خبر تضارب داخلي أم حق طبيعي؟.. يديعوت

الساعة 12:00 م|27 ابريل 2009

بقلم: غادي طؤوب

حين أعلن دافيد بن غوريون، قبل 61 سنة بان "من الحق الطبيعي للشعب اليهودي أن يكون مثل كل شعب آخر، يقف بحد ذاته في دولته السيادية"، فان الاغلبية الساحقة ممن رأوا أنفسهم متنورين، تقدميين، محبين للسلام وحقوق الانسان وافقوه بقلب مطمئن.

ولكن هذا الامر المسلم به بات أقل فأقل مسلما به. فقد بات ممكنا أكثر فأكثر أن نسمع في دوائر النخبة الاسرائيلية بان عبارة "يهودية وديمقراطية" هي تضارب داخلي، لان انتماء الدولة الى قسم من مواطنيها وليس للاخرين يخرق مبدأ المساواة الديمقراطية.

الاحساس بان الصهيونية ليست شرعية آخذ في الانتشار بوتيرة سريعة هو الاخر ايضا في خارج البلاد. ليس فقط في اوروبا، بل وفي الولايات المتحدة. ومنذ زمن غير بعيد روى لي صديق، بروفيسور في جامعة كولومبيا، بان طلابه اليهود يعرفون هويتهم على النحو التالي: "يهودي، لكن"، ويسارعون في اضافة، "غير صهيوني".

 كيف وصلنا من هنا الى هناك في غضون ستة عقود؟ كيف للفكرة التي بدت من قبل ديمقراطية وتقدمية اصبحت في نظر الكثيرين عكس ذلك؟ كل جواب ينبغي أن يأخذ بالحسبان على الاقل سياقين دراماتيكيين في تاريخ الدولة، واحد جاء من اليمين وآخر جاء من اليسار: الاول هو التماثل المتعاظم للصهيونية مع مشروع الاستيطان ونظام الاحتلال، والثاني هو نوع جديد من استخدام لغة حقوق المواطن لنزع الحقوق الديمقراطية الاساسية.

الاول من هذين السياقين مسلم به: الاحتلال ليس، ولا يمكنه أن يكون، ديمقراطيا. وعليه، اذا كانت الصهيونية متماثلة مع الاستيطان، فان الصهيونية ليست ديمقراطية. فالابقاء على ملايين العرب دون حقوق هو خرق فظ لوثيقة الاستقلال وللاساس الاخلاقي للصهيونية، حق "كل شعب" في تقرير المصير. عمليا ايضا مشروع الاستيطان يهدد بتصفية الصهيونية وباغراقها في ثنائية القومية.

في اليسار ايضا أدار الكثيرون ظهر المجن للتقسيم. بقدر ما استمر الاحتلال تعاظم اليأس في اليسار. فالنفور من مشروع الاستيطان اصبح نفورا من اسرائيل ومن مجرد الفكرة الصهيونية. هذا اليسار هجر وثيقة الاستقلال وانحصر في التفسير الضيق والمغلوط لفكرة حقوق الفرد.

فقد بدأ بالحلم بـ "دولة كل مواطنيها" غير القومية، بين النهر والبحر، والتي يوجد فيها فقط افراد وليس شعوبا، ولكل الافراد مدى تماثل مشابه مع الدولة. هذه المساواة ستكون كاملة، ديمقراطية كاملة. هذه هي العقيدة التي على اساسها يدفع مثقفون يساريون، يدا بيد مع مؤتمر "ديربن 2" فكرة أن الدولة اليهودية هي دولة عنصرية.

ولكن الحقيقة البسيطة هي أن عقيدة اليسار الراديكالية ليست الا خداعا للذات: دولة اسرائيل يمكنها أن تكف عن أن تكون يهودية فقط اذا ما كفت عن ان تكون ديمقراطية. طالما توجد فيها اغلبية يهودية، فان هذه الاغلبية ستختار السبت يوم الراحة لها، واعياد اسرائيل كرزنامة لها والعبرية كلغة لها.

هذا هو معنى الديمقراطية: فهي الالية لتحقيق حق تقرير المصير. وهي تضع في يد المواطنين الحق في تصميم حياتهم، وهم سيفعلون ذلك وفقا لثقافتهم. وهكذا سيفعل الفلسطينيون ايضا اذا ما اختاروا الديمقراطية. ولهذا الغرض مطلوب تقسيم ومطلوب دولتان. اذ يوجد هنا شعبان، وليس فقط افرادا.

جدير إذن أن نعود في يوم الذكرى ويوم الاستقلال الى اعلان الاستقلال ونتذكر بان حق كل الشعوب في تقرير المصير هو أساس الصهيونية. اولئك الذين يحاولون ان يمنعوا عن الشعوب حق تقرير المصير – القومي، باسم حقوق المواطن او باسم فريضة استيطان البلاد، هم خصوم واضحون ايضا للصهيونية وللديمقراطية على حد سواء.