خبر إسرائيل في ذكرى إنشائها: انتهى زمن المعجزات

الساعة 07:13 ص|28 ابريل 2009

كتب محرر الشؤون الإسرائيلية:

تحتفل إسرائيل هذه الأيام بالذكرى الحادية والستين لإنشائها وفق التقويم العبري، وهو ما يشكل مناسبة للعديد من المراجعات التاريخية. وفي هذا السياق، عرضت صحيفة «يديعوت احرونوت» عددا من التقارير التي تعاطت مع ظروف النشأة وموقف الإدارة الأميركية آنذاك منها. ومن البديهي أن استذكار التاريخ له أهمية خاصة اليوم، والحديث يدور عن احتمالات صدام مع الإدارة الأميركية الجديدة. كما ان وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يطلق هنا وهناك تصريحات حول التحالف مع روسيا.

وتحت عنوان «إنذار أميركي»، كتب عاموس كرميل أنه ظهر يوم الإعلان عن قيام إسرائيل، دعيت «مديرية الشعب» التي كانت بمثابة «الحكومة الموقتة» للدولة الناشئة لاجتماع طارئ. وكان أحد المواضيع المدرجة على جدول الأعمال طلبا رسميا أميركيا بـ«تجميد الإعلان عن دولة يهودية مع انتهاء الانتداب البريطاني». وشمل الطلب هذا أيضا الموافقة على هدنة لثلاثة شهور والامتناع عن جلب الأسلحة ووضع صلاحيات الحكم في يد لجنة من مجلس الأمن الدولي.

وضم صاحب الطلب، وهو وزير الخارجية الاميركي جورج مارشال، إليه تحذيرا خطيرا ولاذعا: اذا رفض اليهود ذلك وأصروا على إعلان استقلالهم واندلعت حرب عسيرة، فلا ينبغي لهم أن ينتظروا من الولايات المتحدة ان تهرع الى مساعدتهم وتنقذهم من عواقب قرارهم.

وأشار كرميل الى أنه «لمزيد من الحزم، وضع على كفة الميزان ايضا خبرته كرئيس أركان الجيش الاميركي في الحرب العالمية الثانية. وقال قبل أربعة ايام من ذلك لوزير الخارجية المرشح موشيه شاريت: «لا تعتمدوا على مستشاريكم العسكريين، ماذا سيحصل اذا ما حصل اجتياح طويل (للجيوش العربية).. انتم تأخذون على أنفسكم مسؤولية ثقيلة جدا».

المستشارون العسكريون لـ»مديرية الشعب» لم يطلبوا من أحد الاعتماد عليهم. رئيس القيادة القطرية للهاغاناه اسرائيل جليلي، ورئيس قسم العمليات في هيئة أركان الهاغاناه ، يغئال يادين، طُلب إليهما في الجلسة ذاتها ان يعرضا الوضع من دون «رتوش»، وقد فعلا ذلك.

كانا يعرفان ان بضع دول عربية توشك على أن ترد على إعلان الاستقلال بإرسال جيوش الى «أرض اسرائيل». فرص كل واحد من الطرفين متساوية، كما أجمل يادين تقديره، «اذا كنت أريد أن أكون صادقا، لقلت ان تفوقهم اكبر، اذا ما جاءت كل هذه القوة لتقاتلنا».

رغم كل هذه الأمور، كتب بن غوريون في يومياته في ختام الجلسة: تقرر الإعلان عن دولة وحكومة موقتة، يوم الجمعة، في الرابعة من بعد الظهر. خلافا لما كتب في اماكن مختلفة، لم يكن هذا القرار بفارق صوت واحد. اغلب الظن لم يجرَ حتى تصويت. لكن الحسم كان دراماتيكيا ولا لبس فيه.

بن غوريون أدى دورا مركزيا في اتخاذه، وشاريت كان من أعطى تعبيرا موجزا له. «الخطر في تأجيل الإعلان عن الدولة»، قال، «أشد من الخطر القائم في هذه الخطوة». وفي تطرقه للأميركيين اضاف «لا يشترى الأصدقاء بثمن الانتحار».

أما ناحوم بارنيع، فكتب في الموضوع ذاته أن الحكومة الإسرائيلية رفعت في حزيران العام 1948 وأثناء الهدنة الأولى، طلب قرض بمئة مليون دولار من أميركا في ظل أزمة أمنية واقتصادية كبيرة. وأشار إلى أن وزارة الخارجية الاميركية عارضت بشدة منح هذا القرض. وقال ان السبب ضغوط حكومة بريطانيا والخوف من خسارة تأييد الدول العربية. كما ان ادارة البنك عارضت: رؤساؤه لم يؤمنوا بان اسرائيل ستكون قادرة على ان تسدد الدين في أي وقت.

وأوضح بارنيع أنه «طوال أشهر، استجدى الإسرائيليون الدبلوماسيين الاميركيين عبثا. حين نفدت الحجج السياسية والإنسانية، انتقلوا الى الحجج السياسية الداخلية: رئيس الوفد الاسرائيلي في واشنطن، الياهو افشتاين ذكر موظفي الادارة بانه في كانون الثاني 1949 ستجري أول انتخابات للكنيست. وبحسب وثائق وزارة الخارجية من تلك الفترة اياها، قال لهم افشتاين: المتطرفون في اسرائيل لا يزالون عنصرا مهما وخطيرا. من الحيوي ابقاؤهم تحت السيطرة».

مجلس ادارة البنك صادق على القرض في جلسة عقدت ـ ويا لها من صدفة ـ قبل ستة ايام من الانتخابات في اسرائيل. الحجج كانت مهزوزة لكن النتيجة ممتازة. القرض أنقذ اقتصاد اسرائيل.

غير أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق شلومو غازيت كتب في «معاريف» محذرا من انتهاء عصر المعجزات. وأشار إلى أنه منذ أكثر من عشرين عاما، تلاحقه أقوال المستشرق برنارد لويس في محاضرة ألقاها عن «إسرائيل بعد عشرين عاما من حرب الأيام الستة». وكتب أن «البروفيسور لويس بدأ بالإشارة الى معجزتين يصعب عليه فهمهما. المعجزة الاولى، هي سيطرة اسرائيل على المناطق الفلسطينية منذ عشرين سنة من دون أن تكون هناك ثورة.. والمعجزة الثانية، اسرائيل تواصل العيش كديموقراطية رغم أن معظم رعاياها الموضوعيين يعارضون ذلك».

ويضيف غازيت أنه «في موعد قريب من المحاضرة اندلعت الانتفاضة الاولى في المناطق. وهكذا بلغت منتهاها واحدة من المعجزتين، والمسألة التي تقلقني منذئذ هي متى وكيف ستحل نهاية المعجزة الثانية. كي يعيش المجتمع الديموقراطي فانه يحتاج الى ظروف واستقرار يسمحان بوجود ستة شروط أساسية:

ـ مجتمع منسجم

ـ مجتمع ثري وراسخ

ـ دولة لا تقف امام تهديدات وجودية

ـ مجتمع ونظام علمانيين

ـ منظمة قانون وقضاء لا نزاع فيها

ـ نظام سياسي يسمح بحكم مستقر.

جملة هذه الشروط، كما أحصاها البروفيسور لويس، ليست موجودة في اسرائيل.

المجتمع الاسرائيلي بات أقل، فأقل انسجاما. جهاز التعليم الرسمي كاد يختفي. ونحن نشهد تيارات تشق الصفوف والتعليم الخاص. وحتى الجيش الاسرائيلي، بوتقة الوحدة الوطنية على مدى عشرات السنين، لا يجمع اليوم اكثر من 50 في المئة من الرجال والنساء في اسرائيل، وفقط أقلية قليلة من الجمهور تواصل حمل عبء خدمة الاحتياط.

من الصعب وصف الغالبية الحاسمة في اسرائيل كأغنياء وراسخين من ناحية اقتصادية، والواقع الصعب اليوم يهدد بانهيار شخصية المجتمع.

منذ قيامه، لم ينجح المجتمع الاسرائيلي في تبني دستور وتثبيت فصل الدين عن الدولة. وإضافة الى ذلك، تمكن في الماضي من التعايش بين المؤسسة والعناصر الدينية ما منع الشرخ والأزمات. ضعف الطريقة السياسية يعرض اليوم هذا التعايش للخطر، ويسمح للأحزاب الدينية بان تفرض إرادتها على العموم، رغم أنف غالبية الجمهور.

منذ الانتخابات الاولى للجمعية التأسيسية في العام 1949، لم تفلح اسرائيل في ان تقيم نظاما سياسيا مستقرا. لم يحصل في أي من الثمانية عشر كنيست كانت لنا، ان حقق أي حزب غالبية ساحقة، والى جانب ذلك كانت لنا أحزاب كبيرة، قوية وراسخة لم تجد صعوبة في تشكيل ائتلاف. نتائج الانتخابات الاخيرة وضعت حدا حتى لهذا الوضع.

الشرط الوحيد الذي توفر لإسرائيل قبل عشرين سنة كان الشرط الخامس. استطلاعات الرأي في تلك الأيام عرضت المنظومة القضائية وقضاة المحكمة العليا في رأس سلم الثقة والمكانة الجماهيرية. منذئذ تغير الوضع بحيث لم يعد ممكنا التعرف اليه. ذات مرة كان هذا رئيس الوزراء، مناحيم بيغن، الذي أعلن انه «يوجد قضاة في القدس» حتى عندما لم يعجبه قرار المحكمة. اما اليوم، فإن رئيس الوزراء والكنيست يشكلان قدوة للبحث عن السبيل لتجاوز قرارات المحكمة. وأجزاء كبيرة بين الجمهور كفت عن ان ترى في قرار القضاة نور الحقيقة. هذا هو الواقع «الأشوه» لإسرائيل في العقد السابع من وجودها. الشروط الحيوية الستة لوجود الديموقراطية لم تعد قائمة. ولا يمكنني أن أتحرر من السؤال الملح: الى متى ستصمد المعجزة الثانية، وهل ستصل لا سمح الله الى نهايتها، وكيف سيحصل الامر، وماذا سيكون شكل النظام والمجتمع اللذين سيحلان محلها وآي آثار اخرى ستكون لذلك علينا جميعا؟».