خبر ما معنى « عرفات تزوج »؟.. هآرتس

الساعة 08:50 ص|28 ابريل 2009

بقلم: جدعون ليفي

وصل الدبلوماسي الفلسطيني في المساء يصحبه حراسه. كنت اسكن آنذاك فندقا رخيصا ولم ير موظف الاستقبال من قبل مثل منظر هذه الحاشية في فندقه. خرجنا الى حانة مجاورة. دعا كما أذكر جيدا بوسكي مع ثلج وتابعته على ذلك. شربنا كأسا بعد كأس وتحدثنا وثرثرنا. كان ذلك في مركز عاصمة اوروبية مهمة. في مرحلة ما بدأ يتحدث عن عرس الرئيس: "إنك لتعلم ان ياسر عرفات تزوج منذ وقت ليس ببعيد. تزوج سهى الطويل، ابنة ريموندا"، قال وأنا وقد كنت صحفيا غير ذي خبرة كافية، هززت رأسي موافقا. "من المحقق انني اعلم"، حاولت ان أوثر فيه. شربنا وثرثرنا بعد قليلا وودع بعضنا بعضا. دخل الدبلوماسي الفلسطيني سيارته المرسيدس المدرعة وصعدت انا الى غرفتي المتواضعة. كان الجو في الخارج باردا، في شتاء اوروبي.

لم أنم. ما معنى "عرفات تزوج"؟ من سمع بذلك؟ أين نشر ذلك؟ لماذا لم أسأل بعد؟ إن حياة الرئيس كانت غامضة سنين طويلة. تحدث خبير الشؤون العربية دائما عن انهم يأتونه بأولاد ألمان صفر الشعر لامتاعه، أما عرفات نفسه فقال دائما إنه تزوج الثورة. وفجأة أتى زواج، زواج أبيض سرا؟

عند تباشير الفجر قررت ان أسامح في كرامتي وأن أهاتف المصدر وأن أساله عما تحدث عنه. بعد ان فصل قليلا أتى خطأي المهني البليغ الثاني: سألته أأستطيع أن أنشر أمر الزواج الشهير. "أكتب أنه توجد إشاعات ولا تذكرني البتة"، همس الدبلوماسي. هاتفت الصحيفة ثائرا. علمت أن القصة حقيقية من أجل مصدرها الصادق والمقرب. في جهاز التحرير ردوا حائرين. لم أكن سمعة صاحب سبق صحفي في أروقة صحيفة "هآرتس"، لكنهم مع ذلك كله قالوا لي: أكتب وأمل. وكذلك فعلت.

في الغد نهضت متأثرا. لم يكن الانترنت موجودا بعد، هاتفت صديقا مهاتفة بغير هاتف محمول لأسأل اين تظهر القصة في الصحفة الاولى، اول سبق صحفي لي في الصحيفة. قال الصديق "لا أرى شيئا". حاولت ان أخفي حرجي: "حاول في الصفحة الثانية". "أنا لا أرى شيئا". هاتفت رئيس التحرير مستشيطا شاعرا بالاهانة وكان جوابه: "فحصنا القصة. لم يسمع عن الزواج الوهمي. لا المحلل العسكري المخول، ولا المراسل المعروف للشؤون الفلسطينية ، ولا الشاباك ولا الموساد، ولا في المناطق ولا في شعبة الاستخبارات العسكرية، لم يسمع احد ولم يعلم احد. لهذا قررنا ان نطوي القصة الان". بدا لي ان حيطان الغرفة في الفندق اهتزت لصراخي.

بعد يومين مرهقين نشرت القصة أخر الأمر، لكن لعدم الثقة بي في جهاز التحرير، ظهرت مختبأة في الصفحة الثانية. كانت مثيرة للاهتمام وكانت مهمة شيئا ما على الخصوص من اجل الاخفاء المتصل للزواج الملكي، مدة بضعة اشهر اراد فيها عرفات ان يظل امر زواجه من امرأة مسيحية سرا. انا امسك بيدي الان قصاصة الصحيفة في الثاني من شباط 1992. "ياسر عرفات تزوج سرا سكرتيرته ابنة الثلاثين"، على عامود واحدد.

أما ما بقي كله فقد اصبح تاريخا. وفي الغد نشرت القصة في صحف العالم كله. في الصفحات الاولى هذه المرة. لم أحصد قط الفخر التام لأن الامر ظهر عندنا مستخفيا.

عندما كنت ضيفا ذات مرة على مائدة عرفات، ذكرت له انني نشرت أمر زواجه السري. نظر عرفات الي وسكت. وذات مرة ايضا هاتفت بيتا ما كانت سهى ضيفا فيه في باريس وردت على المكالمة. عرفت نفسي مرة اخرى انني من نشرت امر الزواج وكان مرة اخرى صمت مثقل في الجانب الثاني من الخط ثم ضحكة قصيرة. وماذا عن المصدر؟ لست أعلم حتى اليوم، أنا الصحافي الساذج، هل "غرس" النبأ عامدا، وهذا ما يخيل الي الان، ام انه تلفظ به مع الويسكي المثلج. سأسأله ذات مرة.