خبر دايتون في طولكرم خارج الإجماع الوطني ..فارس عبدالله

الساعة 09:45 ص|30 ابريل 2009

كاتب من غزة

بعد توقيع اتفاق مكة المكرمة, وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية, برزت على السطح قضية التجييش والإعداد غير المسبوقة, كثرت الدورات العسكرية لأفراد الأجهزة الأمنية في الخارج ,والملفت أن التدريب كان في الأغلب على عمليات القنص ,وتنفيذ عمليات ما يسمى بمكافحة الإرهاب, ويركز هذا النوع من البعثات العسكرية على الأجهزة الأمنية المختلفة , وخاصة التابعة بشكل مباشر لرئاسة السلطة ,بدون علم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة السيد إسماعيل هنية , ووزير داخليتها السيد هاني القواسمي الذي استقال احتجاجاً على واقع الأجهزة الأمنية. كان يقف خلف ذلك شخصية برزت بقوة ولأول مرة في الساحة الفلسطينية ,وهو الجنرال الأمريكي دايتون والذي كان يخطط مع بعض قادة السلطة لإسقاط حكومة الوحدة ,والانقضاض على حماس والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ,وتشكيل حكومة السلطة الأمنية لاستكمال دورها المتفق عليه مسبقاً ,في قمع المقاومة والتنسيق مع الكيان الصهيوني ,ورغم التحذيرات الكثيرة والدلائل الدامغة على إرهاصات هذا المخطط ,إلا أن رئيس السلطة أنكر ذلك إلى حد إنكار وجود الجنرال دايتون أصلاً في فلسطين ,أو أن تكون أوكلت له هكذا مهمة .

 

صحيفة " فانيتي فير" الألمانية كشفت الدور الخبيث للجنرال دايتون , تحت عنوان الحرب القذرة والتي أعدها الرئيس الأمريكي السابق بوش ,ووزيرة خارجيته رايس ونائب مستشار الأمن القومي إليوت أبرامز، بموافقة أبو مازن وأقطاب التيار الأمني داخل السلطة وحركة فتح , وعلى رأسهم محمد دحلان ,وفى إطار هذه المهمة جاء قرار تعيينه المخالف للقانون كمستشار لمجلس الأمن الأعلى , بالإضافة إلى قرار سري صادر عن أبو مازن شخصياً بتولي دحلان ,قيادة جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية للسلطة وحركة فتح ,وهذا يكشف ملامح المخطط الانقلابي , إلا أن هذا المخطط فشل لأسباب متعددة منها ,عدم ثقة كثير من أفراد الأجهزة الأمنية بشخصية العقيد دحلان وأهدافه ,لعلاقاته الوطيدة من الجنرالات الصهاينة ودوره في معارضة ومناكفة الرئيس الراحل ياسر عرفات , أثناء محاصرته في مقر المقاطعة بمدينة رام الله , بالإضافة إلى استعدادات المقاومة وخاصة كتائب القسام والقوة التنفيذية ,والتي دافعت بقوة عن حكومة الوحدة الوطنية ووزرائها ومقراتها , وبذلك فشل مخطط دايتون الذي استهدف قمع وإنهاء المقاومة في قطاع غزة بكافة أشكالها السياسي والحكومي والعسكري , وبسلاح فلسطيني وتحت راية الحرب الأهلية وعنوان الصراع على الكراسي ,وكانت في رؤية الجنرال أن تكون الغلبة للتيار الأمني السلطوي , والهزيمة لحركة حماس صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي , إلا أن ذلك لم يحدث وانتقلت ساحة عمل الجنرال دايتون إلى الضفة المحتلة.

 

فريق رئاسة السلطة وبعد كل ما حدث ينفي ,كل ما يقال عن دايتون وخطته ويرجع سبب الانقسام الحاصل ,إلى رغبة حماس في الانقلاب على السلطة والاستئثار بحكم غزة , وكأن من يحكم الضفة وغزة , ويملك الأغلبية النيابية يريد أن يحصر مشروعه في غزة , فقط وهذا يتنافى مع تصريحات قادة حماس مع الساعة الأولى لسيطرتها على قطاع غزة , التي تطالب فيها بالحوار , ولقد قوبل ذلك برفض رئاسة السلطة , وتوعدها لقيادة حماس بالويل والثبور , وأنها حفرت قبورها بأظافرها , كما قال السيد أبو مازن في أحد خطاباته.

 

إلا أن القيادي الفتحاوي البارز وعضو اللجنة المركزية هاني الحسن أكد أمر خطة دايتون  بتفاصيلها في مقابلة عبر برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة الفضائية وقال خلالها إن ما حدث في غزة هو ليس هزيمة لفتح بل هزيمة لخطة دايتون الأمنية وهزيمة لحلفاء أمريكا  ولقد تعرض هاني الحسن بعد هذه التصريحات لهجمة إعلامية شرسة من قبل الفريق الأمني السلطوي وظهر لأول مرة وبعد سيطرة حماس على غزة الهارب سمير المشهراوي من رام الله يرد على عضو لجنة مركزية وقد سخرت له الوسائل الإعلامية التابعة للسلطة للتشهير والإساءة لشخصية فتحاوية لها تاريخها النضالي الذي لا ينكره أحد حتى أن رئيس السلطة قرر إعفاء الحسن من منصبه  كبير المستشارين السياسيين في مكتب الرئيس .

 

كما أن السفير الأميركي السابق في الأمم المتحدة , جون بولتون أكد أن ما حصل هو فشل في الاستراتيجية ، مشيراً إلى أن مهندسة هذه الاستراتيجية رايس , التي تبحث عن مشروعية ما , فبعدما فشلوا في التحذير من إجراء الانتخابات الفلسطينية ، حاولوا تلافي نتائجها عبر دايتون , وكذلك المستشار السابق لنائب الرئيس ديك تشيني ، ديفيد وارمسر يقول أيضا لقد تورطت الإدارة الأميركية في حرب قذرة , لمحاولة منح النصر لديكتاتورية " فتحاوية فاسدة"، مؤكداً أن حماس لم تكن تعتزم الاستيلاء على غزة .

 

بعد كل ذلك لم يعد أمر الجنرال دايتون سراً , بل إن الملفت بعد الانقسام الحاصل في جسم السلطة الفلسطينية , بين غزة المحاصرة والضفة المحتلة , وبين مشروع المقاومة ومشروع التسوية , أن دايتون بات يخرج علناً ويتمايل تارة ببدلته المدنية , وأخرى بزيه العسكري , بين صفوف المجندين في الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله , وتعددت زيارته لنابلس والخليل وجنين وطولكرم , ومراكز التدريب في أريحا والأردن , وهو يوجه أفراد أجهزة أمن السلطة مخاطبهم أن سلاحكم هو للداخل الفلسطيني , بحجة محاربة الفوضى والخارجين على القانون , وان هذا السلاح ليس لمواجهة (إسرائيل) , كما تباهى بذلك خلال إحدى المقابلات الصحفية.

 

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة حول زيارة دايتون الأخيرة , لمدنية طولكرم المحتلة والتقائه بقادة الأجهزة الأمنية أمام الكاميرات , وإعلان دايتون عن توسيع خطة تدريب قوات الأمن التابعة لرئيس السلطة ، وأن الخطة تشمل تدريب ثلاث كتائب في الضفة الغربية خلال العام الحالي , وفى جلسة توجيه وعلى طاولة واحدة جمعت له فيها رتب السلطة العسكرية جلس دايتون , من أجل توجيه رسائله وتوجيهاته لسير عمل الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة , لماذا هذه الزيارة الآن وفى ظل الحوار الوطني الجاري في القاهرة ؟! وأين التفاهمات التي تم التوصل إليها في لجنة الأمن حول دور الأجهزة الأمنية الوطني ؟! , وهل أجهزة أمنية بوصاية دايتون يمكن أن تكون مقبولة من الفصائل الفلسطينية وخاصة المقاومة منها ؟! وهل تدخل الجنرال دايتون مشروع وبعيد عن شبهات التدخل الخارجي , مع أن تاريخ الرجل الأسود في غزة خير شاهد على حقارة دوره ؟! وهل وجوده ضمانة لاستمرار السلطة في السيطرة على الضفة ؟! .

 

وهل التوصل إلى حل عقدة برنامج الحكومة , سواء بالاحترام أو بحكومة بدون البرنامج السياسي , هو نهاية الأزمة والانقسام ؟! وماذا عن إصلاح الأجهزة الأمنية التي كانت أساس فشل اتفاق مكة , وهل يختفي دايتون إلى غير رجعة ؟! ومتى يتقلد أبناء الوطن المخلصون الإشراف على الأمن وحماية شعبهم ومقاومته , مع كل هذه الأماني والتطلعات إلا أن المشهد الأمني الحاصل في الضفة , لا يبشر بخير حيث ترأس دايتون وقيادته الفعلية للأجهزة الأمنية واستمرار الاعتقالات السياسية وقمع المقاومة , والتنسيق الأمني, وانه من المؤسف أن يبقى دايتون القيم والوصي على الأجهزة الأمنية , ومن المؤكد أن الجيش الذي يقف على رأسه جنرال أمريكي لن تكون أهدافه فلسطينية , ويبدو أن الهدف من الحوار عند البعض شيء آخر غير الوحدة الوطنية الشاملة بالأهداف والوسائل , التي تقود إلى حماية الثوابت والحقوق الفلسطينية.