طرق عامه 77 ويحلم بعودة لبلدته قبيبة

تقرير اللاجئ عطا القيشاوي يروي تفاصيل وأحداث صادمة عن أيام النكبة

الساعة 11:27 ص|16 مايو 2022

فلسطين اليوم

غزة / أمل الوادية:

لا زالت ذاكرته تفيض بأوجاع الماضي الممزوجة بأحلام العودة إلى أرض الوطن، فأصوات الطائرات "الإسرائيلية" وهي تقذف ببراميلها المتفجرة شوارع بلدته لا تزال محفورة بمخيلته، إذ يأبى عقله نسيان صراخ النساء والأطفال وهم يهربون من ضربات مدفعية الاحتلال "الإسرائيلي"، فبينما كانت يداه تتشبث بثوب أمه خوفاً من ضياعه بعد أن أُجبروا قسراً على ترك بيوتهم وأراضيهم، كانت قدماه تمشي على جثامين المدنيين الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال بأبشع الطرق في ذلك اليوم المشؤوم "يوم النكبة".

يستذكر المسن عطا القيشاوي (77عاماً) من مخيم الشاطئ للاجئين غرب قطاع غزة أحداث يوم النكبة آملاً بعودة قريبة، فلا يزال قلبه معلقاً مذ كان طفلاً صغيراً ببلدته الأصلية "القبيبة" في قضاء مدينة الرملة المحتلة، والتي هُجر منها مع عائلته إلى غزة هرباً من العصابات الصهيونية خلال نكبة 1948.

عطا القيشاوي (7).JPG
 

يقول القيشاوي لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية": "كنا نعيش حياة جميلة بين ربوع أراضينا، حيث كان والدي مزارع يملك الكثير من البيارات المزروعة بالقمح والشعير والفول والعدس، ما إن فُجعنا بوقوع النكبة حين كان عمري 3 سنوات فرغم صغر سني إلا أنني أذكر ما حدث، حيث انضم أبي للثوار آنذاك وأخبر أمي بالرحيل من البيت فورًا إلى قرية حمامة لكن العصابات الصهيونية استولت عليها لتشد رحالنا إلى قطاع غزة."

يكمل: " بعد أن نفذت ذخيرة الثوار ولم يمدهم الجيش المصري بالأسلحة، قاوم الثوار العصابات الصهيونية لوحدهم ونصبوا لهم الكمائن والألغام في الطرقات، فحين جاءت سيارتين عسكرتين محملتين بالجنود تم تفجيرهم وقُتل 12جندي إسرائيلي آنذاك."

يضيف: "استخدم الاحتلال الإسرائيلي أقوى أنواع الأسلحة الفتاكة من طائرات تقصف المدنيين ببراميل متفجرة وتُشكل حُفر بعمق 5متر، إلى جانب مدفعيات ورشاشات لم تمر على شعبنا الفلسطيني، حيث سلَّم الجيش البريطاني كل أسلحته للعصابات الصهيونية."

عطا القيشاوي (4).JPG
 

لحظات التهجير

يستذكر لحظة تهجيره من قريته: "هربنا من القبيبة مع أمي إلى المجدل، وهناك كانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقذف براميلها المتفجرة كل 100 متر في المنطقة، مكثنا في مكان بالقرب من المقبرة حيث تم قصف المقبرة واستشهد نحو25مدني، حملنا أمتعتنا للرحيل وأخذنا نتخبط بأقدامنا على جثث الشهداء وكان هذا أبشع مشهد لم أرهُ من قبل."

بعد خمس أيام مشياً على الأقدام بلا طعام ولا شراب وصل القيشاوي وعائلته قطاع غزة، وهناك استظلت العائلات الفلسطينية المهجرة في منطقة تحت أشجار الزيتون، وبدأوا بالبحث على طعام، آملين أن يعودوا في صباح اليوم التالي.

يقول القيشاوي: "في ذلك الوقت قامت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين بنصب الخيام ليسكنوا فيها المهاجرين، حتى جاء فصل الشتاء وهطل الثلج فوق الخيام التي سقطت على رؤوس أصحابها ليلاً فأخذ الأطفال والنساء يبكون على حالهم، فبدأت وكالة الغوث بالبناء لهم في المعسكرات، فرغم توفير الطعام لكن نفسيتنا كانت محطمة والحياة كئيبة."

ويصف نكبة عام 1948: "كانت نكبة حقيقية مؤلمة وقاسية لا يتخيلها عقل بشري، فلم يتعرض أي شعب من شعوب العالم للخيانة والذل والقتل والذبح كما تعرض إليه الشعب الفلسطيني، إذ كنا نعتقد أننا سنعود إلى بيتنا، لكننا أمضينا سنين في الشتات، ولا يمكننا نسيان ما جرى أبداً."

عطا القيشاوي (1).JPG
 

بلدة القبيبة

القبيبة في عيون القيشاوي: " إنها من أجمل القرى الفلسطينية لأنها مرتفعة لذلك احتلها الاحتلال ليسيطر على جميع القرى المحيطة بها ك (قرية زرنوقة، ووادي حنين، واسدود، ويبنا)، إلى جانب احاطتها من جميع الجهات بأشجار الحمضيات والبيارات التي كان يقصدها المزارعون للعمل بها من كل قرى فلسطين، حيث بلغ عدد سكان بلدة القبيبة في النكبة 750نسمة."

يضيف: "في 1967 ذهبنا أنا وأبي بسيارة لزيارة القبيبة بعدما فتح الاحتلال الطريق، وحين رأيناها أجهشنا بالبكاء، كانت كما هي لم يتغير فيها شيء سوى وجود ذلك اليهودي الذي كان يطلُ علينا من الشباك ويصرخ بوجهنا (روح انت واياه)، فذهبنا حتى لا يقتلنا ولنرى ماذا حلَّ بباقي أراضينا المحتلة."

في جلسة عائلية يروي القيشاوي تفاصيل يوم النكبة والحروب التي خاضها ضد الاحتلال الإسرائيلي لأبنائه وأحفاده الصغار حتى يبقون متيقظين لحقهم في العودة، إضافةً إلى حكايات المطاردة والاعتقال التي جرت بحقه، حيث قدم ابنه شهيداً في الانتفاضة.

وإلى جانب كونه شاهد على النكبة فقد تعرض اللاجئ القيشاوي إلى المطاردة في قطاع غزة مما اضطره للذهاب إلى الأردن والبدء بالعمل الفدائي حتى حرب أيلول ثم غادر لبيروت وهناك كُلف بالعودة لقطاع غزة، حيث تم اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي وحُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات نصفها بدون تنفيذ.

في ختام حديثه يقول: " كل يوم أشتاق لبلدتي وأحن لأراضينا المليئة بأشجار البرتقال، ولدي أمل كبير جداً أكثر من أي وقت مضى بالعودة إلى البلاد، وبإذن الله راجعين وأول ما أدخل معبر بيت حانون سأُقبل رمله."

والجدير بالذكر أن الفلسطينيين يحيون ذكرى النكبة في 15أيار من كل عام، والتي هُجر بسببها أكثر من 950ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية عام 1948، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة، وأصبحوا الآن يعيشون في مخيمات الشتات، مؤكدين أن حق العودة مقدس لا يمكن التنازل عنه.

كلمات دلالية