خبر شكرا لإسرائيل إذ تحاصر غزة، فرب ضارة نافعة!! ..بقلم: د. أيوب عثمان

الساعة 06:01 م|03 مايو 2009

جميع الفلسطينيين من أبناء قطاع غزة عانوا – منذ نحو ثلاث سنوات – وما يزالون يعانون من الحصار المطبق الخانق أشد المعاناة، حيث لا مال، ولا غذاء، ولا دواء، ولا وقود، ولا غاز، ولا كهرباء، ولا... ولا... ولا سفر!!!

 

لا سفر للالتحاق بعمل أو دراسة! لا سفر لإنجاز تجارة أو مباشرة علاج! بل إنه لا سفر حتى إلى استجمام أو تسلية! لا سفر في اتجاه حدود قطاع غزة الشمالية، حيث (إسرائيل) دولة الاحتلال، أو في اتجاه حدود قطاع عزة الجنوبية، حيث مصر العزيزة، أم  العرب وزعيمتهم ورأس حربتهم!!!

 

على قطاع غزة، يفرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً صارماً وخانقاً عبر بوابة إيرز (الإسرائيلية)، فيما يزداد الخناق على قطاع غزة، جراء إغلاق بوابة رفح المصرية. فإذا استثنينا – الآن – الحديث عن البضائع والغذاء والوقود والغاز والدواء، لنتحدث فقط عن السفر وحرية التنقل والحركة والترحال، فإننا نرى – وكلنا بحمد الله عيون وآذان وبصائر – أن الله جل في علاه قد استنبت لنا من الألم أملاً، وأحال عسرنا يسرا، وفتح لنا في جدار الضيق فرجا، وشق لنا عبر عتمة النفق مخرجا، إذ تغلق (إسرائيل) بوابتنا الشمالية في معبر (إيرز)، فيما تغلق مصر بوابتنا الجنوبية في معبر رفح المصري-الفلسطيني، ليحقق الله بقدرته المثل القائل: "رب ضارة نافعة".

 

رأينا كيف انتشر المرض القاتل الفتاك المسمى "أنفلونزا الخنازير"، وما يزال ينتشر، بل ويزداد انتشاره اتساعاً وتسارعاً على نحو مذهل... رأينا وسمعنا كيف يدهم بلداً ليجتاح بلداً آخر ثم يحتل بلداً ثالثاً ليصبح في رابع وخامس ثم ينتقل غازياً – في طرفة عين – إلى بلد سادس وسابع و... و... حتى بلغ عدد الدول التي دهمها هذا المرض خمس عشرة دولة، حتى اللحظة.

 

ونحن نرى هذا الاجتياح المذهل وهذا الغزو العجيب في سرعته التي تكاد تسابق سرعة الصوت والضوء، ينبغي لنا – نحن أبناء الشعب الفلسطيني في غزة – أن نكثر من الحمدلله رب العالمين والثناء عليه أن خصنا فجعلنا الأوفر حظاً والأكثر أمناً من كل البلاد والأوطان أجمعين، فحال بيننا وبين هذا المرض القاتل اللعين، وإن كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي هي التي منعت –  باحتلالها لنا وبحصارها المطبق على قطاعنا – حركتنا، فحالت دون تنقلنا وسفرنا وترحالنا، سواء كان ذلك بغية الدراسة أو الحصول على عمل أو غذاء أو دواء أو الاستمتاع بنزهة أو مباشرة علاج أو استكماله، فحيل بيننا وبين كل اتجاهات الدنيا بغربها وشرقها وشمالها وجنوبها، فأصبحنا وحيدين معزولين لا نصل إلى أحد ولا يصل إلينا أحد، الأمر الذي حال ويحول – بقوة الله وكرمه ومنته – دون وصول فيروس الـ H1N1 (أنفلونزا الخنازير) إلينا، ذلك أنه لا سبيل له إلينا إلا عبر شمال غزة الذي تحاصرنا منه (إسرائيل) أو من جنوبها الذي تغلقه الشقيقة الحبيبة مصر!

 

كم ينبغي لنا أن نحمد الله ونتثي عليه أن كان الحصار الإسرائيلي من ناحية، والإغلاق المصري من أخرى، وانعدام الوجود الخنازيري في قطاع غزة من ناحية ثالثة. وعليه، فلا خوف إلا إذا فتحت إسرائيل حدودها علينا، وإذا تسللت الأنفلونزا الخنازيرية عبر الأنفاق إلينا، لتكون الطامة الكبرى، حيث لا فحوص تخصصية دقيقة، ولا كمامات ولا مختبرات، ولا تقنيات متطورة، ولا علاجات، ولا... ولا... وسط كثافة سكانية هائلة قوامها يزيد عن 4000 نسمة لكل كيلو متر مربع.

 

وبعد، فإن على الحكومة المسؤولة في غزة أن تعي عظم حجم المسؤولية الكبرى الملقاة عليها، فلا تترك الأمر، هكذا، دون تطبيق دقيق وحصيف لمضمون الحديث الشريف "اعقل وتوكل". وعليه، فإن الحكومة في غزة تحسن صنعاً إن هي منعت منعاً كاملاً وقاطعاً – ولو لبضعة أيام على الأقل – حركة الدخول إلى قطاع غزة والخروج منه، مع التشديد في تطبيق ذلك على حركة الأنفاق دخولاً وخروجاً.

 

أما آخر الكلام، فإننا نسأل الحكومات التي تمنع شعوبها – في هذه الأيام – من السفر، خوفاَ من هذا المرض الفتاك وطلباً للسلامة منه، فنقول: إذا كان حجم الألم والعذاب والمعاناة التي تكابدونها جراء امتناعكم الطوعي عن السفر حماية لأنفسكم وشعوبكم قد بلغ منكم مبلغه، فكيف، إذن، بالشعب الفلسطيني الممنوع من السفر جراء حصار خانق ضربه عليه أعداؤه، منذ ثلاث سنوات، وما يزال!!

 

* كاتب وأكاديمي فلسطيني – جامعة الأزهر بغزة، عضو مجموعة الحوار الوطني من الأكاديميين والمثقفين الفلسطينيين. -