خبر هل يقاتل الجيش الإسرائيلي خلافا لقيمه .. يديعوت

الساعة 01:38 م|01 مايو 2009

بقلم: البروفيسور موشيه هيلبرتال والبروفيسور آفي ساغي

"الجندي يستخدم سلاحه وقوته لتنفيذ المهمة فقط، وفي اطار المستوى المطلوب لذلك ويحافظ على صفته الانسانية خلال القتال ايضا. الجندي لا يستخدم سلاحه وقوته للالحاق الاذى بالناس غير المقاتلين والاسرى، ويبذل كل ما بوسعه لمنع المس بحياتهم وجسدهم وكرامتهم واملاكهم".

هذا ما تنص عليه قيمة نقاء السلاح في وثيقة "روح الجيش الاسرائيلي" وهذه الصياغة تحدد بصورة معيارية تصنيفية، بأن المواطنين الابرياء غير المقاتلين ليسوا جزءا من معادلة القتال. المس المقصود للابرياء هو اعتداء على الصفة الانسانية وهو يعتبر قتلا. هذا الامر ينطبق ايضا ان ادى هذا القتل الى نتائج عسكرية هامة.

يتوجب علينا ان نوجه حقنا العادل بالدفاع عن النفس في مواجهة العدو نحو الارهابيين الذين يهددوننا وليس نحو محيطهم من الابرياء الذي لا يهددنا. اضف على ذلك، حقيقة ان حماس تتبع استراتيجية دموية كهذه وتوجه سلاحها نحو المدنيين الاسرائيليين الابرياء، لا تبرر الاستخدام الاجرامي والجبان لوسائل مشابهة. ليس هناك تماثل في الشر ولا يبرر ظلم واحد ظلما آخر من بعده.

اثر القتال في غزة احتدم نقاش شعبي قوي حول المبادىء التي يتوجب على الجيش الاسرائيلي اتباعها خلال القتال في منطقة تغص بالسكان المدنيين الابرياء. كلانا نتابع هذه المسائل منذ سنوات من خلال الشراكة النشطة في صياغة "روح الجيش الاسرائيلي" التي تعتبر شيفرة اخلاقية سائدة في الجيش وصياغة كراس التوجيه والارشاد الذي يرافق هذه الوثيقة. رئيس هيئة الاركان الحالي ايضا صادق على هذه الوثيقة.

 من لزام القول ان نذكر اننا خلال هذه السنوات بذلنا جهودنا لتكريس القيم التي تتضمنها الوثيقة من خلال لقاءات كثيرة مع المستويات القيادية. من منطلق شعورنا بالمسؤولية نحو الجيش والمجتمع وعلى ضوء مقالة اللواء عاموس يدلين والبروفيسور آسا كيشر التي نشرت في الاسبوع الماضي في ملحق السبت في يديعوت احرونوت نجد انفسنا مضطرون للرد مباشرة على هذه المسائل الصعبة.

يدلين وكيشر ادعيا ان الجيش تبنى موقفهما والذي يصفانه بصورة واضحة والذي يعتبرانه صراحة وثيقة مفسرة لوثيقة "روح الجيش الاسرائيلي". ادعاءهما يتعزز للوهلة الاولى اثر حقيقة كون احدهما ضابطا كبيرا وعضوا في هيئة الاركان في الخدمة الفاعلة. نحن لا نعرف ان كان الجيش قد تبنى هذا الموقف فعلا كمبدأ لاستخدامه لاطلاق النار، ولكن ان كان مسار الامور على هذا النحو، فهذه انعطافة خطيرة وانحراف عن "روح الجيش الاسرائيلي" وهذا اعتداء شديد على قيمة نقاء السلاح وطهارته كقيمة عليا.

سياسة انعدام المخاطرة

ضمن الشروط التي فرضتها حماس على اسرائيل، القتال حتى وان كان موجها فقط للجهات الارهابية ينطوي احيانا ولشدة اسفنا على ضرر مترافق يلحق بالابرياء. حقيقة ان الارهاب يستخدم الابرياء كغطاء بشري لا يتوجب ان تشل تحركات الجيش ومن الممكن تبرير الضرر الناشىء الذي يلحق بالمدنيين من جراء ذلك بشرط عدم وجود خيار وان الضرر الغير مقصود الذي يلحق بالابرياء هو ضرر نسبي بالتناسب مع التهديد العسكري الذي تمت ازالته.

امكانية القيام بعمليات كهذه تلزم الجيش بتوخي الحذر في تحركاته وعمليات. وكما جاء في "روح الجيش الاسرائيلي"، حتى ان كان المس بالابرياء هو مس مرافق فان الجيش "يبذل كل ما بوسعه لمنع الحاق الضرر بحياة المدنيين" والسؤال المطروح على المحك في النقاش الشعبي هو: اية قيود تفرض على الجيش في ظل هذه الظروف؟

الجيش الاسرائيلي اتبع سلسلة خطوات واعمال تهدف الى التحذير المسبق ودفع المدنيين لمغادرة ارض المعركة. هذه الخطوات ضرورية وايجابية، ولكن الاشعار المسبق لا يحل الجيش باي شكل من الاشكال من المسؤولية – كما قد يفهم مما يقوله يادلين وكيشر – المسؤولية نحو الابرياء المتبقين في بيوتهم: الامهات اللواتي يبقين في ارض المعركة مع اولادهن او المرضى او المسنون او العجائز الذين يجدون مشقة في التنقل او اولئك الخائفين على املاكهم القليلة وبقوا في بيوتهم. دم هؤلاء ليس مباحا ومن الواجب القيام بكل ما يجب من اجل منع المس بحياتهم.

يدلين وكيشر يقولان انه لا يتوجب على الجنود ان يخاطروا بارواحهم لتجنب الضرر الثانوي المرافق الذي يلحق بالابرياء. هذا الالتزام قائم حسب رأيهم فقط بصدد حماية مواطني الدولة.

هذا الموقف يخلط بين دواعي الحرب وبين القيود المفروضة على المقاتلين. التفسير الوحيد للمخاطرة بحياة الجنود المتمثل بقرار الخروج للمعركة هو بالفعل واجب الدفاع عن مواطني الدولة، ولكن في خضم القتال تقع على كاهل الجنود واجبات اخلاقية وقانونية قد تشكل خطرا عليهم.

الموقف الذي يقول انه لا يتوجب على الجنود ان يخاطروا بارواحهم ولو قليلا من اجل تجنب المس المرافق للابرياء خلال القتال قد يحول الذرائع الاخلاقية والتبريرات الاسرائيلية التي تساق الى ذرائع مصطنعة وفارغة من مضمونها. التبرير الاخلاقي للقتال نفسه يرتكز على الادعاء بان حماس معنية بصورة صارخة بالمس بالابرياء من المدنيين، اما الجيش الاسرائيلي الذي يوجه سلاحه فقط نحو من يهددونه، فيعتبر هذا المس ضرورة مأساوية لا مفر منها.

ولكن في محك النتائج تسبب الجيش الاسرائيلي بقتل الابرياء. ان كان من المفترض عليه عدم المخاطرة بالمرة من اجل تجنب مثل هذا الضرر الذي لحق بالابرياء. فباي مفهوم يمكن الادعاء بان قتل الابرياء قد فرض علينا في هذه الحالة؟! اية ضرورة تكمن في الواقع الذي تشتق فيه النتيجة من تبني مبدأ غير اخلاقي يقود الى نتائج كارثية مأساوية؟!

يكفي ان نسوق مثالا واحد لتوضيح هذه المسألة: من الجو يشخصون هدفا يبدو عبر الشاشة كشيء غير واضح المعالم. فهل يمكن قتل هذا الشيء اعتمادا على ان الاحتمالية المتدنية بانه ارهابي؟ ان كان الجيش الاسرائيلي باتباع سياسة انعدام المخاطرة فمثل هذا القتل على اساس الاحتمالات الضئيلة يكون مبررا كما يبدو للوهلة الاولى,. ولكن وفقا لهذا المنطق المشوه سيكون من الممكن قتل نصف السكان المدنيين في غزة. ان ادعينا ان الاقدام على المخاطرة ولو حتى القليل منها محظور، فان الدخول البري هو مسألة غير ملائمة كما يتبين. وفقا لهذه الرؤية كان من الواجب مواصلة القصف من الجو من دون الاقدام على المخاطرة.

الجنود ليسوا قذائف

يدلين وكيشر محقان عندما يكتبان ان للجنود حقوقا وان من الواجب في سياق ذلك على من يرسلوهم بان يحافضوا على حياتهم قدر المستطاع . هذا الواجب تجسد من خلال قيمة "حياة الانسان" في وثيقة "روح الجيش الاسرائيلي" ، وجوهره هو مطالبة القادة باعتبار الجنود اناسا ادميين وليس وسائل قتالية. الجنود ليسوا قذائف. ولكن لا ينبع من ذلك ولا يشتق منه ان على الجيش ان يتبنى سياسة انعدام المخاطرة.

الدولة الديمقراطية ، يجدر بالجنود ان يعرفوا بانه عندما يتوجب عليهم ان يتحركوا ضد هدف فهناك على الاقل احتمالية عالية بان يكون هذا هدفا عسكريا مشروعا. ان تبنى الجيش سياسة انعدام الخطورة كمبدأ موجه لاختيار الاهداف فسيفقد ثقة الكثيرين من اولئك الذين يفترض بهم ان يؤدوا اوامر كارثية كهذه لانهم سيعتبرون ذلك وعن حق تعرضا للصفة الانسانية لذاتهم وللغير.

يدلين وكيشر يدعيان ان قيودا من هذا النوع تشكل "جائزة للارهاب". العكس هو الصحيح. ازالة مثل هذه القيود التي ستؤدي بالضرورة الى قتل كثيف للابرياء ستحقق هدفين من اهداف الارهاب: الاول تعزيز التأييد السكاني المحلي والدول العربية والمنظومة الدولية لاهدافهم. والهدف الثاني والاهم تحطيم العمود الفقري الاخلاقي للمجتمع الاسرائيلي ومن خلال ذلك رغبته في القتال المرسخة على شعور عميق بالشرعية.

القيود المشتقة من اخلاقيات القتال ومن "روح الجيش الاسرائيلي" لا يفترض بها ان تشل الجيش خلال تحركاته. وبالمناسبة هي موجهة لتوجيه نحو العدو الذي يتوجب عليه ان يقاتله وحده. ازالة القيود هي جائزة للارهاب وليس هناك نجاح اكبر للارهاب من ازالة التباينات والتمايز الاخلاقي بين الجيش الاسرائيلي وبين من يقاتل ضدهم.

ازالة القيود كما يوصي يدلين وكيشر هي خروج عن معايير اخلاق القتال وروح الجيش الاسرائيلي التي التزم بها. الجدل في هذه القضايا ليس قانونيا ولا يرتبط بمطالب القانون الدولي التي تهدف بالاساس للحفاظ على الحد الادنى من الواجب، وليس القيم الاخلاقية السليمة التي يتوجب على الجيش الاسرائيلي ان يتصرف وفقها. مثل هذه المسائل المصيرية موضوعة على طاولة الجيش الاسرائيلي والمجتمع الاسرائيلي كله.