خبر شتم للشهداء ومنع لصلاة الجمعة.. معتقلون بسجون السلطة: اختطافنا سياسي يهدف لتدمير المقاومة ونجد معاملة لا يجدها العملاء

الساعة 06:23 ص|02 مايو 2009

فلسطين اليوم-تقرير(خاص)

كانت تمر الساعات طويلة علي أحد معتقلي سجن المخابرات في مدينة طوباس جنوب جنين، حين انهي ستة عشر ساعةً مشبوحاً علي قطعة حجر "بلوك" في زنزانة لا تتعدى المتر في متر ونصف المتر.

فجدران تلك الزنازين تُحاكي هموم مُرتاديها الذين يتعرضون للتعذيب والإهانة والشبح تحت سيّاط سجانيّهم من أبناء جلدتهم، وهم يُحّاكون الزمن الذي لم تعّد للإخوة فيه مكاناً، فأصبحت وجهات النظر والانتماء السياسي في مواجهة العدو الحقيقي خيانة يتوجب علي من يمارسها معاقبته.

شبح ساعات طويلة

مراسل "فلسطين اليوم" التقي بعدد من الذين تم اعتقالهم بسجون السلطة؛ فكان أولى اللقاءات مع "أبو محمد" أحد مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي، والذي اعتقل بسجن المخابرات في طوباس علي مدار 5 أيام، تعرض خلالها للشبح والتعذيب والإهانة وشتم عدد من الشهداء الذين كان علي صلة بهم أثناء التحقيق معه.

فكانت بداية تلك الأيام المريرة، حين تم استدعائه للمقابلة، فتفاجأ باحتجازه ساعات تم التحقيق معه خلالها عن عدد من المطلوبين وأماكن تواجد سلاح مقاتلي سرايا القدس وطرق عمليات تحويل الأموال، رفض خلالها الإجابة عن أسئلة المحققين الذين أمروا بنقله للزنازين.

يقول "أبو محمد"؛ "تم إحالتي بعد التحقيق الذي رفضت خلاله الإجابة علي أسئلة المحققين لزنزانة مساحتها المتر في متر ونصف المتر، ولم يكن بها أي نوع من الكساء "فراش" وأغطية، وأمضيت ساعات قليلة وحدي داخل الزنزانة ثم تفاجأت بعد ساعات بدخول اثنين من عناصر الأمن قاموا بإغماء عيني بقطعة قماش ثقيلة، ثم تم إجباري بالجلوس علي حجر صغير، وتكبيل يدي من الخلف وتمديد قدمي، وكانت تتم هذه العملية يومياً علي مدار الأيام الخمسة ما لا يقل عن أربعة عشر ساعةً كنت خلالها أعاني من صعوبة في التنفس وخذلان في الأطراف من قلة الحركة وصعوبتها".

وأضاف "وعندما يتم رفع الغطاء وفك الكلبشات عن يدي وأحاول النوم علي الأرض، أجدهم بشكل مفاجئ يدخلون الزنزانة ويذهبون بي للتحقيق ويطول التحقيق، فتارة تكون الأسئلة عن المطلوبين مختلفة حول الإخوة المطلوبين لقوات الاحتلال ما بين فلان وعلان، ثم يحققون حول هوية المسئولين عن إدخال الأموال وتوزيعها علي عناصر الحركة، وما هي طرق إدخالها وتوزيعها ومن يتولي مسئولية العمل الجماهيري داخل المنطقة التي أسكن بها، وأين يتم تخزين الرايات والملصقات الخاصة بالحركة".

وتابع "وحين لم يجّدون أي إجابات، يشتمونني ويطعنون بأخلاق أهلي، ويأمرون بإعادتي للزنزانة لأجد نفسي منهكاً، فأقوم بإلقاء نفسي علي أرضية الزنزانة كي أخذ قسطاً من الراحة، وما ألبث قليلاً حتى يعاودون يقتحمون الزنزانة بشكل مفاجئ ويعاد تكبيلي مرة أخرى بنفس الطريقة، واستمر الوضع بذات المنوال طوال الأيام الخمسة، وكانوا يأتون يومياً بوجبة واحدة من الطعام تكون عبارة عن رغيف خبز وشريحة من الجبن أو غيره، ويدخلون كاسة ماء واحدة تبقي أيام".

وواصل "وعندما استيئسوا بالحصول عن أي معلومات قد تفيدهم أطلقوا سراحي، قبل أن أمضي علي تعهد إجباري بعدم ممارسة أي عمل سياسي أو عسكري لصالح الفصيل الذي انتمي إليه".

إكمالاً لدور الاحتلال

"أبو الوليد" كان أيضاً له قصة أخرى بسجن المخابرات بجنين، فالمعاملة التي كان يتلقاها أبو محمد بسجن طوباس التابع للمخابرات أيضاً، كانت ذات المنوال الذي يتم التعامل فيه مع "أبو الوليد"، الذي أمضي أحد عشر يوماً بالزنازين.

يقول "أبو الوليد"؛ "بدأت الحكاية عندما أقدمت سيارة مدنية تابعة لجهاز المخابرات بداخلها ملثمون من اختطافي بعد عودتي من عملي لمنزل العائلة بأحد أحياء مدينة جنين، وتم احتجازي داخل إحدى غرف التحقيق حتى وصل أحد الضباط للمكان وقال لي أنت هنا بمقر المخابرات ولن نتركك حتى نحصل منك علي معلومات عن السلاح الذي كان بحوزتك قبل سنوات!، فأجبته بأنني اعتقلت لدي الاحتلال ومنذ ذاك الوقت قطعة السلاح أخذها أحد الإخوة وقد استشهد بعد فترة ولا أعرف مصيره، فأمر بتحويلي للزنزانة وتقيدي حتى اعترف بمكان السلاح".

وأضاف "في اليوم الأول تعرضت للشبح عبر إجلاسي علي حجر صغير وتكبيل يدي من الخلف، وفي اليوم الثاني لم أتعرض للتحقيق أو الشبح، وفي باقي الأيام تم شبحي إما بتكبيل يدي من الخلف وإغماء عيني، أو تكبيل يدي بأطراف باب الزنزانة من الأعلى وتكبيل أقدامي بنفس الطريقة، وإبقاء وجهي بين فتحات الباب، ويستمر الحال ما بين تلك الطريقتين".

وتابع "وتكون عمليات الشبح جميعها منذ ساعات المساء وتستمر حتى منتصف نهار اليوم التالي، ثم يعاود شبحي مرة أخرى، وحين أحاول النوم بعد فك القيود عني، يأتون لتحويلي للتحقيق بشكل همجي وكأنني سجين نفذت جريمة قتل، وكنت حين أطلب الدخول للمرحاض يرفضون كثيراً، ويمنعونني من الاستراحة خارج الزنزانة"

وواصل "كنت أتعرض لعمليات تحقيق يومية خلال الـ 11 يوماً عن وجود قطعة سلاح بحوزتي، وكنت أصّر في كل مرة علي تأكيد الإجابة حول عدم معرفتي بمصيرها منذ أن اعتقلت، وحول وجود أي سلاح لدي مقاتلين أو مطلوبين من سرايا القدس، وأماكن تواجد المطلوبين وتحركاتهم وكيفية وصول الأموال لديهم والمسئولين عنهم، وتعرضت خلال التحقيق للضرب الخفيف أثناء التحقيق، وكان بعضهم يشتم عائلتي ويقوم بإطلاق ألفاظ مسيئة للإسلام".

وأشار إلي أنه خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من عملية اعتقاله تعرض لمشاكل صحية، تسببت له بأورام بين الأقدام اثر عملية الشبح المتواصلة لساعات طويلة، وبعد معاناة طويلة نقل خلال الأيام الثلاثة للمستشفي عدة مرات تحت حراسة شديدة برفقة جيبين عسكريين وثالث يكون بداخله مقيد وإلي جانبه عدد من عناصر الأمن، ثم تم إطلاق سراحه بعد تلك الأيام.

منع لصلاة الجمعة وشبح بطرق أخرى

ما دار مع كلٍ من "أبو محمد – أبو الوليد"، كان مختلفاً قليلاً مع "أبو تراب" أحد عناصر حركة الجهاد في مخيم جنين، الذي اعتقل لدي جهاز المخابرات علي مدار 7 أيام، تعرض خلالها للشبح بطرق أخرى.

يقول "أبو تراب"؛ "اعتقلت بعد استدعائي للمقابلة، وتركز الحديث خلال المقابلة عن حركة الجهاد الإسلامي وأموالها والمسئولين فيها وتحركات بعض الإخوة، وبعد انتهائها تم اعتقالي بزنزانة صغيرة، واستمرت عملية الاعتقال 7 أيام، تعرضت فيها للشبح من خلال إجباري بالجلوس علي كرسي صغير الحجم، وتكبيل يدي من الخلف وقدمي بأقدام الكرسي، واستمر الحال بي كذلك ثلاثة أيام كاملة لم أتمكن خلالها من الصلاة أو القيام عن الكرسي وبقيت مقيد علي نفس الطريقة دون أكل أو شرب وكانت عملية الشبح تستمر من الساعة 11 ظهراً وحتى الثالثة فجراً".

وأضاف "وبعد الأيام الثلاثة تم تقديم لي وجبة طعام واحدة كانت عبارة عن رغيف خبز وطبق من الأرز مرفقاً بكاسة ماء، ثم حاولت النوم إلا إنهم اصطحبوني للتحقيق، وتفاجأت بوجود اثنين ملثمين داخل غرفة التحقيق، فإذا بالمحقق يسألني عن وجود عدد من قطع السلاح بمنزل مهجور أتردد عليه وأحد المطلوبين، فأنا نفيت الكلام فقام بصفعي علي وجهي وقال لي هؤلاء الملثمين هم شهود علي ذلك وقد شاهدوني كثيراً أتردد علي المكان، فأكدت النفي مرة أخرى، فقام بشتمي وصفعي مرة أخرى، ولم يتحدث الملثمين بأي كلمة طيلة التحقيق الذي استمر ساعتين استجوبني فيه عن ثلاثة من المطلوبين بمنطقتنا ومسئول العمل العسكري فيها، وهو ما رفضت الحديث عنه فانتقل لمكان وجود أموال العمل التنظيمي فنفيت أيضاً معرفتي بهذه الأمور وقلت له ليس سوي إنني مناصر، فلم يقتنع بذلك وأمر بنقلي لزنزانة أخرى مقابلة لزنزانة كان بها إخوة من عناصر حماس، فتفاجأت بعملية تعذيبهم بشكل قاسي حيث كانت عملية تعذيبهم بشكل قاسي وكانت أصوات الإخوة المعتقلين في الزنزانة المقابلة لي بشكل غير مقبول وغير أخلاقي فاستفزتني المناظر وطرقت علي الباب بقوة، فدخل اثنين من العناصر وقاما بتكبيل يدي من الخلف ووضع ملصق صغير علي فمي ثم غادرا الزنزانة وأنا أنظر بحسرة لما كان يدور مقابلي".

وتابع "خلال الأيام السبعة جاء يوم الجمعة فطلبنا أن يتم منحنا الدخول للمرحاض وأداء صلاة الجمعة بشكل جماعي، فرفضوا وأدخلونا المراحيض فراداً وأدينا صلاة الظهر طبيعية علي الأرض بالرغم من الريحة الكريهة التي كانت تملأ الزنازين، وطلبنا عدة مرات لإخراجنا بشكل جماعي لأخذ استراحة خارج الزنازين وكان الرفض هو الدائم، والتعرض لبعضنا بالضرب والشتم وسب الذات الآلهية".

وواصل "وكنا نتعرض لعمليات التحقيق خلال ساعات الفجر بشكل مكثف جداً، وتكون الأسئلة خلال التحقيق كما العادة حول الأسلحة والأموال والمطلوبين، وذات مرة وخلال وجودي بغرفة التحقيق، قام أحدهم بأداء الصلاة أمامي علي سجادة صلاة، فطلبت منهم أن أؤدي الفريضة فرفضوا وقام أحدهم بصفعي وقال لي (إحنا مش فاضيين)، كثيراً ما تعرضوا لنا بأخلاق غير إسلامية ووطنية، فدورهم إكمالي لدور العدو في استخدام كل الوسائل التي يستخدمها المحققين ضد أسرانا بالسجون وفي بعض الأحيان تجدهم أكثر عنفاً من الصهاينة علينا".

"كما إننا كنا نتعرض للضرب علي أقدامنا بعصي قوية خلال ساعات الفجر، ويجبرونا علي الجلوس داخل الزنزانة علي (قنينات وقزايز) تكون مكسورة من المنتصف ويضعوها بالعكس ويجبروننا بالجلوس عليها وأحياناً يكبلون أيدينا، ثم يعاودون فكها".

الاحتلال يعتقل عدداً من المفرج عنهم

82 عنصراً من مجاهدي الجهاد الإسلامي بمناطق كلٍ من جنين وطولكرم ونابلس والخليل، اعتقلوا منذ يونيو 2007، بسجون المخابرات والوقائي والاستخبارات، وأقدمت قوات الاحتلال علي اعتقال عددٍ منهم بعد الإفراج عنهم، فيما كانت أجهزة السلطة تقدم علي اعتقال بعضٍ منهم كان العدو الصهيوني يفرج عنهم من السجون، واستشهد آخرين علي يد قوات الاحتلال الصهيوني.

 

 

 

ويوضح "أبو القسام" أحد قادة الحركة بشمال الضفة أن بعض المعتقلين كان يتم اعتقالهم أكثر من مرة علي يد أكثر من جهاز أمني، وسجلت محاولة وحيدة لاستجواب زوجة أحد المطلوبين للضغط عليه لتسليم نفسه ثم أفرج عنها بعد احتجازها ساعات.

وأضاف "في سجون السلطة متواجد عدد من المعتقلين من بينهم القيادي بسرايا القدس "علاء أبو الرب" بسجن أريحا، والقيادي "سامر الغول" بسجن جنيد، والقيادي "حسن عرايشة" المتواجد أيضاً بسجن جنيد، واثنين من أشقاء الشهيد "محمود جليل"، وعدد آخر في الخليل وجنين ونابلس".

وتابع "يتعرض الإخوة بالسجون لحالات شبح وتعذيب ومنع للصلاة وشتم لشهداء ارتقوا في معارك العز والفخار، وشتم علي ذويهم من الأشقاء والشقيقات والطعن بشرفهم، حيث وصل الحال بهم لإجبار أحد الإخوة المعتقلين حتى اللحظة بسجن جنيد لرسم "سلم" علي جدار الزنزانة التي يتواجد بها وإجباره علي تخيله بأنه "سلم" حقيقي كي يتسلق عليه!".

وواصل "كما يتم إجلاس بعض المعتقلين علي فوهات الأقرة (القزايز) وآخرين يتم إيقافهم علي فوهات المعلبات الفارغة ثم يقومون بتكبيل أيديهم بأطراف باب الزنازين أو بشناكل حديد تكون مثبتة بقوة في أطراف الجدران، وتبقي القدمين موضوعة علي فوهة المعلبات"

واستمر "كما تم شبح بعض الإخوة من خلال إلقائه علي ظهره، وتوسيع أطراف قدميه ووضع خشبة قوية بين قدميه يتم ربطها فيهما، حتى لا يتمكن من ضم قدميه".

وأشار القيادي بالجهاد "أبو القسام"، إلي أن أجهزة السلطة تمنع زيارات الأهالي عن المعتقلين من أبنائهم، وتمنعهم من إقامة صلاة الجمعة أو الدخول للمراحيض بأوقات غير الصلاة، فيما تمنح من هم متهمين بقضايا جنائية والعملاء الذين يعملون لصالح العدو الصهيوني بالخروج خارج الزنازين وفعل ما يحلو لهم، دون التحقيق معهم أو التعرض لهم بالشبح والتعذيب.

وأوضح أن عدد من المعتقلين الذين أفرج عنهم اعتقلتهم قوات الاحتلال من بينهم "عمار صوافطة وقصي صوافطة ومحمد غنام وماهر الأخرس ومهدي الشرقاوي"، وغيرهم آخرين، فيما تم اغتيال آخرين كالشهيد المجاهد "جهاد نواهضة".

وذكر إلي أن المعتقل قصي صوافطة، عندما تم الإفراج عنه أكد بتعرضه لعملية تعذيب كبيرة أدت لمشاكل صحية كبيرة في قدميه حرمته من المشي عليها مدة تطول ساعة من الزمن بسبب حالة التعذيب، كما تعرض المجاهد "ماهر الأخرس" لعملية تعذيب استمرت أياماً أجبر بعدها علي الاعتراف عن وجود قطعة سلاح في منزل عائلته تم مصادرتها فيما بعد من خلال اقتحام المنزل من قبل أجهزة أمن السلطة.

 

وأكد القيادي "أبو القسام" إلي أن عمليات الاعتقال التي تتم بالضفة المحتلة ضد عناصر فصائل المقاومة بمختلف انتماءاتها هي سياسية بحتة، هدفها تدمير نهج المقاومة واجتثاثها من جذورها للإبقاء علي حالة أمن الجنود والمستوطنين الصهاينة الذين يعبثون بأمن المواطن الفلسطينية، مطالباً بختام حديثه بضرورة أن تضع الفصائل الفلسطينية ملف المعتقلين السياسيين في أوج حواراتها بالقاهرة للتخفيف من معاناتهم والإفراج عنهم بأقرب وقت ممكن".