خبر الخبير صفوت الزيات: على المقاومة أن تستثمر بمهارة ما أنجزته في الحرب على القطاع

الساعة 07:10 ص|02 مايو 2009

الخبير العسكري والإستراتيجي صفوت الزيات لـ" فلسطين ":

* "إسرائيل" لن تحتمل حرب العصابات.. وتوحيد الفصائل "واجب"

* على المقاومة أن تستثمر بمهارة ما أنجزته في الحرب على القطاع

*المقاومة لن تتأثر بمنع دخول السلاح.. فالبديل المحلي موجود

*النظام العربي يصر على التفاوض وهو مقطوع الأصابع

 

حاوره/ بدر محمد بدر- القاهرة:

ما الدروس المستفادة من العدوان على قطاع غزة "سواء على مستوى المقاومة الفلسطينية أو النظام الرسمي العربي"؟ هل نعظّم النجاح ونتفادى الخلل؟..

كيف يمكننا أن نبني قدراتنا الإستراتيجية والعسكرية والسياسية بغية انتزاع حقوقنا المشروعة كشعبٍ وقيادة محتلة؟ وهل يمكن الدعوة لحظر تسليح العدو الصهيوني كما يدعو الغرب لوقف تسليح المقاومة؟..

كيف يمكن للنظام الرسمي العربي أن يبدأ في تصنيع السلاح كقوة ردع  بدلا من الاستيراد؟ وهل يمكن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟...

هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد متقاعد (صفوت الزيات) الذي خصّ "فلسطين" بحوارٍ خاص.. تفاصيله تأتي:

 

تقييم الحرب استراتيجياً

رأى الخبير الزيات أن تقييم العدوان الأخير على قطاع غزة –سيّما بعد ارتفاع الأصوات المناهضة لفكرة انتصار المقاومة- يجب أن يتم في إطاره الفكري الإستراتيجي الجامع "حيث الحرب لم تكن متكافئة من ناحية القوة"، ففي الحروب غير المتماثلة (والقول للزيات) تصبح النتائج غير متماثلة، وقال :"نحن في الحروب التقليدية هناك دائما أشياء محسوسة, نستطيع من خلالها تقييم معايير الأداء ونتائج الحرب على الأرض"، مشيراً إلى أن العالم وخلال العقدين الماضيين بات يقف أمام حركات مقاومة تجيد فن الصراع على الأرض، وهي تدرك تماما أن القوة العسكرية والميزان العسكري ليس في صالحها، لكنها في المقابل تدرك أنها في معركة سياسية في جوهرها.. عسكرية صرفة في ظاهرها "بمعنى أن الطرف الأضعف سيحاول أن يفقد الخصم إرادة الاستمرار في القتال، وهذا ما شهدناه في الحرب الأخيرة على غزة".

 

وأوضح أن "إسرائيل" صارت تدرك جيداً أن المعارك القادمة ستكون حروب عصابات، تغطيها منظومة تسليح نيرانيّة عالية المسار كالهاون والجراد والقسام، مضيفاً :"نشاهد الآن هواجس وقلقاً داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, لاعتبارين هما: محاولة الابتعاد عن حروب المدن التي تسبب خسائر بشرية كبيرة لم يعد المجتمع الإسرائيلي يتحملها كما السابق، والثاني أننا نقف اليوم أمام جيل إسرائيلي أكثر رفاهية من جيل –الكيبوتسات"، حيث صار للشباب أولياتهم في تحقيق التطلعات الاقتصادية عبر المشاريع الفردية، "هذا بعكس المجتمع الفلسطيني الذي أصبح أكثر قوة وقدرة على تحمل الخسائر البشرية من جيل الآباء أو الجيل السابق".

 

المقاومة..واستثمار التجربة

 

"المقاومة خرجت من معركة غزة أكثر قوة"، هذا ما أكده الزيات، شارحاً ذلك بقوله :"أصبح لدينا حركة مقاومة في فلسطين عاشت خبرة الحرب ميدانياً، ومارست العمل تحت ضغط القوة الجوية المعادية، على عكس السابق حيث كانت خبرتها تقتصر على العمليات الاستشهادية، ونصب الكمائن أو الاختراقات البسيطة على الحدود كردود فعل انتقامية"، ومن جانبٍ آخر فإن المقاومة باتت تدرك بنفسها المزايا التي حققتها إبان هذه الحرب, وما هي العيوب أو النواقص، التي ستحاول تلافيها فيما بعد.

 

على المقاومة أن تستثمر بمهارة ما أنجزته في الحرب الأخيرة على القطاع، فقد كسبت التعاطف الإقليمي من دول قوية كتركيا وإيران وبعض الدول العربية "حتى أن الرئيس الأمريكي أوباما، لم يعد ليستخدم كلمة إرهاب، وفي خطابه لهجة مختلفة عن الرؤساء السابقين حول حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية"، وتابع الزيات :"المقاومة حققت على الأرض اعترافا دوليا يجب أن تستثمره سياسيا, وهذا يتطلب منها انضباطا كبيرا في مسائل الإطلاقات الصاروخية على المستوطنات, بحيث ترتبط هذه التوقيتات بتطورات سياسية، فعلينا أن نولي العمل السياسي أهميته الرئيسية في الفترة القادمة"، مشدداً على ضرورة أن يدرك المقاومون أن عدوهم يعمل على مدار الساعة لتحييد الأنظمة التسليحية التي أثبتت فاعليتها لدى المقاومة، "وبالتالي عليهم أن يبذلوا جهدا كبيرا لتطوير هذه الأنظمة, سواء من ناحية الدقة أو من ناحية المدى والانتشار أو من ناحية عمليات الإخفاء والتمويه".. والأهم أن يكون هناك قدر كبير من الانضباط بين فصائل المقاومة المختلفة، فلا يتصرف أحدهم بمعزل عن الفصائل الأخرى، لابد من قيادة موحدة في الفترة القادمة.

 

الحصار.. والتصنيع المحلي

 

الزيات أشار إلى وجود اعتبارين يؤكدان أن المقاومة لن تتأثر باستمرار الحصار وحظر السلاح عنها، "الأول: أن حوالي 80 % من الأنظمة التسليحية للمقاومة يتم تصنيعها محليا، وبالتالي أصبح لديها الكادر الهندسي والفني على مستوى جيد للغاية في القدرة على الإنتاج، والثاني: أنه حتى الأنظمة التسليحية التي تتدفق من الخارج, ليست بالحجم الكبير الذي يصعب معه إمكانية دخولها وتهريبها للقطاع"، معقباً على ذلك بقوله :"أتوقع أنه في غضون شهور قليلة قد نقرأ تقارير إسرائيلية تتحدث عن أن الترسانة التسليحية لفصائل المقاومة في فلسطين زادت, بأرقام ربما تزيد عما كانت عليه قبل معركة غزة على النحو الذي رأيناه في الحرب على لبنان 2006، فالصهاينة يتحدثون الآن عن أن حزب الله لديه أكثر من 40 ألف صاروخ، مع أنه بدأ ب13 ألف صاروخ فقط.

 

وفي تقديره تقف المقاومة الفلسطينية اليوم في مرحلة استكمال واستعادة مستويات تسليحها، وهناك إدراك حتى في (إسرائيل) باستحالة منع تدفق السلاح".

 

الكفاح المسلح.. وطاولة المفاوضات

 

أما "النظام العربي" فهو على حد تعبير الزيات فهي كلمة لم تعد تعني شيئا، "لأن مصطلح نظام يعني مؤسسة تملك وحدة الهدف والإرادة والمشروع السياسي، والنظام العربي يبدو في اللحظة الراهنة بوضع صعب، والخطورة الكبيرة لدى الجزء المهيمن على الأقل أو ما يسمى ب "محور الاعتدال" الذي يتصور أن الجلوس على موائد المفاوضات والحوارات السياسية والمناورات الدبلوماسية, قد تأتي بأشياء لن تحققها عمليات الكفاح المسلح والعمل العسكري على الأرض".

 

واستغرب ممن يدعو إلى الجلوس على طاولة المفاوضات تحت مسمى "النظام العربي"، بينما يحاول أن يبتر أصابعه بيده، وقال :"أقصد بالأصابع هنا، المقاومة، المتمثلة بحزب الله والفلسطينيين"، متسائلاً :"لماذا يصر النظام العربي على التفاوض وهو مقطوع الأصابع ؟، لماذا يذهب إلى هناك بما يدعيه البعض براعة الدبلوماسية وعطف النظام الدولي وهو لا يملك شيئا على الأرض؟".

 

نشط الغرب مؤخرا لوضع استراتيجية لمنع تهريب السلاح إلى غزة، فهل يمكن في المقابل الدعوة لحظر تسليح العدو الصهيوني؟ عن هذا السؤال أجاب الزيات :"هذه دعوة رومانسية حالمة، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية لديها التزام إستراتيجي وأخلاقي ومصلحي, له أبعاد أيديولوجية كبيرة جدا، بحكم أن هناك تياراً داخل الولايات المتحدة الأمريكية هو تيار المسيحية الصهيونية, الذي يعتبر أن العهدين الجديد والقديم متلازمان, وأن هناك بشائر لتطورات غيبية قادمة لابد أن تتم في وجود الكيان الصهيوني، ولذلك الحديث عن حظر السلاح عنها هو أقرب إلى عالم الخيال".

 

مفارقات غريبة

 

أما ما يجب فعله تجاه النظام العربي –حسب الزيات- هو أن تُعاد له جديته في شئون الدفاع, من خلال تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك, بقدر من الهدوء والانضباط في الخطاب الاستراتيجي العربي، "قد يبدأ الأمر على سبيل المثال بتدريبات عسكرية مشتركة في حد ذاتها هي رسالة بسيطة لكنها عميقة، أيضا السعي لدعم بعض الأطراف العربية التي لا زالت على خطوط المواجهة"، مستغرباً أن يصل حجم الإنفاق العسكري للمملكة العربية السعودية إلى حوالي 23 مليار دولار سنويا، بينما حجم الإنفاق الدفاعي في سوريا –وهي لديها مشاكل مع (إسرائيل)- لا يتجاوز المليار ونصف المليار دولار".

 

وقال :"لا أتصور أن تتدفق أنظمة دفاعية متقدمة للغاية لدول خليجية عربية –وأنا أحترم توجهاتها- وتبقى الدول المحيطة بـ(إسرائيل) بالكامل تعاني من عدم وصول هذه الأسلحة المتطورة، أعتقد أننا حتى اللحظة لا نمتلك الإرادة السياسية".

 

نظام القيادة والسيطرة

 

لماذا لا يتم تصنيع السلاح العسكري والإستراتيجي في الدول العربية والإسلامية؟

 

أجاب الزيات :"علينا أن نكون واقعيين، فـ "إسرائيل" لديها قاعدة صناعية متقدمة ومتطورة, وهي الدولة السابعة في العالم في مجال تصدير السلاح بأنواعه للخارج، "ومن هنا علينا أن نتعلم الدرس، ونولي اهتماماً كبيراً جداً لبعض أنظمة التسليح المرتبطة بما يسمى بـالثورة في الشئون العسكرية"، التي تركز -كما شرح- على أنظمة استخبارات متفوقة، وأحد محاورها هي الطائرات بدون طيار التي توفر قدرة رؤية المعركة، ونقل الصورة على مدار الساعة، وأيضا هناك أنظمة التوجيه الدقيق أو الإصابة أو القذف الدقيق من مسافات بعيدة، ثم أنظمة القيادة والسيطرة، وهي أنظمة لابد أن نتقنها ولو بدرجات متباطئة".

 

وأكمل :"لدينا في العالم العربي كوادر فنية وهندسية رائعة في مجال الاتصالات على سبيل المثال، وهذا المجال هو جوهر أنظمة القيادة والسيطرة, ونقل الصورة والمعلومة آنيا من ميادين القتال لمراكز اتخاذ القرار"، مردفاً بقوله :"هذا البدء يتطلب منا إرادة سياسية وانضباط كبير في الخطاب العربي السياسي والعسكري".

 

وأكد الزيات أن الهدف النهائي لأي جيش هو السلام، وقيمته في التواجد على طاولة المفاوضات تتلخص في قدرته على انتزاع حقوقه ومنع العدوان وليس صده فقط، "وذلك من خلال اعتماد الخطاب الاستراتيجي الهادئ، وفي غمرته يتم تحديث قوات الجيش المسلحة فيتساقط من حولها الخصوم وتحصل هي على حقوقها, "وذلك بامتلاك موازين القوة الإستراتيجية التي تجعلها على مائدة المفاوضات تحصل على ما تريد دون أن تطلق رصاصة واحدة".