خبر اعتقالات ثأريّة!../ رشاد أبوشاور

الساعة 08:38 ص|29 ابريل 2009

29/04/2009  08:34 

 

نشرت القدس العربي قبل حوالي شهرين حوارا مع اللواء توفيق الطيراوي، استوقفتني فيه حسرته على ضياع الفرصة التي هيأتها خطّته لقطع الطريق على ( حماس) في غزّة، بشّن حملة دهم واعتقالات لقياداتها وكوادرها، وهو ما رفضته قيادة السلطة، فكان ما كان!

 

عقلية أمنيّة لم تر حلاّ للخلافات الفلسطينيّة، سوى بعلاج الاعتقالات، والتصفيات، وفتح أبواب السجون، لا أبواب الحوار، والمحافظة على ( السلطة) بالقمع والقهر وتكميم الأفواه، لا ببناء وحدة وطنيّة مقاومة تضمن قوّة الحّق الفلسطيني، وتصونه، وتحرسه.

 

في الضفّة الغربيّة، والأصح ما تبقّى منها، وهو ينقص يوميّا بسبب التوسع الاستيطاني، تشّن أجهزة أمن السلطة حملة متواصلة على معارضيها، ليس من حماس وحدها، ولكن من الجهاد أيضا، وعلى أصوات مستقلّة تنتمي لفضاء أوسع من أفق الفصائل، أطروحاتها تنطلق من ولاء لا يتزعزع لفلسطين الكاملة.

 

يوم الأحد 19 نيسان، وفي مدينة نابلس، أطلقت النار على عضو المجلس التشريعي الشيخ حامد البيتاوي، فأصيب بجراح، في محاولة لاغتياله- وهل لها اسم آخر؟!- نفّذها أحد عناصر الأمن الوقائي، وتفاديا للمضاعفات خرج بعض قادة فتح في الضفة، وبادروا بإدانة المحاولة، مع وعد بالتحقيق ومحاسبة الجناة.

 

ساعات بعد المحاولة اعتقل جهاز الأمن الوقائي المشهور بسوء السمعة، البروفسور عبد الستّار قاسم الأستاذ في جامعة النجاح، والمرشح لرئاسة السلطة، والكاتب صاحب الرأي، المعروف فلسطينيّا وعربيّا بمواقفه وبنقده (للسلطة) نهجا وممارسة، مع عدم التعرّّض للأفراد بأسمائهم، حرصا على أن يبقى نقده في حدود المحاججة الفكريّة ( كما جاء في بيان شكره لمن ساندوه ودافعوا عنه، وتضامنوا معه ومع أسرته سرّا وعلنا)

مرّات كثيرة اعتقل الدكتور عبد الستّار قاسم، وإمعانا في تخويفه، وربّما أبعد من التخويف، أطلقت عليه النار، ودوهم بيته، واعتدي عليه أمام طلاّب جامعة النجاح العريقة !

 

ارتفعت أصوات كثيرة في الداخل والخارج تستنكر وتدين اعتقال رجل صاحب رأي، همّه مواجهة الاحتلال، والتوسع الاستيطاني، والتنبيه إلى فشل نهج المفاوضات، وعدم جدارة السلطة بقيادة شعبنا، وانتزاع حقوقه.

بعد حملة تضامنيه قويّة، وسلسلة كتابات، ونداءات، على المستوى العربي، عبر الصحافة، ومئات المواقع الإعلاميّة على الإنترنت، تمّ إطلاق سراح هذا المفكّر، دون توضيح أسباب اعتقاله!

 

لماذا اعتقل عبد الستّار قاسم؟

ببساطة: لأنه صاحب رأي، ولأن جهاز الأمن الوقائي الذي يلاحق المقاومين، ومن يتهيأون للمقاومة، ومن يروّجون لفكر المقاومة، لا يقدّم المبررات لحملات الاعتقال، فسلوكه ترسّخ في شروط تكوينه منذ بدأ تشكيله ليكون ( وقائيّا) لشريك السلام، ممن يهددون (سلامه)، وإلاّ: أين هو دور هذا الجهاز في وقاية أمن شعبنا من اختراقات عدونا الذي يسرح ويمرح في ما تبقّى من أحياء المدن في الضفّة، ووقاية أرضنا من المصادرة اليومية؟!

 

يبدو أن جهاز الأمن الوقائي هذا، ازداد شراسة بعد هيمنة ( حماس) على قطاع غزّة في حزيران 2007، وفقدانه لسطوته وما لحق بسمعته بعد تهاوي سلطته السريع، وهرب قادته وتركهم لوثائقهم، وملفاتهم، وأضابيرهم، و.. لعناصرهم المساكين، والفرار بما خفّ حمله وغلا ثمنه إلى القاهرة، أو عبر معبر ( إيرز) بمساعدة أصدقائهم ليستأنفوا مهامهم في رام الله!

 

في الضفة تتحكّم الأجهزة، وتمارس نشاطاتها برعاية الجنرال دايتون، وبتسهيلات من الاحتلال، بل وبتنسيق منصوص عليه في اتفاقات ( أوسلو)، وفي بنود محددة معلنة لا لبس فيها تحدد مهام أجهزة الأمن الفلسطينيّة، وتنّص على تعاونها مع ( شركاء السلام)، أي أجهزة الكيان الصهيوني الأمنيّة.

 

قادة الأجهزة الأمنيّة دُرّبوا في دورات برعاية ( السي آي إيه) في أميركا، ومع ( الموساد) تربطهم علاقات تنسيق- اسم ملطّف للتبعيّة- لضرب الإرهابيين، ومن يخرّبون مسيرة السلام، وهؤلاء كما لا يخفى فلسطينيون، وليسوا يهودا ( إسرائيليين)!

 

 

لكن: هل الوضع في غزّة أكثر عدلاً؟ هناك في غزّة سلطة واحدة هي سلطة حماس، وهي لا شريك لها في القرارات، وإدارة القطاع، والأمور واضحة ولا تحتاج لسوق البراهين على هذا الكلام .

هنا أتوقف لأسوق هذا الخبر الذي نشره موقع ( فلسطين اليوم)، وهو موقع صادق، ومحترم، وليس على خصومة أو عداء مع حماس، لأنه محسوب على ( الجهاد): أعلن مصدر في الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة أن الأجهزة الأمنية التابعة لهذه الحكومة تلقت تعليمات بوقف حملة اعتقالات كان مقررا أن تنفذها ليل الاثنين في صفوف قادة حركة "فتح" في القطاع.

 

وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن أجهزة الأمن التابعة للحكومة، تلقت تعليمات هذه الليلة بإلغاء حملة اعتقالات كانت مقررة في صفوف قادة حركة "فتح" في قطاع غزة، ردا على الاعتداء على النائب حامد البيتاوي".

وأضاف المصدر نفسه أن الاعتقالات ألغيت بناء على أوامر صدرت بعد استجابة إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني المقال ل"نداء من الشيخ البيتاوي بعدم الرد على الاعتداء عليه".

 

بعد الشكر للشيخ البيتاوي على تسامحه، لا بدّ أن نتساءل: من هم الذي كانت أجهزة حماس ستعتقلهم في غزّة؟ أليسوا كوادر وقيادات من حركة فتح؟! لماذا اعتقال أناس لم يشاركوا في جريمة محاولة اغتيال الشيخ البيتاوي، محاصرون مع شعبهم في غزّة، والمنفذون في نابلس، وقبل هذا وبعده، هم عناصر تنظيم، ربّما عانوا من تجاوزات هذا الجهاز وغيره من الأجهزة الكثيرة التي تفشّت مع بدء السلطة عام 94 ؟!

ألا تنّم ردود الفعل عن عقليّة ثأرية لا تليق بمن يؤمنون بـ( ولا تزر وازرةً وزر أخرى)؟

ألا تعود إلى عقلية الهيمنة والاستئثار بالسلطة والاستفراد بإدارة قطاع غزّة؟!

 

يوم 26 الجاري قرأت تصريحا لعضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية رباح مهنّا: ستبحث الفصائل قريبا تشكيل قيادة ميدانيّة في القطاع، وهذه الفصائل هي : حماس، الجهاد، الشعبيّة، الديمقراطيّة...

 

ألا يعني هذا أن التنسيق مفقود في القطاع، وأن حوارات غير مثمرة ما زالت تدور بين الفصائل لتشكيل قيادة ميدانيّة غير محددة المهام، والدور؟ أهي قيادة وحدة وطنيّة تدير شؤون القطاع كافة،أم قياد للتنسيق في أمر واحد هو الدفاع عسكريا عن القطاع في حال تعرّض لحرب جديدة؟! وكيف يمكن أن تتم وحدة وطنيّة مع استثناء حركة فتح، وأنا لا أقصد الأجهزة، ولكن من يمثّلون حركة فتح في القطاع من الشرفاء المعروفين بنظافتهم ومصداقيتهم وتاريخهم النضالي.

 

الشيخ البيتاوي أنقذ كثيرين من البهدلة والإمتهان في سجون سلطة غزّة، وهذه تحتسب له، ولكنها تضاف إلى تجاوزات سلطة غزّة، التي كان المفترض أن تستفيد من درس العدوان الصهيوني، فتمتّن أواصر الوحدة الوطنيّة، وتنفتح جديّا على من لديهم الاستعداد لجعل قطاع غزّة منطلقا للوحدة الوطنيّة، وللخروج من المأزق المزمن الذي لن تخرجنا منه حوارات الطرشان في القاهرة...

 

الطرفان يعتقلان، بينما شعبنا كلّه في الضفة والقطاع في معتقلين يضيقان يوميّا على السجّانين والمسجونين!.