خبر يوم فهمت أن الانتفاضة ماتت.. هآرتس

الساعة 08:52 ص|28 ابريل 2009

بقلم: آفي يسسخروف

في بداية تشرين الثاني 2007 اتصل بي "ابو طالب"، احد قادة كتائب شهداء الاقصى – الذراع العسكري لفتح في طولكرم. وطلب مني زيارته كي اسمع ما لديه ولرفاقه من الكتائب ما اقوله عن اتفاق العفو بين السلطة الفلسطينية واسرائيل. في اطار الاتفاق اياه منحت في حينه اسرائيل العفو لبضع مئات من المطلوبين، من نشطاء فتح ممن سلموا اسلحتهم الى السلطة وتوقفوا عن كل نشاط تخريبي ضد اسرائيل. ولكن بعضا من المطلوبين من كتائب شهداء الاقصى لم يدرجوا في الاتفاق. ابو طالب طلب ان اسمعهم.

كان من الصعب ان افهم في حينه الى اين تتجه الامور في الساحة الفلسطينية. فمنذ زمن غير بعيد سيطرت حماس على قطاع غزة، بينما حاولت السلطة استقرار وضع امني جديد في الضفة الغربية. ولكن نشاط الجيش في يهودا والسامرة استمر كالمعتاد تقريبا وحوادث النار بين اسرائيل والمسلحين في الضفة كانت لا تزال مثابة الامر الاعتيادي. معظم المحللين من رجال الجيش السابقين ادعوا في حينه بان السلطة لا تفعل ما يكفي لمكافحة البنى التحتية للارهاب.

في شقة صغيرة في مخيم اللاجئين انتظرني نحو عشرة مطلوبين. بعضهم كانوا مسلحين. آخرون امتنعوا عن حمل السلاح، كجزء من الاتفاق بين السلطة واسرائيل. ابو طالب شرح بان من لم يحصل على العفو من جهاز الامن في اسرائيل لا يزالون يتنقلون وهم يحملون السلاح. في بداية الحديث كان يخيل لي بان هذا سيكون واحدا من اللقاءات الاخرى مع مطلوبين مسلحين من كتائب الاقصى، اساسه اطلاق الشعارات حول التزامهم بمواصلة الكفاح والانتفاضة "حتى طرد الاحتلال الصهيوني".

ولكن سرعان ما تغير شيء ما في الاجواء. المخربون الخطرون بدأوا يروون بالتفاصيل عن المشاكل الشخصية التي وقعوا فيها بسبب كونهم مطلوبين. وشددوا المرة تلو الاخرى على أنهم غير معنيين بمواصلة القتال ضد اسرائيل، واعترفوا بانهم يريدون أن ينالوا العفو وفي نهاية الامر "العودة الى بيوتهم بسلام".

المشاكل التي بسطها ابو طالب اوضحت كم اصبح ابطال الشارع في بداية الانتفاضة شخصيات غير مرغوب فيهم في مدينتهم: سائقو السيارات العمومية يرفضون تسفيرهم خشية ان يؤذيهم جنود الجيش الاسرائيلي. اصحاب الدكاكين لم يوافقوا على بيعهم من بضائعهم. وحتى الحلاقين في المدينة خافوا من الحلاقة لهم خشية أن يصابوا هم باذى.

المشكلة الاصعب التي واجهوها كانت غدوهم مرفوضي العفو. أحد المطلوبين، مؤيد ابو تمام، روى بانه سعى الى الزواج من فتاة في المخيم ولكن والدها رفضه بشدة. رفيقه صلاح واجه مشكلة مشابهة. والد الفتاة التي احبها لم يوافق على زواجها منه. صلاح حاول في البداية ممارسة "ضغط اجتماعي" على الاب: فقد أطلق النار على عواميد الكهرباء على مقربة من بيت الفتاة وعلى مدى بضع ساعات كان كل مخيم اللاجئين في الظلام. ولكن الاب لم يتراجع وصلاح تزوج من فتاة اخرى، من عائلة أقل اعتبارا. أما مطلوب آخر، متزوج، فروى عن مشاكل في العلاقات الجنسية مع زوجته في ضوء الخوف الذي يشله.

 وعند الظهيرة خرجنا في جولة قصيرة في المخيم ووصلنا الى مقهى "فوزي بابا". وعندما دخلت عصبة المطلوبين الى المكان، سارع كل نزلاء "فوزي بابا" الى الخروج الى الشارع. وتبادل الكلام بين صاحب المقهى فوزي وبين ابو تمام، صديقه من الطفولة، اوضح كم دراماتيكيا كان التغيير في الواقع الامني في الضفة. "لماذا جئتم الى هنا؟" سأل فوزي. احد نزلاء المقهى لم يخف حتى من مواجهة المطلوبين. "انتم تظنون انه بسبب الصحافيين الاسرائيليين لديكم حصانة الان؟ لا ضمانة. هيا، انتم ملزمون بالخروج".

ومع أنه كان الحديث يدور عن حدث محلي فقط، فقد كان الاحساس انه جزء من سياق أكبر بكثير. اولئك المطلوبين، الذين في بداية الانتفاضة كانوا ابطال الشارع الفلسطيني اصبحوا في غضون بضعة اشهر "غير مرغوب فيهم": أناس يسعى المجتمع الى لفظهم من داخله تقريبا. الضغط الاجتماعي كان جزءا من التفسير للاستجابة الواسعة جدا من مطلوبي كتائب شهداء الاقصى الموافقة على العفو. بعد وقت قصير من ذلك اختفى المسلحون من شوارع جنين، نابلس، الخليل وباقي مدن الضفة. السلطة الفلسطينية نجحت في اعادة قدر معين من القانون والنظام الى الاماكن التي اعتبرت في الماضي عواصم الفوضى والارهاب.