خبر صاحب أطول مدة اعتقال في العالم ينتظر مولوده الأول بفارغ الصبر

الساعة 06:07 ص|27 ابريل 2009

فلسطين اليوم : رام الله

يتواتر الاحتفاء السنوي "بيوم الأسير الفلسطيني"، الذي حلت ذكراه الخامسة والثلاثون قبل أيام، في وقت يمثل فيه قرابة 12 ألف أسير فلسطيني عربي داخل معتقلات وسجون الاحتلال الإسرائيلي، كأحد مخرجات مسار مقاوم لم يخمد أسراً مثلما لم ينتهِ تحرراً من جنبات قضبانه.

بيدَ أن احتفاء هذا العام يختلف عن سابقيه، إذ لم تكد تستكن عبارات التهاني بأحدث عملية إفراج عن نحو 200 أسير في شهر آب (أغسطس) الماضي، من بينهم عميد الأسرى الفلسطينيين سعيد العتبة، حتى استقبلت سجون الاحتلال عدداً آخر يضاهيه من المعتقلين، ضمن مسار متواصل من المقاومة وصولاً إلى دحر الاحتلال.

غير أن تماهي المسار النضالي بين مرحلة ما قبل الزج بالأسر وما بعدها، بما يتخللهما، لا ينم عن فواصل مرحلية متنافرة، بقدر ما يشي عن تمازج في النضال بين داخل المعتقل في إطار الحركة الأسيرة، وخارجه عبر الانخراط في صفوف شعب يتصدى لعدوان الاحتلال المتصاعد، ولكنها قد تتخذ في الداخل صيغاً مغايرة شكلاً وليس مضموناً، تبدأ منذ لحظة الاعتقال وتستمر معه إلى ما بعد التحرر.

أطول مدة اعتقال في العالم

وقد جسد العتبة، أو "أبو الحكم" كما يحلو لأقرانه تكنيته بها، ذلك المسار النضالي بأطول مدة اعتقال في العالم، تمتد عبر اثنين وثلاثين عاماً، منذ انتشاله فجراً من بين أفراد أسرته العشرة قبل يوم واحد فقط من احتفالات العائلة بعقد قران إحدى إخوته، ومن ثم زجه داخل غياهب السجون في تموز (يوليو) 1977 وهو في منتصف العشرين ربيعاً، ومحاكمته بثلاث مؤبدات بتهمة قيادة خلية عسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتحضير وتصنيع عبوات ناسفة وتوزيعها على بعض الخلايا العسكرية.

فقد تكوّن الوعي السياسي المبكر للعتبة، ولمعظم أبناء جيله، على وقع آلة العدوان الإسرائيلي عام 1967 التي احتلت ما تبقى من أرض فلسطين وهجّرت أكثر من نصف مليون لاجئ، فالاحتلال لا يترك مجالاً أمام التقدم العمري الطبيعي، كما لا يسمح كثيراً بفسحة التطلعات التي انحسرت بالنسبة للعتبة عند أبواب المرحلة الدراسية الثانوية.

يقول العتبة "لقد فرض الاحتلال بعدوانه السافر على أرض الوطن واقعاً مغايراً تبدلت فيه الأولويات من دون إسقاط الحق في الحياة والتطلع نحو غد بلا احتلال، فجاء انخراطنا منذ عام 1967 في صفوف حركة مقاومة مسلحة وشعبية بأشكال متنوعة وواسعة، وفي قلب تلك المسيرة بدأ الوعي السياسي بالتبلور لجهة التحرك استجابة لنداء الوطن والشعب، باعتبارنا جزءا من نبضه وروحه".

وقد أخذت مقاومة الاحتلال في البداية أشكالاً مدنية بتنظيم المظاهرات والأنشطة والفعاليات وإعداد المنشورات، استلهاماً من حركة الفدائيين الفلسطينيين التي أسهمت، وفق العتبة، في "إيقاظ الحس الوطني وشحذ الهمم ورفع الروح المعنوية للتصدي ضد الاحتلال"، إلى أن جاء انتظامه عام 1974 في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي انتقل منها بعد اتفاق أوسلو (1993) إلى الإطار التنظيمي للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا" حاملاً صفة عضوية لجنته المركزية، ولكنه يعتبر نفسه اليوم مقرباً من مفاهيمها متقاطعاً مع أفكارها، انطلاقاً من رؤيته للفصائل والقوى الفلسطينية كأطر تنظيمية لاحتواء المقاتل وإعداده لمقاومة الاحتلال.

النضال على طريق الاستقلال

وقد شكل العتبة خلية عسكرية وانتظم في دورات عسكرية، جرت على الساحتين السورية واللبنانية، بغرض الإعداد العسكري واكتساب الثقافة الأمنية، والتدرب على كافة أنواع الأسلحة الأتوماتيكية والعبوات الناسفة التي طالت قوات الاحتلال أينما تواجدت على الأرض المحتلة، حتى وإن اتسمت بالتواضع بحسب الإمكانيات المتوفرة آنذاك، مع الحرص على روح المبادرة الشخصية والتواصل التي تتيح للمناضل إعدادها من خلال عمله.

يقول العتبة "لا نهدف القتل وإنما نناضل لتحقيق هدف سياسي وإيصال رسالة إلى الاحتلال والعالم بوجود شعب فلسطيني يريد حقه في الحياة والحرية والاستقلال أسوة بشعوب العالم"، مضيفاً "لقد تم اعتقال الكثيرين على مدى سنوات مسار المقاومة باعتباره سياقا طبيعيا لأي مقاوم يتوقع الاعتقال أو الإصابة أو الاستشهاد في أي وقت، ولكننا كنا نلجأ في تلك المرحلة إلى أسلوب المقاومة السرية المسلحة ومبدأ "اضرب واهرب" لضمان مواصلة صد الاحتلال وإجباره على الاندحار".

لقد تكونت أغلب سجون ومعتقلات الاحتلال بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 التي يبلغ عددها اليوم 30 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف إسرائيليا، تضم قرابة 12 ألف أسير، منهم 355 طفلاً و98 أسيرة، و47 نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني من مختلف القوى والفصائل الوطنية.

وقد تنقل العتبة، كنظرائه من المعتقلين، بين أكثر من معتقل إلى أن استقر به المقام في سجن عسقلان رازحاً تحت وطأة ظروف اعتقال سيئة، ما إن طرأ عليها بعض التحسن نتيجة نضالات الحركة الأسيرة داخل المعتقل حتى عادت للتردي والسوء مجدداً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت.

التعذيب في المعتقلات الإسرائيلية

ويقول العتبة "أمام تجمع احتلالي صهيوني منغلق داخل أطر عنصرية رافضة للآخر ومناهضة لحقوقه، فمن الحتمي ترجمة مخرجاتها ضمن قنوات عدوانية متعددة منها معاداة الأسير الفلسطيني داخل المعتقلات عبر صنوف مختلفة من التعذيب، والتي لم تتمايز البتة في مرحلة اتفاق أوسلو عن سابقتها".

فبحسب أحدث تقرير "للجنة الأممية المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة"، فإن ظروف المعتقلين الفلسطينيين تدهورت بشكل ملحوظ منذ بداية عملية السلام خلافاً لما كان متوقعاً.

ويضيف التقرير أن المحققين الإسرائيليين بناءً على توجيهات سرية عليا يستعملون طرقاً غاية في القسوة عند الاستجواب بممارسة الضغط المادي والنفسي واللجوء إلى أساليب تتعارض مع الاتفاقيات الدولية مثل "الهز العنيف" الذي يسفر عن نزيف دماغي قاتل يُفضي إلى وفاة المعتقل أو "القنبلة الموقوتة" بتعريضه للضغط النفسي والبدني بما في ذلك الضرب والخنق إلى حين فقدانه الوعي مع حرمانه من النوم والطعام.

وأوردت اللجنة الأممية أساليب أخرى من التعذيب "كأن يحضر الشخص المحتجز ويداه مقيدتان خلف ظهره وكيس ضيق ذو رائحة كريهة فوق رأسه فيجلسونه على كرسي صغير من دون مسند وفي بعض الحالات يضعونه في أحد الممرات، وقد يُنقل الشخص إلى مكان بارد في غرفة صغيرة طولها متران وعرضها متر ونصف بحرارة تتراوح من خمس إلى سبع درجات بسبب مبرد الهواء الذي ينفخ في الغرفة، وعندما يكون الطقس حاراً يضعونه في مكان حار جداً لأيام طويلة، والهدف من كل ذلك هو جعل السجين "ينفجر" (بحسب تعبير اللجنة) بالاعتراف أو يموت".

وهناك الكثير من المعتقلين يعترفون بجرائم لم يرتكبوها حتى يتوقف التعذيب، فهناك من فقد عينه أو بتر أحد أعضائه جراء التعذيب، فيما يتم حبس معتقلين انفرادياً لمدة قد تصل إلى ثمانية أشهر من دون المثول أمام المحكمة أو احتجاز بعضهم إدارياً لأشهر طويلة من دون توجيه أي تهمة محددة ضدهم، محرومين من زيارة الأهل ومن حق الدفاع عنهم لأن ملفاتهم تعتبر سرية".

يقول العتبة "لقد تعرضنا إلى كافة صنوف التعذيب، والتي منها ما يسمى "بالشبح" بجعل الأسير يقف على قدميه لمدة ثلاثة أيام متواصلة موثق اليدين إلى أعلى بحيث لا يستطيع الأكل أو النوم، وقد أودى التعذيب بحياة أكثر من 250 شهيداً".

ومع ذلك، "فجذوة النضال لا تنطفئ بمجرد الأسر، حيث تبدأ من هناك أشكالاً أخرى من المقاومة للمطالبة المتواترة بالإفراج عن المعتقلين وتحسين شروط الاعتقال وتعزيز عوامل الصمود، عبر نضال سلمي وفق القانون الإسرائيلي".

ويضيف العتبة، الذي يعتبر من مؤسسي الحركة الأسيرة داخل المعتقل، إن "إدارة سجون الاحتلال تحاول بشتى الطرق والأساليب إخضاع الأسير تحت ظروف صعبة من أجل عزله عن عالمه الخارجي وإجباره على الخنوع وكسر إرادته، من دون نجاح أمام صمود الشعب الفلسطيني الذي لا يقبل الرضوخ والاستكانة".

وقد تمكنت الحركة الأسيرة من تحسين شروط الاعتقال عبر نضالاتها المستمرة حتى اليوم من خلال ما تسميه "النضال السلمي السلبي" حيث يدفع الأسير ضريبة الدم والهزال وفقدان الوزن والتعرض إلى مخاطر الاستشهاد بالإضراب عن الطعام، مدعوماً بشبكة اسناد واسعة من المؤسسات والحركات المؤيدة. 

فبعد إضراب عن الطعام استمر سبعة أيام عام 1970 جرى كسر معنوي للاضطهاد الإسرائيلي المباشر، أعقبه تحقيق خطوات إلى الأمام تجاه تحسين شروط الاعتقال، على غرار ما حدث في الإضراب الثاني عام 1976 في عسقلان استمر 45 يوماً حينما نقل الأسير من النوم على الأرض إلى النوم على "فرشة"، تبعه إضراب آخر لمدة 20 يوماً حسّن بعضاً من شروط الاعتقال الصحية.

بينما شكلت نتائج إضراب معتقل "نفحة" عام 1980 الذي استمر 33 يوماً واستشهد فيه أسيران، نقلة نوعية بالنسبة للأسرى بحيازتهم أسرّة حديدية من طابقين، فيما أدخل إضراب عام 1984 الذي استمر 12 يوماً الراديو إلى المعتقلات وسمح بارتداء اللباس المدني وحسّن من جوانب الاعتقال الصحية بسماح المعالجة على يد أطباء من الخارج وخفّف من وطأة الازدحام الذي كان يزج 40 معتقلاً في نفس الغرفة الواحدة التي قد لا تستوعب أكثر من 15 أو 20 أسيراً.

بينما تعامل المعتقلون مع بعض الأدوات الثقافية اعتباراً من عام 1985 حينما سمحت إدارة السجون بإدخال الكتب بواقع كتاب أو كتابين فقط في الشهر ولمدد محدودة، كما سمحت بإدخال التلفاز مع قصره بداية على القنوات الإسرائيلية ومن ثم على 10 محطات فضائية منتقاة، بينما ألغي عام 1992 العزل الانفرادي ولكنه عاد مجدداً بشروط أكثر قسوة وهمجية.

يتابع العتبة إن "الأسير يبني حياة متكاملة داخل الأسر، بتحويل المعتقل إلى مدرسة حقيقية لبناء المناضل الفلسطيني والنهوض بقدراته العلمية والثقافية وتعزيز صموده وإرادته وتهيئته وطنياً وتنظيمياً كجزء من معادلة الصمود لخيار المقاومة والواجب الوطني واستمرار راية الكفاح المسلح، أرقى النضالات وأرفعها مقاماً".

ولفت إلى "إجراء انتخابات داخل المعتقلات لتشكيل هيئات تنظيمية وبناء لجان ثقافية وإدارية وتدريبية، بما يعكس صورة متقدمة للتعامل الفصائلي داخل السجن".

أداء السلطة الفلسطينية في ملف الأسرى

ورغم المآخذ الموجهة إلى أداء السلطة الفلسطينية تجاه ملف الأسرى، غير أن العتبة يعتقد أن "الصورة العامة ايجابية وليست سلبية، إذ تمثل وزارة الأسرى الحقوق المادية والمعنوية والحقوقية للمعتقلين والأسرى المحررين خلال سنوات الاعتقال وبعد الإفراج عنهم، ومنها صرف مخصصات شهرية وثابتة لهم حسب السنوات والمدد التي قضوها داخل المعتقل".

ويرى العتبة، الذي ينتظر مولوده الأول من زوجته المتحررة من الأسر قبله بأربع سنوات، أن "الروح التشاركية الفصائلية التي تسود المعتقلات غائبة اليوم عن الساحة الفلسطينية بسبب الانقسام الداخلي الذي يشكل مورد استثمار إسرائيلي خطير"، داعياً إلى "الوحدة الوطنية التي تحقق مصالح الشعب الفلسطيني وتشكل سلاحاً قوياً بيد حركات التحرر لشق الطريق نحو المشروع الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي كان من الممكن أن يقود إليها اتفاق أوسلو لو أحسن التعامل معه".

وشدد على أهمية "إنجاح الحوار الوطني" الذي انطلق أمس في القاهرة بين فتح وحماس، من أجل "التصدي لاحتلال استعماري استيطاني يرمي على استلاب الأرض والتاريخ معاً، وفي ظل حكومة يمينية متطرفة تقوّض أي أفق سياسي، وأمام إدارة أميركية معنية بإيجاد حل للصراع من دون أن يترأس قائمة أولوياتها".

ودعا إلى "إقامة حكومة توافق وطني غير فصائلية برئاسة (رئيس السلطة الوطنية محمود) عباس أو سلام فياض، وعدم التوقف كثيراً عند كلمتي "احترام" و"التزام" اتفاقيات منظمة التحرير بما يضعف عملها ودورها في وقت ما تزال فيه الممثل الشرعي والوحيد"، كما نادى "بإجراء انتخابات على أساس الوطن دائرة واحدة، والخروج من الرؤية الضيقة لتحقيق المصلحة الوطنية".

ويشار إلى أن الشعب الفلسطيني يحرص على إحياء يوم السابع عشر من شهر نيسان (إبريل) من كل عام، وهو ذكرى يوم الأسير الفلسطيني الذي يعود إلى سنة 1974 حينما جرى إطلاق سراح أول أسير وهو المناضل محمود حجازي، من أجل تذكير المجتمع الدولي الصامت بقضيتهم العادلة ولفت أنظار العالم إلى الظروف الحياتية الصعبة وغير الإنسانية التي يرزحون تحت وطأتها، ومطالبتهم بالتحرك الجدي للإفراج عنهم.