خبر دكتور مازن النجار يكتب : حل الدولتين خيار عقيم لإنقاذ المشروع الصهيوني (2)

الساعة 10:30 ص|24 ابريل 2009

حل الدولتين خيار عقيم لإنقاذ المشروع الصهيوني

تقول الدكتورة نادية حجاب، الباحثة بمؤسسة الدراسات الفلسطينية، أن كابوس إيهود أولمرت قد أصبح أخيراً قريب المنال. فهو لا يواجه تهم الفساد فحسب، بل أخذت تتحقق مخاوفه من أن يتخلى الفلسطينيون عن تبني حل الدولتين لصالح النضال من أجل حقوق متساوية في دولة واحدة، وهذا يعني له: "نهاية الدولة اليهودية". ويبدو أنه محق في ضوء تنام الحركة الفكرية والسياسية الداعية لحل الدولة الواحدة.

 

هذا الخيار ينهي الصراع في المنطقة، ولا يمثل تهديداً وجودياً لأي جماعة عرقية أو دينية. وقد أصبحت شخصيات يهودية عديدة جزءاً من هذا الحراك المتنامي والكثيف باتجاه حل تاريخي يصحح وضعاً خاطئاً لا مبرر تاريخياً لاستمراره.

 

فقد شهدت جامعة ماساتشوستس الأميركية في بوسطن منذ أسبوع مؤتمراً شهده عدة مئات من المشاركين، وضاقت القاعة عن مئات أخرى، لم يجدوا مكاناً للجلوس، كان ثلث المتحدثين بالمؤتمر من الشخصيات اليهودية الأميركية أو الإسرائيلية. وهذا هو اللقاء الثاني من نوعه بعد اللقاء الأول الذي عقد في لندن بشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وسيكون هناك لقاء ثالث قريباً في تورونتو بكندا، بعد شهرين في يونيو/حزيران المقبل.

 

كان منطلق وأساس النقاش في المؤتمر هو إحقاق مبدأ المساواة في الحقوق بين الناس في الدولة الواحدة، بصرف النظر عن أديانهم أو نوعهم أو خلفياتهم الإثنية والثقافية. هذا المبدأ هو النقيض التام للمشروع الصهيوني الذي يميز بين البشر على أساس ديني وعرقي، كما كان النقيض التام لنظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، والذي واجهته الحركة الوطنية الأفريقية بشعار: إنسان واحد بصوت واحد: “One Man, One Vote”. وهذا ما يستحيل تحقيقه في إطار حل الدولتين، وفي إطار قومية صهيونية مخترعة ووطنية فلسطينية مختزلة من التحرير والعودة لدولة هزيلة.

 

فحتى لو قامت الدولتان، لا يمكن لإسرائيل الاستمرار كدولة تحابي مواطنيها اليهود على حساب غيرهم. وسواء وقع حل الدولة الواحدة أو الدولتين، سيعني مبدأ المساواة نهاية مفهوم الدولة اليهودية. من ناحية أخرى، هناك تحديات حيوية أخرى تواجه السلطة الفلسطينية حول كيفية إبقاء الفلسطينيين "مادياً" على أرض فلسطين، وكيفية الوقوف المؤثر وغير العنفي بوجه قيادة فلسطينية، تمثل بأحسن الأحوال ربع الشعب الفلسطيني، وذلك لمنعها من شطب الحقوق الفلسطينية.

 

في هذا السياق، حذرت فيليس بنيس في المؤتمر من أن الولايات المتحدة قد تسعى لفرض دويلة (mini-state) فلسطينية، بأقل ما يمكن من السيادة والحقوق. ولهذا أبرز بعض المتحدثين بالمؤتمر مظاهر القوة اللاعنفية المتاحة أيضاً للشعب الفلسطيني، بما فيها القوة الاقتصادية والأخلاقية والثقافية والقانونية والسياسية.

 

ولفت آخرون إلى دور ممارسات العنف والاقتلاع الصهيوني والتدمير الهائل الذي توقعه آلة الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين (كما في غزة مؤخراً) في تعزيز الغضب الأحقاد المريرة لديهم، وتوريط يهود إسرائيل أيضاً في جرائم حرب كبرى تجعل الصراع والنفي والإبادة خيارهم الوحيد، مما يغلق المجال أمام حل الدولة الواحدة. من جهة أخرى، يستثمر الاتجاه السياسي الفلسطيني المراهن على خيار "الدويلة" الفلسطينية هذه المآسي لتعميق مشاعر الانطوء على الذات والعزلة العدمية لدى الشعب الفلسطيني، وترذيل وشائج العروبة والإسلام، ودفعه نحو حل سياسي ينقض حقوقه الشرعية الثابتة، وينقذ المشروع الصهيوني من أزمته، بل ويتولى تأمينه ضد المقاومة.

 

لذلك، اقترح بعض المتحدثين بالمؤتمر تكثيف لقاءات النخب والجماهير العربية بالجماعات والشخصيات اليهودية المناهضة للصهيونية، لإيجاد حدود واضحة وفاصلة بين اليهودية والصهيونية، ونزع القناع الديني (القداسة) عن مشروع عنصري استيطاني إحلالي في خدمة الإمبريالية الأنكلوسكسونية. وإحياء الخبرة الحضارية العربية الإسلامية الراسخة في التسامح والتعدد والتنوع الثقافي والديني والإنساني، والتي عاشت في ظلها الطوائف والجماعات اليهودية، من الأندلس إلى تركستان، أزهى عصورها بشهادة وزير خارجية إسرائيل الأسبق أبا إيبان، ومؤرخون يهود كثيرون.

 

أشار متحدثون آخرون في ذلك المؤتمر إلى ضرورة مشاركة اليهود الإسرائيليين بفعالية في هذه الرؤية، لأن مفهوم الدولة الواحدة، كما عبر الدكتور هاني فارس رئيس معهد الدراسات العربية (TARI) ببوسطن، لا يمكن أن يطير إلا بجناحين: فلسطيني ويهودي. وهذا صحيح.

 

لذلك، لا يمكن إقناع اليهود بتبني هذا الحل إلا إذا أصر الفلسطينيون على استرداد حقوقهم المشروعة كاملة وإنهاء الصراع إلى الأبد؛ وهذا لا يتحقق إلا باستمرار كافة أشكال المقاومة المشروعة، وإسقاط الحل العنصري للقضية والقائم على حل الدولتين، ومعه إسقاط مصداقية المشروع الصهيوني كحل للمسألة اليهودية في السياق الأوروبي العنصري الاستعماري ...

 

 

حل الدولتين صورة أخرى من الاحتلال والتبعية الاقتصادية

في مقال نشر لها مؤخراً، كشفت لما أبوعودة أستاذة القانون بجامعة جورجتاون بواشنطن، وجهاً جديداً للتصور الشائع لحل الدولتين. فهذا الحل سوف يدفع بالشعب الفلسطيني إلى مأزق التبعية الاقتصادية للكيان الصهيوني إلى الأبد، ويدخله إلى الفقر والفاقة على نمط ما يعرف بالاستعمار (الكولونيالية) الجديد، إضافة إلى الخضوع لحكم نخبة شرهة للمال والسلطة على نحو غير مسبوق. ولفتت أستاذة القانون إلى أن المفاوضين الممثلين لمنظمة التحرير الفلسطينية يرتكبون نفس "الخطيئة" التي وقعت فيها قيادات حركات وطنية أخرى التي فاوضت لتحقيق استقلال يبرز التطلعات القومية، وأخفقت تماماً في إنجاز المصالح الاقتصادية، بكل ما يعني ذلك لاحقاً من فقر وحرمان وإذلال وفشل ذريع للدول حديثة الاستقلال.

 

ينطلق تفكير الطبقة السياسية الفلسطينية وما يسمى أيضاً بالشرعية العربية والشرعية الدولية من أن حل الدولتين هو الخيار الأكثر تعبيراً عن التطلعات القومية للفلسطينيين من جهة والإسرائيليين من جهة أخرى. وهنا المفارقة الكبرى: فمن أجل تحقيق "تطلعات قومية" فلسطينية ينبغي للشعب الفلسطيني التنازل عن أربعة أخماس أرضه وبلاده وحقوقه؛ رغم أن جوهر الوطنية الفلسطينية بالأساس هو تحرير الأرض واسترداد التراب وهي أيضاً رافد من الحركة القومية العربية القائلة بحرية العرب واستقلالهم ووحدتهم أو تضامنهم؛ ورغم أن جوهر القومية اليهودية الصهيونية، كمشروع استيطاني إحلالي بالأساس، هو إنكار وجود الشعب الفلسطيني واقتلاعه واغتصاب أكبر قد ممكن من الأرض بدون أهلها. بذلك، يصبح قيام الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين هو أفضل تجسيد على الأرض لقومية يهودية مصطنعة في الأصل، وليس لها في الحقيقة مقومات قومية ذاتية، بقدر ما هي أيديولوجية حصرية عنصرية صراعية طاردة. هذه القومية الصهيونية في أحد تجلياتها الحصرية تقتضي التخلص من مليون ونصف المليون عربي فلسطيني داخل الخط الأخضر، وترحيلهم مستقبلاً إلى الكانتون (البانتوستان) الفلسطيني بصرف النظر عن مسماه.

 

في سياق برنامج النخبة السياسية الفلسطينية، تحولت البرنامج الوطني من تحرير الأرض واسترداد الحقوق في كامل فلسطين التاريخية إلى القبول بإقامة "سلطة وطنية فلسطينية" على أي منطقة، من الأراضي التي احتلت في 1967، عندما ينسحب منها الاحتلال الإسرائيلي. ثم تراجع البرنامج أكثر في اتفاقات أوسلو، ليصبح سلطة حكم ذاتي تحت سيطرة  الاحتلال التامة وبقرار منه، وتعاون أمني كامل وفقاً لمصالحه وتصوراته الأمنية.

 

وهكذا نبذت القيادة الفلسطينية أحد أهم صور الكفاح الضاغطة على الاحتلال، واعتقلت أكثر من ثلاثة ملايين مواطن فلسطيني في الضفة وغزة داخل كانتون للفصل العنصري، وأعفت الاحتلال من حقوقهم السياسية والمدنية، وحافظت على ديمقراطية يهودية شبه خالصة، وأقرت نظاماً اقتصادياً كولونيالياً يقسم العمل والثروة بين المستوطنين الصهاينة وبين أهل البلاد على نسق الاقتصاد الاستعماري في أفريقيا جنوب الصحراء وجزر الكاريبي وجمهوريات الموز والهند الصينية في القرنين الماضيين. وهكذا أيضاً حلت أزمة المشروع الصهيوني الأبرز، كما عبر عنها منذ عقود يهوشفاط هركابي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة العبرية ورئيس الموساد الأسبق. لخص هركابي الأزمة بأن إسرائيل لا تستطيع الاحتفاظ بأكثر من اثنين فقط من بين ثلاثة عناصر: الدولة اليهودية، والديموقراطية، والأراضي المحتلة منذ يونيو/حزيران 1967 بما فيها من سكان.

 

وألقى هركابي وقتها باللوم على الصهيونية الجديدة التي طرأت بعد احتلال الضفة وغزة، وشرعت تحت قيادة حزب العمل في بناء مستوطنات يهودية متجاورة أو متداخلة سكانياً مع الكتل السكانية العربية، وتخلت عن المبدأ الصهيوني الأقدم والقائل بعزل مناطق المستوطنين الصهاينة عن التجمعات السكانية العربية، بقدر الإمكان، لخلق واقع استيطاني قابل للاستمرار بتكاليف دفاعية معقولة وأعباء أمنية محتملة، ويحقق للمستوطنين المهاجرين الشعور بالفرادة والعزلة الشعورية والاجتماعية اللازمة لإعطائهم الإحساس بمعنى الريادة المثالية الرومانسية أو ارتياد الأرض البكر والوطن الحلم الخالص لهم، وبأقل قدر من الأغراب أو "الأغيار" في هذه الحالة. لكن فات هركابي أن رومانسية المشروعات الاستيطانية لا تدوم طويلاً، لأنها بطبيعتها مشروعات توسعية قائمة على مركزية أوروبية مادية تقتضي غزو ونهب العالم بدون حدود تعظيماً للفائدة والربح والمصلحة، وغزو الآخر واقتلاعه، وربما إبادته إذا ما اعترض طريق الاستيطان والنهب.

 

لا يقتصر الاحتلال الصهيوني على اغتصاب الأرض واقتلاع أهلها مباشرة، فهو حالة أكثر تعقيداً وبنية أكثر تركيباً من ذلك. إذ تتعدد تجلياته وصور تعبيره عن ذاته، وبشكل يبدو تلقائياً أحياناً، وكلما زادت كفاءة العملية الاستيطانية، كلما خرج المشروع عن زمام السيطرة السياسية أو الأيديولوجية، وأصبح مؤسسة أو دينامية بذاته، منفصلاً عن طبيعة وخصائص مختلف الحكومات والأحزاب والتحالفات، ومكتسباً زخماً ذاتياً بنيوياً متعاظماً، ومتجسداً في سياسات وقوانين وتشريعات واستراتيجيات وتنظيمات عسكرية وأمنية وتسليحية واستخباراتية وتوجهات قضائية وقانونية وبلدية.

 

في ضوء التغلغل العميق للمستوطنات وشبكة الطرق الرابطة بينها، والمسارات الالتفافية الأخرى عبر الأراضي المحتلة، والسيطرة العسكرية التامة على سماء وأجواء الأراضي الفلسطينية، والشبكات المكثفة للحواجز العسكرية والأمنية على الأرض؛ تصبح هذه المناطق الفلسطينية بقعاً متناثرة من المراكز السكانية. تخضع حدود هذه المناطق لسيطرة إسرائيلية كلية، وهناك ارتباط تام للاقتصاد الفلسطيني باقتصاد إسرائيل؛ مما يصدع بل يصرخ بحقيقة أن الشعب الفلسطيني هناك بكامله تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، وأن الأفراد الفلسطينيين هم سكان مقيمون داخل "الدولة الصهيونية"، بل ويوجدون ضمن نظام يضمهم (أرضاً وسكاناً) لإسرائيل بحكم الواقع الفعلي، ولكن دون حصولهم على حقوق المواطنة المترتبة على هيمنة إسرائيل التامة على أرضهم وحياتهم.

حل الدولتين خيار عقيم لإنقاذ المشروع الصهيوني

أستكمل اليوم ما بدأته الأسبوع الماضي حول قضايا طرحت مؤخراً بمؤتمر جامعة ماساتشوستس في بوسطن حول حل الدولة الواحدة وعقم خيار الدولتين، وكان هو اللقاء الثاني من نوعه بعد اللقاء الأول الذي عقد في لندن بشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وسيكون هناك لقاء ثالث قريباً في تورونتو بكندا، بعد شهرين في يونيو/حزيران المقبل.

 

من القضايا المثارة افتقاد الصوت اليهودي المتناغم أو المتراص، وهذا يظهر أيضاً في وجود "عدد غير متناسب من اليهود" ضمن حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومعاقبتها، حتى تتحقق حقوق الإنسان الفلسطيني.

 

من جهة أخرى، أشارت عدة شخصيات يهودية إلى دور الصهيونية في تخريب قيم الدين اليهودي، وسلطوا الضوء على خطابات (يهودية) بديلة. فمثلاً، أوري بن دور فيلسوف القانون، يعتبر أن الصهيونية اعتدت على الذاكرة اليهودية، وأساءت لفحوى الرسالة الإنسانية للهولوكوست. ويقول المؤرخ نورتُن مزڤنسكي أن الفلسطينيين والعرب الآخرين ليسوا الضحايا الوحيدين للصهيونية.

 

المؤرخ غابرييل پتربرغ اعتبر أشعار الشاعر الراحل آفوت يشورون نموذجاً لمزج السرديات والهويات من خلال تركيب لغة الشعر العربية والإديش في الشعر العبري المعاصر. أما عالم الأنثربولوجيا سمادار لاڤي، فقد وجد أن الكفاح المشترك بين اليهود من أصل عربي والعرب الفلسطينيين ضد الاضطهاد يقدم طريقاً للخروج من مأزق الصهيونية باتجاه التعايش. المؤرخ الإسرائيلي المعروف، ومؤلف كتاب "التطهير العرقي ضد الفلسطينيين"، أشار إلى مشروعات ملموسة على أرض الواقع، مثل روضات أطفال مشتركة، لأجل نقض المشروع الصهيوني.

 

رأى جميع المتحدثين تقريباً أن المشروع الصهيوني الذي اقام دولة حصرية (لليهود) هو جذر المشكلة، وناقشوا سبلاً للتصدي لهذه المشكلة، وكان ذلك أحد أهم جوانب المؤتمر.

 

اقترحت داعية حقوق الإنسان، نانسي موريه، وغيرها أن يتم تقديم الهجوم على غزة في سياق الكيفية الحصرية التي أقيمت بها إسرائيل، ولفت الإنظار إلى أوجه الشبه بين خطاب الدولة الواحدة وبين القيم الأميركية الستقرة.

 

أحد الصهاينة القلائل الذين تحدثوا بالمؤتمر، وربما هو الوحيد، كان نائب عمدة القدس السابق، ميرون بنڤنستي، الذي جاء ليدفن الصهيونية لا ليمتدحها. قال بنڤنستي، كنت صهيونياً أريد دولة يهودية، لكن هذا الخيار قد نقض. فالدولة الواحدة حقيقة قائمة. السؤال الوحيد هو أي دولة ستكون!

 

بيد أن الكثيرين الذين انتقدوا إطار حل الدولتين السياسي، اعتبروه حلاً لإنقاذ الصهيونية، كما حاجج نديم روحانا جيداً.

 

كانت الموضوعة المشتركة تحذيراً عاجلاً بأن الاعتداءات الإسرائيلية المستقبلية لا يمكن استبعادها. ولفت إيلان پابيه ونادية حجاب إلى قرار المحكمة الإسرائيلية بالسماح لعشرات الإسرائيليين المتطرفين، الذين ينتمي زعيمهم لحزب إسرائيلي محظور، بمسيرة [استفزازية] في بلدة أم الفحم العربية الواقعة بداخل "الخط الأخضر"، بحراسة آلاف من أفراد قوات الأمن الإسرائيلية المدججين بالسلاح.

 

يعتبر هذا صدى مخيف لإصرار أرييل شارون على السير في المسجد الأقصى في 2000، وكان الشرارة التي أطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومهدت السبيل لسحق السلطة الفلسطينية بوحشية في 2002. إنها حدث مقلق جداً، خاصة في سياق الدعوات الصاخبة لنقل (ترانسفير) السكان العرب في إسرائيل أو حرمانهم من الجنسية، وكان أعلى الأصوات صوت وزير خارجية إسرائيل الجديد، أڤيغدور ليبرمان.

 

إحدى الموضوعات الرئيسة بالمؤتمر كانت الحاجة إلى إعادة تشكيل الجسم السياسي الفلسطيني. وعرضت الدكتورة كرمة النابلسي لجهود واستراتيجيات راهنة في سياق مراجعة وجدت أن الخطاب المتصل بحلول الصراع قد خرج عن المسار، وتخلى عن الإرادة الفلسطينية الجماعية، واستبعد الناس كمصدر للشرعية والسيادة.

 

أشار مشاركون كثر لضرورة الانتقال من مناقشة مفهوم "الدولة الواحدة" إلى استراتيجيات محددة بشأن كيفية الوصول إليها، ليس فقط لتناول الجوانب المجهولة في الفكرة بل والمعارضة القائمة بين كثير من الفلسطينيين والإسرائيليين وبقية العالم. وكما قال أستاذ القانون جورج بشارات، ينبغي لدعاة الدولة الواحدة معالجة "صورة الدولة الواحدة التي يقال أنها طوباوية وغير قابلة للتحقق".

 

نوّه الدكتور أسعد غانم بأن الفكرة بصراحة لا تزال عند سؤالها الأول. فالدولة اليهودية والدولة الإسلامية وخيار الدولتين كلها تحظى بدعم جماهيري أكثر من "الدولة الواحدة". هناك أسئلة صعبة: من هم مواطنو الدولة الواحدة، إسرائيليون أم فلسطينيون؟ كيف ستكون علاقتها بالدياسبورا اليهودية والحركة القومية العربية؟ كيف يمكن إقناع الفلسطينيين والإسرائيليين بأنها ستوفي باحتياحاتهم؟

 

من ناحية أخرى، اعتبرت الناشطة الدكتورة غادة الكرمي أن أفضل رؤية لحل الدولة الواحدة تجعل النقاشات الأخرى البديلة "عقيمة".

 

فمن ذا الذي يدافع عن خيار الدولتين اليوم؟ السلطة الفلسطينية، التي تغدو كل يوم أضعف من سابقه إزاء عقود طويلة من هدير البلدوزرات الإسرائيلية وهي تغتصب أرض فلسطين وتهدم منازل الفلسطينيين.

 

الواقعيون في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل الذين تتمحور حجتهم حول أن قيام الدولة الفلسطينية هو السبيل الوحيد لإنقاذ دولة ذات أغلبية يهودية، هي حجة لا توصل إلى شيء.

 

يبدو أن قطار حل الدولة الواحدة قد انطلق، رغم كل الهذر واللغط الذي يطلقه السياسيون والإعلاميون يومياً حول محاسن وضرورة حل الدولتين، والذي تأكد مراراً وتكراراً أنه وهم كبير سيضيع بانتظاره ما تبقى من فلسطين. لكن مفتاح الحل كله سيبقى في استمرار النضال والتمسك والإصرار على حق العودة الذي تذكرنا به كل يوم وثائق ملكية ومفاتيح منازل اللاجئين الذين اقتعلوا منها منذ ستة عقود، لكنها مستقرة في الأرواح والضمائر والقناعات.