلفاء أميركا يرغبون أن تبقى الأخيرة قوية وقادرة على قيادتهم في التعامل مع باقي القوى الصاعدة في العالم.

فالتقرير يؤكد ضرورة تجديد الشراكة مع أوروبا، حيث أن معظم دولها تتمنى أن تجدد الشراكة مع أميركا، على أن تتخلى هذه الأخيرة عن هيمنتها في اتخاذ القرارات حسب القضايا التي تطفو على السطح.

فمن البديهي أن تبقى أميركا هي القائدة فيما يخص قضية أفغانستان، بينما من المحتمل أن تكون أوروبا أفضل أداء في قضية تغير المناخ.

ولكن ما هو واضح هو أن على الاثنين أن يخلقا تحالفات أكبر لبلوغ الأهداف العالمية المشتركة، مثل تحقيق السلام في الشرق الأوسط ومكافحة تغير المناخ والقضاء على الفقر وتعميم الرعاية الصحية في دول العالم.

كما سيتعين على أميركا إشراك الصين وإقناعها بالدخول في مثل هذه الشراكات، بالإضافة إلى محاولة إقناعها بالتفكير فيما هو أبعد من مصالحها القومية المباشرة.

فمساهمة الصين، ومعها الهند أيضاً، صارت ضرورية وحتمية في تنمية دول جنوب الصحراء في أفريقيا. كما أن إقناعها بتعديل قراراتها الوطنية الخاصة بالجيل الجديد من محطات إنتاج الطاقة، بحيث تخدم قضية تغير المناخ، سوف يكون من شأنه حث كل من روسيا والهند على السعي إلى الالتزام من جانبهما أيضاً بهذه القضية.

وهناك أيضاً مسألة تأسيس مجموعة الـ20، فإذا كانت أميركا ترغب في أن ترى في الصين والهند شريكين فعالين في القضايا الحيوية التي تهم العالم، فسيكون من اللازم إذن إشراكهما في المؤسسات الدولية الحالية أو التي سيتم خلقها مستقبلاً.

لهذا، سيكون من الضروري أن تعكس مجموعة الـ20 تطلعات الدول المشاركة فيها لتفعيل عضويتها وإبراز دورها في قمم المجموعة، وسيكون على أميركا أن تتأقلم مع منطق تشارك القيادة في القضايا التي كانت في العادة تحتكر القرار فيها.

ومن المهم أيضاً (حسب التقرير) العمل على تحديث المنظومة الأممية. فقد أعرب الرئيس أوباما عن رغبته في تعزيز دور الأمم المتحدة في قضايا السلام والأمن العالمية.

وهناك عدد من الخطوات التي يمكن لإدارته أن تقوم بها لتفعيل هذا الدور، وهي:

لعب دور حيوي في إصلاح مجلس الأمن الدولي، خصوصاً إعطاء العضوية الدائمة لبعض القوى الإقليمية في العالم.

خلق أجواء من الشفافية والتشاور داخل مجلس الأمن، وتفادي تجاوز الجمعية العامة للأمم المتحدة قدر الإمكان لاكتساب الشرعية في اتخاذ القرارات.

دع