بالصور جميل العموري.. مجدد الاشتباك ومؤسس "كتيبة جنين"

الساعة 12:16 ص|12 يونيو 2022

فلسطين اليوم جنين

وأنت تسير في شوارع مدينة جنين ومخيمها لا تسمع أحاديث إلا عن بطولات "كتيبة جنين"، التي كان الإعلانُ الأوّل عن تَشَكلُها في سبتمبر/ أيلول عام 2021 في أعقاب عملية نفق الحريّة ونجاح الأسرى الستة (محمود العارضة، محمد العارضة، مناضل نفيعات، زكريا الزبيدي، يعقوب قادري، وأيهم كممجي) في الهروب من سجن جلبوع.

وكان بيان الكتيبة العسكريّ الأول يُعبّر عن استعدادِها للانضمام لـ "معركة الأسرى الفارين"، باحتضانهم في المخيّم والدفاع عنهم. وفي تلك الفترة أنشئت الكتيبة قناةً لها على تطبيق "تلغرام" لتُرسِلَ من خلالها رسائلَها وخطاباتِها العسكريّة.

وعلى مدار خمسة أيام من عملية ملاحقة الاحتلال للأسرى الفارين، نفّذت الكتيبة ما أطلقت عليه "فعاليات الإرباك"، والتي تمثّلت بتنفيذ عمليات إطلاق النّار على الحواجز المحيطة بمدينة جنين، والخروج في مسيراتٍ عسكريّة داخل المخيّم. كان الهدفُ استعراضَ عتاد المقاومين وما يمتلكونه من سلاح، والتأكيد على استعدادهم للدفاع عن الأسرى واحتضانهم.

لكنّ انتقال "كتيبة جنين" من السريّة إلى العلن لم يأتِ استجابةً لحدث عملية "نفق الحريّة" فحسب، أو استغلالاً للظهور أمام كاميرات الإعلام المُسلَّطة نحو المُخيّم، وإنما كان بمثابة تصعيدٍ تراكميّ في فعل المقاومة في الضفّة، وقد حفّزته معركة "سيف القدس" وما رافقها من هبّة شعبيّةٍ في مايو/أيّار 2021. ويشير هذا إلى أنّ الكتيبة كانت على هيئة حالةٍ غير تنظيميّة من المقاومة موجودة في مخيّم جنين، ثمّ تجمّعت تحت مسمى "كتيبة جنين" بعد عملية نفق الحريّة.

العموري المؤسس

ارتبطت "كتيبة جنين" باسم ابن المُخيّم الشهيد جميل العموري (25 عاماً)، والذي اغتالته قواتُ الاحتلال الإسرائيليّ في العاشر من يونيو/ حزيران 2021.

كان العموري شخصيّةً اجتماعيّةً ومحبوبة في المُخيّم، وعُرِف منذ صِغَرِه بشخصيتهِ القياديّة. انتمى لحركة الجهاد الإسلاميّ التي نعته بعد استشهاده كأحد كوادرها العسكريّة في المخيم، وقد كان أبرز "المطلوبين" للاحتلال في المُخيّم لتنفيذه عدّة عمليات إطلاق نارٍ استهدفت حاجزي الجلمة ودوتان في محيط جنين، خلال معركة "سيف القدس". وقد لقّبه شباب المخيّم بعد استشهاده بـ"مُجدِّد الاشتباك" لدوره في تحفيزهم على تنفيذ عمليات إطلاق النّار.

تأثّر العموري في نشأته بعمهِ الأسير شادي العموري، المحكوم بالسجن المؤبد والمعتقل منذ 20 عاماً. وكان المُعيل الوحيد لأسرته، وعمل كسائقٍ على مركبةٍ خاصّة وسعى من خلال عمله لتوفير ثمن سلاحه.

نفّذ جميل أول نشاطاته العسكريّة في يناير/ كانون الثاني 2020، إذ أطلق حينها النّار باتجاه جنود الاحتلال بينما كانوا يهدمون للمرة الثانية منزلَ الأسير أحمد القنبع في مدينة جنين، واستمر بعد ذلك بتنفيذ عمليات إطلاق نارٍ على الحواجز وخلال التصدي لاقتحام المخيم.

وفي كلمةٍ ألقاها في المخيّم خلال معركة "سيف القدس"، قال العموري محاولاً إعادة تصويب السلاح: "شبابنا الذين تحملون السلاح في الضفّة، لا تُطلِقوا رصاصكم في الهواء، إنّ هذا السلاح أمانة في أعناقكم، وواجب ديني وشرعي أن يتوجه إلى الاحتلال".

يقول أحد مُقاتلي الكتيبة: "لم يغب جميل يوماً عن المسيرات المساندة لمعركة سيف القدس. كان يقود هتاف "بلّغ بلّغ الشاباك جاي جاي الاشتباك"، ثمّ يخرج بعد المسيرة ويُنفّذ هتافاته بإطلاق النّار على الحواجز".

لكن نشاط العموري لم يقتصر على ذلك، فقد ساهم بشكلٍ فعّالٍ في تشكيل خلايا عسكريّة نشطة داخل المُخيّم، وهي الخلايا التي ستكون فيما بعد نواةً لـ"كتيبة جنين"، ويبدو أنّ اغتياله ومطاردته كانت مدفوعةً أيضاً بمحاولة محاصرتها. فبعد نحو عامٍ على أولى عملياته العسكريّة التي جعلته مطارداً من الاحتلال، بات أقرانه والمقربون منه يطالبونه بتنظيمهم في عملٍ جماعيّ، فشكّل خلال "سيف القدس" خليّةً مُكوّنةً من أربعة مقاتلين، ثم توسعت لثمانية مقاتلين.

من هنا بدأ التشكل الفعليّ للكتيبة التي شقّ دربها العموري، وغادر دون أن يراها تكبر وتتوسع، ويتصاعد فعلها، وقد اتخذت من العموري أباً روحيّاً لها، ولم تعد تُذكر الكتيبة دون ذكر العموري، ولا تُرفع رايتها خاليةً من اسمه أو صورته.

يقول أحد مقاتلي الكتيبة: "جميل كان سيقود مرحلة جديدة من المقاومة.. هو استشهد ونحن اليوم نكمل الدرب بعده"، ويُضيف: "الاحتلال خاف من جميل كونه تمكّن من تشكيل حالة جديدة في مخيم جنين تتخطى تقسيمات الفصائل، إذ لم يلتحق به أبناء الجهاد الإسلاميّ فقط، وإنما شبان من فتح ومن الفصائل الأخرى أيضاً"، يقصد أنّهم تأثروا به.

ويُنسب لمقاتلي الكتيبة اليوم عدة عمليات إطلاق نار باتجاه الحواجز، ودوريّات الجيش الإسرائيلي، والتصدي لعشرات عمليات اقتحام المخيم ومحيطه.

وبالعودة إلى الكتيبة، فبحسب المقاتلين فيها، هي امتدادٌ لسرايا القدس، وتستمد فكرها السياسيّ ومبادئها من حركة الجهاد الإسلاميّ في فلسطين. وقد استعارت اسمها من خطابٍ للأمين العام للجهاد الإسلامي القائد زياد النخالة، والذي لقّب فيه الأسرى الستة بـ"كتيبة جنين".

ومن غير الواضح حتى الآن عدد المقاتلين المنضوين في إطار الكتيبة، ويواصل قادتها التحفظ على أعداد المقاتلين والخلايا فيها وحجم عتادها.

وتدلّ بعض الإشارات على أنَّ الكتيبة تشقّ امتداداتٍ لها خارج مخيّم جنين، وإن كان على مستوى التأثر والمحاكاة لا على مستوى التنظيم المباشر. إحدى تلك الإشارات كانت مشاركة الشهيد سيف أبو لبدة من طولكرم في مسيرة الكتيبة العسكريّة في الأول من أبريل/ نيسان الجاري، قبل أن تغتاله بعد ذلك بساعاتٍ قواتُ الاحتلال، برفقة الشهيدين صائب عباهرة وخليل طوالبة.

ومنها أيضاً زيارة شهداء نابلس الثلاث (أشرف المبسلط، أحمد الدخيل، وأدهم مبروكة) خلال مطاردتهم لمخيّم جنين، ونشر صورتِهم بجانب صرح الشهيد العموري، إذ يبدو أنّهم اتخذوا من جميل نموذجاً، وحاولوا استنساخ تجربة الكتيبة في البلدة القديمة في نابلس.

عن ذلك يقول أحد مُقاتلي الكتيبة: "كتيبة جنين لا تقتصر في مقاومتها داخل المخيم، هي اليوم تمتدُّ إلى مدينة جنين وريفها، وتمتدُّ إلى نابلس، ورام الله، وستمتد إلى كل مكان، وستكون موجودة لتتصدى للعدو".

في سياق حديثه يستعيد المقاتل إحدى شعارات الشهيد محمود طوالبة، أحد قادة معركة مخيم جنين، "كرٌّ وكرٌ لا فرّ"، ويُعلق: "نحن في حالة تصدي ورباط دائم في المخيّم ولن نسقط سلاحنا".

ومما يدلّ أيضاً على ذلك التأثير والامتداد، صعود مجموعات "حزام النّار" من جديد، والتي شُكّلت عام 2005 من مقاتلين من سرايا القدس وكتائب الأقصى، فقد استعادت هذه المجموعة بعضاً من نشاطها خلال معركة "سيف القدس" بالتزامن مع نشاط "كتيبة جنين". وبحسب مقاتلي الكتيبة، فقد شكّلت المجموعتان غرفة عملياتٍ مشتركة خلال معركة "سيف القدس" وخلال عملية نفق الحريّة بهدف تنسيق فعالياتها العسكرية داخل المُخيّم.

ومما سهّل توسع الكتيبة أو نسخ تجربتها التحاقُ عشرات المقاتلين تحت لوائها، وتنظيم أنفسهم في خلايا، فيما اكتفى البعض بالمحافظة على فرديته مع حمل لواء الكتيبة، وتعريف نفسه كونه أحد عناصرها. فيبدو أن لا هرمية في الكتيبة ولا اتصال مع قيادة، ولكلّ مقاتلٍ فيها أو خلية حريّة التصرف كلّما وجدت نفسها مستعدةً لذلك.

كما يعتمد أفرادها على ما يمتلكون من أسلحةٍ شخصيّة، وهو ربما ما يجعلهم أصحاب القرار.

d88aab85-59ea-43f2-b58d-d5541afae262.jfif
a50ae638-ef81-447d-8d86-e9d493ff2036.jfif
907cb6ac-f041-43a7-8ec3-32381c2677ae.jfif
جميل العموري.jpg