خبر مراقبون ومحللون: تحرير القرار من التأثيرات الخارجية سيجسر الهوة بين « فتح » و « حماس »

الساعة 09:25 ص|26 ابريل 2009

فلسطين اليوم – غزة

عصفت رياح الانقسام بالحالة الفلسطينية، فشل قطبي المعادلة في التوصل إلى اتفاق يجمع الشمل ويوحد شطري الوطن، تقف جملة كبيرة من الأسباب وراءها، وكل طرف يفسرها وفق ما يرى من منظوره الخاص، والجامع المشترك بين هذا وذاك، اختلاف واضح في البرامج السياسية، يراه البعض اختلافاً صحياً، لا يفسد للود قضية، فيما يراه آخرون عقبة دائمة أمام أي تسوية فلسطينية- فلسطينية على المستوى الداخلي.

 

وبعد جولات عديدة من الحوار الوطني الفلسطيني التي أفضت جميعها إلى طريق مسدود، يلح السؤال: إلى أي حد تختلف البرامج السياسية لحركتي "حماس" و"فتح"؟، وهل يمكن الخروج بعد هذه الاختلافات بقواسم يمكن أن تجمع الشمل الفلسطيني، أم أن الأمر بات صعبٌ تداركه، بفعل خلافات أيديولوجية معمقة، لا تبشر بأي حل على الإطلاق، وهل من حلٍ وسط، يرضي الجميع، ولا يلغي أحد؟.

 

وتستضيف القاهرة اليوم الأحد وفودا فلسطينية، في محاولة للوصول إلى صيغة اتفاق وطني، تنهي حالة الانقسام، وتفتح المجال أمام إعمار غزة بعد تدميره من قبل آلة الحرب الإسرائيلية، بعد فشل جولات سابقة من الحوار بين الفصائل الفلسطينية.

 

ومع بدء جولة جديدة من الحوار الفلسطيني-  الفلسطيني برعاية مصرية، حاولت "قدس برس"، استقصاء آراء متفرقة، من محللين تنوَّعت مشاربهم الفكرية، و على إطلاع بالبرامج السياسية لحركات التحرر الفلسطيني، وخاصة "فتح" و "حماس"، واجتهدت أن تجيب على الأسئلة السابقة.

 

ويرى الدكتور عاطف عدوان، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة "حماس"، أن قضية التقاء البرامج السياسية قضية صعبة، "فالاختلافات بين البرامج اختلافات عميقة، وليست خلافات سطحية، وقال: "الاختلافات تكمن في فلسفة التعامل مع الاحتلال، وفلسفة فهم الثوابت مع المتغيرات، وفلسفة فهم الإستراتيجية مع التكتيك، وبالتالي الخلافات الموجودة هي خلافات عميقة".

 

ولكن استدرك عدوان وهو بروفسور في العلوم السياسية قائلا: "ولكن لكون أن القضية الآن تمر في منعطف حاد وعلى مفترق طرق خطير، أتصور أن كلا الفريقين سيحاول أن يبحث عن نقاط الاتفاق، مع تأجيل الاختلافات في البرامج السياسية أو حتى المنطلقات الأيديولوجية مرحليا للخروج من فوهة الزجاجة".

 

ولفت إلى أن ما يدفع الجميع إلى تجاوز البرامج السياسية في هذه المرحلة، أن هناك مصلحة، هذه المصلحة يمكن حلها دون أن يتخلى كلا من الفريقين عن برنامجه السياسي وعن فهمه للقضية من وجهة نظره، وقال: "يمكن أن يتم حل الخلافات على الأقل في مرحلة زمنية مؤقتة".

 

وأضاف القيادي في حماس: "الجميع يعلم أن بقاء الواقع الموجود مضر للجميع للقضية الفلسطينية وللشعب، ويشكل ضغط على الطرفين لمحاولة التوصل إلى نقاط التقاء بينهم، علما بأن الواقع يقول أن البعض في السلطة الوطنية يحاول ألا يوصل الجميع إلى نقطة التقاء، لأن هناك من له ارتباطات مصلحة مع العدو الصهيوني أو مع الإدارة الأمريكية يحاول أن يضع العراقيل، والتخوف حقيقة هو من هؤلاء بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها إسرائيل والإدارة الأمريكية وبعض الدول العربية".

 

وتحدث عدوان عن محددات الخلافات الموجود بين البرامج السياسية لحركتي "فتح" و"حماس"، وقال: "هناك خلافات برامجية، وهناك خلافات سياسية، الآن لا يتحدث أحد عن الخلافات البرامجية، الخلافات التي يتحدث عنها الجميع هي خلافات سياسية، هم يتحدثون عن القضايا الخمس الرئيسية التي هي مثار خلاف بين الطرفين، لكن الحقيقة لا أحد يتحدث وبوضوح عن البرنامج السياسي ".

 

مؤكدا، أن المشكلة الأساسية كامنة في مدى الضغوط والتدخلات الخارجية على فريق سلطة رام الله، وقال: "حتى لو أرادت سلطة رام الله أن تصل إلى حل مع حركة حماس ستجد من يعترض على هذا الحل، وخاصة في الموضوعات الأمنية وفي الموضوعات السياسية".

 

وخلص عدوان بالقول: "عامل الضغط الخارجي يلعب دور كبير في تحديد السياسات الموجودة حاليا، لذا عندما طالبت حماس بتحييد الدور الخارجي، أظن أنها كانت محقة وفي حال ما تم هذا الأمر يمكن أن يجد الفريقان نفسهما في نقاط التقاء كثيرة، وتأجيل الخلافات البرامجية والسياسية إلى مراحل لاحقة".

 

د. ناجي شراب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، والمحلل السياسي المعروف، قال "إن أي نظام سياسي في العالم فيه العديد من التنظيمات والقوى السياسية، وكل تنظيم له برنامج سياسي خاص به، وهذا البرنامج السياسي يأتي من البيئة التي نشأ منها هذا التنظيم أو هذه القوة"، ورأى أنه عند التعمق في المنطلقات والقواعد الأساسية لأي جسم فلسطيني، "سوف نجد أن هناك قواسم مشتركة بلا شك، لأن البيئة السياسية واحدة، المنطلقات، والمحددات، والأولويات".

 

أما عن الاختلافات فقال: "قد يكون هناك خلاف يتعلق بقضايا اجتماعية، اقتصادية، شكل النظام السياسي، لكن في النهاية هناك أولويات سياسية، لا يوجد خلاف عليها، وأعتقد أن إسرائيل نموذج، إسرائيل بها العديد من الأحزاب العلمانية واليسارية، والدينية، ومع ذلك، كل الأحزاب في إسرائيل تتفق على القضية الفلسطينية".

 

بدوره، أعرب  الدكتور يحيى رباح القيادي في حركة "فتح" ونائب المفوض العام للإعلام والتعبئة الفكرية في الحركة، عن تشاؤمه من الجولة القادمة من الحوار، ملفتا إلى أن تشاؤمه هذا جاء قياسا على تجربة الماضي، وقال: "توقعات النجاح قليلة، وهناك حراك دولي تجاه موضوع حل الدولتين، ونأمل أن يتأهل الوضع الفلسطيني ليكون فعلا مؤهلا للشراكة في هذا الحل، وفي تحقيق هذا الهدف الفلسطيني، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".

 

أما عن الاختلافات السياسية المعمقة بين برنامجي حركتي "فتح" و"حماس"، وما إذا كانت ستكون العقبة القديمة الجديدة أمام أي اتفاق فلسطيني، قال: "أولا اختلاف البرامج السياسية أيديولوجيا ليس شيئاً مستجداً في الساحة الفلسطينية، أيضا وقوعنا وسط التجاذبات الإقليمية ليس جديدا، فالثورة الفلسطينية كلها ولدت في زمن ديكتاتورية الأيديولوجيا، وفي زمن القطبين والتجاذب بين التكوينات السياسية التابعة للقطبين".

 

وأشار إلى أن الجديد في الموضوع أن الإرادة الفلسطينية هذه المرة حقيقة ليست حاضرة بالمعنى الإيجابي، كما قال، "فعلى امتداد 40 سنة كان يوجد خلافات سياسية وأيديولوجية وبرامجية، ولكن تلك الخلافات كانت تدار وطنيا، بما لا يهدم المشروع الوطني الفلسطيني، بينما يبقي على المشروع قائما ويبقى الخلاف على وسائل الوصول إلى الهدف، وليس على الهدف نفسه، اليوم حقيقة نحن نرى ضعفا وارتباكا في الإرادة السياسية الفلسطينية" على حد تقديره.

 

ودعا حركتي "حماس" و "فتح" بصفتهما رافعتا الوضع الفلسطيني في هذه المرحلة، لأن يتوصلا إلى قاطرة تنقل الوضع الفلسطيني من مكانه الغارز منذ سنتين أو أكثر، -قاصدا تشكيل حكومة جديدة-؛ "لأنه مجرد إعلان حكومة واحدة هذا يعني أن الانقسام قد انتهى موضوعيا، هذه القاطرة يمكن أن تنقلنا بعد ذلك إلى موقع متقدم شيئاً فشيئاً وليس دفعة واحدة بسبب أعباء الوضع الفلسطيني وتراكماته، ولكن عندما نبقى في هذا الوضع فإن شروط الحد الأدنى تفرض علينا، وبالتالي تبدأ عملية التراجع كما هو حادث الآن" كما قال.

 

ورأى أن "فتح" و "حماس" تستطيعا أن تجدا الجامع المشترك، وتستطيعا أن تتفقا على برنامج سياسي، وتقوم هي بتسويقه إقليميا ودوليا، وأضاف: "يمكن الوصول إلى برنامج سياسي لحكومة وحدة وطنية أو توافق وطني، ونقوم بتسويق هذا البرنامج حتى لو كان يوجد فيه بعض الاعتراضات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية، ولكن الجهد المشترك يمكن أن ينجح في تسويق هذا البرنامج وخاصة في ظل الزخم القائم حاليا حول حل الدولتين".

 

وحول القاعدة الرئيسية لهذا البرنامج التوافقي السياسي أوضح:" القاعدة ألا نكرر التجارب الفاشلة التي هي باعترافنا كانت فاشلة، وفي نفس الوقت لا نريد أن نتراجع أمام المطالب الإسرائيلية والدولية على طول الخط، يعني يجب أن نقدم صورة ناجحة، وألا نعود إلى تجارب الفشل، وفي نفس الوقت لا بد أن نعطي حدا أدنى لا نهبط دونه بالنسبة لمطالبات الإسرائيليين وبالنسبة لمطالب المجتمع الدولي".

 

وتابع قائلا: " أعتقد أنه حينما نقرر بجدية الوصول إلى البرنامج السياسي الذي يحقق هذين المطلبين، أعتقد أن هذا ممكن الحدوث، ولدينا من العقول والصياغات والتجارب ما يمكننا من الوصول إلى ذلك، على الأقل حتى نكون أمام أنفسنا وأمام شعبنا قد بذلنا الجهد الأكبر، من أجل الخروج من هذا المأزق الراهن، وألا نلام في المستقبل أن مشروعنا الوطني يتراجع ويتعرض للخطر ونحن لا نفعل شيئا".