خبر النائب المحرّر القرعاوي: رفضنا عرضاً إسرائيلياً بالإفراج عنّا مقابل استقالتنا

الساعة 11:04 ص|29 ابريل 2009

النائب الفلسطيني المحرر يرى أنّ اعتقالات السلطة في الضفة غير مبرّرة

قال إنّ دخولهم المجلس التشريعي حوَّله من مجلس للتنازلات إلى "برلمان مقاوم"

النائب المحرّر القرعاوي: رفضنا عرضاً إسرائيلياً بالإفراج عنّا مقابل استقالتنا

فلسطين اليوم- رام الله

بدل أن يتوجهوا إلى قاعات المجلس التشريعي بملابسهم الأنيقة، مستقلين السيارات التي تحمل أرقاماً حمراء وتشير إلى أنهم موظفون في المؤسسة التشريعية الفلسطينية؛ كانت قاعات السجون الإسرائيلية تنتظرهم، وسيارات الاحتلال العسكرية تنقلهم من سجن إلى سجن.

 

وفي قاعات محاكم الاحتلال، تردّدت أصداء كلماتهم النيابية التي تدين الاحتلال، بعد أن اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من أربعين نائباً فلسطينياً من كتلة "التغيير والإصلاح"، المقرّبة من حركة "حماس"، وغيّبتهم في سجونها، ومنعتهم من ممارسة دورهم التشريعي أو تفعيل الشعار الانتخابي الذي انتخبهم الشعب الفلسطيني على أساسه بغالبية كبيرة.

 

من بين هؤلاء؛ النائب فتحي القرعاوي، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة محافظة طولكرم (شمالي الضفة الغربية)، والذي اعتقلته قوات الاحتلال قبيل الانتخابات بشهور قليلة، بعد أن ثارت شكوك السلطات الإسرائيلية بأنه قد يكون مرشحاً عن حركة "حماس". ومع ذلك فقد انتخب القرعاوي وهو أسير داخل سجون الاحتلال، وأفرج عنه بعد تسعة أشهر من الاعتقال الإداري، قضاها بدون تهمة أو محاكمة، لكنّ سلطات الاحتلال عاودت اعتقاله، بعد أقل من أسبوع من الإفراج عنه.

 

قبل أيام؛ أفرجت سلطات الاحتلال عن النائب فتحي القرعاوي، ولكنه بعد أكثر من ثلاث سنوات على انتخابه نائبا في المجلس التشريعي الفلسطيني، لم يتمكن من الوصول إلى قاعة المجلس، أو المشاركة في أي جلسه من جلساته. بل إنّ النائب القرعاوي لم يتمكن بعد من الإدلاء بالقسم النيابي كما لم تطأ قدماه أرض المجلس التشريعي، بينما يتردد خيار إجراء انتخابات جديدة في سياقات التجاذبات الداخلية التي تعصف بالساحة الفلسطينية.

 

ترتفع بعض الأصوات من جانب بعض الأطراف الفلسطينية، مطالبة بإجراء انتخابات تشريعية وقد التقى مراسل "قدس برس" في طولكرم، سليم تايه، النائب النائب فتحي القرعاوي، في حوار خاص حول تجربة الحركة الإسلامية الفلسطينية في المجلس التشريعي الفلسطيني، وكيف يعيش النواب الأسرى في سجون سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفيما يلي نص الحوار ..

 

ـ كيف تقيِّم تجربة "حماس" البرلمانية؟

 

* لا شك أنّ مشاركة الإسلاميين في الانتخابات، بشكل عام، أمر يثري العمل السياسي، ويفتح آفاقاً جديدة للتنافس الحرّ الشريف. ومن هذا المنطلق كانت مشاركة "حماس"، التي لا يُقصد منها منافسة طرف أو شخص بعينه؛ وإنما المشاركة في ساحة العمل السياسي الفلسطيني، بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني.

 

إنّ الوضع الفلسطيني، كان يحتم على كل الأطراف الصادقة والمخلصة، أن تبدي رأيها في كافة الأمور المطروحة على ساحة العمل الفلسطيني، وخاصة السياسية منها. ومن هنا كانت مشاركة "حماس" التي استحسنتها وباركتها معظم شرائح الشعب الفلسطيني، وكذلك الشرائح السياسية كاملة. إلاّ أنّ النتيجة التي حققتها "حماس" في الانتخابات، أزعجت أطرافاً كثيرة، داخلياً وخارجياً، ما أدّى إلى التداعيات التي وصلت إليها الساحة الفلسطينية الآن.

 

المشاركة كانت ضرورية، ورغم الإفشال المتعمّد لهذه التجربة وبكافة الوسائل والسبل؛ إلاّ أنني أعتقد أنه تحققت هناك نجاحات، ولو قُدِّر لهذه التجربة أن تنجح لكانت النتائج عظيمة.

 

ـ باعتقادك؛ هل كان اختطاف نواب المجلس التشريعي بالعشرات، رداً على أسر المقاومة الفلسطينية الجندي الإسرائيلي  جلعاد شاليط بالفعل (في حزيران/ يونيو 2006)؟

 

* إنّ اختطاف النواب كان المبرِّر فيه عملية ضغط رداً على أسر الجندي شاليط، وهذا كان الظاهر. ولكن باطن الأمور وتداعيات المحاكمات بعد ذلك، وما جرى فيها من مداولات وضغوطات ومحاولات ضغط لعقد الصفقات، التي فشلت كلها، أثبت أنّ سبب الاعتقال هو النتائج التي حققتها الحركة الإسلامية في الانتخابات. حيث عرضت سلطات الاحتلال على بعض النواب وكذلك الوزراء ورؤساء المجالس البلدية، صفقة تقضي بأن "قدِّم استقالتك يُفرَج عنك في اليوم نفسه".

 

ـ هل كانت لك مشاركات برلمانية من داخل المعتقل؟

 

* اعتقلت في 25 أيلول (سبتمبر) 2005، في الحملة التي شنها الاحتلال، لمن كان يعتقد أنهم سيخوضون الانتخابات. وتمت الانتخابات وفزت فيها وأنا داخل المعتقل. ثم أفرج عني بعد اعتقال إداري دام تسعة أشهر، ليُعاد اعتقالي بعد ذلك بستة أيام، حيث قُدِّمت ضدي لائحة اتهام، تحت عنوان المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي ضمن قائمة "حماس"، وحُكم عليّ بالسجن 44 شهراً.

 

وحتى الآن لم أشارك في جلسات المجلس، بل لم أؤدِّ القسم، ولم أشارك في أي لجنة، لأنّ معظم فترة الاعتقال كانت في سجن مجدو، حيث يصعب الاتصال، ولكن كانت هناك مشاركات غير مباشرة عبر الهاتف من سجن النقب، ولمدة قصيرة، حيث تمت إعادتي إلى سجن مجدو.

 

ـ كيف يقضي النواب الفلسطينيون حياتهم داخل الأسر؟

 

* لهم برنامج مكثف من الندوات والمحاضرات وقراءة الكتب. وهناك عدد من النواب من أكمل حفظ كتاب الله خلال هذه الفترة، ومنهم رئيس المجلس الدكتور عزيز دويك والنائب خالد سعيد وآخرون، ومنهم من كتب المذكرات، ومنهم من كتب دواوين شعرية كاملة. وهكذا كان ذلك برنامجاً رائعاً استفدنا منه.

 

 

 

ـ كيف كانت العلاقة بين النواب والأسرى في سجون الاحتلال؟

 

* في البداية كنا في (سجن) عزل "أيالون" الرملة، ولم يُسمَح لنا بالاتصال بالأسرى. ومن ثم نُقلنا إلى سجن مجدو، حيث أفرغوا لنا قسماً كاملاً، ومنعونا من الاتصال بباقي الأسرى وبشكل مطلق لمدة شهرين. وبعد طلبات كثيرة، سُمح لنا بالاندماج مع بقية الأسرى.

 

أمّا تعامل الأسرى مع النواب، فكان طيباً ورائعاً، ونحن عاملنا الأسرى بتقدير وإسداء النصيحة، وفي أكثر من مرة كانوا يشاركوننا ندواتنا.

 

ـ يتردد شعار المقاومة في كل مكان تقريباً من الساحة الفلسطينية، فهل حققتم مصطلح "النائب المقاوم" الذي رُفع من قبل؟

 

* لا شك أنّ نواب "حماس" أدخلوا لأول مرة مصطلحاً جديداً على الحياة النيابية، هو مصطلح النائب المقاوم، الذي أسّس لتجربة جديدة من خلال المقاومة الفكرية والقانونية الإيجابية، وذلك بالالتحام بالجماهير قبل الفوز وبعده، والمساهمة في حلّ مشكلات الناس، والعمل على توحيد الصف الفلسطيني.

 

لقد تعوّد الناس على نمط معيّن من الحياة النيابية، وعلى نمط معيّن من النواب، الذين كانت مطالبهم في معظمها شكلية وحياتية. وأنا أعتقد أنه يمكن أن يكون (المجلس) التشريعي في دورته الحالية، مجلساً مقاوماً بكل المقاييس.

 

ـ هل كان لديكم طموح بتحقيق امتيازات عبر الدخول في المجلس التشريعي؟

 

* لقد وضع اعتقال النواب، والأحداث والتداعيات التي أعقبت ذلك، حداً للبرنامج الذي وضعه نواب الحركة الإسلامية، والذي كان يهدف إلى تغيير الصورة النمطية السابقة عن النائب، فقد عهد الناس النائب يضع يده بيد الناس في أول النهار وقبل الانتخابات، وبعدها يمرّ بسيارته الفارهة ولا ينظر إلى هذا المواطن.

 

 

 

ـ كيف تابع النواب الأسرى الحوار الفلسطيني الداخلي؟ وهل كان لكم دور فيه أو نحوه؟

 

* لقد تابع النواب موضوع الحوار بكل إيجابياته وتعقيداته، ولا شك أنّ الوضع الفلسطيني معقد، وذلك لما فرضه عليه الاحتلال من تعقيدات، فكان الحوار من الأهمية بمكان أن يخرج بنتائج إيجابية.

 

وعقدنا نحن النواب جلسات كثيرة، داخل أقسام السجن التي نتواجد فيها لمتابعة الحوار، ودعمه، وإرسال رسائل التضامن والدعم للمتحاورين. وأحد اللقاءات كانت بدعوة من قيادات فتحاوية، تم فيها تدارس الحوار، وما وصل إليه، وتم إصدار بيان مشترك يدعم الحوار، ويدعو إلى إنجاحه.

 

ورغم ما وصل إليه (الحوار) من تعثر؛ فإنّ الأمل ما زال يحدو الجميع، وخاصة الأسرى، بأن تشهد غرف الحوار انفراجاً كبيراً، يزيل الاحتقان ويوحِّد الصف ويعيد اللحمة.

 

 

 

ـ كيف تنظر إلى المطالبات الموجّهة إلى حركة "حماس" بالالتزام بتعهدات السلطة الفلسطينية السياسية؟

 

* إنّ مطالبة "حماس" بالالتزام بالتعهّدات والاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، يجب أن لا تكون، لأنّ للحركة برنامجاً معروفاً، وأعتقد أنّ نقاط اللقاء (بين حماس والجانب الآخر) أكثر من نقاط الاختلاف، وبدأنا نسمع في الفترة الأخيرة عن حوارات جرت، كأوروبيين سواء كانوا برلمانيين أو سياسيين، وشخصيات أمريكية مستقلة وغير مستقلة، التقت مع قيادات "حماس"، والتي في أغلبها تفهّمت مواقف الحركة.

 

ثم إنّ هذه الاتفاقيات لم يلتزم بها الجانب الإسرائيلي بالمطلق، ولذلك فليس من المصلحة والعدالة أن يلتزم بها الشعب الفلسطيني، التي (الاتفاقيات) في معظمها انتهى أجله، وصارت جزءاً من تراث الماضي.

 

 

 

ـ كيف ترى موقف حركة "فتح" الرافض لتوكيلات النواب الأسرى لمن ينوبهم بحضور جلسات المجلس التشريعي؟

 

* باعتقادي، إنّ توكيلات النواب قانونية، وبما أنّ القانون ليس قرآنا منزلا، وإنما في بعض بنوده ما نستطيع تأويله وتفسيره والاستفادة من عباراته المرنة؛ فإنه وإن كانت هناك نصوص، فإنّ بعض المجالات يمكن الاجتهاد فيها، فمن حق كل طرف أن يقرأ النصوص وأن يجتهد فيها، إن كان هناك مجال للاجتهاد.

 

وأشدِّد على أنه من مصلحة الجميع أن لا تُهضَم شرعية النواب الأسرى، وأن لا يُظلَموا مرّتين؛ مرة جراء الاعتقال، وأخرى جراء المنع من ممارسة حقهم في إبداء رأيهم من خلال القانون.

 

 

 

ـ وكيف تنظر إلى ملف الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية؟

 

* الاعتقالات السياسة أمر محزن ومؤسف. ولقد تفهمنا في فترة وجود المرحوم أبو عمار (الرئيس الراحل ياسر عرفات)، حجم الضغوط التي تعرض لها، فاستسلمنا للاعتقال طواعية لأننا ظننا أنه بصبرنا في تلك الفترة، يمكن أن يحقق إنجازاً ما للشعب الفلسطيني. ولكننا في هذه المرحلة لا نستطيع أن نتفهم ذلك، خاصة في ظل التحقيق والتعذيب والسحق أحياناً، والموت والقتل أثناء التحقيق، كما حصل في جنين ورام الله. بل وجدنا أنّ هذه الحملة طالت الكبار والصغار حتى النساء وأبناء النواب، مما يعكس وضعاً فلسطينيا غاية في التعقيد والصعوبة، وخاصة أننا في ظل الحوار، الذي يتوجب على الجميع أن يعملوا من أجل إنجاحه ببوادر حسنة وطيبة.

 

 

 

ـ ما الذي أثبته صمود المقاومة في غزة، برأيك؟

 

* إنّ نتائج العدوان الإسرائيلي الشرس على غزة الحبيبة، أثبت أنّ الشعب الفلسطيني شعب عظيم، ولأول مرة في التاريخ يسطر شعب أعزل هذا الصمود الأسطوري أمام أعتى قوة جبارة على الأرض، تستخدم أحدث السلاح الأمريكي.

 

 

 

ـ ما حقيقة اللقاءات بين قيادات أسيرة ومسؤولين إسرائيليين لدفع صفقة تبادل الأسرى؟

 

* لقد ضخّم الإعلام الإسرائيلي هذا الموضوع، تضخيمًا كبيراً قبل حصوله، وأثناء حصوله وبعد ذلك. وبخصوص اللقاءات مع قيادات أسيرة داخل السجون الإسرائيلية، فأنا شخصياً لا علم لي بذلك. أما بخصوص لقاءات مع النواب، فهذا أمر ليس له أساس من الصحة، وكل الذي حصل هو لقاءان، حيث تقدم النواب بطلب لقاء في أحد الأقسام، وكان عنوان اللقاء، دعم المتحاورين في حوار القاهرة، والعمل على إنجاح الحوار، وإرسال رسالة تضامن للمتحاورين في القاهرة، وحثهم على عدم الفشل. أما اللقاء الثاني، فكان بدعوة من النائب الفتحاوي جمال حويل وقيادات فتحاوية في سجن النقب، حيث أكد اللقاء أهمية المصالحة الوطنية، وإرسال رسائل للمتحاورين في القاهرة، وحثهم على ضرورة إنجاح الحوار. وتُوِّج هذا اللقاء بإصدار بيان نشر في الصحف الفلسطينية المحلية.

 

 

 

ـ وما موقف الأسرى في ضوء تعثر صفقة التبادل حتى الآن؟

 

* الأسرى الآن في حالة من الانتظار والترقب، يحدوهم الأمل بقرب الإفراج عنهم، خاصة من ذوي الأحكام العالية. ولقد تابع الأسرى المفاوضات الأخيرة (غير المباشرة بين المقاومة والجانب الإسرائيلي بشأن تبادل الأسرى) أولاً بأول. ورغم فشل إنجاز صفقة التبادل، وإصرار الجانب الإسرائيلي على عدم تلبية مطالب الفصائل الآسرة، إلاّ أنّ الأمل لا يزال قريباً بالفرج وبحدوث حل قريب لهذا الموضوع.

 

وكل أسير يرى في مطالب الفصائل الآسرة (للجندي الإسرائيلي)، أنها مطالب حق وعدل، لأنّ الأمر الطبيعي أن يكون المناضل الفلسطيني، خارج السجن لا داخله.