خبر في خيمة ماهر..معاريف

الساعة 09:26 ص|24 ابريل 2009

بقلم: شلوم يروشلمي

كل الصراع اليهودي – الاسلامي، والاسرائيلي – الفلسطيني صب في يوم الاثنين مساء في خيمة نصبت في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. الشيخ عكرمة صبري رئيس المجلس الاسلامي الاعلى والمطران عطاالله حنا رئيس الكنيسة اليونانية الاثوزكسية في المدينة جلسا هناك مع العائلات التي رحلت من منازلها المجاورة في الحي او التي يخيم فوق رأسها خطر الاوامر بالترحيل. هذان القائدان اجريا نقاشا دينيا معمقا وهاجما محاولات الحكومة تهويد الحرم وشرقي المدينة، ولكنهما سمعا ايضا ادعاءات حول وضع السلطة الفلسطينية. "على الجميع ان يتحدوا السلطة وفتح وحماس والا فلن نصل الى شيء" قالت فوزية الكرد.

الكرد تقطن من ابناء عائلتها في خيمة مجاورة اصغر بكثير وفوقها لافتة كبيرة "فليتوقف التطهير العرقي" بجانب صورة السجناء الفلسطينيين، من مواطني القدس. قبل نصف عام رحلت من منزلها المجاور الذي قطنت فيه منذ عام 1956. المحاكم قررت بان المبنى القائم فوق مغارة شمعون الصديق يعود من الماضي للجنة الطائفة السفارادية. في منزل الكرد تقطن اليوم عائلة بورشتاين. عائلتان عربيتان اخريان حانون والشاوي تنتظران بقلق قدوم عناصر الشرطة الذين قد يأتون في كل يوم لترحيلهم من هناك. ماهر حانون رب الاسرة يقول انه قد نسي النوم.

الكرد وحانون يستقبلان بالترحيب الشخصيات الجماهيرية ونشطاء حركات اليسار الذين يعيشون في منزلهم وفي الخيام من اجل المساعدة في كفاحهم المتوقع ضد الاخلاء ولكنهم يعرفون ان داعمهم الحقيقي هو براك اوباما رئيس الولايات المتحدة. الخلاف حول هذا المبنى قد خرج منذ زمن من حدود الشيخ جراح. هيلاري كلينتون التي عبرت عن الاحتجاج بهدم المنازل في شرقي المدنية ارسلت ممثل القنصلية الامريكية الى الخيمة في ايام زيارة المبعوث جورج ميتشل الى البلاد. المسالة ستطرح بالتاكيد خلال زيارة بنيامين نتنياهو القريبة لواشنطن في التاسع عشر من ايار. "هذه ليست مسالة وطنية فقط هذه عدم عدالة انسانية". يقول الاب عطاالله حنا. الرد الاسرائيلي في الوقت الحاضر يعبر عن قلق بسيط فقط. في ديوان رئيس الوزراء يقولون ان المنازل في شرقي المدينة تثقل على النقاش السياسي الا انها ليست في مكانة مرتفعة في سلم اولويات الامريكيين. رئيس بلدية القدس نير بركات يضيف بانه قد اوضح للامريكيين بان هدم المنازل واخلاؤها سيتواصل كلما قرر القانون ذلك.

كلام بكلام

الامر الصحيح هو ان دائرة رئيس الوزراء ومكاتب وزراء هامين اخرين قد سلمت منذ زمن بالخطاب الجديد للادارة الامريكية. رئيس الوزراء نتنياهو يعيش في العادة خصوصا منذ كارثة ابراج التوائم، مع افتراض بان اليهود هم الاخيار والمسلمين هم الاشرار. هو على قناعة بان الجمهور الامريكي لا يميز في نظرته للعالم الاسلامي واسرائيل ستخرج دائما رابحة من ذلك. الامر الان مختلف. اسرائيل التي اعتادت على عداء الرئيس السابق جورج بوش الايديولوجي والديني للعرب، تحصل الان على رئيس يتقرب من ملك السعودية ويتوجه للتفاوض الدبلوماسي مع ايران واحمدي نجاد ويستقبل قادة الدول العربية قبل غيرهم. الارباك ان لم نقل خيبة الامل ليس مخفيا تقريبا.

الامل هو ان لا يغير هذا السلوك التحالف الاستراتيجي القوي بين الدول وان الواقع الذي تفرضه ايران سيصب في اخر المطاف في مصلحة اسرائيل. سياسي بارز مقرب من نتنياهو يحلل الوضع على هذا النحو: "اوباما يريد اظهار قربه من المسلمين وهو يسعى للبرهنة بان اسرائيل لا تحظى بالافضلية. هو لا يريد ان يروه وهو يعانقنا. هو لا يريد ان يظهر وكأنه في جيب اسرائيل. بنيامين نتنياهو لن يخرجه من محاضرة في فيلادلفيا في منتصف الحرب كما فعل اولمرت مع بوش حتى يغير تصويت الولايات المتحدة في مجلس الامن".

"هذه مجرد كلمات في اخر المطاف" يواصل المقرب. "من حيث الجوهر الرئيس يولي الاهتمام بامن اسرائيل والعلاقة القوية بين الدولتين. بامكان اسرائيل ان تستخدم الواقع على الارض واخفاق المفاوضات حتى اليوم والبرهنة على انه ليس من الممكن التقدم في ظل وضع الانشقاق القائم في السلطة الفلسطينية. توجه نتنياهو هو السير وفق مسار اقليمي ومفاوضات اكثر شمولية وايجاد صيغة تجسر الهوة بين الاطراف في قضية الدولة الفلسطينية. هذا سيكون ملائما لاوباما الذي يرغب بالحفاظ على علاقة جيدة مع المسلمين".

في يوم الثلاثاء مساء استقبل الرئيس اوباما في البيت الابيض عبدالله ملك الاردن. في داخل الغرفة البيضاوية عبر عن رسالتين. الادارة تخرج عن اطوارها من اجل تأييد الخطة السعودية. كما ان الادارة لن توافق على وضع التسويف او كما قال اوباما بلغته الحازمة "ليس من الممكن التفاوض الى مالا نهاية". هذه الكلمات تبدو وكأنها دعوة للمجابهة. نتنياهو يكره الخطة السعودية التي تعني العودة الى خطوط حزيران 67. بديوانه يتحدثون بقلق عن سندروم ستوكهولم الذي يميز المخطوفين الذين يتماهون مع خاطفيهم. "نحن في ظل الحصار وفجأة نتماهى مع حصار خصومنا؟" يتساءل المقربون.

نتنياهو يعارض بشدة خارطة الطريق ايضا. هو يتحفظ من كل ما يتعلق بفكرة الدولتين لشعبين. الدولة الفلسطينية كانت وما زالت في نطره خطرا استراتيجيا وديموغرافيا كبيرا. "هذه خطة مليئة بالاخطاء" يقول اتباعه. "كل شيء بني على عجل وتحت الضغوط الفلسطينية. روبرت سيكلون رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط كتب منذ تشرين الاول 2002 بان خريطة الطريق هي فشل منطقي كبير". نتنياهو يعرف جيدا ماذا يعني الضغط الامريكي المكثف. وهو يذكر من ولايته السابقة ذلك. مقربوه يقولون ان الوضع مختلف الان.

تحالفات عمل جديدة

إذا ما الذي سيحدث؟ في يوم الاربعاء قدم الى اسرائيل عمر سليمان وزير المخابرات المصري. هو التقى مع نتنياهو وباراك والرئيس شمعون بيرس وحتى مع وزير الخارجية افيغدور ليبرمان. رئيس الوزراء ان اعتمدنا على تقييمات الوضع في ديوانه، يعتبر الزيارة بحد ذاتها وفي هذه الفترة تحديدا تعبيرا عن تغييرات تاريخية "مذهلة" يتوجب على اسرائيل ان تستغلها فورا في المجال السياسي. في السنوات الخمسينيات والستينيات شعرت اسرائيل بالحصار وبحثت عن حلفاء جدد خارج دائرة العداء المحيطة بها وتوجهت الى اثيوبيا وايران وتركيا. في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات نجحت اسرائيل باختراق الجدار السوري السني من خلال السلام مع مصر والاردن والمغرب وتونس ودول الخليج.

اليوم توشك ايران الشيعية على التحول الى دولة نووية عظمى وفي مواجهتها معسكر سني ضخم تعتبر اسرائيل جزءا لا يتجزأ منه. اسرائيل تجد نفسها كتفا الى كتف مع مصر والسعودية والاردن وقطر ودول سنية اخرى. المصلحة في مواجهة ايران توحد وتبلور فرصا غير عادية. نتنياهو ومستشاروه المقربون يتحدثون في الاطر المغلقة عن "تحالفات عمل" جديدة. زيارة سليمان واللقاء الودي مع ليبرمان الذي وعد ذات مرة بقصف سد اسوان كان تعبيرا استثنائيا عن الواقع الذي تطرح فيه الترسبات جانبا من اجل المصلحة المشتركة.

كما ان الاشتقاق السياسي من ذلك واضحا. في الايام التي يتحدث فيها الجميع عن ايران، تزاح المسالة الفلسطينية جانبا. رئيس الوزراء يعتقد ان التركيبة الثنائية بينن اسرائيل والفلسطينيين قد فشلت وان هذا الوقت الملائم لاستغلال التحالف الاقليمي الجديد والاستعداد لسلام اقليمي بين الدول. في عالم التجارة هناك اتحادات بين الشركات كما يقولون في ديوان نتنياهو وما لا يمكن لشركة وحدها ان تفعله يستطيع الاتحاد ان يقوم به. الامريكيون يدركون هذه اللغة جيدا.

انسجام مدهش وواضح

هناك ثلاثة مراكز قوة في الدولة تعمل بدأب لاعداد الخطة التي سيطرحها نتنياهو في اخر المطاف على براك اوباما، بعد ان طلب تأجيل الزيارة لواشنطن قدر المستطاع: نتنياهو وديوانه والرئيس شمعون بيرس وايهود باراك وافيغدور ليبرمان. لو ان الامر اعتمد على بيرس كثيرا لدعت اسرائيل غدا الملك عبدالله ملك السعودية وحافظ الاسد وقادة عرب اخرين للتوقيع على الخطة السعودية. اسرائيل كانت ستنسحب لخطوط حزيران 67 ولو ابقت بحوزتها الكتل الاستيطانية وعوضت الفلسطينيين بمناطق بديلة اخرى. بيرس مستعد لتقسيم القدس بين اسرائيل والفلسطينيين بين السلام والتنازل عن السيادة الاسرائيلية في جبل الهيكل. بيرس يدفع بافكاره هذه بلا كلل. في يوم الثاني من العيد سافر الى منزل نتنياهو في قيسارية وجلس معه لساعات. كما ان بيرس يحافظ على التزاوج الجديد بين نتنياهو وباراك. باراك نفسه مستعد لقبول الخطة السعودية مع تحفظات كثيرة ويطلب ادخال سوريا للصورة ومستعد للتوصل لتسويات معمقة مع الفلسطينيين. ليبرمان ليس مستعدا للسماع باسم الخطة السعودية لانها تسعى للوصول لتسوية دائمة من دون السيطرة على العملية وفيها ذكر لحق العودة.

في المحادثات المغلقة يكون ليبرمان اكثر سخاء في قضية الدولتين رغم الانطباع المتصلب الذي يعبر عنه نحو الخارج في الاطر الواسعة.

نتنياهو يقوم بالجمع بين المواقف ويأخذ عنصرا من كل واحدا ليبني خطة سياسية جديدا (هو لا يسميها خطة سلام) تواجه المطالب الفلسطينية. وهذه القضية ليس لدى نتنياهو استعداد للتنازل. المواجهة مع اوباما ستكون حول عدة مسائل جوهرية. نتنياهو سيطالب الفلسطينيين بالاعتراف بالدولة القومية لليهود وسيطلب مسبقا بان يكون الكيان الفلسطيني (لن تسمعوا كلمة دولة منه) منزوع السلاح من دون مجال جوي ومجردا من القدرة على عقد الاتفاقيات وستكون لاسرائيل سيطرة على المعابر. هو سيكون مستعدا لاعطائهم صلاحيات سياسية واقتصادية او تربوية فقط. "انا لا اعرض شقة من خمسة غرف حتى آخذ من المشتري غرفتين بعد التوقيع على الاتفاق" يقول نتنياهو لاتباعه. "انا اعرض مسبقا ما يمكنني ان اعطيه. ان كانت هذه ثلاثة غرف او اثنتين فقط". معارضو نتنياهو على قناعة بانهم يعيدوا الدولاب الى بداية الالفين. والنتيجة العنيفة ستكون مسألة لا مفر منها.

تاريخ العلاقات بين اوباما ونتنياهو القصير لا يبشر بالسوء تحديدا. هما التقيا مرتين في الماضي مرة في عام 2007 في ديوان المدير العام في مطار واشنطن. نتنياهو كان رئيس المعارضة وكان متوجها للبلاد مع رفيقه دوري غولد. اوباما كان حينئذ سيناتورا عائدا من زيارة للعراق وقلقا جدا من التغلغل الايراني في تلك الدولة. نتنياهو حاول اقناعه بزيادة الضغوط الاقتصادية على ايران من خلال تشريع يحظر على شركات التقاعد الاستثمار في ايران. اوباما تحمس ووعد برفع القضية للنقاش.

في المرة الثانية التقى الاثنان في شهر تموز الاخير في فندق الملك داهود في القدس . اوباما كان في خضم المنافسة حول الرئاسة واشتكى على مسامع نتنياهو واتباعه المتفاجئين من الحملة الصعبة والمشاكل التي تتسبب بها هيلاري كلينتون له. في اخر اللقاء سحب اوباما كرسيا لزاوية الغرفة وطلب من نتنياهو الانضمام اليه لمحادثة منفردة الامر الذي فسر بمبالغة على انه "انسجام مدهش". السؤال ان كانا سيسحبان كراسيهما لزاوية البيت الابيض ام انهما سيقومان بقذف بعضهما البعض بها.