خبر نصف الكأس المليء.. معاريف

الساعة 08:53 ص|28 ابريل 2009

بقلم: بن كاسبيت

لكل واحد منا تقريبا شيء كهذا. على الاقل واحد. هناك ابتسامة وجملة من الذكريات. في كل عام وعادة مع الصافرة يظهر الوجه قبالتنا مع تعبير تجمد قبل 5 او 10 او 50 عاما او خمسة اشهر. انا احمل معي من 27 عاما وجه الرائد عوديت شفارتس الانسان اللطيف الصديق من الخيمة الذي سقط في حرب لبنان الملعونة تلك.

في السنوات الاخيرة اضيف لطابور الشهداء الموجود لدي يسرائيل زلبرمان الذي قتل في احدى المعارك الاخيرة (التي ليس لها داع) في حرب التحرير. انا لم اتعرف عليه ابدا ولكن الصور غير الواضحة التي ظهرت من بينها عيناه الحالمتان ما زالت موجودة لدى والدي. يسرائيل كان شقيقه الاكبر. الجيل الذي لم اتعرف عليه.

في الاسبوع الماضي تعرفت من خلال عيون عطارة الدامعة على شقيقها الرائد حنان باراك قائد الدبابات الذي سقط قبل ثلاث سنوات بجانب كرم سالم على حدود قطاع غزة ومن المفترض فيكم انتم ايضا ان تتعرفوا عليه. هو قائد الدبابة التي اختطف منها جلعاد شليت. في كل مرة يسألني احد ما بصورة تحريضية ان كنا نذكر اسماء اولئك الذين قتلوا في دبابات جلعاد شليت، لتعرفوا ان هذه لم تكن بالمرة دبابة جلعاد شليت. هذه كانت دبابة الرائد حنان باراك الشاب الجذاب من عراد الشقيق الاصغر والطفل الذي ربته عطارة منذ ان كانت صغيرة وهي الان تشتاق لابتسامته ورائحته وعيونه. وبالمناسبة قتل في هذه الدبابة ايضا بافل سلوتسكر. الان من الذي يعرف من هم الاهالي الذين في وضع اسوء من بين الطرفين اهالي القتلى ام اهل الاسير.

وفي مساء يوم ذكرى ضحايا الجيش الاسرائيلي يمكنك ان تشاهد الافلام التي تمزق المشاعر واحد هذه الافلام جعلني اقابل ميري ويهوديت ارملتا الرائد ايهود افراتي من دورية المظليين الذي قتل في غزة قبل ثلاثة سنوات تاركا ورائه ثلاثة اطفال والرائد شموليك اديب قائد كتيبة غفعاتي الذي قتل قبل اكثر من 20 عاما في لبنان وخلف من ورائه ولدين. فيلم يمزق النفوس لتسيبي بايزر يعرفك من خلال عيون النساء ورجلين وكلهم رائعون جدا وانت بدورك تنظر اليهم لميري وليهوديت من وراء ستار الدموع التي تزداد انهمارا عاما بعد عام مع التقدم في العمر فترغب في معانقتهن او القيام بشيء ما لتخفيف من حزنهن، وتضيف قتلاهن لقائمتك الشخصية وتفكر في الاهالي والارامل الثكلى والاخوان الثكلى وتدرك اننا في الواقع شعب ثكل واناس ثكالى. في هذا الاسبوع الملعون الخاص الذي يكرر نفسه في كل عام من يوم الكارثة ويوم الذكرى حتى قدوم يوم الاستقلال. معبر حاد جدا كما اعتدنا القول. هذا يجسد الاسرائيلية تماما خيرا وشرا. قتلونا في اوروبا والان يقتلوننا في اسيا ولكن شعب اسرائيل ليس ارملا (باستثناء من ترمل طبعا) وهو سيكون على ما يرام. هذه هي الحكاية كلها. الحكاية الاسرائيلية التي تحولنا الى ما نحن عليه. شكاكون نفتقد للامن واعصابنا ممزقة وقاسية وصاخبة، ولكننا متفائلون خلاقون حساسون محبون للحياة في آن واحد. من يحافظ على دولة منظمة تقريبا ويربي الاطفال في هذا المكان لا يمكنه ان يفعل ذلك من دون تركيز مرتفع من التفاؤل المفهوم. فتح حانوت لبيع ادوات القيشاوني فوق فوهة بركان فعال نشط وخطير جدا. ومع ذلك: المشروع ينجح.

سنوات التسعينيات كانت مليئة بالنشوة. السلام مع مصر برهن عن نفسه واضفنا له السلام مع الاردن والاتفاق مع الفلسطينيين وانضممنا للعالم الغربي. الاقتصاد ازدهر والعالم عانقنا احتفلنا بدرجة لا تنتهي من مراسيم السلام واعتقدنا ان السعادة النهائية وشيكة وتنتظرنا من وراء الزاوية. وهكذا وحينئذ خلف الزاوية انتظرتنا الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية وحرب غزة الاولى والاسلام المتطرف والانتحاريون والان نحن نصل في الوقت المحدد تماما الى ذروة الذروات: ايران. فجأة بعد ثلاثين عاما ينبعث التهديد الوجودي. بعد ان اخرجنا مصر والاردن من دائرة الحرب وارتحنا من العراق وعزلنا سوريا، يبدأ كل شيء من جديد.

ونحن قد اعتقدنا ان من الممكن الاطمئنان والارتياح ورفعنا ارجلنا وغرقنا في مقاعدنا واصبنا بالسمنة المفرطة ونسينا قيمنا وفقدنا اصرارنا واضفنا الغموض على استعدايتنا بخدمة الوطن، وفجأة اتضح لنا بان اللعبة لم تنته بعد وانها بالكاد قد بدأت.

وكالعادة نحن مفرطون مبالغون. لو حدثنا متمردي الغيتو وارسو عما سيحدث هنا بعد 65 عاما لوقعوا من الضحك. ولو كشفنا لمحاصري غوش عتصيون كيف ستكون الدولة اليهودية بعد 61 عاما من حصارهم لادخلونا الى مستشفى الامراض العقلية. وحتى في عام 71 كان الوضع اكثر خطورة من الان بكثير. نصف كاسنا المليء اكثر اهمية ووزنا من نصفه الفارغ. اسرائيل 2009 هي دولة عظمى اقليمية وليس فقط اقليمية. ثمانية اقمار صناعية متطورة تمخر عباب الفضاء. صواريخ الحيتس هي اختراع متميز من انتاج اسرائيل ولا تملك اي دولة بعد اخرى مثله في العالم. صناعة التكنولوجيا الراقية ريادية في العالم. الادمغة الاكثر ابداعا في المعمورة موجودة هنا. هذا ناهيك عن التجدث عن امور يحظر ذكرها بالمرة. اذا فما وبحق السماء نخاف الى هذا الحد؟ لماذا لا نشعر بالطمأنينة؟

لان من المحظور علينا ان نستكين او نطمئن حتى ولو لجزيء من الثانية. ايران هي تهديد. عما قريب ربما تتحول الى تهديد وجودي. هذا لا يعني انه ليس من الممكن مواجهته. خلال الستين عاما الاخيرة ازدادت التهديدات التي تلوح لنا قوة ولكننا نحن ايضا زدنا من قوتنا في المقابل. في الحرب العالمية الثانية ابادوا ثلثنا ولم يذرف احد دمعة. لو ازالونا في عام 1984 لما كان هناك من يفتح باب العزاء . ولو ابادونا في الـ 67 لما تأثر العالم وواصل السير الى الامام بلا اكتراث. اليوم اصبح الواقع مغايرا. قبل كل شيء بامكاننا ان نعتمد على انفسنا. كل من يرفع يده علينا اليوم يعرف انه سيدفع ثمنا باهظا جدا. وثانيا العالم ايضا قد تغير.

علينا ان نواصل ايماننا بالسلام. حتى ولو كان ذلك صعبا. ليس كشعار انتخابي ولا كضريبة كلامية بل سلاما حقيقيا. علينا ان نشخص الفرصة التاريخية التي لا تتكرر وان نمد يدنا لاغلبية العالم العربي المحيط بنا. من المحظور علينا ان نسمح لصراعنا القومي بان يواصل الانزلاق والتحول الى صراع ديني واسع. علينا ان نخرج سوريا من دائرة الحرب وان نضمها بكل ثمن لاطار السلام. من الناحية الاخرى لا يجدر بنا ان نغرق في الاوهام. الراحة والطمأنينة ليستا في الانتظار خلف الزاوية، وانما، ربما حربا اخرى. سيصبح الوضع هنا اسوء وربما حتى سيئا جدا، من قبل ان يصبح افضل. ولكننا قد شاهدنا هذا الفيلم في السابق وليس من الممكن اصابتنا بالانفعال من المصاعب والمخاطر، ودائما وفي كل وضع وحالة سنواصل القول واحد للاخر: دعك من ذلك فهذا كلام فارغ فالامر سيصبح على ما يرام في اخر المطاف. احقا؟ حتى الان كان الامر جيد تماما بدرجة كافية.