خبر شبان فلسطينيون « يترملون » هرباً من واقعهم ولا يعترفون بالإدمان

الساعة 08:33 ص|27 ابريل 2009

فلسطين اليوم : غزة

«إنت مْتَرّمِل؟» سؤال أصبح يتكرر كثيراً بين الشبان الفلسطينيين في قطاع غزة، بعدما أصبحت الابتسامة على شفاههم ظاهرة غير طبيعية، تفتح الباب على احتمال أن يكون الشاب من متعاطي عقار «ترامادول» الطبي، الذي يستخدم عادةً كمسكن قوي للآلام.

 

وتأتي خطورة تعاطي العقار المعروف شعبياً باسم «ترامال» من احتوائه مركبات مخدرة قوية تؤدي إلى الإدمان أحياناً. واللافت أن تعاطي هذا العقار بات منتشراً بصورة كبيرة لدرجة أن أصحاب الصيدليات يؤكدون أن ثلاثة من بين خمسة شباب على الأقل «يترملون».

 

وتكاد تلك الظاهرة تصبح أمراً «طبيعياً» بسبب حجم انتشارها على الجنسين من الذكور والإناث، خصوصاً بين طلبة المدارس والجامعات.

 

وتباع هذه الحبوب في الصيدليات وفي شكل فردي عبر «تجار الشنطة» بكثرة، على رغم تحذيرات وزارة الصحة في الحكومة المقالة في غزة من بيعها خارج إطار «روشتة» أو وصفة طبية موثوقة. ويؤكد أصحاب عدد من الصيدليات أن توقفهم عن بيعها سيلحق بهم أضراراً كبيرة على مستوى الدخل المالي المحقق من بيعها، فيما يتذرع «تجار الشنطة» بأن العقار ليس مدرجاً على قائمة المخدرات، ولا عواقب سيئة من استخدامه، كما أنه يدر عائداً مالياً كبيراً.

 

الطالب الجامعي ن. ر. (25 سنة)، يقطن في مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، يقول بحياء: «أتعاطى الترمال كي أنسى كل شيء». ويضيف: «واقعنا سيئ على كل الصعد، لا نقود، لا مجال للترفيه، ولا أفق للمستقبل... لست وحدي من يتعاطاه، كثيرون من الشبان والشابات من كل الأعمار يتعاطونه».

 

ويبدو ع. ن. (38 سنة) أكثر صراحة: «إنها معي في جيبي. جربتها مرة فأحسست براحة، واليوم أشكو من صداع وضيق في التنفس فاشتريتها». وحول تجربته الأولى في تعاطيها، يقول: «ذهبت الى صيدلية قريبة من منزلي، وأنا متردد وأشعر بالخجل، كنت أحسب أني أول من يشتريها في المنطقة، الا أنني فوجئت حينما أعطاني إياها الصيدلاني بكل سهولة، وفيما بعد علمت منه أنه يبيع نحو 900 حبة في اليوم الواحد».

 

أبو شريف (56 سنة) يقول: «الترمال منتشر في غزة مثل الاسبرين وأدوية الصداع، حتى أن بعض العرسان يشترون حبوب «ترمال» بالكراتين، ويوزعونها على المعازيم خلال حفلات زواجهم مع البيبسي كولا والحلويات».

 

بدورها، تقول مها (23 سنة)، التي أنهت السنة الثالثة من دراسة التعليم الاساسي في إحدى الجامعات، انها تتعاطى «ترمال» منذ سنتين على الأقل إثر مشكلة عاطفية. وتشرح: «أترمل، لأنسى مأساتي... وعدد من صديقاتي «يترملن» أيضاً».

 

وتشتري مها باعترافها مئة حبة دفعة واحدة، «تموين الشهر كله».

 

وتعتقد أن ليس لـ «ترمال» أي مضار، فدرجاتها في الجامعة جيدة، وأوضاع أسرتها المالية تسمح لها بالاستمرار في شرائه، لافتة إلى أنها تخفيه عن ذويها.

 

الفتى أحمد (15 سنة) في الثالث الاعدادي، يتعاطي «ترمال» منذ شهرين على الأقل تقليداً لعدد من رفاقه. ويقول: «أشتري حبوب ترمال من مصروفي، وأهلي يعرفون ذلك، الا أنهم لا يستطيعون منعي... أصلاً هم لا يهتمون».

 

وعن كيفية وصولها اليه، وتأثيرها على دراسته، يقول أحمد: «أشتريها من الصيدلية بسهولة، وعلاماتي في المدرسة سيئة، لكنني لا أهتم».

 

أبو وديع (26 سنة) كان يتعاطى «ترمال»، ويبيعه أيضاً ويقول: «كنت أشتري 5 علب ترمال في اليوم بنحو 500 شيكل، وأبيعها في اليوم نفسه للمتعلمين قبل الجهلة بنحو 1700 شيكل (400 دولار تقريباً)»، مشيراً إلى أن زبائنه من مختلف الأعمار والثقافات والمناصب.

 

ويعتقد أبو وديع أن تعاطي «ترمال» انتشر بصورة كبيرة بعد سيطرة حركة «حماس» على القطاع (2007)، وتوقف موظفي السلطة في القطاع عن مزاولة أعمالهم، ما جعل كثيرين منهم يتوجهون لتعاطي «ترمال» لينسوا واقعهم السيئ.

 

الصيدلاني ذو الفقار سويرجو يشرح هذا الواقع: «ترمال عبارة عن علاج مسكن للآلام المتوسطة والشديدة له تأثير مخدر ويعمل على خلايا محددة في الدماغ فيقوم باحباط عملها ما يتسبب بشعور فقدان الألم، والراحة الجسدية والنفسية».

 

ويضيف سويرجو: «ترمال، أحد الأسماء التجارية التي يحملها عقار «ترامادول هيدروكمورايد» المتعارف عليه دولياً تحت هذا الاسم العلمي، كما يحمل أسماء تجارية أخرى منها ترامدكس، وترامادول وغيرهما، فيما يأتي بأشكال مختلفة منها الكبسولات، والحبوب المضغوطة أو الملبسة».

 

ويشير الى أن هذا العقار «تم طرحه عالمياً على أساس أنه مسكن للآلام ولا يتبع لقوائم الأدوية المخدرة ويباع من دون وصفة طبية، ويتم وصفه من قبل الأطباء لحالات الآلام الشديدة الناجمة عن الرضوض والكسور أو بعد العمليات الجراحية لفترة محددة، تصل إلى اسبوعين، ولا يتم تكرارها الا بعد اجراء فحوص لمستوى الدواء في الدم».

 

ويستدرك قائلاً: «لكن بعد الاستعمال المكثف لهذا الدواء، تبين أنه يسبب الادمان، خصوصاً اذا استعمل في شكل مستمر ولفترة طويلة».

 

ويحذر سويرجو من أن «تعاطي ترمال في شكل مستمر يؤدي إلى إدمان من الصعب التخلص منه، ويسبب تهتك في جزء من خلايا الدماغ، وخلل في وظائف الكبد والكلى وصعوبة في الرؤية وفقدان الشهية، وتصرفات غير محسوبة، قد تتسبب في مشكلات مجتمعية عدة، علاوة على الضعف الجنسي الحاد الذي يصعب علاجه، والخمول وعدم الرغبة في العمل أو الدراسة، وحال من الاكتئاب الشديد».

 

ويلفت إلى أن «ترمال يستخدم في شكل كبير وخارج عن السيطرة في بلدان العالم الثالث، ومنها قطاع غزة، كبديل من المخدرات، وكدواء معيق للقذف السريع عند الرجال أثناء الجماع، وحالياً للهروب من المشكلات الحياتية ومن ضغوط اقتصادية واجتماعية».

 

ويعتبر أن «تدني سعر ترمال المصنع في الهند وباكستان وماليزيا والصين الذي يتم تهريبه عبر الأنفاق الى القطاع، مكّن عدداً كبيراً من الشبان والمراهقين وحتى الأطفال دون 15 سنة من شرائه بسهولة».

 

وحول استجابة الصيدليات لتوجيهات وزارة الصحة بعدم بيعه الا من خلال وصفة طبية، يؤكد سويرجو أن «هناك تجاوباً كبيراً من قبل الصيادلة في القطاع، الا أن بعضهم لا يزال يتعامل مع المهنة في شكل تجاري بحت، ويصر على صرف هذه الأدوية بهدف الربح».

 

ويعتبر أن «السوق السوداء، وتجار الشنطة، وطلبة المدارس والجامعات، والمراهقين هم أهم بائعي ترمال وليس الصيدليات»، لافتاً إلى وجوب «خلق حال من الوعي في الشارع الفلسطيني حول أضرار هذا الدواء عند استعماله خارج اطار الوصفات الطبية».

 

بدوره، يعتقد المتحدث باسم الشرطة في الحكومة المقالة اسلام شهوان أن «هذه القضية أخذت صدىً اعلامياً أكثر مما ينبغي»، على رغم اعترافه بأن «الشرطة كشفت شبكات لبيع ترمال في مدارس المرحلة الثانوية للفتيان والفتيات في محافظتي غزة وخان يونس، كما ضبطت كميات ضخمة من حبوب ترمال المهربة في علب بسكويت وشوكولاته من طريق الأنفاق، كانت في طريقها للبيع لطلبة المدارس».

 

ويقول إن الشرطة «تلاحق الصيدليات للتأكد من مدى التزامها بقرار وزارة الصحة منع بيعها الا بموجب وصفة طبية، وشرعت في تنظيم حملات توعية في المدارس للتحذير من تعاطي الترمال». ويلفت إلى توقيف خمسة صيادلة لمدة 24 ساعة بقرار من النيابة العامة بعد ضبطهم يبيعون حبوب ترمال، معترفاً بأن «الغرامة المالية أو التعهد ليسا كافيين لردعهم، لذا نتداول حالياً مع النيابة العامة في امكان اغلاق الصيدليات التي يثبت انتهاكها قرار وزارة الصحة بالشمع الأحمر لمدة 24 ساعة، الأمر الذي سيسيء لسمعة هؤلاء الصيادلة، ويشكل رادعاً لهم ولغيرهم».

 

وحول الرقابة على الأنفاق المدخل الرئيس لتهريب الترمال، ينفي شهوان أن يكون للشرطة دور رقابي على البضائع التي تدخل إلى القطاع عبر الانفاق، فـ «الرقابة أمنية فقط».