خبر أوباما .. السياسة ذاتها ولكن بلغة ناعمة .. ياسر الزعاترة

الساعة 05:08 م|01 مايو 2009

بقلم: ياسر الزعاترة

يوما فيوم تتبدى على نحو أكثر وضوحا الأهداف التي دفعت المؤسسة السياسة والعسكرية والأمنية الأمريكية إلى تشجيع مسيرة التغيير التاريخي المتمثل في السماح بوصول رجل أسود اسمه باراك أوباما إلى منصب الرئيس. لقد أريد لهذا الرجل أن يوقف مسيرة التدهور في تاريخ الولايات المتحدة التي أطلقها على نحو مجنون رجل اسمه جورج بوش (الابن)، الأمر الذي لن يتحقق بتغيير الهدف (قرن إمبراطوري أمريكي جديد)، والذي يشكل حلما للجميع، بل بتغيير الواجهة (رجل أسود مقبول في الخارج)، ومن ثم تغيير الوسيلة (الدبلوماسية والحوار والشراكة والكلام الناعم كبديل عن القوة المسلحة والإملاءات والضغوط الرعناء). ثمة جانب آخر يتمثل في تغيير بوصلة السياسة الخارجية، فبدلا من أن تكون مركزة بشكل مفضوح على هواجس الدولة العبرية، ولو على حساب مصالح الولايات المتحدة، فستأخذ في الاعتبار تلك الهواجس من دون أن تجعلها سببا في مغامرات تؤدي إلى تراجع نفوذ واشنطن، وهو تغيير لا تمانع فيه دوائر اللوبي الصهيوني على الأرجح، وبالطبع بعد أن ثبت أن سياسة بوش لم تخدم الدولة العبرية، في ذات الوقت الذي وضعت فيه الولايات المتحدة على طريق التراجع، الأمر الذي ستكون له تداعياته السيئة على مستقبل دولة اليهود على المدى المتوسط، فضلا عن البعيد، لأن تعددية قطبية لن تكون بحال في صالح الغطرسة الصهيونية، أقله قياسا بتفرد الولايات المتحدة بالمشهد الدولي في ظل سيطرة صهيونية على قرارها السياسي. منذ أسابيع وأوباما يوزع دعوات الحوار والكلام الناعم على مختلف أرجاء الأرض. من إيران إلى سوريا إلى كوريا الشمالية، إلى الصين إلى روسيا وحتى كوبا وأمريكا اللاتينية، إلى أوروبا، وقبل ذلك العراق وأفغانستان والصومال، وحتى السودان (في تركيا وزعها على جميع المسلمين)، ولكنه في أي من الملفات المذكورة لم يغير شيئا في السياسة الأمريكية المعروفة. وجاءت حكاية نزع الأسلحة النووية من كل العالم (معطوفة على تغيير مصطلح الحرب على الإرهاب) لتؤكد الصورة التي يريد أوباما رسمها لنفسه وللمرحلة التي يقودها، مع العلم أننا إزاء موقف لا يتعدى الدعاية، لأن بينه وبين التطبيق رحلة طويلة، وربما مستحيلة. في العلاقة مع إيران لم يغير الرجل شيئا في مضون الخطاب، فالمطلوب هو ذاته: وقف التخصيب وإنهاء الحلم النووي لإيران، مع وقف دعم الإرهاب (مقاومة حزب الله وحماس والجهاد)، أما الجزرة فلا تتعدى التعاون الإقليمي ووقف العقوبات، الأمر الذي ينطبق بالضرورة على كوريا الشمالية، وإن تغيرت اللهجة حيالها بعض الشيء إثر إطلاقهما قمرا صناعيا. في العلاقة مع أوروبا ودول الناتو، ثمة قدر من المديح والإطراء والتأكيد على الشراكة والتعاون، لكن الجوهر يبقى على حاله، بدليل التقريع في الموضوع الأفغاني ومطالب تعزيز المساهمة العسكرية والمالية، وبدليل الموقف من الأزمة المالية العالمية، وحيث تصر واشنطن على الإبقاء على ذات النظام المالي الذي تسيطر عليه، والذي كان بدوره السبب الأساسي للأزمة. ينطبق ذلك على الصين وروسيا، فهنا أيضا ثمة قدر من المديح والإطراء، مقابل رفض مطالبهما المتعلقة بتصحيح النظام المالي العالمي، مع حثهما على التعاون في منع إيران من امتلاك السلاح النووي. كما ينطبق على القضايا العربية والإسلامية الأخرى، مثل السودان وأفغانستان، والأهم القضية الفلسطينية، التي تحضر فيها لغة الحوار أيضا، وإن بدرجة أقل، بسبب روحية الإملاء والإصرار على اعتراف حماس بالدولة العبرية وبالتزامات منظمة التحرير من دون أن يكون هناك أي موقف من حكومة نتنياهو التي ترفض ما يسمى بحل الدولتين، ويتبوأ فيها العنصري ليبرمان منصب وزير الخارجية. إنها سياسة القوة الناعمة التي يحاول من خلالها أوباما، وبتوافق واضح، بل ربما بتوجيه من المؤسسة العسكرية والأمنية ودعم واضح من الجمهوريين، يحاول ترتيب أوراق واشنطن كي تتمكن من تجاوز الأزمة المالية الخانقة من دون دفع استحقاقات التسبب فيها، إضافة إلى وقف مسيرة التراجع وإعادة القطار إلى مرحلة التقدم، وأقله الثبات، وبالطبع عبر التخلص من نزيف العراق وأفغانستان، وهو ما سيخدم بدوره الدولة العبرية، لاسيما حين يأتي مشفوعا بتفهم لمطالبها المعروفة، أولا في ملف التسوية، وثانيا في مواجهة المشروع النووي الإيراني.