خبر مسارات التفاوض والتفجير ..رضوان السيد

الساعة 09:13 ص|26 ابريل 2009

ـ الاتحاد 26/4/2009

جاءت كلمة الرئيس المصري عشية الخميس لتشير إلى أمرين: استمرار التوتُّر مع إيران، وظهور توتُّر مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة من خلال نفْي الرئيس دعوة وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد لزيارة مصر. والجدير بالذكر أنّ لوزير الخارجية ليبرمان "سوابق" مع مصر في السنوات الماضية منها تهديده بضرب السدّ العالي(!).

وكانت قضيةُ خلية "حزب الله" في مصر قد شغلت الإعلامَين المصري والعربي طوالَ الأُسبوعين الماضيين، تدخَّل خلالَهما المسؤولون الإيرانيون مراراً متهمين الإدارة المصرية بالتزييف أو المبالغة؛ وكان لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني آخِر المتدخِّلين- وردَّ عليه رئيس مجلس الشعب المصري. والمعروف أنّ العلاقات العربية -الإيرانية ظلّت مجالا للتسريبات والأخذ والردّ طوال أكثر من سنتين. ثم كان أن صرَّح بذلك عَلَناً وزير الخارجية السعودي في مجلس وزراء الخارجية العرب الأخير، أثر حرب إسرائيل على غزة. وقد حدَّد الفيصل نقاط الخلاف مع إيران بما يلي: الملفّ النووي، وأَمْن الخليج، والتدخل في العراق ولبنان وفلسطين. وعندما قيل إنّ إيران إنما تساعد المقاومة ضد إسرائيل، أجاب الفيصل بأنّ ذلك ينبغي أن يتمَّ من خلال السلطات الشرعية. ثم تبيَّن بعد ذلك أنّ التدخُّلات لا تقتصر على البلدان الثلاثة، بل يُضافُ إليها اليمن ومصر، وربما بلدان عربية أُخرى؛ فقد قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية بإيران قبل شهرين، وقالت السعودية إنها اكتشفت مخبأَ أسلحةٍ لـ"القاعدة" على الحدود مع اليمن بدعم إيراني!

إنّ هذا كلَّه حدث ويحدُثُ وسط مُتغيِّرين: دعوات إدارة أوباما للتفاوض على سائر الملفّات، ومع سائر الأطراف، وقيام الحكومة الإسرائيلية الجديدة الغاصّة بالمتطرفين، والتي تفتقر إلى أية رؤْيةٍ للسلام أو التفاوُض. فقد قالت الحكومة الإسرائيلية في بيانها الأول أمام "الكنيست" إنّ عندها ملفَّين ذَوَي أولوية: الملفّ النووي الإيراني، والملف الاقتصادي الداخلي. وذكّر نتانياهو بأنه كان ضد "أوسلو"، بينما قال وزير خارجيته ليبرمان إنه ضد "أنابوليس" (=حلّ الدولتين)، لكنْ لا مانعَ عنده من التفاوض على أساس "خريطة الطريق"! وما تزال الصحف الإسرائيلية تُوردُ بشكلٍ شبه يومي أخباراً عن تدريباتٍ عسكريةٍ إسرائيلية من أجل الإغارة المحتملة على المقرات النووية الإيرانية! وهذا في الوقت الذي تشتدُّ فيه الحملاتُ الإيرانيةُ على الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، وآخِرُها حملةُ الرئيس نجاد على الدولة العبرية في "دوربان-2" بجنيف. بينما يشتدُّ الاضطرابُ في باكستان وأفغانستان ضد الحكومتين هناك، وضدّ الولايات المتحدة، وتُناشِدُ واشنطن طهران بإيقاف الدعم لـ"طالبان"، مع شكوى من إمكان تعاوُن إيران مع "القاعدة" في العراق!

إيران قد ترى السير بالطريقة التي سارت عليها منذ 2006، أي "الحروب البديلة" عبر لبنان وغزة، أو التصعيد في العراق وأفغانستان.

ماذا يعني هذا كُلُّه؟ يعني أنّ دعوات أوباما للوفاق والدبلوماسية والتفاوض، لا تلقى رضا إسرائيل وإيران؛ وإن اختلفت الأسباب. أما التصعيدُ الإيراني فقد يكون لإبراز الأوراق القوية التي تملكُها الجمهورية الإسلاميةُ في التفاوض. لكنْ قد يكونُ أيضاً للشعور بأنّ الولايات المتحدة بإدراتها الجديدة، لن تتنازل في المسألة النووية. لكنْ إذا كان الانزعاج الإيراني يتّسم بشيءٍ من الغموض في بواعثه وأسبابه؛ فإنّ الانزعاج الإسرائيليَّ واضح الأسباب. فأكثر الوزراء في الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا يريدون سلاماً مع الفلسطينيين، وبعضُهم لا يريد سلاماً أيضاً مع سوريا. ويرجع ذلك إلى أنهم خاضوا الانتخابات بشعاراتٍ متشددةٍ دعمهم فيها جمهور المتدينين والمستوطنين. وفي الزيارتين الأخيرتين لمبعوث الرئيس الأميركي جورج ميتشل، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، كان هناك الكثير من الأخذ والردّ بين الطرفين. وقد شجَّع ذلك وزير الدفاع (باراك) على الطلب من نتانياهو قبولَ مقاربة إدارة أوباما للسلام، أو يغامر بالخلاف مع الولايات المتحدة. وسيزور نتانياهو الولايات المتحدة، لكنْ بعد أن زارها الملك الأردني عبد الله الثاني، كما يزورها الرئيس المصري حسني مبارك. ومن المؤكَّد أن يعرض نتانياهو رؤيةً ما تُشْعِرُ بالاعتدال، لكنه سيضعُ كلَّ شيءٍ في مقابل الخطر النووي الإيراني، وضرورة إزالته. ولأنّ واشنطن ليست الآن في معرض "الإغارة" على إيران؛ بل تريد إقناعها بالتفاوض؛ فإنّ نتانياهو سيُعظِّمُ من شأْن الاخطار التي تشكّلها إيرانُ على إسرائيل، وتشكِّلها التنظيمات "المتطرفة" التي تحتضنُها، ومنها "حماس" و"حزب الله" و"الجهاد الإسلامي". لذا فليس من المرجَّح الاتفاق على بدء التفاوُض مع الفلسطينيين؛ وبخاصةٍ -وكعذرٍ أخير- أنّ الفلسطينيين ليسوا متفقين على الدخول في التفاوض على أساس حلّ الدولتين، وهكذا؛ فحتى عَرْض باراك إنما يشكّل نصيحةً تكتيكيةً لتجنُّب غضب الولايات المتحدة!

إنّ هذا يعني أنّ إيران قد ترى السير بالطريقة نفسِها التي سارت عليها، ونجحتْ فيها من وجهة نظرها منذ عام 2006، وتتلخص باستخدام "الحروب البديلة" عبر لبنان أو غزة، أو عن طريق التصعيد في العراق وأفغانستان. لكنْ إذا كان ذلك الأَمْرُ محتملا بالنسْبة لإيران، فهو أكثر وروداً بالنسبة لإسرائيل. هو أمرٌ محتملٌ وحسْب للجهة الإيرانية؛ لأنّ إيران تستطيع الانتظار لحين اتضاح خطوط التفاوض وآفاقه. ومع ذلك فهناك من يقول إنّ الحرب الأَصيلة أو البديلة لا تعودُ ممكنةً بعد بدء التفاوض؛ في حين قد تكونُ ذات فائدةٍ الآن، بحيث تعودُ مواقعُها من حول إسرائيل ورقةً مهمةً في التفاوُض والتبادُل.

أما الحرب البديلة بالنسبة لإسرائيل فهي أكثر وروداً لأنّها لا تستطيع مهاجمة إيران بدون الرضا الأميركي عن ذلك؛ وهذا الأَمر ليس متحقِّقاً الآن. فلا يبقى غيرالتذرُّع بأيّ ذريعةٍ لإنشاب الحرب االجوية ضد "حزب الله"، أو غزة، إلى جانب التلويح بورقة التفاوُض مع سوريا؛ في حين يستطيع الفلسطينيون أن ينتظروا ما داموا غير جاهزين الآن على أيِّ حال!

هناك إغراء بالحرب من الجهتين: من الجهة الإيرانية لتقوية المواقع في وجه العرب الكبار الذين تتحداهُم عَلَناً، وقد انتقلوا إلى مرحلة الإجابة المنسَّقة في الشهورالأخيرة. وفي وجه الولايات المتحدة التي اكتفتْ حتى الآن بدعوات الحوار والتفاوُض دون أن تتنازل عن رفض النووي والتهديد بزيادة العقوبات. أما من الجهة الإسرائيلية فلغياب الأُفُق السياسي الذي يمكن أن تطرحه إسرائيل ولو على سبيل التمويه والتأجيل وانتظار تغير الظروف.

إنّ هذه التقديرات تتجاوز حدود التخمين. لكنْ ينبغي توجيهُ النظر أيضاً إلى عوامل متعدِّدة لا تشجّعُ على الحرب من جانب أي طرف، وستحِّملُ الطرفَ الذي يخوضُها أعباء قد لا يكونُ بمقدوره تحمُّلها. هناك العاملُ الموضوعي المتمثّل في الأزمة المالية العالمية، والتي أرهقت على الخصوص كلا من إسرائيل وإيران. وقد دفع ذلك مدير المخابرات الإسرائيلية إلى تقديم تقرير لحكومته جاء فيه أنّ إيران ما عادت تستطيع تحمُّل النفقات الباهظة للنووي، وقد يتأخر برنامجها لسنوات! والواضحُ من هذا التقرير أو التقدير أنّ الضابط الإسرائيلي يريد أن يخفِّض من زخم الأصوات الداعية للحرب في الدولة العبرية. لكنّ ما لم يقُلْهُ الجنرال الإسرائيلي أنّ دولته أيضاً لا تستطيع خوض نزاعٍ جديدٍ تعتمدُ فيه على نفسِها بدون الدعم العسكري والاقتصادي الغربي. أمّا العاملُ الآخَرُ البارز فهو حالة الخمود المسيطرة على الأجواء الدولية بعد الاضطراب والغليان الذي أثارته الولايات المتحدة ثم إيران في المنطقة وعلى مدى سنوات. وقد حاولت إدارة أوباما أن تُحولَ هذا الخمود إلى أجواء إيجابية للتفاوض والدبلوماسية والوفاق. وهذا الأمر تشاركها فيه كُلٌّ من روسيا والصين، ليس بسبب الأزمة المالية العالمية فقط؛ بل ولأنّ المحيط الشرق أوروبي والشرق آسيوي من حول روسيا والصين يعجُّ بالمشكلاتٍ والنزاعات بعد الأزمة الجورجية وعودة التأزم الكوري. والمتغيّر الثالث هو "الإدارةُ الجماعيةُ" في المجالين المالي والاستراتيجي، والتي توشكُ أن تبرُزَ في الأجواء الدولية من خلال قمم العشرين، ومتغيِّرات مجلس الأمن؛ بحيث يصعُبُ على مَنْ يثير الحروب- باستثناء التنظيمات الثورية المعروفة- أن يلقى دعماً أو تغطيةً من أي جهة، في ظل الأوضاع القائمة.

هناك إذن مساراتٌ للدبلوماسية والتفاوض والتوافُق توشكُ أن تتكون وتسود. وتُقابلُها محاولاتٌ للتصرف على الوتيرة الاضطرابية لفترتي رئاسة بوش. ولدى سائر الأطراف استحقاقات وأعباء قد تدفعُها أو تدفع أحدها بهذا الاتجاه أو ذاك ؛ كما قال المتنبي:

على قلقٍ كأنّ الريح تحتي تحركُني يميناً أو شمالا