خبر يسير على الصغائر..هآرتس

الساعة 09:21 ص|24 ابريل 2009

بقلم: الوف بن

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستعد للعبة الرهان في حياته، بعد نحو ثلاثة اسابيع في واشنطن. اللقاء مع الرئيس الامريكي براك اوباما سيكون حدثا تأسيسيا في حياته السياسية. نتائجه ستقرر اذا كانت العودة المثيرة لنتنياهو بعد عشر سنوات ستقوده مرة اخرى الى خلاف ومواجهة مع الادارة الامريكية، مثلما في الولايات المتحدة أم ستضعه في موقع الضيف المرغوب فيه والمقبول في البيت الابيض.

نتنياهو على علم بالترقب، في أن مواقفه الرافقة للدولة الفلسطينية والانسحابات من الضفة الغربية والجولان، سيقوده الى أزمة محتمة في العلاقات مع اوباما، وسيدفع اسرائيل نحو العزلة السياسية. هو لا يخاف. من ناحيته، فان الوصول الى البيت الابيض مع قائمة من المطالب والطلبات، واشتراط كل تنازل بالحصول على مقابل، أكثر صحة من قول "نعم، نعم" للرئيس وعدم الحصول على شيء.

ايهود اولمرت أخذ انطباعا من محادثاته العديدة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) بانه لا يوجد أي احتمال لتسوية دائمة مع الفلسطينيين بسبب مواقفهم في مسائل اللباب وعليه فقد فضل ان يعرض سخاءا اسرائيليا وان يتمتع بدعم دولي. نتنياهو يعارض هذا النهج ويفضل الدخول في مفاوضات مع مواقف قصوى، بدل البدء بالتنازلات التي تظهر جميلة امام العالم ولكن لا ترضي الطرف الاخر.  وهو مستعد لان يدفع الثمن السياسي في الخارج، كي يبدو ثابتا في مواقفه ويحافظ على ائتلافه في الداخل.

واستعدادا لرحلته الى واشنطن طرح نتنياهو مسألتين على جدول الاعمال. فقد أغرق وسائل الاعلام الدولية بالتقدير في أن اسرائيل ستنطلق في حرب وقائية ضد ايران وطلب بان يعترف الفلسطينيون باسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، كشرط لاعتراف اسرائيل بدولتهم. اوباما رد عليه بطلب بادرات طيبة وخطوات بانية للثقة، وبذكر تعهدات اسلافه، والتي تعني تجميد البناء في المستوطنات، اخلاء بؤر استيطانية ورفع حواجز في الضفة.

في الترجمة للغة الدبلوماسية، يبدو هذا تقريبا على النحو التالي: نتنياهو يهدد بان يخرب على اوباما "النظام الجديد" في المنطقة، اذا ما ارسل سلاح الجو لقصف المنشآت النووية في ايران. اوباما يهدد بضعضعة ائتلاف نتنياهو، اذا ما أثقل عليه في مطالبه لكبح جماح المستوطنين. عالج أحمدي نجاد سيطلب نتنياهو، واوباما سيرد عليه: عالج مجلس "يشع". هذه المعادلة، "ايتمار مقابل نتناز" عرضت هنا منذ عهد ولاية اولمرت وجورج بوش. كلاهما كانا اضعف من ان ينفذا ذلك، بوش بسبب العراق، واولمرت بسبب لبنان. خليفتاهما يتمتعان بقوة سياسية زائدة، على الاقل في بداية ولايتيهما، والمعادلة تعود للبحث من جديد.

منظومة العلاقات المتبلورة بين نتنياهو واوباما تذكر بالثنائية التي تطورت بين ارئيل شارون وبوش، مع عكس الادوار فقط. في الجولة السابقة، رئيس الوزراء الاسرائيلي كان متهكما متطرفا آمن بالقوة، والرئيس الامريكي كان ايديولوجا متدينا حاول تحويل الدول العربية الى ديمقراطيات. اما الان فنتنياهو هو الايديولوجي الذي يرى نفسه من سينقذ اسرائيل من كارثة ثانية ويطلب من الفلسطينيين قبول مبادىء الصهيونية كشرط للتسوية السلمية، فيما يظهر اوباما كواقعي ذي نزعة قوة. وعلى حد قول معلق سياسي أمريكي "لم يكن لنا رئيس كهذا منذ نيكسون" الذي انتخب للرئاسة كمناهض للشيوعية ويذكر  في التاريخ بفضل رحلته التاريخية الى الصين.

واقعية اوباما هي التي تبعث على الامال لدى نتنياهو في أن ينجح في العمل معه بتعاون وتفاهم رغم فوارق المناهج بينهما. رئيس الوزراء يقدر قدرة الرئيس على القيادة واحاسيسه السياسية المتطورة. وقد أخذ انطباعا خاصا من الاهتمام الذي أبداه اوباما في السياسة الائتلافية لاسرائيل، في حديثهما الهاتفي بعد ترسيم الحكومة ومن رغبته في ان يفهم جملة الاعتبارات لدى نتنياهو. وقد فسر رئيس الوزراء ذلك كتفهم من اوباما للاضطرارات السياسية لزعيم – نظير، وكتلميح في أن الرئيس لن يحاول فرض خطوات قاسية عليه.

هذا الاسبوع تشجع نتنياهو من مقال كاتب الرأي في "واشنطن بوست"، جاكسون ديل، الذي وصف تعرف اوباما على العالم الحقيقي. فقد كتب ديل يقول ان كل رئيس جديد يطيب له ان يعلق مشاكل العالم بسياسة سلفه الفاشلة. ولكن بعد نحو مائة يوم في الحكم يكتشف اوباما بان دولا متطرفة ومنظمات ارهابية توجد في الواقع وليس فقط كرد على المواقف الاشكالية لبوش. كوريا الشمالية تستخف باوباما مثلما فعلت بسلفه، وروسيا وايران تتجاهلان البادرات الودية للرئيس الجديد وتواصلان خطواتهما ذات نزعة القوة.

يمكن التخمين بان نتنياهو سيسره لقاء اوباما بعد أن يكون الرئيس تحرر من شعارات الحملة، واختبر السياسة العملية وفهم بان الاشرار بقوا ذات الاشرار، حتى بعد أن تغير الحكم في امريكا. ولكن في السياسة لا يكفي التفاهم ولا حتى الصداقة الشخصية بين الزعماء. فالاوراق التي يحتفظون بها أهم بكثير في لعبة الرهان الدبلوماسي، ولا توجد ورقة أهم من الدعم السياسي. عندما يكون خلفك اجماع، من الصعب اخضاعك.

هكذا ينبغي فهم المواقف التي عرضها نتنياهو منذ عودته الى الحكم. فهو يعرف بان الاجماع مع الاغلبية الديمقراطية سيعطيان اسنادا لخطوات السلام التي سيتخذها اوباما في الشرق الاوسط، وان اسرائيل لا يمكنها أن تحاصر الرئيس عبر تلة الكابيتول، اذا ما اعتبرت كرافضة وعنيدة. ولكن اعضاء الكونغرس سيحمون الالتزام الامريكي بامن اسرائيل.

كما أن نتنياهو يرغب في ان يصل الى واشنطن بتأييد واسع قدر الامكان من الداخل كي يمنع الامريكيين من التآمر عليه وضعضعة حكمه. هذا هو السبب الذي يجعله يطرح مطالب اجماعية: انقاذ اسرائيل من الكارثة النووية التي تخطط لها ايران، واعتراف فلسطيني باسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. في هذه الامور لا يوجد في اسرائيل معارضة، باستثناء الاحزاب العربية، وسيكون لاعضاء الكونغرس اسهل بكثير الوقوف خلفه. رئيس الوزراء سيصل الى البيت الابيض معزز باسناد سياسي لمواقفه.

من السهل أن نفهم لماذا يتواضع نتنياهو في مواقفه بالنسبة للبناء في المستوطنات، ويشرح بان الموضوع قيد البحث. فهو يعرف انه سيجد صعوبة في ايجاد مؤيدين في الكونغرس لقرارات بناء جديد في المناطق. وهو يعد بان توقعات العلاقات السيئة بينه وبين اوباما ستتردد. وكي يتحقق تقديره، فانه لا يمكنه ان يكتفي بقائمة الطلبات التي سيعرضها على الرئيس، وسيتعين عليه أن يعطيه شيئا بالمقابل، بادرة طيبة لفظية ما للفلسطينيين وللمبادرة العربية او خطوة ما على الارض.

ولكن هذا لن يكشف عنه نتنياهو الان كي لا يكون مطالبا بتنازلات اخرى حتى الزيارة. ينبغي انتظار القرارات التي سيتخذها في نهاية "اعادة التقويم" لسياسة السلام الاسرائيلية.