خبر كتب ماهر رجا : عواصف المرحلة القادمة

الساعة 07:52 ص|26 ابريل 2009

كلما ردد الأميركون اليوم عبارة "انعاش عملية السلام " في المنطقة، رد الساكنون الجدد في مبنى رئاسة الوزراء في الكيان الصهيوني كلمة واحدة : إيران..

الواضح أن  الحليفين ليسا على موجة واحدة هذه المرة ـ حتى الآن على الأقل ـ  وربما كانت لغة الأجساد وإشاراتها كافية لإدراك ذلك، ففي الزيارة الأخيرة للمبعوث الأميركي جورج ميتشل إلى الكيان الصهيوني، تركه مضيفه ليبرمان بباب وزارة الخارجية بلا وداع لائق وسط ذهول الأخير وارتباكه الذي حمله معه في اليوم التالي إلى رام الله.

المشهد لم يكن في الحقيقة يحمل مفاجآت، فبواكير التصريحات الرسمية الصادرة عن الحكومة الصهيونية والتي أوضحت معالم أجندتها السياسية ، دفعت إلى السطح أولاً:

·        اختلافات بين حكومة نتانياهو وإدارة أوباما في موضوع تقدير الأولويات

في طريقة التعامل مع مصادر الخطر الإقليمي على أمن إسرائيل ومصالح أميركا في المنطقة. (وهي اختلافات ظهرت أصلاً بين حكومة أولمرت وإدارة بوش في أواخر أيامها).

·        وظهر ثانيا، قدر من التباين بشأن مآل التسوية السياسية مع الفلسطينيين،

وكيفية إدارتها ، وربما أيضاً اختلاف على التسميات أكثر من كونه اختلافاً على طبيعة الكيان الفلسطيني الذي يمكن أن تنتجه العملية السياسية.

 

استراتيجية حرب

ساعات قليلة لأوامر متوقعة بتوجيه ضربة إلى إيران.. بعد وقت من مغادرة ميتشل لرام الله وتل أبيب.. بعد أسابيع طويلة من الحرب على غزة ثم على حزب الله بوسائل أخرى..

هل نتحدث اليوم عن مرحلة عصف دراماتيكي للأحداث؟.. يبدو هذا متوقعاً ، لكنه ليس طارئاً بحيث يصح القول أنه نجم عن التغير السياسي في الكيان الصهيوني. فنتانياهو تسلم المدفع من أولمرت ساخناً بعد حملة "رصاص مصهور" على غزة، وخرج الأخير من مكتب رئاسة الوزراء وهو يهدد إيران بضربة عسكرية،  بل إن أولمرت سبق أن لوح مرات بالقوة النووية الاسرائيلية في وجه إيران. وفي يونيو الماضي قام مئات الطيارين الإسرائيليين بأداء مناورات عسكرية للتدريب علي ضرب إيران فوق البحر المتوسط . أما ملف المفاوضات مع الفلسطينيين فقد كان يراوح في ظل الحكومة الصهيونية السابقة داخل دائرة لعبة كسب الوقت الإسرائيلية فيما استمر تهويد القدس ومصادرة الأراضي واستكمال الحرب "الأمنية" على المقاومة في الضفة الغربية بإسهام كبير من السلطة الفلسطينية.

مع ذلك فإن المرحلة القادمة في المنطقة أو الشهور المقبلة في المنطقة مرشحة فعلاً لتسارع دراماتيكي في الأحداث بالنظر إلى أولويات الحكومة الصهيونية الجديدة التي ترى أن مفتاح العقد المستعصية يبدأ من إخماد ما تسميه بالخطر الإيراني، ثم مباشرة حروب أخرى أصغر على جبهتي غزة وجنوب لبنان يعتقدون في الكيان الصهيوني أنها ستكون أسهل بعد الانتهاء من خطر إيران..

ويتحرك موقف القاهرة على خط واحد مع الموقف الصهيوني في أولوية الخطر الايراني، ويقدم خدمة مجانية لحكومة نتانياهو التي تريد أن تهرب من أية ضغوط مفترضة لجهة السير في عملية التسوية، باتجاه المواجهة مع إيران . وطبعاً يعزز ذلك ما كشفته التايمز اللندنية والمصادر العسكرية الإسرائيلية ، حيث يعد الإسرائيليون القاعدة الميدانية كي يكون بإمكانهم القيام بالعملية العسكرية ضد إيران خلال ساعات، في حين يوفر ما تفعله القاهرة وبعض دول الاعتدال العربي،  الميدان السياسي الملائم عربياً لاستراتيجية نتانياهو ـ ليبرمان في استخدام وسائل القوة الصلبة في المنطقة.

المؤشرات تظهر أن العقل السياسي في حكومة نتانياهو يفكر اليوم على الشكل التالي:  إن التخلص مما يسمى بالخطر الإيراني وتأديب طهران بضربة عسكرية وإعادة برنامجها النووي إلى المراحل الأولى، سيمنح تل أبيب موقعاً أكثر قوة في نظر حلفائها وأعدائها.. ستجد واشنطن نفسها مضطرة إلى تخفيف الضغوط  على إسرائيل من أجل تحقيق مفهومها للحل على المسار الفلسطيني ، وستجد سوريا نفسها مع شعور بفقدان الامان أو عدم الثقة بعد إلحاق ضربة قاسية بحليفتها إيران،  وستكون الضربة رسالة لحماس والجهاد وحزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة لإعادة الحساب، أو مقدمة لحروب أخرى على جبهتي غزة وجنوب لبنان، وستفهم السلطة في رام الله أن عليها تقليص قائمة المطالب في المفاوضات وقضايا الحل النهائي.. وبكلمة أخرى فإن المناخ الميداني و النفسي الذي ستخلقه الضربة ضد إيران سيكون أهم أوراق القوة التي تدخل فيها تل أبيب إلى مسارات التسوية السياسية إن اضطرت إلى ذلك تحت إلحاح الإدارة الاميركية.

 

شراك سياسية بقفازات من حرير

لكن في مناخ المنطقة اليوم أيضاً  مزيد من الضباب السياسي الذي قد يستخدمه تحالف نتانياهو ليبرمان كغطاء من الوقت والمناورة .....

تحاول حكومة العدو الصهيوني اليوم أن تجسر بعض التباينات مع إدارة أوباما في واشنطن.. فبالنسبة لهذه الحكومة لا مجال لقبول ما يعرف بحل الدولتين حتى لو كان ذلك على سبيل المناورة كما هو الحال بالنسبة لقراءة أخرى لأسلوب التعاطي مع هذا الأمر في الكيان الصهيوني، وتحديداً كما هو الامر بالنسبة لحزب كاديما مثلاً الذي لا يختلف مع الليكود على رفض وجود دولة فلسطينية، ولكنه يفكر بالطريقة التالية: حسناً ، سنظهر موافقة على حل يصل إلى إقامة دولة فلسطينية، لكنها لن تكون دولة.. ستكون كياناً ممسوخاً نستخدمه لإجهاض الحقوق الفلسطينية.. أما الفلسطينيون فبوسعهم أن يسموا ذلك الكيان دولة أو حتى  امبراطورية لو أرادوا.

لقد دعا الأميركيون دعوا نتانياهو ومحمود عباس والرئيس المصري إلى البيت الأبيض للقاء نهاية الشهر. ومن المتوقع أن يطرحوا صيغة حل سياسي قائم على فكرة حل الدولتين.. وبحيث يبلورون برنامج جبهة للتسوية السياسية برعاية الولايات المتحدة في المنطقة في مواجهة قوى المقاومة وخياراتها السياسية..

وتتوقع السياسة الأميركية  من مصر أن تأتي من الحوار الفلسطيني بموقف فلسطيني موحد ينسجم مع الطروحات الأميركية، وشرطها الأساسي هنا قبول المقاومة بالاعتراف بالكيان الصهيوني والاتفاقات التي وقعتها السلطة والمنظمة معه. كما يتوقعون من عباس موقفاً أبعد.. فوفقاً لمصادر مطلعة، يأمل صناع السياسة في واشنطن أن  يحمل السيد محمود عباس معه تصوراً سياسياً لقضايا الوضع النهائي وأهمها موضوعا القدس واللاجئين، بحيث يلائم هذا التصور الحسابات الأمنية والسياسية الإسرائيلية ولا يبعد حكومة نتاياهو عن طاولة التفاوض... وأخيراًيتوقع الاميركيون من نتايناهو أن يأتي إلى واشنطن بموقف متجاوب مع الطروحات الاميركية، وأن يفهم أن فكرة حل الدولتين ستحقق حصاداً سياسياً تاريخياً للكيان الصهيوني وأميركا، إذ ستكون على حساب حق العودة والقدس، وستضمن مقولة يهودية الدولة في الكيتان الصهيوني، وستعزل إيران ، وستفتح الطريق أمام تسويةعربية إسرائيلية شاملة عبر مؤتمر دولي، قد يدعو الأميركيون له خلالأشهر.

لكن نتانياهو قد يكون مصغياً إلى موجة استراتيجحية أخرى.. إنه يرى ضرورة إعداد المشسد الميداني، عبر تحقيق انتصارات ميدانية، بتوجيه ضربات إلى إيران و وربما غزة ولبنان.. وبعد ذلك يصبح الطريق التسوية ممهداً لتحقيق الحد الأقصى من الشروط الصهيونية..

سيعيد نتانياهو في واشنطن طرح نقاطه السياسية الأثيرة: يهودية الكيان الصهيوني.. الخطر الإيراني ، والسلام الاقتصادي..

لكن خطيئة نتانياهو السياسية في هذه الحالة ستكون كبيرة.. ذلك أنه سيكون عندها كمن لا يعلم ان كل ما يريده من تلك النقاط،  تحققه الاستراتيجية الاميركية بكفاءة .. إنما بقفازات من حرير!