خبر رؤية كيسنجر لإدارة الصراع والتسويات ..إبراهيم غرايبة

الساعة 09:11 ص|26 ابريل 2009

ـ العرب القطرية 26/4/2009

يعرض كيسنجر في مذكراته تجربته في الحكم والإدارة الأميركية مع الرئيس الأميركي نيكسون عندما عمل معه مستشارا للأمن القومي ووزيرا للخارجية، وهي مرحلة من حياة كيسنجر تمتع فيها بنفوذ كبير، وقاد الدبلوماسية على نحو مؤثر جعله أهم وزير خارجية في تاريخ الولايات المتحدة.

وتنسب لكيسنجر نظرية استراتيجية ترتكز على ثلاث دعائم هي:

- كي يكون ثمة سلام، لابد أن تكون هناك تسوية قائمة على التفاوض يخرج منها الجميع في حالة توازن.

- القوة المنتصرة يجب ألا تسحق المهزوم أو تبيده، وإنما يجب أن تمنحه قدرا ومنفذا لسلام مشرف.

- أفضل ضمان للسلام هو التوازن.

كان مستشار الأمن القومي أول منصب تولاه كيسنجر في الحكومة الأميركية في عهد نيكسون الذي كان يراعي في اختيار موظفيه أن يكونوا مارسوا المهنة في الشؤون الخارجية والدفاع الوطني ومصلحة الاستخبارات، للاستفادة سواء من تجربتهم أو مساعدتهم حيال المواربات والمشاكل الديمقراطية، وشخصيات جامعية لامعة لديها آفاق مستقبلية واسعة.

وكان وزير الخارجية آنذاك روجرز -الذي يصفه كيسنجر بأنه كان قديرا- أكثر مما كان يوصف، ويملك فكرا تحليليا دقيقا جدا وإحساسا عظيما، ولكنه بحكم ثقافته القضائية فإن طريقته في حل المشاكل كانت أكثر واقعية، بينما كان كيسنجر يفكر على أساس استراتيجي وجغرافي سياسي يسعى لربط الأحداث ببعضها، وتأثيرها في بلد على أجزاء أخرى من العالم.

وفي رحلات نيكسون الأوروبية، لاحظ كيسنجر أنه يسعى لإنشاء عهد سلام جديد، فأعد دراسة قدمها لنيكسون مؤسسة على أن السلام إنما يقوم على عالم غربي مسلح ووحدة أطلسية استراتيجية، كما قدم له ملخصا عشية سفره إلى أوروبا يقول فيه: «أعتقد أن ديغول عرض فكرته عن مستقبل أوروبا على سومس (السفير البريطاني) بنفس التعابير التي أوردها الإنجليز تقريبا، وأن ديغول يسعى من أجل أوروبا موحدة ومستقلة عن الهيمنة الأميركية، ويأمل أن تشارك بريطانيا في هذا المشروع ليكون قائما على تعاون بريطاني وفرنسي، ولكنه يخشى خصوصية العلاقات البريطانية الأميركية».

وقال في مذكرته لكيسنجر «سيطلب منك إعطاء تعليقات حول ذلك، وأوصي بالتأكيد على التزامنا بحلف شمال الأطلسي، والتأكيد على مساندتنا للوحدة الأوروبية، بما فيها انضمام بريطانيا العظمى إلى السوق المشتركة، وتحديد أننا لن نتدخل أبداً في المباحثات الأوروبية الداخلية»، وقد حافظ نيكسون بالفعل وبدقة على هذه الخطة في محادثاته.

وفي علاقة أميركا بالاتحاد السوفييتي السابق في هذه الفترة، كان كيسنجر يركز على مجموعة من المبادئ التي تصلح لاتخاذها أساساً لطريقته في معالجة قضايا أميركية سوفييتية تمثلت في: مبدأ الواقعية، والتحفظ والاعتدال، والترابط والارتباط «الحوادث الطارئة وفي أماكن مختلفة من العالم».

وشهدت بداية السبعينيات انفتاحاً أميركياً على الصين، ويعتبر كيسنجر هذه الخطوة من أهم التحولات الاستراتيجية لأن هذا الانفتاح يمثل مكسباً حاسماً في بنية العلاقات الدولية، فإنهاء العزلة على الصين ذات المليار نسمة يجنب السلام العالمي تهديدا خطيرا، ويحقق أيضا ضغطا على الاتحاد السوفييتي، ولكنه أيضاً عملية معقدة لأن السياسة الخارجية الصينية يمكن أن تؤثر كثيراً على المجموعة الدولية.

وكان كيسنجر يعتقد أن علاقات ثلاثية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والصين ستكون لمصلحة السعي لإيجاد السلام، وأن العلاقة الأميركية الصينية آنذاك كانت برأيه توحي بالأمل بانتهاء حرب فيتنام المؤلمة، ولكن الصدمة التي تعرضت لها السياسة الأميركية نحو الصين كان وقعها عظيماً، وقادت إلى خلاف كبير مع الشعب.

وفي الاستراتيجيات الدبلوماسية كان كيسنجر يعتقد أن المهارة الدبلوماسية تقوم وتزدهر في ظل قوة عسكرية كبرى، وأن الدبلوماسية لا تستطيع سوى تنمية القدرة العسكرية.

وكان العالم في نهاية الستينيات يشهد توازنا استراتيجيا مرعبا، وكانت الأسئلة التي توجه التفكير الإستراتيجي الأميركي هي: كيف نستطيع ضمان استقلال وثقة البلدان المتحالفة المهددة من قبل أسلحة الاتحاد السوفييتي الأرضية؟ وأية استراتيجية يجب اتخاذها لاستخدام الأسلحة الأميركية النووية؟ وإذا حصلت حرب نووية- حرارية إبادية، فهل يكون استخدام الأسلحة النووية ممكناً؟

ويقول كيسنجر تعقيبا على هذا المشهد: «عملت أنا وفريقي استنادا إلى التأييد التام من الرئيس على إعادة النظر في العقيدة العسكرية بهدف التصميم والدفاع عن أهدافنا العسكرية ضمن مبادئ معقولة، وتعديل استراتيجيتنا بموجب حقائق جديدة، ومحاولة تخليص النزاع العام من كل رد فعل حساس».