خبر الصحافيون الفلسطينيون يواجهون محنة مزدوجة بين الاحتلال واستحقاقات الداخل

الساعة 05:06 م|03 مايو 2009

فلسطين اليوم: غزة

ما تزال صورة الشهيد المصور الصحافي فضل شناعة (22 عاما) وهو ملقىً على ‏الأرض غارقاً في دمائه جراء إطلاق دبابة إسرائيلية قذيفتين مسماريتين تجاهه خلال عمله، ماثلة أمام أنظار الكثير من ‏الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة، ويعتبرونها رسالة يبعث بها الاحتلال الإسرائيلي مفادها أن مصيرهم لن ‏يكون بعيداً عن هذه الصورة كلما اقترب أحدهم من الحقيقة، حقيقة يبدو أنها ستظل حبيسة ما لم تمر من خلال عدسات ‏وكلمات هؤلاء‎.

 

وصلت الرسالة الإسرائيلية لكل الصحافيين الفلسطينيين، لكن استجابة المستقبل جاءت مخالفة لرغبات المرسل، فلا ‏الخوف تسرب إلى قلوبهم حتى تبتعد عدساتهم ولو قليلاً عن مواقع الموت، ولا هم تزحزحوا قيد أنملة عن تحقيق ‏رسالتهم الإنسانية. لا بل اتخذوا من المشهد وسيلة للإصرار على استكمال رسالة الإعلام الحر في نقل الحقيقة إلى العالم ‏كما يقول المصور الصحافي في وكالة "اسوشييتد برس" الأميركية خليل أبو حمرة، ويضيف: "رسالتنا نقل آلام ‏ومعاناة شعبنا إلى كل مكان في هذا العالم، ومهما يكن الثمن فنحن سنقوم في المهمة بصرف النظر عن الثمن الذي يمكن ‏أن ندفعه، فالحقيقة أغلى بكثير من الدماء التي قد تسيل". ويضيف أبو حمرة الحاصل على جائزة أفضل مصوري الشرق ‏الأوسط في تغطية الحروب: "الصحافي الفلسطيني مستباح أمام الاحتلال، فلا توجد قاعدة أو قانون يمكن أن يتعامل بها ‏جنود الاحتلال معه، لا بل أنه يكون هدفا لرصاصهم أينما وجد والأمثلة على ذلك كثيرة".‏

 

ويمثل المشهد الدامي للشهيد شناعة انموذجا للأسلوب الذي يتعامل فيه الجيش الإسرائيلي مع الصحافيين الفلسطينيين، ‏خصوصاً أنهم حققوا نجاحات متكررة في نقل الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في أوقات كثيرة من جانب، ‏واثبتوا غير ذات مرة بطلان إدعاءات إسرائيل ومبرراتها في استهداف عدد من المواقع والأشخاص من جانب آخر. ‏وليست اعتداءتها خلال التغطية الإعلامية للعدوان الأخير على قطاع غزة إلا شاهداً على ذلك‎.

 

ورصد "المركز الفلسطيني ‏للتنمية والحريات الإعلامية" في رام الله ‎بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة 257 انتهاكاً للحريات الإعلامية خلال العام الماضي ، منها 147 انتهاكاً ارتكبتها ‏قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون. وكان أكثر هذه الاعتداءات دموية قتل مصور وكالة "رويتر" فضل شناعة ‏عمدا، في حين ارتكبت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة والقطاع ومسلحين فلسطينيين 110 اعتداء. ويتابع المركز ‏في تقريره: "كما تواصلت الانتهاكات منذ بداية العام الحالي رغم أن الشهور ‏الأربعة الماضية شهدت انخفاضا في انتهاكات الحريات الإعلامية من حيث العدد خصوصاً في الجانب الفلسطيني، ‏مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، إلا أن الشهر الأول من العام الحالي شهد انتهاكات نوعية خطيرة من قبل قوات ‏الاحتلال الإسرائيلي أثناء عدوانها على غزة".‏

 

وإذا كانت الانتهاكات الإسرائيلية في حق الصحافيين الفلسطينيين بهذه الصورة، فإن المشهد "لا يختلف كثيراً عن ‏الانتهاكات التي تقترف بأيد فلسطينية في الضفة والقطاع وهو ما يؤلم أكثر، لأن الاحتلال يتجاوز كل الأعراف ‏والقوانين في حق الفلسطينيين جميعاً، أما من هم من أبناء شعبك فالأولى أن يساندوا الصحافيين في مهمتهم لا أن ‏يمارسوا هم نفس الانتهاكات الإسرائيلية" كما يقول مراسل فضائية "الجزيرة" في غزة وائل الدحدوح الذي يضيف ‏ان "الانتهاكات الفلسطينية أكثر صعوبة ومرارة من الناحية النفسية على اعتبار أن من يمارسونها هم من أبناء جلدتنا ‏الذين يفترض فيهم الوقوف إلى جانب الصحافي الفلسطيني‎." ‎ويستطرد "يجب على السلطة في الضفة وغزة اتخاذ قرار ‏جريء لوقف التعرض للصحافيين وانتهاك الحقوق والحريات مهما كانت المبررات، حتى يقوموا بواجبهم بمهنية ‏ومسؤولية".‏

 

وتتخذ انتهاكات حرية التعبير عن الرأي والعمل الصحافي في قطاع غزة وفقاً لـ"مركز الميزان لحقوق الإنسان" ‏أشكال عدة منها: استهداف الصحافيين بالقتل والإصابة والاعتداء عليهم بالخطف والاعتقال والاحتجاز والضرب والإهانة. ‏كما يضاف الى هذه الاشكال مصادرة المواد والمعدات والأجهزة والاعتداء على مؤسسات صحافية والمنع من النشر أو البث ‏أو التوزيع أو التغطية الصحافية، علاوة على منع التجمع السلمي واستدعاء الصحافيين من قبل السلطات الفلسطينية في ‏غزة‎.

 

وفي السياق ذاته، يؤكد مدير وحدة تطوير الديمقراطية في "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان" في غزة حمدي شقورة ‏استمرار الاعتداءات على حرية التعبير والرأي من خلال استهداف المؤسسات الإعلامية والاعتداءات بمختلف أشكالها ‏على الصحافيين بأيد فلسطينية، معتبراً أن الغالبية العظمى من هذه الانتهاكات تأتي في شكل من أشكال الأعمال الانتقامية ‏التي أعقبت الانقسام الفلسطيني في الضفة والقطاع.‏

 

ويوضح شقورة أن المطلوب قانون مطبوعات فلسطيني يحترم حرية الصحافة والإعلام، وقبل ذلك فإن الطرفين في ‏الضفة وغزة مطالبان باتخاذ خطوات جدية لوقف الاعتداءات على الصحافيين ورفع اليد عن الإعلام وترسيخ إعلام حر ‏وديمقراطي‎.

 

وفيما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية يقول شقورة: "المؤكد أن هناك توجها استراتيجيا لدى الاحتلال بإخراس الصحافة ‏ومنع تغطية ما تقترفه قوات الاحتلال من انتهاكات بشتى الوسائل". ويضيف‎"‎الانتهاكات ضد العمل الصحافي تمثل ‏جزءاً من الانتهاكات الإسرائيلية التي تمارس على نطاق واسع ضد المدنيين الفلسطينيين"‏‎.‎‏ ويبدو انه على الرغم من كل ‏الظروف المحيطة بالعمل الاعلامي سيواصل الصحافي الفلسطيني رسالته، انطلاقاً من اعتباراته المهنية والوطنية التي ‏تحتم عليه تغطية الأحداث الكبيرة التي تشهدها فلسطين حتى لو كان الدم ثمنا للحقيقة.‎